يبدو أن فرنسا تدخل حقبة جديدة من الإسلاموفوبيا الخارجة عن السيطرة، فالهجوم الأخير ضد الإسلام كدين، وضد المسلمين كجزأ لا يتجزأ من الشعب الفرنسي، يعد مؤشرا "خطيرًا للغاية".

هكذا تحدث مقال ألاين غابون، في موقع "ميدل إيست آي"، وترجمه "الخليج الجديد"، متحدثا عن دعوة رئيس الوزراء الفرنسي السابق إدوار فيليب، في كتابه الأخير "أماكن تقول"، حين شدد على ضرورة إنشاء "قانون وتنظيم خاص بالمسلمين".

وفي مقابلة مع إذاعة "فرنسا الدولية"، أشار فيليب ولو بصورة متلكئة، إلى أن قانون 1905 "ربما لا يستطيع التعامل مع خصوصية الإسلام"، معتقدا أنه لا بد في يوم من الأيام أن تطرح قضية إنشاء نظام خاص "يفرض التزامات خاصة على المؤمنين والمسؤولين في المجتمعات الإسلامية".

جاء حديث فيليب، بعد مرور أسبوع فقط من حظر العباءة في المدارس العامة، في خطوة غير مسبوقة لزعيم سياسي رفيع المستوى، منذ انتهاء العصر الاستعماري للبلاد.

ووفق المقال، فإن "فيليب ليس من اليمين المتطرف أو سياسي مغمور، بل أول رئيس وزراء للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي أسس في عام 2021 حزبه اليميني الوسطي (Horizons)، ومنذ ذلك الحين ظلّ مقربًا من حكومة ماكرون، والآن أصبح مرشحًا رئيسيًّا لقيادة المحافظين ومرشحًا رئاسيًّا لعام 2027".

اقرأ أيضاً

العنصرية تتسع.. هوس فرنسي بالسيطرة على أجساد النساء المسلمات

ورغم أن فيليب، قال في المقابلة، إنه يتمنى ألا تصل الأمور إلى هذا الوضع، إلا أنه رغم ذلك يؤكد أن المعاملة المختلفة للإسلام والمسلمين أمر حتمي في المستقبل القريب.

بالنسبة إليه السبب بسيط، فمن انطباعه الشخصي، يرى فيليب أن "الإسلام دين خطير وسام ويتميز بالظلامية والتطرف والراديكالية، ومن الواضح أن هذه التوجهات لا توجد في أي مكان آخر مثل اليهودية والمسيحية أو اليمين السياسي المتطرف على سبيل المثال لا الحصر".

بالنسبة إلى فيليب، الإسلام يمثل مشكلة لدرجة أنه يمثل تهديدًا وجوديًّا، فهو يرى أن العلمانية الفرنسية وقانون الدولة الشهير عام 1905، لفصل الكنيسة عن الدولة، ليسا بالقوة الكافية لترويض الدين والسيطرة عليه وإصلاحه.

هنا، يستخدم فيليب، وفق المقال، الشائعات ضد المسلمين وينشطها، واقتراحه وتعليقاته تشبه تلك التي يقولوها المتطرفون، لكنه لا يخاطر بأي شيء في فرنسا وهو يعلم ذلك جيدًا.

ومثل وزير التعليم غابريال أتال، منافسه في انتخابات 2027، من المرجّح أن فيليب يقوم بحسابات انتخابية ساخرة، لتقليل الفجوة بين اليمين المتطرف واليمين المحافظ واليمين الوسطي، في محاولة لتوسيع قاعدة الدعم المحتملة.

لكن ينسب إلى فيليب الفضل في الكشف عن حقائق فرنسا القبيحة، فعلى عكس أقرانه المصابين بالإسلاموفوبيا، لم يتحدث فيليب عن "الإسلامية"، لكنه تحدث عن "الإسلام والمسلمين".

اقرأ أيضاً

مفتي عُمان: الأزمات تضرب فرنسا منذ إساءة ماكرون للإسلام

وبدلًا من التحدث عن مذاهب معينة، كالانفصالية والأصولية والسلفية والراديكالية وغيرها، كذريعة لتبرير الهجوم على حقوق المسلمين أثناء دفاعه المزعوم عن المبادئ الفرنسية، فقد تخلّص فيليب من المواربة وأسماهم بوضوح "العدو من الداخل".

ومع ذلك، فإن اقتراحه صادم لعدة أسباب، أولًا: هو يقترح أن فرنسا يجب أن تكون مستعدة لتطبيق ما لا يقلّ عن فصل عنصري قانوني ضد المسلمين، حيث يدعو إلى وضع قوانين منفصلة للمسلمين.

أما السبب الثاني، فهو تنفيذ هذه الإجراءات، والتي هي أمر مستحيل في ظل دستور المساواة الفرنسي الحالي، بقدر وضع قانون خاص لأقلية عرقية معينة، يمثل العودة إلى قوانين السكان الأصليين التي كانت سائدة في العصر الاستعماري، حيث تتغير القوانين والالتزامات والأوضاع حسب عرق ودين رعايا فرنسا الاستعمارية.

