سواليف:
2025-12-08@05:38:31 GMT

الذاكرة المثقوبة

تاريخ النشر: 7th, December 2025 GMT

#الذاكرة_المثقوبة

د. #هاشم_غرايبه

لا يمكن إنكار أن الوضع المزري للعالم الإسلامي اليوم يتحمل مسؤوليته النظام السياسي، فليس هنالك فقر في الموارد ولا نقص في الكفاءات البشرية، يبرر التخلف والتبعية.
الأنظمة جميعها تنتهج الليبرالية وليس من بينها من يتبع المنهج الإسلامي، ومع ذلك تدّعي أن ما يعيقها هو الدين، ربما اكتسبت ذلك من القوى العلمانية العربية (القوميين واليساريين) الذين رددوا هذه الذريعة لتبرير فشلهم، واعتقادا أن التضييق على الدين يقطع المدد عن منافسيهم (الإخوان المسلمين).


على أنه من الصعب الإقتناع بأن دوام هذه الحالة طوال القرن المنصرم، أمر عرضي أو غير مقصود بذاته، وإلا لكان هنالك تباين بين قطر وآخر، لكنها جميعا متماثلة بالفشل الذريع، رغم التباين في نظام الحكم ملكية كانت أم جمهورية أم أميرية، لكنها جميعا وبلا استثناء لا تملك استقلالها الإقتصادي، سواء منها الفاحشة الثراء أو المدقعة الفقر.
ظلت أهم واجبات الأنظمة التي التزمت بها وعلى الدوام، محاربة أية حالة من التوحد على أساس إسلامي، اتبعت في ذلك مسارين معاً: توسيع شقة الخلاف السني الشيعي، ومحاربة الإسلام السياسي بالقمع المباشر وباختراقه من قبل جماعات تدعي الحرص على الإسلام فيما هي فعليا تمنع النهضة بموجبه.
في المسار الأول كان العمل دؤوبا على تخويف الأغلبية السنية من الخطر الشيعي لتبرير التحالف مع العدو الرئيس للأمة (التحالف الصهيو – صليبي) ضد إيران، فيما كان الأمر سهلا لدى الأقلية الشيعية، اذ كان يكفي إذكاء الحقد الثأري بتأجيج العواطف على حدث تاريخي مضى وانتهى منذ قرون، لذلك تم تشجيع إقامة مهرجانات اللطم والتطبير كطقوس وتقاليد جُعِلت من صلب العقيدة بل بديلا عنها، تستعاد فيها مأساة كربلاء سنويا، لدوام تحميل السنة وزر ما حدث ومنع أية محاولة لرأب الصدع.
أما المسار الثاني والذي تركز على الشق السُنّي، فقد تم تضمين القوانين نصوصاً تُجرّم الدعوة لانتهاج الإسلام في الحكم أو تشكيل حزب سياسي تحت عنوان إسلامي، بحجة أن ذلك يستبعد دور المسيحيين، كما ابتدعت تهمة الإرهاب الرهيبة المخصصة للمسلمين وغير المسبوقة في التاريخ البشري، وتعتبر كل مسلم يلجأ الى السلاح لمقاومة المحتلين أو حتى من يطالب دعويا بالجهاد لطرد المحتلين إرهابيا، وتجيز قتله على الشبهة، وتبدأ العقوبة بالإعدام بالإغتيال عن بعد، كما يجوز قصف المشتبه به مع عائلته أو الحي المشتبه بوجوده فيه، أما إذا اعتقل، فمحاكمته تكون أمام محكمة عسكرية رغم أنه مدني، حتى لا تخضع للإجراءات القضائية المعتادة، ولا يشترط لإدانته ثبوت قيامه بفعل جرمي، بل تكفي النوايا والأفكار.
على دموية هذا الإجراء، فلم تفلح في ثني المسلمين عن دينهم، بل قد تكون الإستجابة معاكسة، لكن ما نجحت أجهزة استخبارات الأنظمة فيه بتخطيط من سادتها في الغرب، هو إختراق العقيدة بجماعات التكفير السلفية وجماعات الصوفية القبورية، ففي مصر أنشأت المخابرات جماعة التكفير والهجرة، وفي السعودية الوهابية الجامية، وفي بلاد الشام الأحباش.
ما يكشف ارتباط هذه الجماعات المشبوه، هو التزامهم بالأسس التي حددها كلينتون للإسلام المقبول (المعتدل) وهي: دفاعهم عن الأنظمة القائمة بدعوى طاعة ولي الأمر، وتصديهم للمفكرين الذين يسعون لنهضة الأمة، وتعظيمهم للمظاهر والطقوس الماضوية لإماتة العقيدة وإبقائها تقوم على العبادات الفردية.
الآن ، وانتقالا الى المرحلة الجديدة المتمثلة بإعلان التحالف الرباعي (الخليجي – المصري)، أن مثلث الشر في النسخة الأحدث يتكون من إيران – تركيا – حماس!، وواضح أن إغفال أساس الشرور في المنطقة وهو الكيان اللقيط يدل على أنه هو الذي حدد هذا المثلث، وبما يخدم أهدافه.
لذلك رأينا هجوما من الأنظمة العربية عموما، ومن أنظمة التحالف الرباعي عصوصا،على المكون السني المستهدف من وراء هذا التحالف وهو: حما.س وكل من يؤيدها.
ولذلك سيكون من السهل كشف العملاء المنبثين بين الصفوف .. أنهم كل من يشارك بهذه المؤامرة، بغض النظر عن الزي الذي يرتديه: القومي الإنتهازي أم اليساري الطفيلي أم الأصولي المتشدد.

