بوابة الوفد:
2025-07-01@12:58:38 GMT

إنما عشت لأرويه

تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT

حين قرأته فى صباى أخذت به، أبهرنى حبهما، أذهلتنى قدرتها على ارتشاف ألمه وممارسة الصبر الأعظم دونما تذمر أو ضيق، إنها دراما الحب والمرض والإرادة، ثم تجرع قسوة الفراق، فاستكمال المشوار الأطول بأناة وإخلاص منقطعين.. 

مراهقة تعدو عيناى بين سطور كتاب «الجنوبى»، أغلقه بين دقيقة وأخرى لأمنح قلبى الصغير فرصة استيعاب هذا القدر من العشق الخالص والألم الغادر، وأنا أتعجب كيف لامرأة أن تقدم الحب بيد وتعتصر الصبر بالأخرى، بل كيف لامرأة أن تصبح عبلة الروينى!

وحينما كبرت أدركت أن للمعادلة شقين؛ أحدهما عبلة والآخر، وهو الأهم، هو أمل دنقل، ذلك الطرف الذى استحق أن يخلد إبداعه بيننا ويخلد حبه فى قلبها، نعم، فلكل تضحية من يستحقها، لندرك بعد سنوات أخرى عديدة أن بيننا أمل دنقل آخر وآخر وآخر، فقط لأنه يستحق، فقط لأنه هو وليس غيره.

وزهران يستحق.. 

زهران الذى أبدع قلماً وقلباً، يستحق أن يخلد إبداعه واسمه وسيرته، يستحق أن أرويه إنساناً ومبدعاً، ليس لأننى عبلة أخرى، ولكن لأنه محمد عبدالمنعم زهران، الذى يستحق أن تحيا امرأة لكى تحكى عنه.. وهأنذى أفعل يا زهران. فمن أين أبدأ؟

دعنى أبدأ بمشهد النهاية، لا، فلنسمه مشهد الرحيل، فليس ثمة نهاية بيننا ولن تكون.

المكان: أحد مستشفيات محافظة المنيا، هناك فى أحد طوابقها تقبع غرفة الرعاية الفائقة، وفوق سرير ملاصق لبابها يسكن جسده الطاهر، غائبا عنا، فقط بضعة أنفاس تتردد بمساعدة جهاز تنفس صناعى، تنبئ من حوله أنه بيننا، أما أنا فقلبى من ينبئنى وليس ذلك الجهاز.

أتقدم فى خطوات واجفة، فى محاولة خائبة للتماسك، فاليوم هو عيد زواجنا الأول، ٢٨ مارس، وما أدراك ما هذا التاريخ يا زهران، أتذكر؟ وكيف لك ألا تذكر، إنه التاريخ المقرب إليك، تدونه كرقم سرى يغلق عليه هاتفك المحمول ويفتح، تستخدمه لفتح جهاز اللاب توب، ولا تنسى أن يكون رقم فيزا راتبك الشهرى، ألهذا الحد كان رقمك الأثير يا زهران؟ ألهذا الحد كان يوم زواجنا يقطن مكانا عزيزا بقلبك؟

جئتك اليوم لأقول لك كل عيد وأنت عيدى، بقلق تبحث شفتى عن موضع فى وجهك أويدك أوجسدك خالٍ من تلك الأسلاك والخراطيم، حتى أبثك شوقى ومعايدتى، وبالكاد استطعت أن أقبل أطراف أصابعك، لكن رغما عنى اختلطت دموعى بقبلتى، ربت فى حنو على أصابعك، ونظرت فى وجهك الساكن بهدوئه المعتاد، كملاك نزل سهوا من سمائه إلى أرضنا، طالبتك بأن تنهض من كبوتك سريعا فأنا أنتظرك، وعندما لم تستجب، أيقنت أن الأمر أكبر من أملى الذى لم يخب للحظة واحدة، حتى وأنا أسمع بأذنى عبارة طبيبة الرعاية التى ألقتها كقنبلة: مفيش فايدة خلاص!

كذبتها، فمادام هناك جزء بالمخ يعمل فإن أمل شفائك قائم، نظرت إلى كمن ينظر لمجنون، ثم هزت كتفيها وتركتنى.

هرعت نحوك لأسألك أن تكذبها وتنهض، أن تكذب كل من حولك وتفى بوعدك الذى قطعته قبل دخولك ذلك المستشفى البغيض، حينما قلت لى «سأشفى وأحيا معك فى القاهرة للأبد.. انتظرينى، سأشفى».  

أمسكت أصابعك وقطعت وعودا أخرى: لا تخف، لن أهمل إبداعك، سأعتنى به مثلك وأكثر، سيظل حماسى مشتعلا مثلما كان وقت مرضك، وسيصل اسمك للعالمية يا زهران، أعدك أن أفعل، لأنك وقلمك تستحقان.

