هل ينهي الخط الاقتصادي الجديد الحرب على اليمن أم يوسعها إقليمياً ؟
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
الجديد برس:
بعد سنوات من فشل خطة تركيع اليمن عسكرياً، يعيد الحلفاء في الإقليم والعالم تفعيل استراتيجية جديدة برزت مؤشراتها في قمة العشرين التي استضافتها الهند مؤخراً، لكن الخطة تبدو غير مكتملة وقد تدفع نحو توسيع رقعة الحرب في المنطقة، فإلى أين تسير الأطماع الاقتصادية بالمنطقة؟
السعودية والإمارات اللاتي قادتا حرباً ضروساً لنحو 9 سنوات بدعم أمريكي وبريطاني، قدمتا تصوراً جديداً لما يعرف حالياً بالخط الاقتصادي الرابط بين الهند وأوروبا عبر إسرائيل إضافة إلى السعودية والإمارات.
وفق للخارطة التي كشفت عنها الإمارات رسمياً فإن الخط يتضمن 3 أجزاء، بري يتم نقله بالشاحنات داخل الدول الأوروبية وآخر بالقطارات بين السعودية والإمارات وثالث بحري يربط الإمارات بإسرائيل وأوروبا والهند والسعودية.
هذه التوصيلة تعزل العديد من دول المنطقة بما فيها داخل الخليج إذ تبرز دول كقطر وسلطنة عمان والبحرين والكويت وهي تشكل غالبية دول الخليج خارج اللعبة على الرغم من موقعها الاستراتيجي أضاف إلى ذلك السودان ومصر وجيبوتي التي تعد من أهم دول المنطقة التي تطل على البحر الأحمر ناهيك عن أطراف إقليمية كإيران.
فعلياً، تم تطبيق هذه الخطة منذ اللحظات الأولى للحرب على اليمن عبر عزله بحريا بانتشار عسكري على امتداد سواحلها وعسكرتها من الغرب حتى الشرق حتى لا تعترض أي من قواها على الخطة التي تبتلع بموجبها أهم جزيرة في باب المندب “ميون” والتي تبدو من على الخريطة كمركز ترانزيت إماراتية – سعودية – أمريكية- اسرائيلية، مع إغراق بقية مناطقه في صراعات مناطقية ومذهبية، وصولا إلى تفجير الحرب في السودان والتوقعات بتكرار السيناريو في مصر ناهيك عن استباق الخطة باتفاقيات مع إيران، غير أن هذه قد لا تحجب حقيقة تصعيد تلك الدول لإجهاض المخطط الذي يسعى لعزلها اقتصاديا مستقبلا،
فالصين لن تقبل بوضعها في الهامش وهي التي فجرت الصراع حول العالم مع إطلاقها قبل سنوات طريق الحرير الجديد والذي يتجاوز الدول المشاركة في المشروع الجديد ناهيك عن محاولة تصدير خصمها اللدود الهند إلى صدارة السباق معها، إضافة إلى أطراف أخرى كبريطانيا التي بدأت هي الأخرى تحرك في سواحل اليمن الجنوبية بذرائع عدة ومثلها الولايات المتحدة التي قد لا تستفيد من الخطة الجديدة باستثناء مساعيها تسعير الصراع بين الهند والصين لضرب منافستها الاقتصادية وكذا تقديم السعودية كقربان لإسرائيل عبر تطبيع بدأت ملامحه تتشكل بزيارة وفد إسرائيل للسعودية لأول مرة وقبلها اتصالات وتعاون وتنسيق كبير برز في حرب اليمن، والأهم روسيا التي باتت ترى في مجموعة العشرين تكتلات لعزلها وتحاول كسرها بتحالفات آخرها لن يكون آخرها بريكس.
السباق الدولي والإقليمي على تحقيق مكاسب اقتصادية على طريق التجارة البحرية عالميا قد لا تتوقف عند الخط الاقتصادي الجديد ولا حرب اليمن، لكن المهم الآن هو رؤية القوى اليمنية سواء في الشمال أم في الجنوب خصوصا تلك التي صفقت للتحالف منذ الوهلة الأولى للحرب وهي ترى مناطقه الاستراتيجية الطويلة بامتدادها من المحيط الهندي في الشرق وحتى البحر الأحمر في الغرب وقد عزلت تماماً بينما هي منهمكة في مناقشة من يستحق الصفقة الإمارات أم السعودية؟
*المصدر: الخبر اليمني
المصدر: الجديد برس
إقرأ أيضاً:
«الخط الأصفر» .. كيف يعيد كيان الاحتلال رسم خريطة غزة بالقوة ؟
يمانيون | تقرير تحليلي
أفرزت جولات التصعيد الأخيرة لكيان الاحتلال في قطاع غزة واقعاً جغرافياً مستحدثاً بات يُعرف بـ«الخط الأصفر»، وهو ترسيم لم يعد يُنظر إليه كإجراء عسكري مؤقت أو خط تماس تكتيكي، بل كأداة استراتيجية مركزية يعتمدها كيان الاحتلال لإعادة هندسة القطاع على المدى البعيد.
