هل قتل البلابسة قصيدة السلام؟
تاريخ النشر: 5th, December 2025 GMT
هل قتل البلابسة قصيدة السلام؟
عبدالله برير
في خضمّ ليل الحرب البهيم الذي أسدل ستائره الدامية على خارطة الوطن، يخالجنا سؤالٌ جارح كشظية، ومُرّ كطعم الفجيعة: هل خفت صوت السلام في السودان وانحنى مكسوراً لعاصفة الحرب العاتية؟
لم يعد المشهد مجرد صراع مسلح، بل هو انكسار للروح، وتراجع مريع لمشاريع “غناء المحبة” وتقبل الآخر.
يا للهول.. هل ابتلع هذا الشعب الطيب طعم الحرب المسموم، فباتت حلوقهم مُرّة بعلقم الموت، وأرواحهم ملوثة بوجبات صانعي “الكباب البشري” الذين يقتاتون على الأشلاء؟
نتلفت حولنا بقلوب واجفة، لنسأل: أ ماتت الكلمة الداعية للسلام بموت أربابها؟ هل ووري “فن المقاومة” الثرى حينما ترجل الفرسان؟
رحل محمد وردي، فرعون الغناء الذي علمنا كيف “نصبح كتلة صمود”، ورحل مصطفى سيد أحمد الذي غرس فينا “معنى أن نغني”، وغاب محمد الأمين والكابلي..
ماتت الحبال الصوتية لدى النور الجيلاني الذي غنى فيفيان يا إخواني جنوبية، ليحيا صوت الكراهية ويموت قبول الآخر ..فهل غابت مع رحيل وصمت كل هؤلاء البوصلة؟ هل انتحرت قصيدة السلام يوم أن كفّ قلب حُميد عن الخفقان، ويوم أن ودّعنا القدّال، وقبلهم شريان الشعب محجوب شريف والعملاق هاشم صديق؟
وكأن الساحة قد خلت إلا من النعي.. فحتى الشعراء الباقون على قيد القصيدة، مثل أزهري محمد علي وطلال دفع الله وقاسم أبو زيد، باتوا يقاتلون “بنعومة” الحزن لا بشراسة الأمل، وكأنهم أيتام على مأدبة اللئام بعد رحيل الآباء المؤسسين للوعي.
لقد “تيتم” الغناء الرصين، وباتت الأصوات المنادية بالحياة – تلك المحاولات الخجولة من فنانين قابضين على الجمر مثل نانسي عجاج، منى مجدي، عمر جعفر وهاني عابدين – تبدو وكأنها “نشاز” مقدس وسط جوقة المغنواتية الداعين للدم، الكورس الجنائزي الذي لا يطرب إلا لصوت الرصاص.
أما القيثارة الصامدة، أبو عركي البخيت، فقد بحّ صوته وهو ينادي وحيداً في برية الصمت، كأنه نبيّ خذله قومه، يصرخ بالسلام فلا يرجع إليه الصدى إلا محمولاً على دخان الحرائق.
هل تناسى هذا الشعب “أكتوبر الأخضر”؟ هل جفّ في ذاكرتهم ” ما طالما بحرك في مي”؟ أين ذهبت تلك الأناشيد التي كانت تهز الجبال حباً لا حرباً؟
اليوم، ما تبقى من فنانين وشعراء شباب، وجدوا أنفسهم أمام مقصلة التخوين. لمجرد أنهم دعوا لوقف نزيف الدم وإعلاء شأن الحياة، شُنت عليهم حملات مسعورة، ونهشتهم أنياب التخوين والعمالة، حتى توارى بعضهم خلف جدران الخوف، خشية على لقمة العيش أو خوفاً من بطش الغوغاء. بل والمفجع أن البعض تحول – تحت وطأة الضغط أو الغواية – إلى أبواق في معسكرات الحرب، يذكي النار بدلاً من إطفائها.
لقد تآمرت حتى التكنولوجيا على إنسانيتنا؛ فخوارزميات “الفيسبوك” ومواقع التواصل تضج بترندات “الفتك والمتك والبل”، تغرق آذان الشعب في مستنقع الدماء، وتخلق واقعاً افتراضياً موازياً لا يرى في الآخر إلا عدواً يجب إفناؤه.
ولكن.. يبقى في الروح رمق، وفي القلب سؤال يرفض الموت: هل يعود ذلك الزمن؟ الزمن الذي غنى فيه السودانيون بيقين الأولياء:
“مكان الطلقة عصفورة.. ومكان السجن مستشفى”
هل سنعود يوماً لننشد مع “حميد ومصطفى ” بملء حناجرنا، حين ينجلي الدخان وتعود الطيور لأعشاشها:
“يا بلدي يا فردة جناحي التاني.. وقت الناس تطير لعالمها”
إنها معركة الوعي الأخير، فإما أن ننتصر للعصفورة والمستشفى، وإما أن نغرق جميعاً في طوفان “البل” والدم. الوسومالبلابسة الغناء الرصين النور الجيلاني عبدالله برير قصيدة السلام محمد وردي
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: البلابسة النور الجيلاني قصيدة السلام محمد وردي
إقرأ أيضاً:
نادي أدب طنطا يناقش «الذي لم يخرج» للكاتب المسرحي طارق عمار
نظّم نادي الأدب بقصر ثقافة طنطا، برئاسة الشاعر البيومي محمد عوض، ندوة أدبية ثرية لمناقشة الكتاب المسرحي «الذي لم يخرج» للدكتور طارق عمار، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وذلك بقاعة الندوات بالمركز الثقافي بطنطا، بحضور نخبة من الأدباء والمهتمين بفنون المسرح، منهم المهندس سمير زيدان مصمم الديكور المسرحي.
وتناول اللقاء تحليلًا معمّقًا للنصين المسرحيين الواردين في الكتاب، حيث ناقش الحضور النص الأول «الذي لم يخرج» الذي يعيد إحياء سيرة العارف بالله سيدي حسن الزوق، مقدّمًا جانبًا من حياته الروحية ومسيرته المتفردة، في إطار درامي يجمع بين البعد الصوفي والبعد الإنساني، وهو النص الحاصل على جائزة المجلس الأعلى للثقافة.
أما النص الثاني «المــلاح»، فركزت المناقشة على ما يقدمه من رؤية درامية موسّعة لأحداث الحملة الفرنسية على مصر، عبر إعادة قراءة تلك المرحلة التاريخية من زاوية إنسانية ومسرحية جديدة، وهو النص الفائز بجائزة المهرجان القومي للمسرح المصري.
أدار الندوة الكاتب محمد زكي، وشارك فيها الكاتب المسرحي عبد القادر إبراهيم، والناقد المسرحي الدكتور محمد علاء الخطيب، حيث قدّما رؤى نقدية سلطت الضوء على البنية الدرامية للنصين، وتوظيف الكاتب للتراث والتاريخ والشخصيات الشعبية، مؤكدين قدرة الدكتور طارق عمار على المزج بين التوثيق الفني والمتعة المسرحية.
وتأتي الندوة ضمن سلسلة الفعاليات الثقافية التي يقدّمها نادي الأدب بقصر ثقافة طنطا، دعمًا للحراك الإبداعي وتفعيلًا لدور الثقافة في إثراء الوعي المسرحي بمحافظة الغربية.