بوابة الوفد:
2024-06-11@19:30:49 GMT

هل الإعصار آية من آيات الجبار

تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT

إن آيات الله سبحانه وتعالى في هذا الكون كثيرة وعظيمة ومن هذه الآيات التي يخوف الله جل وعلا بها عباده آية الأعاصير والرياح العاتية.

فالإعصار جندي من جنود الله يبتلي الله به من يشاء من عباده ويعاقب به من يريد ويسلطه على من يستحق وإذا كنا نخاف من الإعصار فلنخف من غضب الجبار لأن الإعصار مخلوق من مخلوقات الله وجندي من جنوده يغار على حرماته ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ .

 

 

إن الإعصار عبارة عن منخفض جوي عميق تحيط به سحب هائلة تحمل بين طياتها أمطاراً غزيرة ورياحاً شديدة وتعتبر الأعاصير هي الأقوى والأشد تدميراً على وجه الأرض وتعد من أخط الكوارث البيئية التي تصيب البشرية ويموت بسببها في كل عام مئات البشر أو الآف البشر في هذه المعمورة خاصة إذا ارتفعت درجة خطورة الإعصار إلى الدرجة الخامسة التي تعتبر درجة خطيرة ومدمرة.

 

وتتجلى خطورة الأعاصير في ثلاث قوى القوة الأولى هي ارتفاع موجات البحر التي تتسبب في فيضانات بحرية ربما تمتد إلى اليابسة فتحدث دماراً هائلاً وكبيراً والثانية قوة الرياح العاصفة التي تصحب هذه الأعاصير والثالثة هي قوة المطر المصاحبة لتلك الرياح حيث تعادل كمية الأمطار الهاطلة مع الإعصار كمية الأمطار التي تسقط خلال العام بأكمله فتقع السيول الجارفة والفيضانات المدمرة.

 

يقول الله سبحانه وتعالى عن طوفان قوم نوح ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 42 - 44].

 

عباد الله: إن هذه الأعاصير تتحرك بأمر الله وتمشي بإذن الله والذي سخرها هو الله والذي يمدها بالقوة والحركة هو الله جل جلاله وعز كماله فالأمر كله بيده وكله من عنده ولله الأمر من قبل ومن بعد فلابد أن نجعل رجائنا فيه وخوفنا منه فهو القادر وحده سبحانه وتعالى على أن يجعل هذه الرياح العاتية نعمة لنا وانتعاش وتلقيح لزروعنا وقادر جل جلاله وعز كماله أن يحولها عذاباً علينا ودماراً وخراباً لنا ولمزارعنا وكل شئوننا ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر: 22].

 

ويقول: ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 6، 7].

 

لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يخاف ويرتعد إذا رأى السحابة في السماء يخشى أن يكون فيها عذاب الله ومقته وغضبه وسخطه فإذا أمطرت وتيقن أنها سحابة خير ومطر رحمة سري عنه صلى الله عليه وسلم وفرح وقال " مطرنا بفضل الله ورحمته ".

 

تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِى السَّمَاءِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَإِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّىَ عَنْهُ، فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَا أَدْرِى لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ ( فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ ) رواه البخاري ومسلم.

 

وتقول رضي الله عنها كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، قَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ».

 

فلله الحمد والشكر وله الفضل والمنة وله جزيل الامتنان وأعظم الشكر والعرفان أن جعل هذا الإعصار يمر علينا بخير وسلام وأمن وأمان بعد أن كانت التقارير الجوية تتحدث عنه بشكل مهيب وتذكر عن سرعته وحدته الشيء الكثير وأنه مصحوب بصواعق رعدية وأشياء مخيفة ومع هذا كله إلا أن الله سبحانه وتعالى سلم وسهل ويسر ولم نصب بكثير مما كنا نتوقعه بل ولا عشر معشاره فهذه نعمة بحد ذاتها يجب أن نشكر الله تبارك وتعالى عليها ونحمده جلاله أن سلمنا من أخطاره وحرف عنا أضراره وأبعد عنا شروره ودماره فلله الحمد والشكر حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم سبحانه وتعالى ى الله ع

إقرأ أيضاً:

لماذا أمر الله المسلمين بأن يتخذوا مقام إبراهيم مصلى؟ هذا الجواب

شاءت حكمة الله تعالى أن يكون في الدين بعض العبادات أفضل من بعض، وفي الإسلام عدد من العبادات هي أعظم شعائره على الإطلاق بها قوامه وعليها مداره، وهذه العبادات ما تسمى "أركان الإسلام"، وهي 5 تنوعت صور أدائها، فمنها ما يؤدى كل يوم 5 مرات وهي الصلاة، ومنها ما يؤدى كل سنة، مثل صيام رمضان وبعض أنواع الزكاة، ومنها ما يؤدى مرة واحدة في العمر وهو شعيرة الحج.