هذا الخط جرى تصميمه ليؤدي وظيفة مزدوجة: أولاً كحزام أمني متقدم يتيح لجيش الاحتلال حرية الحركة والتموضع، وثانياً كأداة ضغط جغرافي وديموغرافي تُفضي إلى خلق بيئة طاردة للسكان الفلسطينيين.
التأصيل الجغرافي والسياسي لـ«الخط الأصفر»
وتكشف الوقائع الميدانية والتصريحات الصادرة عن قادة كيان الاحتلال بوضوح أن «الخط الأصفر» يمثل مشروع اقتطاع دائم يستهدف أكثر من نصف مساحة قطاع غزة، في انقلاب صريح على أي تفاهمات سابقة أو محتملة.
هذا التحول الجغرافي يفرض معادلات وجود جديدة شديدة الهشاشة، ويجعل من التدخل الدولي العاجل ضرورة لمنع تثبيت وقائع استعمارية جديدة على الأرض.
التلاعب الجغرافي: مصادرة الأرض وتقسيم القطاع
في جوهره، لا يمثل «الخط الأصفر» إجراءً دفاعياً، بل عملية هندسة عسكرية هجومية تهدف إلى توسيع عمق السيطرة وتفريغ الأرض من أهلها.
فقد أتاح هذا الخط لجيش الاحتلال العمل خلف شريط أمني واسع، جرى تحويله عملياً إلى «منطقة طرد دائم»، تُمنع فيها العودة المدنية وتُدمر البنية التحتية بشكل منهجي، بما في ذلك الأراضي الزراعية ومصادر الرزق.
الهدف الأعمق لهذا التموضع ليس أمنياً بحتاً، بل يتمثل في تعطيل مقومات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وفرض إفقار قسري طويل الأمد، يضاعف الضغط الديموغرافي على المساحات المتبقية ويجعلها غير قابلة للحياة.
وتشير التحليلات الجغرافية إلى أن «الخط الأصفر» وضع نحو 57.8% من المساحة الإجمالية لقطاع غزة تحت السيطرة المباشرة لكيان الاحتلال، وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ التوغلات العسكرية السابقة.
هذا الاقتطاع لم يكن متساوياً، بل استهدف المحافظات التي تمثل العمق السكاني والاقتصادي للقطاع.
ففي خان يونس تجاوزت نسبة السيطرة 68%، وفي رفح قاربت 63%، بينما وصلت في مدينة غزة إلى أكثر من 64%.
وحتى في شمال القطاع ودير البلح، لم تكن النسب هامشية، ما يؤكد أن المشروع لا يستهدف نقاطاً أمنية محددة، بل إعادة تقسيم شاملة للقطاع ومصادرة ممنهجة لأراضيه الحيوية.
ولا يقتصر الخطر على الترسيم الأولي، إذ يواصل جيش الاحتلال تغيير مواقع «الخط الأصفر» بشكل شبه يومي، عبر نقل العلامات الأرضية باتجاه الغرب، في خرق واضح للخرائط المتفق عليها ضمن ترتيبات وقف إطلاق النار.
هذا السلوك لا يمثل انتهاكاً تقنياً فحسب، بل يفرغ دور الوسطاء من مضمونه، ويحوّل الاتفاقات إلى غطاء لعملية اقتطاع متواصلة.
وقد أكدت جهات فلسطينية رسمية أن هذا التلاعب أدى إلى فقدان مناطق كاملة، مثل قرية عبسان الجديدة شرق خان يونس، التي باتت خارج الجغرافيا الفلسطينية الفعلية، ما تسبب في موجات نزوح قسري جديدة ورسخ واقعاً ميدانياً يصعب التراجع عنه.
وتكشف التصريحات العلنية الصادرة عن قادة جيش الاحتلال النوايا النهائية للمشروع، حيث جرى توصيف «الخط الأصفر» باعتباره «حدود غزة الجديدة».
هذا الإعلان يمثل انتقالاً من السيطرة المؤقتة إلى محاولة الضم الفعلي، وفرض حدود قسرية تتجاهل كلياً الحقوق الفلسطينية والقانون الدولي.
إن هذا المسار يعكس محاولة متعمدة لتحويل الواقع العسكري إلى حقيقة سياسية دائمة، بما يحرم الفلسطينيين من أكثر من نصف أرضهم، ويؤسس لتقسيم طويل الأمد للقطاع.
الانهيار الكارثي – الكثافة السكانية كسلاح ديموغرافي
أدى اقتطاع ما يقارب 58% من مساحة القطاع إلى تهجير نحو مليون فلسطيني، حُرموا من العودة إلى منازلهم وأراضيهم الواقعة خلف «الخط الأصفر».
هذه الخسارة الجغرافية تحولت إلى واقع إنساني دائم، حيث باتت مناطق كاملة خارج متناول سكانها الأصليين، في نموذج واضح للتطهير الجغرافي.
