إنّ من الأمور الحتمية التي اقتضها حكمة الله تعالى في خلقه المعاملة فيما بينهم، فالمعاملة بين الناس لابد منها فلا مفر ولا مناص من ذلك، فالناس يحتاج بعضهم إلى بعض، وكذلك أيضًا فلا يمكن لبشر أن يعيش وحده في منعزل عن العالم، ومن هنا كان للمعاملة في حياة البشر فيما بينهم دورًا أساسيًا هامًّا، يعيشون بها وتعيش بهم وبينهم، فلا غنى عن التعامل بين البشر، ومن هنا جاء الإسلام ليضبط هذه المعاملات بحسن الخلق، وضبط النفس وسعة الصدر وحب الناس والمساوة بينهم والمسارعة إلى تقديم أيادي العون لكل من يحتاج أو لا يحتاج، فأما من احتاج فالمسارعة إلى تلبية طلبه من الواجبات، وأما من لا يحتاج فتقديم يد العون له من المندوبات، وهكذا يكون المجتمع وفق هذه المعايير مجتمع متكامل، كل من بحث عن شيء وجده، ومن احتاج إلى شيء أعين عليه، ومن سعي إلى شيء حققه، ومن طلب شيئا أخذه، فالكل في شريعة الإسلام مطالب بهذه الأخلاق الطيبة التي تذهب سخيمة الصدور، وتقتل الكراهية بين الناس في مهدها، أخلاق تكتب بأحرف من نور على صفحات العقول الآثار الطيبة، وترسم في طيات القلوب المعاملة الحسنة التي تجعل من قدمت له يذكر صاحبها ما عاش بخير وثناء، فيكون من ترك هذا الأثر الطيب في مضاعفة مستمرة لا تنتهي لأمور كثيرة ، منها رضا الله ورسوله، وحسن المعاملة بين الناس، وترك الأثر الطيب في قلوبهم، والأكثر من ذلك الدعوات الطيبة التي كلما ذكر أثره توالت من القلوب وتتابعت على الألسنة لتكتبها الملائكة في صحائف أعماله،يالها من حسنات تتزايد بشكل مستمر من عمل واحد طيب انتهي بزمانه ومكانه، ولكن حسناته لاتزال في استمرار وتزايد ما عاش من قدمت له، فلماذاـ أخي الكريم ـ يامن منّ الله عليك بمنّةٍ عظيمةٍ تجعل الناس في احتياج إليك؟، لماذا لا تسارع لأن تترك في قلوبهم وحياتهم وحياتك أنت قبلهم أثرًا طيبًا تجبى إلى صحائف أعمالك ثمراته بلا انقطاع؟، يامن وليت مسئولية أو إدارة أو تجارة أو أي عمل آخر ولو كنت توصل إنسانا جراء أجرة تأخذها، إذا تركت في نفس من تنقله أثرًا طيبًا، لم تنقطع أجرتك الأخروية، على الرغم من قبضك الأجرة الدنيوية، فالأخ الفاضل والأخت الفاضلة اللذين في مكتب لخدمة الناس كلنا نتقاضى ونقبض أجرا دنيويا، فلما لا نستغل ذلك بأجور أخروية أجورها لا تقف عن المضاعفة والتزايد، ألا فلنتقن العمل، ولنحسن إلى الناس، ولنجود لهم خدماتنا، ولنتعاون معهم على قضاء مصالحهم، وسد احتياجاتهم، وتلبية طلباتهم، والأمر لن يهذ سدى بل إنه سيترك لنا أثرًا طيبًا في قلوبهم نذكر به في حياتنا وبعد مماتنا، تزيد به لنا الحسنات، وتتضاعف بينا الطيبات، ولا ننسى الناحية الأخرى فلو أنك تركت أثرا سيئا، فما يكون حال من قدمت له هذا العمل السيئ؟ كيف سيذكرك إذا ما تذكر الموقف؟ ربما تذكرك بشي من الكراهية، بل وربما دعا عليك خاصة إذا كان من عملك مظلوما، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، ولا تنسى أن الخير والشر مكتوب لك أو عليك، فعند الله تعالى مكتوب لك من آثار الخير ومن آثار الشر التي قمت بها وأنت الذي حددت نوعها بين الخير والشر، ولاشك أن الآثار باقية في حياتك وعند لقاء ربك بعد مماتك، وسيجزيك الله على تلك الأعمالَ التي تتضمن أقوالك وأعمالك وأفعالك وسلوكياتك وجميع أحوالك، فاجعل عملك خيرًا كله،فسيكتبه الله تعالى لك وسيجزيك عليه السوء سوءًا وبالإحسان إحسانًا، فاختر بنفسك أثرك بين الناس وعند الله.
