ستطالع أعيننا وتسمع آذاننا كلمات تفيض جمالًا ورقة، سطرها شعراء عرب مسيحيون فى حق رسول الإسلام محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، ويرجع بعض النقاد الأسباب التى أدت بالشعراء المسيحيين العرب إلى نظم قصائد يمتدحون فيها رسول الإسلام إلى أنهم يهدفون إلى إبراز القيمة الإيجابية للموروث الثقافى والوطنى والتاريخى المشترك منذ مئات السنين، الذى يربط المسلمين بالمسيحيين، وحتى يتم إغلاق أبواب الاستقطاب الطائفى الذى يعمل البعض جاهدًا لإيقاع قطبى الأمة فيه، كان دافعًا قويًا لنظم هذه القصائد، والجانب الثالث وهو الأهم، أنهم سعوا للتعبير عن مشاعر جياشة وقعت فى صدورهم تجاه رسول الإسلام (ص)، وأرادوا الإفصاح عنها كمواطنين عرب بعيدًا عن أى انتماءات دينية.


قصائد ومديح
الكاتب ماجد الحكواتى جمع فى كتابين، مجموعة كبيرة من القصائد والنصوص الشعرية التى ألقاها شعراء مسيحيون فى ساحة المدح النبوى، يحمل الكتاب الأول عنوان «شعراء النصارى العرب.. والإسلام»، أما الكتاب الثانى فقد جمعت فيه قصائد أخرى لشعراء مسيحيين مصحوبة بدراسات نقدية أعدها وقدمها محمد عبدالشافى القوصى، تحت عنوان "محمد فى شعر النصارى العرب".
وترسم لنا القصائد الشعرية التى ورد ذكرها فى الكتابين، صورة واضحة للتسامح والسلام الذى عاشه المسلمون والمسيحيون فى هذه الفترة، وإن كان معظم الشعراء المسيحيين الذين وضعت قصائدهم فى الكتابين، ينتمون إلى سوريا ولبنان، وأنهم من شعراء العصر الحديث، إلا أن هذا لم يمنع البعض من تعميم الصورة على شتى أنحاء الوطن العرب.
كما ألقى الكاتب محمد عبدالشافى القوصى، فى الفصل الأخير من كتابه «محمد مشتهى الأمم»، الذى جاء بعنوان «فى عالم الجمال»، الضوء على ٢٠ شاعرًا مسيحيًا، مدحوا النبى محمد، بقصائد ومطولات شعرية مثل: حليم دموس، والشاعر القروى، وخليل مطران، وإلياس قنصل، وشبلى شميل، وعبدالله يوركى حلاق، وجاك صبرى شماس، وإلياس فرحات، وجورج صيدح، ورياض المعلوف، وشبلى ملاط، وجورج سلسلمى، وميخائيل ويردى، الذى مدح الرسول بعدة قصائد أشهرها القصيدة التى عارض فيها نهج البردة لأمير الشعراء شوقى.
نبع المحبة الروحية 
وبحسب دراسة أعدها الدكتور خالد فهمى، أستاذ النقد والأدب بجامعة المنوفية، ونشرت فى مجلة الأزهر فى عام ٢٠١٢، فإن مدح الشعراء المسيحيين للنبى محمد، لم يكن فيه أى تملق أو مداهنة، فقد خرجت كلماتهم من نبع مملوء بالحب الخالص والمجرد من أى أهداف سوى نشر المحبة والسلام، وتزكية روح التسامح بين جميع البشر بعيدًا عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية، واللافت للنظر - والكلام لـ«فهمى» - أن مدح المسيحيين بشكل خاص للنبى الكريم (ص)، خرج من مديح إيمانى مغلق يختص بالمسلمين إلى آفاق رمزية عالمية برعوا فيها؛ حيث أكدوا أن نبى الإسلام مصلح وقائد ورمز عالمى.
وأشار خالد جودة، الباحث فى تاريخ المدائح النبوية، إلى أن «المسيحيين هم أبناء الحضارة العربية الإسلامية، وقالوا أشعارهم فى مدح رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، من هذا المنظور الحضارى».