تبلغ مساحة قطاع غزة نحو 365 كيلومتراً مربعاً، لكن بعد احتساب المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال وحجم الدمار الذي طال ما يقارب ثلاثة أرباع البنية العمرانية، لم تعد المساحة الصالحة للحياة تتجاوز 33 كيلومتراً مربعاً، أي نحو 9% فقط من المساحة الكلية.
ضمن هذه الرقعة الضيقة، يعيش أكثر من مليوني إنسان بكثافة تقترب من 62 ألف نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، وهو رقم يتجاوز بعشرة أضعاف المعايير الحضرية المقبولة عالمياً.
هذه الكثافة ليست نتيجة عرضية للحرب، بل نتيجة مباشرة لسياسة «التجويع الجغرافي»، التي تهدف إلى تحويل السكان إلى كتل بشرية محاصرة، تتنافس على الحد الأدنى من مقومات البقاء.
هذا الواقع يحوّل القطاع إلى ما يشبه معسكر احتجاز مفتوح، تتفكك فيه البنى الصحية والاجتماعية، وتتزايد مخاطر الأوبئة والوفيات غير المباشرة، بما يعزز الضغط نحو القبول بالتهجير كخيار قسري.
الإفقار القسري وتدمير مقومات البقاء
ويمثل الشريط الشرقي لقطاع غزة العمود الفقري للأمن الغذائي، إلا أن وقوعه خلف «الخط الأصفر» أدى إلى تدمير أو تعطيل نحو 87% من الأراضي الزراعية.
هذا الاستهداف المنهجي يقضي على أي إمكانية للاكتفاء الذاتي، ويحوّل الزراعة من مورد حياة إلى أداة ضغط.
النتيجة المباشرة هي ربط مستقبل القطاع بالإغاثة الخارجية، وتجريده من القدرة على النهوض الاقتصادي حتى في مرحلة ما بعد الحرب.
ولم تقتصر السيطرة على الأراضي، بل امتدت إلى الطرق والمعابر والمنشآت الحيوية، بما فيها المستشفيات والمراكز الاقتصادية.
كما أن هذه السيطرة تمنح كيان الاحتلال القدرة على تسييس الإغاثة، وربطها بشروط أمنية تعيق وصول المساعدات وتؤخر إعادة الإعمار، في استكمال واضح لمشروع التهجير غير المباشر.
الانتهاكات القانونية وتحدي المجتمع الدولي
ورغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار، يواصل جيش الاحتلال عملياته العسكرية خلف «الخط الأصفر»، من قصف وتفجير وتدمير ممنهج، ما يؤكد أن هذا الخط ليس مدخلاً للتهدئة، بل خطاً أمامياً لحرب مستمرة.
كما يمثل اعتقال مئات من الكوادر الطبية وحرمانهم من أداء واجبهم جريمة حرب مكتملة الأركان، تهدف إلى شل النظام الصحي وتعميق الكارثة الإنسانية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
ويشكل تحويل «الخط الأصفر» إلى حدود دائمة خرقاً فاضحاً لمبادئ القانون الدولي، التي تحظر على القوة المحتلة إحداث تغييرات جغرافية دائمة.
ويأتي هذا السلوك في سياق أوسع من الإبادة الممنهجة، التي تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير، متجاهلاً قرارات محكمة العدل الدولية.
ختاماً ..
وعلى ضوء المعطيات في الميدان فإن «الخط الأصفر» ليس إجراءً أمنياً، بل مشروع اقتطاع استعماري يهدف إلى مصادرة أكثر من نصف قطاع غزة، وتصميم كارثة إنسانية وديموغرافية طويلة الأمد.
ومن خلال حصر السكان في 9% فقط من الأرض، وتدمير الموارد الزراعية، يمارس جيش الاحتلال شكلاً متقدماً من الإبادة غير المباشرة.
إن وقف هذا المسار يتطلب تحركاً دولياً عاجلاً لوقف التلاعب الجغرافي، ومنع تثبيت الأمر الواقع، وضمان رفع السيطرة عن شرايين الحياة، والإفراج عن المعتقلين، باعتبار ذلك الحد الأدنى من المسؤولية القانونية والأخلاقية تجاه ما يجري في غزة.
كما يجب فك سيطرة كيان الاحتلال على المنشآت الحيوية والطرق المؤدية إلى المعابر، ووقف تسييس ملف الإغاثة وإخضاعه لشروط أمنية تعرقل عودة الحياة الطبيعية وإعادة إعمار المناطق المدمرة.
وإنشاء آلية دولية مستقلة لرصد التغييرات الجغرافية اليومية في غزة، وتوثيق أي عمليات اقتطاع للأرض أو بناء منشآت عسكرية خلف الخط الأصفر، لضمان عدم ترسيخ وقائع جديدة.
ويجب على المجتمع الدولي والوسطاء الضغط الفوري على كيان الاحتلال لوقف إزاحة الخط الأصفر نحو الغرب والالتزام الكامل بالخرائط المتفق عليها، وإلغاء أي نية لتحويل هذا الخط إلى حدود دولية دائمة.