محمود عدلي الشريف
ma.alsharif78@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: بین الناس
إقرأ أيضاً:
ترامب يحتاج إلى زنزانات إضافية... فهل أوروبا على استعداد للمقايضة؟
بينما يسعى الاتحاد الأوروبي جاهدًا للعثور على أوراق ضغط فعالة في مفاوضاته التجارية المرتقبة مع إدارة ترامب، قد تكون هناك ورقة غير متوقعة يمكن لبروكسل أن تلعبها لجذب اهتمام الرئيس الأمريكي: سجون مهجورة، وجزر منسية، ومساحات احتجاز قد تناسب طموحاته في "توسيع" نظام العقوبات. اعلان
صعّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا لهجته بشأن التعامل مع المجرمين العنيفين، معلنًا أنه "يحب" فكرة ترحيل المتورطين في جرائم عنف إلى سجون أجنبية، وعلى رأسها سجن ضخم سيء السمعة في السلفادور.
وفي مقابلة أجراها مع مجلة "تايم"الشهر الماضي، قال ترامب: "أحب أن أفعل ذلك إذا سمح القانون... نحن ندرس هذا الخيار".
لكن هذا "الدراسة القانونية" لا يبدو أنها أسفرت عن نتيجة واضحة حتى الآن، خاصة وأن ترامب يبحث بالتوازي عن مساحات إضافية داخل الولايات المتحدة لاحتجاز المجرمين الخطرين.
وأضاف ترامب خلال لقائه بالرئيس السلفادوري ناييب بوكيلي في المكتب البيضاوي قبل أسابيع: "أنا أتحدث عن الأشخاص العنيفين... عن الأشخاص السيئين حقًا. أشخاص سيئون جدًا".
وتدير حكومة بوكيلي مركز احتجاز الإرهابيين (CECOT)، وهو سجن ضخم يُعدّ من أكثر السجون قسوة في نصف الكرة الغربي. وقد أصبح هذا السجن رمزًا لنهج بوكيلي المتشدد في مكافحة الجريمة، ولا يخفي ترامب إعجابه به.
فترامب، الذي سبق أن رحّلت إدارته مئات المهاجرين غير النظاميين إلى هذا السجن المحصّن، يبدو أنه لا يكتفي بإعجابه، بل يطمح لنقل بعض نهجه إلى الولايات المتحدة، لكن بطريقته الخاصة. إذ يرى أن سجن "سيكوت" لم يعد كافيًا، ويريد توسعة أكبر لقدرات أميركا على احتجاز المجرمين.
ومن هنا، جدّد ترامب قبل أسبوعين اقتراحًا مفاجئًا بإعادة فتح سجن "الكاتراز" الشهير في خليج سان فرانسيسكو، بل وتوسيعه، رغم أنه مكوّن من مبانٍ شبه متهالكة.
لكن في حال لم تسعفه الجغرافيا الأمريكية، ربما يجد ضالته في أرخبيلات أوروبية... فالاتحاد الأوروبي يضمّ جزرًا تاريخية كانت تُستخدم كسجون وتتميّز بطابع معماري وثقافي قد يروق لذوق ترامب.
ولنبدأ مع واحدة من أشهر هذه الجزر: "شاتو ديف" قبالة سواحل مرسيليا في البحر الأبيض المتوسط، والتي قد تكون -من باب المزاح أو التفاوض- أول عرض مقايضة أوروبية للرئيس الأمريكي.