مقالات ذات صلة موقف عمومي 2025/12/06

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

بين عدالة الشورى وسطوة الاستبداد

تعود بي الذاكرة إلى عام 2007، جمعتني الأقدار بأخٍ فلسطيني اسمه نضال مقيم بالبحرين. بمرور الأيام توطدت أواصر الصداقة بيننا على الشبكة العنكبوتية، واكتشفنا تقاربا فكريا مدهشا؛ فكلانا كان قارئا لأطروحات المفكر محمد أحمد الراشد رحمه الله. وفي إحدى حواراتنا الثقافية، فتح لي نافذة جديدة بتعريفي على المفكر الليبي المثير للجدل الصادق النيهوم مرشحا لي كتابه المعنون بـ"الإسلام في الأسر".

قرأت الكتاب بنهمٍ؛ فقد كان بمثابة المعول الذي أزاح ركاما كثيفا حول مفهوم العدالة في الإسلام. لقد سلط النيهوم الضوء بجرأة على فكرة محورية: وهي أن سقوط الخلافة الراشدة لم يكن مجرد حدث تاريخي، بل كان الباب الذي ولجت منه الدكتاتورية لتجعل الإسلام ينزوي في زاوية العقائد والشعائر بعيدا عن حركة الحياة.

جناية الاستبداد على الشورى

ناقش الكتاب ببراعة كيف تم اختزال الإسلام في "أركان خمسة" استنادا لحديث النبي "بني الإسلام على خمس"، بينما تم تغييب الركن الركين الذي أمر الله به نبيه في قوله تعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ". لقد عمل الحكم الأموي، وما تلاه من العباسي والعثماني، على تكريس مبدأ فصل الإسلام عن السياسة والحكم، ليصبح الدين مجرد طقوس، بينما الشورى والعدل والمساواة خارج أسوار قصر الحكم.

على النقيض تماما، كان الحكم الراشد -من عهد النبي ﷺ وحتى علي بن أبي طالب- قائما على الشورى الحقيقية. ورغم اختلاف آليات اختيار الخلفاء (أبو بكر، عمر، عثمان، وعلي)، إلا أن المبدأ كان ثابتا لا ولاية بالإكراه كانت للأمة الكلمة العليا في الاختيار، ولها الحق الأصيل في العزل والمحاسبة.