والحج فريضة من أقدس فرائض الإسلام وشعيرة عظيمة من شعائره الكبرى، وعبادة متميزة من عباداته الأربع، وركن أساس من أركانه الخمسة، وقد دل على فرضيته القرآن الكريم، والسنة المستفيضة المتواترة عن رسول الله التي نقلتها الأمة جيلا عن جيل إلى يومنا هذا كما دل عليه الإجماع المتيقن من جميع مذاهب الأمة. (الحج والعمرة، د. يوسف القرضاوي، ص 12).

وهو عبادة متميزة لأنها عبادة بدنية ومالية، فالصلاة والصيام عبادتان بدنيتان والزكاة عبادة مالية، والحج عبادة تجمع بين البدنية والمالية، لأن الإنسان يبذل فيها جهدا ببدنه، ويبذل فيها ماله. (الحج والعمرة، د. يوسف القرضاوي، ص 12).

وفي كل مظهر من مظاهر الحج وفي كل مجال من مجالاته تتجلى فيه العبودية لله ويظهر أثرها بارزا ملحوظا، ففي أداء الشعائر والتلبس بالطاعات من تجرد عن الثياب وحسر عن الرؤوس وفي الطواف بالبيت واستلام أركانه وفي موقف عرفات ومزدلفة ومنى في ذل وخضوع وتضرع وخشوع، وفي رمي الجمار والذبح أو النحر وما إليه في جميع ذلك مظهر العبودية لرب العباد وبارئهم، وإفراد له بالعبادة وحده دون سواه.

تلك العبودية هي سر علة الوجود وهدفه الأسمى، قال تعالى "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْـمَتِينُ" (سورة الذاريات: الآيات 56 ـ 58) (الإيضاح في مناسك الحج والعمرة، ص30).

صفة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم

عـزم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الحج، وأعلم الناس أنه حاج، فتجهزوا ـ وذلـك في شهر ذي القعدة سنة عشر ـ للخروج معه، وسمع بذلك من حول المدينة، فقدموا يريدون الحج مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون، فكانوا من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله مد البصر، وخرج من المدينة نهارا بعد الظهر لخمس بقين من ذي القعدة يوم السبت، بعد أن صلى الظهر بها أربعا(1).

وخطبهم قبل ذلك خطبة علمهم فيها الإحرام، وواجباته، وسننه، ثم سار وهو يلبي، ويقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك، والملك، لا شريك لك" والناس معه يزيدون، وينقصون، وهو يقرهم، ولا ينكر عليهم، ولزم تلبيته، ثم مضى حتى نزل بـ(العرج) ثم سار حتى أتى (الأبواء) فوادي (عسفان) في (سرف) ثم نهض إلى أن نزل بـ(ذي طوى)، فبات بها ليلة الأحد، لأربع خلون من ذي الحجة، وصلى بها الصبح، ثم اغتسل من يومه، ونهض إلى مكة فدخلها نهارا من أعلاها، ثم سار، حتى دخل المسجد، وذلك ضحى (2)، فاستلم الركن ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرمل ثلاثا (3)، ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم (4) عليه السلام. فقرأ: "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" (سورة البقرة: الآية 125).

فجعل المقام بينه وبين البيت، وكان يقرأ في الركعتين: ثم رجع إلى الركن (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) * (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا؛ قرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (سورة البقرة: الآية 158).

وبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا، فرقي عليه، حتى إذا رأى البيت؛ استقبل القِبلة، فوحّد الله، وكبّره، وقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذه 3 مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت(5) قدماه في بطن الوادي؛ سعى، حتى إذا صعدتا(6)؛ مشى، أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة قال "لو أني استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي؛ فليحل، وليجعلها عمرة".

فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: "دخلت العمرة في الحج" مرتين، "لا بل لأبد أبد"(7).