حتى وإن كانت شخصية "كونت مونت كريستو"، أشهر سجين في "شاتو ديف"، خيالية ومن وحي روايات ألكسندر دوما، إلا أن الجزيرة نفسها كانت مسرحًا حقيقيًا لمعاناة العديد من السجناء، أغلبهم من رجال الدين، منذ القرن السادس عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر.
وتُعرف "شاتو ديف" بأنها قلعة منيعة، إذ رغم أن الرواية صوّرت هروب أحد أبطالها منها، إلا أن التاريخ الحقيقي للجزيرة لا يذكر أي حالة فرار ناجحة.
ما الذي قد يجذب ترامب؟الصفقة المحتملة ستكون مباشرة مع صديقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، متجاوزًا تعقيدات بيروقراطية بروكسل و"الألمان المزعجين" كما يراهم ترامب.
ثم نصل إلى جزيرة الشيطان، وهي أيضًا تحت السيادة الفرنسية، لكن على الضفة الأخرى من المحيط: قبالة سواحل غويانا الفرنسية، أكبر أقاليم فرنسا ما وراء البحار، والمطلة على شمال شرق أمريكا الجنوبية.
اشتهرت هذه المستعمرة الجزائية، التي كانت تعمل بين عامي 1852 و1952، بظروفها القاسية ومناخها الاستوائي القاسي، فضلاً عن تفشي الأمراض، ما أدى إلى معدلات وفيات مروعة وصلت إلى 75% في أسوأ فتراتها.
خلّد الكاتب هنري شاريير، أحد نزلاء جزيرة الشيطان السابقين، قصة فراره الأسطوري في كتابه الشهير "بابيون"، الذي أصبح من أكثر الكتب مبيعًا عند صدوره عام 1969.
أما بالنسبة لجاذبية ترامب؟ يكفي أن نشير إلى ما سبق ذكره بشأن "شاتو ديف".
ننتقل الآن إلى "غولي أوتوك"، الجزيرة المهجورة الواقعة قبالة الساحل الأدرياتيكي لكرواتيا، والتي كانت ذات يوم أحد أكثر السجون ومعسكرات العمل سريةً في يوغوسلافيا السابقة.
وقد استُخدمت "غولي أوتوك" كسجن ومعسكر عمل شديد الحراسة بين عامي 1949 و1989، وكانت بمثابة منفى للشيوعيين المعارضين لحكم تيتو، أو حتى لستالين. أما في زمن أسبق، خلال الحرب العالمية الأولى، فقد كانت الإمبراطورية النمساوية المجرية ترسل أسرى الحرب الروس إلى هذه الجزيرة النائية.
واسمها، الذي يعني "الجزيرة القاحلة" بالكرواتية، يعكس واقعها الجغرافي بدقة: تضاريسها شبه خالية من أي غطاء نباتي.
وقد اكتسبت شهرة أكبر بعد وفاة تيتو في عام 1980، حين نشر الكاتب الصربي أنطونيو إيساكوفيتش روايته ترين (اللحظة)، التي وثّقت ظروف الاعتقال فيها، وتحولت بسرعة إلى واحدة من أكثر الكتب مبيعًا.
ما الذي قد يجذب ترامب؟ ببساطة، الجزيرة ما زالت مهجورة منذ عام 1989، وكأنها تنتظر مستثمرًا بطموحات "الكاتراز" جديدة.
وإذا لم تنجح صفقة "السجون مقابل التعريفات الجمركية"، يمكن لأوروبا أن تعرض على ترامب نموذجًا بديلًا: النظام الإصلاحي في هولندا، حيث انخفض عدد السجناء من 94 إلى 51 لكل 100 ألف نسمة بين عامي 2005 و2016، بفضل برامج التأهيل وإعادة الإدماج.
والنتيجة؟ بعض السجون الفارغة تحوّلت إلى فنادق أو مراكز ثقافية.
وقد تكون هذه الفكرة مغرية لرجل أعمال مثل ترامب، يجمع بين الهوس بالعقاب... والشغف بالعقار.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة