أمرزوازت المغربية: مستمرون في تحفيظ أطفالنا القرآن ولو في العراء
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
أمرزوازت- "سنواصل تحفيظ أبنائنا كتاب الله ولو في العراء" هذا ما أكده لنا سكان دوار أمرزوازت الذين لم يعودوا قادرين على العودة إلى بيوتهم التي هدمها الزلزال، ويقضون الليالي داخل خيام في انتظار إعادة بناء بيوت جديدة لهم.
وشأنهم في ذلك شأن كل دواوير وقرى الأطلس التي تشتهر بكثرة دور القرآن التي تستقبل الصغار والكبار لحفظ كتاب الله العزيز، ويؤكد سكانها أن هذا الأمر سيستمر رغم آثار الزلزال المدمر.
ويقع دوار أمرزوازت بمنطقة أوكايمدن الشهيرة بقممها الجبلية الشاهقة، على بعد نحو 70 كيلومترا جنوبي مراكش، وتبدو الطريق إليه أكثر رحمة من الطريق المؤدية إلى القرى والدواوير التي هدمها زلزال الحوز المرعب.
عادة ما يكون السياح أكثر زوار هذه المنطقة الجبلية الساحرة التي تتميز بمناظر طبيعية خلابة، لكن الزلزال غيّر كل شيء، حيث أصبحت قوافل الأطباء والممرضين والإعلاميين وسيارات تقديم الإغاثة أكثر من يمر عبر هذه الطريق تلك الأيام.
وقطعنا جل المسافة عبر طريق ضيقة لكنها معبدة، وتمر من قرى صغيرة لعل أهمها أوريكا التي تبدو أقرب إلى مدينة صغيرة تحيط بها دواوير جبلية في كل مكان.
ولكن على بعد نحو 7 كيلومترات من الدوار، استعدنا مشاعر المرور عبر الطريق الجبلية الضيقة وغير الممهدة، والتي تختلط فيها الرغبة في الوصول إلى هؤلاء القرويين الذين نجوا من زلزال مدمر، والخوف من أن تنهار الحجارة علينا من أعلى الجبل، أو تنحرف بنا السيارة فلا نتوقف إلا في قعر ذلك الوادي السحيق.
فهذه القرية الوديعة الهادئة تعد من المناطق القليلة التي لم يحدث فيها الزلزال وفيات، رغم أن عددا من منازلها انهار، بينما تشقق البعض الآخر مما منح وقتا كافيا لقاطنيها للهروب. والجميع يبيت هذه الأيام داخل خيام بسيطة في ساحة القرية، لأنه لا أحد يستطيع العودة إلى منزله خوفا من انهياره في أي لحظة.
عند وصولنا إلى أمرزوازت بعد مسلسل صعود ونزول والتفاف على الأحجار التي تكاد تقطع الطريق، فوجئنا بوجود جماعة من الأطفال -ذكورا وإناثا- يتلون ما تيسر من كتاب الله بأصواتهم الملائكية التي أضافت خشوعا وجلالا إلى هذا المشهد الجبلي المهيب رونقا زاد هذا المكان الذي مر به الزلزال.
"جل أطفالنا يحفظون كتاب الله كاملا" يؤكد لنا الحسين (الحوساين باللهجة المحلية) مضيفا أن الفضل أولا وأخيرا يرجع للفقيه "سي إدريس" الذي قدم قبل سنوات من منطقة ورزازات واستقر في هذا المكان مؤديا هذه الخدمة الجليلة للسكان.
وما لبث الحسين ومعه إبراهيم أن جاءانا بكل من سامية وعبد الإله ليبرهنا على أن ما قالاه صحيحا.
وبدت الطفلة سامية (نحو 6 سنوات) خجولة وهي تقبل أن ترتل أمامنا بعضا من الآيات التي تحفظها، وانطلقت تشدو بصوت عذب ببضع آيات كريمة.
وكذلك قبل الطفل عبد الإله -على استحياء- أن يرتل بعضا مما يحفظ، واختار سورة البقرة التي يعشقها ولا يكاد ينسى حرفا منها.