ويقول المقال: "هذا النظام يلغي معظم مبادئ فرنسا الأساسية وقيم الجمهورية الفرنسية التي يزعم فيليب الدفاع عنها، وتحديدًا مبادئ المساواة التي تقول إن كل الأشخاص سواسية أمام القانون، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم".

أما ثالث الأسباب، فهو فرض قوانين والتزامات مختلفة على دين بعينه وعلى ممارسيه، ما يعني القضاء على العلمانية الفرنسية ومبادئها الأساسية، بما في ذلك حرية الدين وفصل الكنيسة عن الدولة، والمساواة بين جميع الأديان أمام الدولة.

اقرأ أيضاً

المفكر فرانسوا بورغا لـ"الخليج الجديد": فرنسا تريد إسلاما على مقاسها.. والغرب يعادي أردوغان لمقاومته الهيمنة

ويعلق المقال على ذلك بالقول: "هنا نرى حقيقة العلمانية المقدسة التي يستخدمها السياسيون في فرنسا فقط كسلاح يشهرونه في وجه الإسلام، ويبدو أنهم الآن يرغبون في التخلص من العلمانية لأنها تحدّ المدى الذي قد تصل إليه كراهيتهم للإسلام".

وأخيرًا، والأكثر إثارة للدهشة، وفق المقال، فنظرًا إلى تطرف إعلان فيليب وطبيعته المناهضة للجمهورية، فحتى المرشحة الرئاسية السابقة مارين لوبان لم تتطرق لمثل ذلك، هو أنه "لم يكن هناك رد فعل من الطبقة السياسية ووسائل الإعلام والمثقفين، باستثناء رسالة مفتوحة قدمها بعض الأكاديميين، أما عامة الناس فما زالوا صامتين بشكل كبير".

ونددت نحو 50 شخصية، من بينها أستاذ علم اجتماع العلاقات الدولية المؤثر برتران بادي ومؤسس علم اجتماع العلمانية جان بوبيرو والكاتبة آني إيرنو، في بيان بتصريحات فيليب، مشددين على ضرورة إعطاء كلماته مقدارها، إذ إن هذه هي المرة الأولى التي يتبنى فيها زعيم سياسي، على هذا المستوى، صراحة معاملة متباينة للأديان.

وقالوا إن حديث فيليب "يمثل هذا تحديا وحشيا لقانون عام 1905 الذي ينشئ فصلا مزدوجا، وهو الفصل بين المؤسسات العامة والخاصة، وبينها وبين المؤسسات الدينية، وبالتالي حرية الأديان في تنظيم نفسها كما تشاء، إضافة إلى المساواة بين الأديان أمام القانون".

كما لم ينتقد ماكرون، وفق المقال، تعليقات فيليب.

أما صحيفة "ليبراسيون" اليسارية الوسطية، فقد خصّصت نصف فقرة لتغطية الأمر، وتحدثت في أغلبها عن شعر وجه فيليب، وحالة جلده التي غيرت من مظهره الجسدي.

اقرأ أيضاً

عضو فيدرالية مسلمي فرنسا مخلوف مامش لـ"الخليج الجديد": نعاني من شيطنة لجمعيات خدمية وحصار لمساجد

ويضيف المقال: "يكشف ذلك عن عمق تغلغل الإسلاموفوبيا في فرنسا، ومدى انتشار الزمورية (نسبة إلى أفكار السياسي الفرنسي اليميني المتطرف إيرك زمور) عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين".

ويتابع: "بالطبع، تطبَّق القوانين والمعايير والمقاييس المختلفة بشكل روتيني على المسلمين والإسلام منذ فترة، في انتهاك صريح للدستور الفرنسي، ويعامَل المسلمون دائمًا كمواطنين من الدرجة الثانية بقوانين والتزامات مختلفة".

ويختتم: "لكن حتى الآن، لم يجرؤ أي مسؤول كبير في الدولة على اقتراح تشريع التمييز الديني ضد المسلمين، ويبدو أن فرنسا مستعدة لهدم الجمهورية وإلغاء الديمقراطية بما في ذلك مبادئها الدستورية الرئيسية مثل المساواة والحرية والعلمانية، ولا حاجة بالطبع للحديث عن الأخوية عندما يتعلق الأمر بالمسلمين، كل ذلك من أجل الهجوم على الإسلام وإيذاء المسلمين".

وكانت فرنسا التي تضم أكبر أقلية مسلمة في أوروبا، حظرت ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس الحكومية عام 2004، وأقرت حظراً على ارتداء النقاب في الأماكن العامة في 2010، مما أثار غضب بعض أفراد الجالية الإسلامية التي تضم نحو 5 ملايين نسمة.

وينادي الطيف السياسي الفرنسي بمختلف ألوانه بالدفاع عن العلمانية، من اليساريين الذين يؤيدون القيم الليبرالية لعصر التنوير إلى الناخبين اليمينيين المتطرفين الذين يسعون للحد من الدور المتنامي للإسلام في المجتمع الفرنسي.

اقرأ أيضاً

الفرنسية مارين الحيمر نجمة تليفزيون الواقع تعلن إسلامها

المصدر | ألاين غابون/ ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فرنسا الإسلام المسلمون الإسلاموفوبيا إيمانويل ماكرون الخلیج الجدید ضد المسلمین اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

خبراء سياسة وقانون: ترامب يدمر الرئاسة الأميركية

أجمع خبراء سياسة وقانون أميركيون على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يشن هجمات ممنهجة على مؤسسات الدولة في محاولة لتوسيع سلطته وتحجيم الرقابة، وذلك وفق مقال كاتب العمود بصحيفة نيويورك تايمز توماس إدسال.

وضمّن الكاتب في مقاله محادثات مع عدد من الخبراء، ووجد أن حملة ترامب "المدمرة" تعد "سابقة خطيرة" تهدد مستقبل الديمقراطية الأميركية بل وأسس الرئاسة نفسها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 25 نقاط رئيسة حول قبة ترامب الصاروخية "الذهبية"list 2 of 2خبير عسكري: 3 عوامل دفعت إسرائيل تاريخيا لإيقاف حروبهاend of list

وشملت أهداف الرئيس القانون والتعليم العالي والبحث الطبي والمعايير الأخلاقية والتحالفات الخارجية وحرية التعبير والخدمة المدنية والدين ووسائل الإعلام وغيرها، حسب الكاتب.

وذكر المقال أن ترامب ركز على تفكيك ما يُعرف بـ"الدولة العميقة" من خلال تقليص دور الموظفين الحكوميين، وتقويض ثقة الرأي العام بمؤسسات البلاد عبر نشر نظريات المؤامرة واتهام خصومه بالخيانة أو الفساد.

كما سعى ترامب إلى تقليص تمويل مراكز البحث العلمي مثل "المعاهد الوطنية للصحة" و"مؤسسة العلوم الوطنية"، وفق المقال، مما أثار تحذيرات من أن الولايات المتحدة قد تفقد مكانتها كدولة رائدة في الابتكار والبحث.

وأشار الكاتب أيضا إلى علاقات البلاد الخارجية، فقد هاجم ترامب تحالفات أميركا التقليدية، وأثار خلافات دبلوماسية مع شركاء رئيسيين، مما دفع البعض إلى التشكيك في موثوقية واشنطن كحليف طويل الأمد، خاصة بعد انسحابها من اتفاقيات ومبادرات دولية كبرى.

إعلان

وأكثر ما يثير قلق إدسال، وفق مقاله، هو صعوبة إصلاح ما "أفسده" ترامب على المدى الطويل، خاصة في مجال العلاقات الخارجية والقطاع الحكومي.

وفي هذا الصدد أكد أندرو روداليفيج، الخبير السياسي من كلية بودوين، أن طرد ترامب الممنهج للموظفين الحكوميين سيخفض من كفاءة الحكومة وخبراتها وتقدمها على المدى الطويل، كما نقل المقال.

وأضاف أستاذ التاريخ في جامعة برينستون شون وِلِنتز أن ما يقوم به ترامب "لا سابق له في التاريخ الأميركي"، وأن "تجريف الخبرات من المؤسسات الأميركية تحت ذريعة القضاء على الفساد وحفظ المال أمر كارثي، وقد لا يمكن إصلاحه أبدا" وفق المقال.

ونقل المقال قول بول روزنزوغ، مساعد وزير الأمن الداخلي في عهد الرئيس جورج بوش الابن، إن "الخسارة ليست في حجم الضرر فحسب، بل في أن العالم لن يثق مجددا بأن شخصية مثل ترامب لن تعود".

ويرى الخبراء أن حملة ترامب ليست مجرد نزوة شخصية، بل جزء من خطة تدعمها تيارات محافظة تسعى إلى استغلال حكم الرئيس لفرض أجندات تغير تنظيم البلاد، وأبرزها ما تضمنه "مشروع 2025" الذي يهدف إلى إعادة هيكلة السلطة التنفيذية لصالح قوى يمينية متشددة.

مقالات مشابهة

  • فرنسا... تقرير حكومي يثير جدلاً حول "الخطر الإخواني" ومخاوف من وصم المسلمين
  • باحث فرنسي: التنديد بالإخوان المسلمين في البلاد هدفه إشاعة الذعر
  • مسجد باريس الكبير قلق من "وصم" المسلمين بسبب "الإخوان"
  • وزير الخارجية الفرنسي: غزة تحولت إلى "فخ للموت" وفرنسا مصممة على الاعتراف بدولة فلسطين
  • سوريا.. فصائل السويداء تطرد مجموعة هددت المحافظ بالأسلحة
  • «غوغل» تفتح حقبة جديدة من البحث الذكي وصنع الفيديوهات.. وتحذّر من هجوم احتيالي خطير!
  • خبراء سياسة وقانون: ترامب يدمر الرئاسة الأميركية
  • فرنسا: تقرير رسمي يحذّر من تأثير جماعة الإخوان المسلمين على "التماسك الوطني" في البلاد
  • وزير الخارجية والهجرة يبحث مع نظيره الفرنسي الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإدخال المساعدات
  • رئيس الوزراء الفرنسي: التحرك للاعتراف بدولة فلسطينية لن يتوقف