من القلب للقلب 
وبالغوص فى أعماق الشعراء المسيحيين الذين مدحوا المصطفى، نجدهم يؤكدون أن قصائدهم خرجت من القلب وتهدف لخدمة «العروبة»، الوطن الواحد الذى يستظل بسمائه الجميع، فهذا الشاعر السورى جاك شماس، المولود فى عام ١٩٤٧ ميلادية، يجيب عن سؤال طرحه على نفسه قبل أن يطلع عليه العامة: لماذا أتحدث عن رسول الإسلام محمد؟، وبيقين راسخ يجيب «شماس»، قائلًا: "إنه حديث من شغاف القلب.. لا يأخذ منحنى آخر سوى خدمة وطنى وعروبتى".
وفى معرض حديثه عن قصيدته «خاتم الرسل» التى تقدم بها فى عام ٢٠١٠، لمسابقة «البردة النبوية» التى تنظمها وزارة الثقافة الإماراتية، يقول «شماس»: «أنا ثقافتى عربية إسلامية، وإذا مدحت رسول الإسلام محمدًا، فذلك لأنى أحبه»، متسائلًا: «كيف لا أحب إنسانًا بهذا المستوى النبيل من الإنسانية والخلق؟، وأضاف: "لقد نشر محمد، عقيدة جميلة ونبيلة تدعو إلى الإنسانية، وثقافتنا العربية الإسلامية تدفعنا إلى حب هذا النموذج الرائع، ولقد كتبت هذه القصيدة لأعبر بها عن حبى لهذا الرجل ولم يكن هدفى أبدًا نيل جائزة المسابقة، والدليل على ذلك أنى كتبت أبياتها قبل الإعلان عن موعد أو شروط هذه المسابقة بزمن بعيد".
ونلمس صدق مشاعر «شماس»، حين نقرأ بعضًا من أبيات قصيدته التى تنم عن ثناء فائق الإبداع ألقى به فى ساحة المدح النبوى قائلا:
يممت طه المرسل الروحانى
ويجل طه الشاعـر النصرانـى
ماذا أسطر فـى نبـوغ محمـد
أنا يا محمد من سلالـة يعـرب
أهـواك ديـن محـبـة وتـفـان
وأذود عنـك مولـهـًا ومتيـمـًا
حتى ولو أجـزى بقطـع لسانـى
أغدقت للعـرب النصـارى عـزة
ومكانـة ترقـى لـشـم مـعـان
وزرعت فى قلب الرعيـة حكمـة
شماء تنطق فـى نـدى الوجـدان
ونذرت روحـى للعروبـة هائمـًا
بالضـاد والإنجـيـل والـقـرآن
ونقشت خلق محمد بمشاعـرى
وإذا قرأتـم للـرسـول تحـيـة
فلتقـرءوه تحـيـة النصـرانـى
مهما مدحتـك يا رسـول فإنكـم
فوق المديح وفـوق كـل بيانـى


واللافت للنظر أنه فى نفس عام ٢٠١٠، الذى نظمت فيه مسابقة «البردة النبوية» بدولة الإمارات، فإن الشاعر المسيحى المصرى سعد جرجس، فاز بجائزة خاصة من لجنة التحكيم، بعد أن حازت القصيدة التى نظمها كواحدة من أفضل القصائد التى قيلت فى مدح الرسول محمد. ويسهب الشاعر السورى إلياس قنصل، الذى عاش بين عامى ١٩١٤ و١٩٨١، فى أبياته متحدثًا عن صفات نبى الإسلام، قائلا:
يقابل بالصبر الجميل ضغائنا
تمادى بها وعد بسب ويثلب
ويعفو عن الأسرى وكان
وعيدهم بما فى نواياهم من الثأر يلهب
إذا جاءه الملهوف فهو له
أخ وإن جاءه المحروم فهو له أب
مشاعر جياشة
وعلى الدرب ذاته، يسير الشاعر السورى جورج سلستى، الذى عاش بين عامى ١٩٠٩ و١٩٦٨، لينظم قصيدة سماها «نجوى الرسول الأعظم»، أفاض فيها بمشاعره الجياشة التى تملكت قلبه تجاه رسول الإسلام:
أقبلت كالفجر وضاح الأسارير
يفيض وجهك بالنعماء والنور
على جبينك فجر الحق منبلج
وفى يديك مقاليد المقادير
أما الشاعر السورى وصفى قرنفلى، الذى عاش بين عامى ١٩١١ و١٩٧٨، فقد وصف محمد بن عبدالله، بـ«منقذ الشرق»، فى أبياته التى عبرت حروفها عن شهادة حق قالها مواطن عربى فى حق رسول الإسلام.