"إنها معجزة حقيقية أن يحفظ هؤلاء الأطفال القرآن بهذا اليسر وهذه السرعة، فهم هنا يتحدثون فقط باللهجة الأمازيغية منذ نعومة أظفارهم، وأجتهد في تعليمهم حروف العربية وهم يستوعبونها مع بعض المجهود المستمر" يشرح لنا "سي إدريس" إمام القرية الصغيرة ومحفظ أطفالها القرآن، مؤكدا أن سور القرآن تكاد تحفر حفرا بذاكرة هؤلاء فلا يكادون ينسونها، خاصة إذا داوموا على الحفظ دون انقطاع.
وعايننا كيف يرتل الأطفال في هذا المكان الجبلي الجميل آيات من القرآن تثبت القلوب التي مرت قبل أيام قليلة بامتحان صعب.
ويضيف الفقيه "إدريس" أنه حرص منذ مجيئه إلى هذا المكان على تشجيع الأسر والعائلات على توجيه أطفالها لحفظ القرآن، ونجح -بإمكانيات بسيطة- في إيجاد الظروف المناسبة لاستقبال الأطفال وتحفيظهم كتاب الله تعالى.
ورغم أن عددا كبيرا منهم لم يدخل المدرسة إلا بعض أن حفظ أجزاء كثيرة من الذكر الحكيم، حيث يفاجأ المعلمون بالأطفال يتقنون الحروف الأبجدية، ويحفظون سورا كثيرة عجزوا هم في مدنهم عن حفظها، وخاصة سورة البقرة.
ويخبرنا "سي إدريس" بأن الزلزال جعل كل البيوت غير صالحة للعيش، كما أن مسجد الدوار أصابته شقوق خطيرة، وبخاصة صومعته العالية، وحتى مدرسة القرية تهدمت، لذا فسكان الدوار يأملون أن تبادر السلطات بتجهيز مكان لتدريس الأطفال، على أمل أن تبنى المدرسة بسرعة، وتضم هذه المرة المستوى الإعدادي.
وأكد لنا سكان هذا الدوار البسيط أن التعليم يتوقف بالنسبة لأطفال الدوار عند المستوى الابتدائي، لأنه لا يوجد لديهم المستوى الإعدادي والثانوي، وهو ما يأملون أن يتحقق خلال عملية إعادة إعمار القرى المهدمة التي تبرمجها الحكومة.
ويبقى أملهم كبيرا في أن ينتبه المحسنون لهذا الأمر، ويبادروا إلى بناء مقر مناسب يصلح لأن يحفظ فيه أطفال هذا الدوار الجبلي المعزول كتاب الله العزيز دون انقطاع.
ويوضح "سي إدريس" أن مهمته تتلخص في ألا ينسى الأطفال ما يحفظونه من أجزاء القرآن الكريم، حيث يتبقى لبعضهم 5 أجزاء فقط لإتمام حفظ القرآن، وبعضهم يحفظ 26 جزءا، وآخرون أكثر.
ويؤكد أنه سيواصل مهمته في تحفيظ القرآن للأطفال سواء تحت خيمة أو حتى في العراء، وبما توفر من ألواح وأقلام القصب التي استخدمت مع الصمغ لقرون في كتابة آيات الذكر الحكيم على الألواح بهذه القرية الوديعة، وما تزال تستخدم، وسيستمر استخدامها حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: هذا المکان کتاب الله
إقرأ أيضاً:
مدير شؤون القرآن بالأزهر: آية لا تحزن إن الله معنا ليست مواساة بل ثقة مطلقة بالله
اختتمت اللجنة العُليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، مساء اليوم الخميس، فعاليات الأسبوع الدعوي الثامن بندوة، تحت عنوان: " دروس الهجرة في واقعنا المعاصر"، تحدّث فيها الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر، والدكتور حسن يحيى، الأمين العام المساعد للجنة العليا لشؤون الدعوة، والدكتور أبو اليزيد سلامة، مدير عام شؤون القرآن بالأزهر الشريف، وأدار الندوة الشيخ يوسف المنسي، عضو الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة.