قلتها وحانت منى التفاتة نحو وجهك، ولمحت جفنك يهتز كأنك توشك على فتح عينيك، انتصبت واقفة فى لهفة، لكن جفنيك توقفا، وعدت لسكونك، وكأنك تخبرنى أنك تسمعنى، وبعد ساعة أويزيد من انصرافى علمت أنك أفقت، أفقت بشكل كامل، تأوهت ثم فتحت عينيك ونظرت حولك كمن يبحث عن أحد، ثم عندما لم تجده فضلت أن تعود ثانية للغيبوبة، وفى منتصف الليل من اليوم ذاته، سكن نبضك تماما، ورحل جسدك..

اخترت اليوم ذاته لتغادرنى يا زهران، يوم عيدنا، لكنك لم تفعل إلا بعد أن ودعتك وودعتنى، وبعد أن وعدتك، نعم، وعدتك وسأفى بوعدى يا زهران، مهما كانت العراقيل والتحديات، سأفعلها، وسيصل إبداعك للعالمية، ويجوب اسمك بلاداً شتى.. فقط لأنك تستحق.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نبضات الجنوبي

إقرأ أيضاً:

محارب، ذكي وواقعي.. ماذا يعني اقتراب المسلم زهران ممداني من رئاسة بلدية نيويورك؟

يمثّل فوز زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في نيويورك لحظةً فارقة في السياسة الأميركية. فقد أكد هذا الفوز، الذي حققه عضو الجمعية التشريعية في الولاية من أصول أوغندية وهندية، ما كان يتشكّل بهدوء منذ سنوات: نشوء سياسة جديدة يقودها المهاجرون من الطبقة العاملة، قائمة على التنظيم والتضامن ونقد حاد لعدم المساواة.

لقد ركزت حملة ممداني على تجميد الإيجارات، ورعاية الأطفال الشاملة، والنقل العام، والبنية التحتية الخضراء، واستطاعت أن تحشد ائتلافات متعددة الأعراق من الطبقة العاملة في أنحاء المدينة كافة.

كان انتصاره رفضًا ساطعًا لنفوذ الشركات والفساد المحلي، وتجسيدًا قويًا لسياسة تنبع من مهاجرين مرتبطين بصراعات عالمية من أجل العدالة.

وهذا التيار لا يقتصر على نيويورك. ففي الكونغرس، لعبت إلهان عمر – اللاجئة السابقة، وحارسة الأمن، وابنة المهاجرين الصوماليين – دورًا محوريًا في رسم ملامح هذا اليسار الجديد. وانضمت إليها رشيدة طليب، أول امرأة أميركية من أصل فلسطيني تدخل الكونغرس.

تمثّل طليب وعمر وممداني تيارًا سياسيًا تشكّل بفعل تجاربهم الشخصية أو تجارب أسلافهم في عدم الاستقرار، والتقشف، والقمع في الجنوب العالمي، وليس فقط بسبب عدم المساواة في أميركا. لقد برزوا كوجوه عامة لهذا الاتجاه الأوسع. فهم سياسيون من خلفيات مهاجرة يشكّلون العمود الفقري ليسار ديمقراطي صاعد ومتمرد.

وهذا، بالطبع، ليس الشكل الذي كان دونالد ترامب يتخيّله للهجرة.

في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، تحدث الرئيس الأميركي حينها، دونالد ترامب، في تجمّع انتخابي بمدينة مينيابوليس – التي تضم جالية صومالية كبيرة وتمثلها إلهان عمر- مستعينًا بخطاب اليمين التقليدي، حذّر ترامب من أن المهاجرين واللاجئين يغيّرون الولايات المتحدة نحو الأسوأ.

إعلان

وكان المعنى واضحًا: نداء ضمني لناخبي "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا"، خصوصًا من الطبقة العاملة والوسطى البيضاء، الذين يُحمّلون الهجرة مسؤولية تراجع البلاد.

وقد كان هذا مقدّمة لِما أصبح شائعًا الآن من ترحيلات جماعية، غير قانونية وغالبًا عنيفة، لآلاف الأشخاص من أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا. ووفقًا لرواية ترامب، فإن الهجرة من "دول قذرة" مسؤولة عن الجريمة والركود الاقتصادي وسوء استخدام الموارد العامة. لكنه لم يذكر أن كثيرًا من الصوماليين في مينيابوليس فرّوا من عنف ساهمت فيه السياسة الخارجية الأميركية أو زادته سوءًا.

لكن، بقدرٍ ما، كان ترامب مُحقًّا: المهاجرون وأبناؤهم يُغيّرون الحياة السياسية الأميركية، لكن ليس بالطريقة التي كان يخشاها. فبعد عام فقط من خطاب ترامب، اندلع أول الإضرابات العمالية ضد ممارسات أمازون الاستغلالية في ضواحي مينيابوليس، بقيادة مهاجرين صوماليين.

وكان لهذه الاحتجاجات دور في إحياء حركة عمالية وطنية جديدة، امتدّت من مستودع واحد إلى مصانع وشركات أخرى في مختلف القطاعات.