وأقام بمكة 4 أيام: يوم الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، فلما كان يوم الخميس ضحى؛ توجه بمن معه من المسلمين إلى منى، ونزل بها، وصلى بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ومكث قليلا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة(8)، فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام(9)، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز(10) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس؛ أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي(11).

وخطب الناسَ، وقال: "إن دماءكم، وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد، فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكن عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه(12)، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح(13)، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف؛ وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت، وأديت، ونصحت، فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء، وينكتها(14) إلى الناس: اللهم اشهد! اللهم اشهد!، ثلاث مرات"(15).

ثم أذن، ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام، فصلى العصر، ولم يصلِّ بينهما شيئا، ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم ـ حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات(16) وجعل حبل المشاة بين يديه(17)، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص(18).

وهناك أنزلت عليه: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" (سورة المائدة: من الآية 3)، فلما غربت الشمس؛ أفاض من عرفة، وأردف أسامة بن زيد خلفه، ودفع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، وهو يقول: أيها الناس! عليكم السكينة(19).

وكان يلبي في مسيره ذلك، لا يقطع التلبية حتى أتى المزدلفة، وأمر المؤذن بالأذان فأذن، ثم أقام، فصلى المغرب قبل حط الرحال، وتبريك الجمال، فلما حطوا رحالهم؛ أمر، فأقيمت الصلاة، ثم صلى العشاء، ثم نام، حتى أصبح، فلما طلع الفجر صلاها في أول الوقت، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، وأخذ في الدعاء والتضرع، والتكبير، والتهليل، والذكر، حتى أسفر جدا(20)، وذلك قبل طلوع الشمس.

جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة، فقال: إن بالمدينة أقواما، ‌ما ‌سرتم ‌مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر.ثم سار من مزدلفة، مردفا للفضل بن عباس، وهو يلبي في مسيره، وأمر ابن عباس أن يلتقط له حصى الجمار 7 حصيات، فلما أتى بطن مُحَسِّر(21)؛ حرك ناقته، وأسرع السير(22)، فإن هنالك أصاب أصحاب الفيل العذاب، حتى أتى منى، فأتى جمرة العقبة، فرماها راكبا بعد طلوع الشمس، وقطع التلبية(23).

ثم رجع إلى منى، فخطب الناس خطبة بليغة، أعلمهم فيها بحرمة يوم النحر، وتحريمه، وفضله عند الله، وحرمة مكة على جميع البلاد، وأمر بالسمع، والطاعة لمن قادهم بكتاب الله، وأمر الناس بأخذ مناسكهم عنه، وأمر الناس ألا يرجعوا بعده كفارا، يضرب بعضهم رقاب بعض، وأمر بالتبليغ عنه(24).

ثم انصرف إلى المنحر بمنى، فنحر 63 بدنة بيده، وكان عدد هذا الذي نحره عدد سنين عمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم أمسك وأمر عليا أن ينحر ما بقي من المئة، فلـما أكمل ـ صلى الله عليه وسلم ـ نحره استدعى الحلاق، فحلق رأسه، وقسم شعره بين من يليه، ثم أفاض إلى مكة راكبا، وطاف طواف الإفاضة(25)، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: "انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم؛ لنزعت معكم"، فناولوه دلوا، فشرب منه(26).

ثم رجع إلى منى من يومه ذلك، فبات بها، فلـما أصبح؛ انتظر زوال الشمس، فلما زالت مشى من رحله إلى الجمار، فبدأ بالجمرة الأولى، ثم الوسطى، ثم الجمرة الثالثة ـ وهي جمرة العقبة ـ وخطب الناس بمنى خطبتين: خطبة يوم النحر، وخطبة ثانية في ثاني يوم النحر(27)، وهو يوم النفر الأول، وهي تأكيد لبعض ما جاء في خطبتي عرفة، ويوم النحر بمنى.

هذا، وقد تأخر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة، ثم نهض إلى مكة، فطاف للوداع ليلا سحرا، وأمر الناس بالرحيل، وتوجه إلى المدينة(28).

هذه حجة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتفاصيلها تجلي لنا الصورة كأننا نراه صلى الله عليه وسلم، وأكمل الخير أن يتابع الحاج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل أفعاله وأقواله وأحواله، حتى ينال الفضل العظيم والخير الكثير، إلا إذا منع ذلك بعض الموانع التي تحصل في عصرنا هذا نتيجة أسباب قاهرة مثل الزحام الشديد وغيره.. مما يمنع المسلم من الإتيان بكل ما ورد عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجه.