افتتح الدكتور حسن يحيى الندوة بالتأكيد على الأهمية القصوى للاستفادة من السيرة النبوية المطهرة ودروسها في كل جوانب حياتنا المعاصرة، لأن الهدف الأساسي من استقراء السيرة النبوية المطهرة هو استلهام المعاني الراقية المناسبة لحياتنا منها، تلك المعاني التي تقوَم مجتمعنا وتحافظ على استقراره وتماسكه، وتجعل منه مجتمعًا متحضرًا ومتقدمًا، كما أن استقراء السيرة النبوية المطهرة يقربنا من الهدي النبوي الشريف، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات، كما أن استقراء أحداث السيرة النبوية المطهرة، بفهم ووعي، يمكننا من معايشة حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمق، والاستفادة منها، ويساعدنا في تطبيق سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمليًا في كل شيء في حياتنا.
من جانبه أوضح الدكتور أبو اليزيد سلامة أن آية "ثاني اثنين إذ هما في الغار" هي دليل على لحظة فارقة عاشها سيدنا أبو بكر الصديق بكل وجدانه، في تلك اللحظات العصيبة داخل الغار، حيث كاد القلب ينخلع والفؤاد يضطرب من شدة الخوف والقلق، جاء صوت النبي صلى الله عليه وسلم مطمئنًا له: "لا تحزن إن الله معنا"، هذه الكلمات النبوية العظيمة لم تكن مجرد مواساة، بل كانت تجسيدًا للثقة المطلقة بالله، والتي بثت الطمأنينة والسكينة في قلب أبي بكر، لقد تحولت لحظة الضعف البشري إلى قوة إيمانية لا تتزعزع، هذا المعنى العميق هو ما نحتاج أن نبثه في الأمة بأكملها في مواجهة التحديات الراهنة، فمهما اشتدت الصعاب، يجب أن نتمسك بالثقة بأن الله معنا، ولكن مع ذلك، علينا أن نؤدي ما علينا تجاه الله سبحانه وتعالى من سعي وعمل.
وبين الدكتور أبو اليزيد سلامة أن الهجرة النبوية تقدم لنا درسًا عظيمًا في كيفية الموازنة بين القلب والعقل، فعلى الرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب مكة بكل وجدانه كونها أحب بلاد الله إليه، إلا أن عقله أشار إلى أن هذه الأرض في تلك اللحظة لم تكن مناسبة للدعوة، في المقابل، كانت هناك أرض أنسب لنشر رسالة الإسلام، هذه المرحلة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم تعلمنا كيف ينتقل الإنسان من التردد إلى حسم القرار، مهما كان ذلك صعبًا على النفس، مشيرًا إلى أن قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: "لو هلكت أنت يا رسول الله لهلكت الأمة" هو دليل على إعلاء المصلحة العامة وتقديمها على المصلحة الشخصية، وهو مبدأ أساسي ينبغي أن نسترشد به في حياتنا.
وأكد الدكتور أبو اليزيد سلامة أن رحلة الهجرة تقدم دروسًا عميقة في الثقة بشبابنا وتمكينهم لأخذ زمام المبادرة، وأهمية غرس القدرة فيهم على التمسك بأخلاقهم وقيمهم مهما كانت الظروف، ومهما تعرضوا لتحديات، وقد تجلى ذلك بوضوح في شباب الهجرة النبوية، أبرز مثال على ذلك هو سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، الذي بقي بشجاعة في مكان الرسول صلى الله عليه وسلم ليرد الأمانات إلى أصحابها، فقد فعل ذلك على الرغم مما لقيه من نكران وتعذيب من أولئك الناس أنفسهم، ويؤكد هذا الفعل النبيل من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المبدأ الخالد بأن الأخلاق باقية وهي أساس الحياة السعيدة.
وقد شكل هذا الدرس على وجه الخصوص شخصية سيدنا علي كرم الله وجهة بشكل عميق، مما جعله نموذجًا فريدًا في السلوك الأخلاقي، وعلاوة على ذلك، فإن الشجاعة التي تحلا بها عندما بقي في مكان سيدنا رسول الله ظلت أحد مناقبه طيلة حياته.