ولهذا، فإن فوز ممداني في الانتخابات التمهيدية لمنصب العمدة يحمل أهمية بالغة. فإلى جانب شخصيات مثل عمر، يُجسّد نوعًا جديدًا من القيادة: قيادة متجذّرة في التجربة المعاشة، مدفوعة بالتنظيم الشعبي، وقادرة على تحويل السياسات المعقدة إلى مطالب مباشرة وواضحة للعدالة.

ركزت حملته على الكرامة الاقتصادية، وحقوق المستأجرين، ورعاية الأطفال، والتكيّف مع المناخ، وفرض الضرائب على الأثرياء. وكلها مطالب تنبع من الواقع الحقيقي لحياة الطبقة العاملة.

ولنأخذ المهاجرين الأفارقة كمثال، وهو المجتمع الذي ينتمي إليه كلٌّ من ممداني وعمر: هناك الآن ما يقرب من 2.1 مليون مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء في الولايات المتحدة، يمثلون نحو 5٪ من مجموع السكان المولودين في الخارج. وغالبًا ما يُركّز الحديث عن نجاحهم الأكاديمي والمهني؛ وهي رواية تُروّج لها النخب في الجاليات. لكنها تخفي واقعًا مختلفًا: دخولًا منخفضة، وظائف هشة، ومعدلات فقر أعلى من بقية المهاجرين.

ومع ذلك، فإن من هذه القاعدة العمالية بالذات، تولد سياسة جديدة: سياسة قادرة على إعادة تشكيل الحزب الديمقراطي من جذوره.

وبصفتي مؤسس موقع "أفريقيا بلد"، قضيت قرابة خمسة عشر عامًا في تتبّع كيف يُعيد الأفارقة ابتكار الديمقراطية رغم ضغوط النيوليبرالية، والاستبداد، والعسكرة. من "أنهوا سارس" في نيجيريا، و"امشِ إلى العمل" في أوغندا، إلى الربيع العربي و"أسقِطوا الرسوم" في جنوب أفريقيا، قدم الناشطون الأفارقة رؤى نقدية جريئة للظلم. وقد أثّرت هذه الحركات في النضالات العالمية، كما يتجلى بوضوح في تقاطعها مع حركة "حياة السود مهمة".

ويستلهم العديد من المهاجرين الأفارقة في أميركا من هذه التقاليد. فقد انتظم ممداني مع سائقي سيارات الأجرة في نيويورك لمواجهة أعباء الديون. أما عمر، فقد نظّفت المكاتب وعملت في خطوط التجميع. وكلاهما بنى مسيرته السياسية بالإنصات إلى المجتمعات المهمّشة وتنظيمها.

إعلان

وفي بلد ما يزال يعاني من إرث الكراهية للأجانب في عهد ترامب، ومن عدم المساواة، يقدم هؤلاء القادة الجدد بديلًا مشرقًا. فهم يبنون جسور التضامن عبر الانقسامات- بين المهاجرين وأبناء البلد، بين المسلمين وغير المسلمين، بين الأميركيين من أصل أفريقي والوافدين الجدد من أفريقيا، وبين أبناء المهاجرين من بلدان أخرى- لا على أساس الذوبان الثقافي، بل على أساس النضال المشترك.

وكما لاحظ المنظّر السياسي كوري روبن مؤخرًا، فإن ممداني هو "محارب سعيد" على غرار فرانكلين روزفلت: ذكي، واقعي، ولا يخشى النقاش الحقيقي. وإن كونه مسلمًا ومن أصول جنوب آسيوية يزيد من رمزيته في مدينة وأمة أعادت الهجرة العالمية تشكيل ملامحهما. إنه يُجسّد مستقبلًا ديمقراطيًّا جذريًّا: مستقبلًا لا يستطيع المحافظون احتواءه ولا فهمه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة: متحف الأمير «وحيد سليم» كنزًا فنيًا وتاريخيًا يستحق كل الاهتمام والرعاية
  • بسبب زهران ممداني.. ترامب يهدد بقطع التمويل عن مدينة نيويورك
  • كاتبة في الغارديان: لهذا فاز زهران ممداني.. ورد خصومه كان شرسا
  • أمير هشام: شيكابالا بقيمته وتاريخه لا يستحق هذا التعامل من جانب الزمالك
  • غزّة والشباب.. كيف انتصر زهران ممداني في معركته الأولى في نيويورك؟
  • جون بولتون: المغرب يعرقل الاستفتاء منذ 30 عاماً لأنه يخشى نتيجته
  • كريمة أبو العينين تكتب: وحش الكون
  • الغارديان: زهران ممداني يُطلق زلزالا سياسيا في نيويورك
  • محارب، ذكي وواقعي.. ماذا يعني اقتراب المسلم زهران ممداني من رئاسة بلدية نيويورك؟
  • عمدة نيويورك القادم المؤيد لفلسطين