الحرية: روح الدين وجوهر الحكم

إن حرية الاعتقاد مبدأ أصيل في الإسلام، تجلى بوضوح في سورة "الكافرون". وفي ظل الحكم الراشد، كان الاختلاف مكفولا، والمعارض آمنا. ولنا في الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري خير مثال؛ فقد عارض السلطة، ومع ذلك لم يُسجن ولم يُقتل بل كان له حق الاختيار فى الابتعاد. ولكن بانتهاء تلك الحقبة، ظهر "فقهاء السلطان" الذين كرسوا لمفهوم "ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، ليصبح الدين حكرا على الشيوخ، والحكم ملكا عضوضا للسلاطين.

هنا يبرز التساؤل الملحّ: ما هو الأقرب لروح الإسلام اليوم الديكتاتورية أم الديمقراطية؟ بكل تأكيد، الديمقراطية بجوهرها القائم على حرية الاختيار، والمساواة، وآليات المحاسبة، هي الأقرب لمقاصد الحكم الرشيد، فأي نظام يفتقر لهذه الخصال هو محض استبداد، مهما تدثر بعباءة الدين.

جدلية الحق والقوة

أردت أن أرجئ هذه الفكرة لختام مقالي لأهميتها؛ إن الحكم الرشيد والقيم المثلى لا قيمة لها إن لم تحمها قوة. فالحق يحتاج إلى نابٍ ومخلب ليحميه، وقد أدرك الصدّيق أبو بكر هذه الحقيقة في أول اختبار له في "حروب الردة".

حين راجعه عمر بن الخطاب في قتال مانعي الزكاة، كان رد أبي بكر حازما وصادما لعمر، مؤسسا لقاعدة أن الحق لا يداهن: "أجبّارٌ في الجاهلية خوّارٌ في الإسلام يا عمر؟ والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه".

هذه الفلسفة ليست غريبة عن البيئة العربية التي أدركت منذ الجاهلية أن الضعف لا يصنع دولة، كما قال عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلنَّ أحدٌ علينا    فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلينا

فالحجاج بن يوسف استند إلى منطق القوة في حماية الدولة حين قال: "إني أخو حربٍ إن عضت به الحرب عضها وأن شمرت عن ساقها شمرا".

كلمة أخيرة

رغم إعجابي الشديد بطرح كتاب "الإسلام في الأسر" وتحليله السياسي العميق، إلا أن الأمانة العلمية تقتضي أن أُسجل اختلافي الجذري مع الكاتب في المسألة المتعلقة بمفهوم "الصلاة"، حيث جانبه الصواب في تأويلها، وهو ما لا أوافقه عليه جملة وتفصيلا.

مقالات مشابهة

  • بين عدالة الشورى وسطوة الاستبداد
  • دراسة: تناول الشوكولاتة الداكنة يحسن الذاكرة والتركيز خلال دقائق
  • ما لم يستوعبه التحالف الصهيوأمريكي
  • أطعمة تعزز الذاكرة وتزيد الذكاء بشكل طبيعي
  • بوابة قصر الملك عبدالعزيز بـ «لينة».. معلم تاريخي شامخ وحضور متجدد في الذاكرة الوطنية
  • نشرة المرأة والمنوعات | عادات صباحية تبطئ الشيخوخة بشكل طبيعي.. أطعمة تساعد في تقوية الذاكرة وزيادة الذكاء
  • لتقوية الذاكرة وزيادة الذكاء.. أبرز الأطعمة التي تدعم الدماغ
  • لبنان: معادلة ضرورات الأنظمة وخيارات الشعوب
  • دراسة: حرب غزة ترفع معدلات اعتناق الإسلام في بريطانيا