وخلال كلمته، شدد الدكتور ربيع الغفير على أهمية استلهام معاني الهجرة النبوية لمواجهة تحديات العصر، موضحًا أن الهجرة ليست مجرد حدث تاريخي عابر، بل هي مدرسة متكاملة لبناء مجتمع قوي ومتماسك، فهي تعلي من قيم التعاضد والتكافل بين أفراد المجتمع، وترسخ مبادئ التخطيط السليم واتخاذ القرارات الرشيدة في أوقات الشدائد والأزمات، وتلهم الأمة بالقدرة على التكيف مع المتغيرات التي تطرأ عليها في أي وقت.
كما أن أحداث الهجرة النبوية تلهمنا تحويل التحديات إلى فرص للنمو والازدهار، لهذا تشكلت دولة الإسلام بعد الهجرة في قوة وتحضر لما كنتاج لما صنعته هذه الرحلة العظيمة، فقد علمت المسلمين الثبات والعزيمة والمثابرة، مشيرًا إلى إشادة الغرب بالعظمة التي صنعها رسولنا الكريم صلى الله علهي وسلم، مستشهدًا بمقولة المفكر الإنجليزي الشهير جورج برنارد شو: "ما أحوج العالم اليوم إلى رجل مثل النبي محمد ليحل مشاكل العالم".
وأشار الدكتور الغفير إلى أن الجيل الأول من المسلمين خضع لاختبارات إلهية متعددة، ليصبحوا مؤهلين لحمل رسالة الإسلام إلى شتى بقاع الأرض، فكان أول هذه الاختبارات رحلة الإسراء والمعراج، بما حملته من معجزة عظيمة وثبات عميق على التصديق، ثم جاء الاختبار الثاني وهو الهجرة المباركة، التي تطلبت تضحية كبرى بترك الوطن والأهل، وما في ذلك من ألم على النفس لفراق المكان الذي نشأ فيه الإنسان. تلا ذلك الاختبار الثالث بتحويل القبلة، الذي دل على مدى الثبات وعدم التزعزع عن أمر الله تعالى، وأخيرًا، جاء الاختبار الرابع متمثلًا في غزوة بدر بالعام الثاني للهجرة، حيث بذل المسلمون النفس والمال دليلًا على صدق إيمانهم.
وأوضح الدكتور ربيع الغفير أن قيادة النبي صلى الله عليه وسلم للأمة خلال رحلة الهجرة المباركة تُعد نموذجًا يحتذى في حسن الإدارة وتدبير الأمور، هذه القيادة الحكيمة هي ما دفع الصحابة رضوان الله عليهم إلى التضحية بأنفسهم قبل أموالهم في سبيل نصرة الدين الإسلامي، مستشهدًا بموقف سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وتضحيته بنفسه في سبيل حماية النبي، معتبرًا هذه العلاقة بينهما نموذجًا يحتذى في الصداقة الحقيقية والحب في الله، فقد تجلت فيها قيمة الإيثار، التي تُعد من أعظم الفضائل في الإسلام، موضحًا أن الأزمات المتلاحقة التي يشهدها عالمنا المعاصر إنما تؤكد الحاجة الماسة إلى استلهام منهج النبوة في القيادة والإصلاح، كسبيل وحيد لتحقيق الاستقرار ومعالجة التحديات الراهنة.
من جانبه قال الشيخ يوسف المنسي، إن القرآن الكريم حينما تناول قضية الهجرة النبوية، لم يقتصر تأثيرها على الفرد فحسب، بل امتد ليشمل المجتمع بأسره، وهو ما يجعلنا نفهم أهمية إشراك النبي صلى الله عليه وسلم للأفراد معه في هذه الرحلة المباركة، فالأفراد الذين خاضوا رحلة الهجرة مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أصبحوا بفضل هذه الرحلة مؤهلين ليصبحوا أمناء على المجتمع المسلم، هذا التأهيل العميق لهؤلاء الرجال الأجلاء هو الذي كان له الفضل الكبير في الحفاظ على استقرار الأمة وثباتها بعد وفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.