ولكن لا شك أن للحاج الذي نوى متابعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل أفعاله ثم لم يستطع لبعض الظروف أجر نيته في الخير كاملة إن شاء الله تعالى، كما جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة، فقال: إن بالمدينة أقواما، ‌ما ‌سرتم ‌مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر. (صحيح البخاري، 06/08)؛ فكان لهم الأجر بسبب نيتهم مع أنهم لم يخرجوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفره وغزوه.

مراجع

ـ (1)  انظر: صحيح السيرة النبوية ، ص 664 ، والسيرة النبوية، للندوي، ص 386.
ـ  (2) انظر: السيرة النبوية، للندوي، ص 387.
ـ (3)  الرمل: إسراع المشي مع تقارب الخطى.
ـ (4)  نفذ إلى مقام إبراهيم: أي: بلغه ماضيا في زحام.
ـ (5)  انصبت قدماه: انحدرت.
ـ (6)  صعدتا: ارتفعت قدماه عن بطن الوادي.
ـ (7)  صحيح السيرة النبوية، ص 659.
ـ (8)  نمرة: موضع بجنب عرفات، وليست من عرفات.
ـ (9)  المشعر الحرام: جبل بمزدلفة كانت قريش تقف عليه، ولا تقف مع العرب في عرفات، ولكن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقف في عرفات.
ـ (10)  فأجاز: جاوز المزدلفة ولم يقف بها، وإنما توجه إلى عرفات.
ـ (11)  بطن الوادي: وادي عرنة، وليست عرنة من أرض عرفات عند العلماء، إلا مالكا قال: من عرفات.
ـ (12)  أي: لا يجوز للمرأة أن تدخل أحدا إلى بيت زوجها من قريب، أو بعيد، أو امرأة إلا من يرضى عنهم زوجها.
ـ (13)  الضرب المبرح: الشديد الشاق.
ـ (14)  ينكتها: يقلبها، ويرددها إلى الناس مشيرا إليهم.
ـ (15)  انظر: صحيح السيرة النبوية، ص 661.
ـ (16)  الصخرات: صخرات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات.
ـ (17)  حبل المشاة: مجتمعهم، وقيل: جبل المشاة: ومعناه طريقهم حيث تسلك الرجالة.
ـ (18)  حتى غاب قرص الشمس: حتى غابت الشمس، وذهبت الصفرة.
ـ (19)  انظر: صحيح السيرة النبوية، ص 662.
ـ (20)  الضمير في (أسفر) يعود على الفجر المذكور، وقوله: (جدا) بكسر الجيم؛ أي: إسفارا بليغا.
ـ (21)  سمي بذلك لأن قيل: أصحاب الفيل حسر فيه.
ـ (22)  انظر صحيح السيرة النبوية، ص 662، والسيرة النبوية، للندوي، ص 389.
ـ (23)  انظر: صحيح السيرة النبوية، للندوي، ص 389.
ـ (24)  المصدر السابق نفسه، ص 390.
ـ (25)  انظر: السيرة النبوية، للندوي، ص 390.
ـ (26)  صحيح السيرة النبوية، ص 663.
ـ (27)  انظر: السيرة النبوية، ص 390.
ـ (28)  انظر: السيرة النبوية، للندوي، ص 390.

مقالات مشابهة

  • يوافق أول أيام عيد الأضحى.. ما حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة؟
  • رئاسة الشؤون الدينية تطلق مبادرة " بالتي هي أحسن " لتكريس التسامح والاعتدال في موسم الحج
  • تعرف على فضل الدعاء في يوم عرفة
  • لماذا أمر الله المسلمين بأن يتخذوا مقام إبراهيم مصلى؟ هذا الجواب
  • مصر لن تضام أبدا
  • "فضائل يوم عرفة".. ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي بأوقاف الفيوم 
  • فضل العشر الأول من شهر ذي الحجة وكيفية اغتنامها
  • دروس وفضائل العشر الأوائل من شهر ذي الحجة.. رأي من ليبيا
  • فضل صيام يوم عرفة.. (فرصة العُمر لمحو الذنوب)
  • دعاء وفضل العشر الأوائل من ذي الحجة