أو ليس الرسول منقذ هذا الشرق
من ظلمة الهوى والهوان
أفكنا لولا الرسول سوى
العبدان بئست معيشة العبدان.
وما زلنا فى دمشق نتريض فى بساتين المحبة الإنسانية، التى أهداها لنا الشاعر جورج صيدح، الذى عاش بين عامى ١٨٩٣ و١٩٧٨، مطالبين معه باقى أفراد أمتنا العربية بأن يكون لهم فى رسول الله، أسوة حسنة حتى نخرج من غياهب التردى الذى أدخلنا فيه أنفسنا:
يا صاحبى بأى آلاء النبى تكذبان؟
يا من سريت على البراق وجزت أشواط العنان
آن الأوان لأن تجدد ليلة المعراج آن
وإذا ما ذهبنا إلى لبنان، فسيشنف آذاننا الشاعر إلياس فرحات، الذى عاش بين عامى ١٨٩٣ و١٩٧٦، بأبيات يخاطب فيها رسول الإسلام، وكأنه يشكو له فيها ما ألم بالأمة العربية من تخبط وتخلف عن باقى الأمم، ويطلب منه مددًا يخرجنا مما نحن فيه، قائلًا:
يا رسول الله إنا أمة زجها التضليل فى أعمق هوة
ذلك الجهل الذى حاربته لم يزل يظهر للشرق عتوه
وما زالت نسائم عشق الشعراء المسيحيين اللبنانين لرسول الإسلام، تنعشنا؛ حيث نرقى مع الشاعر اللبنانى حليم دموس، المتوفى فى عام ١٩٥٧، إلى أعلى درجات المحبة الإنسانية المجردة من أى ميول، حين يمتدح النبى الكريم قائلًا:
أمحمد والمجد بعض صفاته
مجدت فى تعليمك الأديانا
إنى مسيحى أحب محمدا
وأراه فى فلك العلا عنوانها
نسائم العطر
وتأبى خطانا أن تغادر لبنان، دون أن نذوب فى نسائم العطر الشذى الذى تهديه لنا أبيات شاعر القطرين اللبنانى خليل مطران، الذى عاش بين عامى ١٨٧٢ و١٩٤٩، التى نستشف منها أثر محمد بن عبدالله، فى محاربة الجهل والشرك وإقامة العدل والإحسان إلى أهل الكتاب؛ حيث يقول:
بأى حلم مبيد الجهل عن ثقة
وأى عزم مذل القادة الصيد
أعاد ذاك الفتى الأمى أمنه
شملا جميعا من الغر الأماجيد
وزاد فى الأرض تمهيدا لدعوته
بعهده للمسيحيين واليهود
أما الشاعر اللبنانى محبوب الخورى الشرتونى، الذى عاش بين عامى ١٨٨٥ و١٩٣١، فيرقى بنا فى قصيدته «عرب الحجاز.. تحية وسلام»، داحرًا الفتن التى يحاول البعض دسها بين المسلمين والمسيحيين، معلنًا للجميع أن العرب جميعًا أهل وأشقاء دون النظر إلى الديانة، ومطفئًا جزوة الصراع الطائفى الذى يسعى البعض لإبقائه مشتعلًا:
قالوا تحب العرب.. قلت أحبهم
يقضى الجوار علىَّ والأرحام
قالوا لقد بخلوا عليك.. أجبتهم
أهلى وإن بخلوا علىَّ كرام
قالوا الديانة.. قلت جيل زائل
ويزول معه حزازة وخصام
ومحمد بطل البرية كلها
هو للعرب أجمعين إمام
عيد البرية
ويصف الشاعر اللبنانى رشيد خورى، المعروف بـ«الشاعر القروى» الذى عاش بين عامى ١٨٨٧ و١٩٨٤، مولد رسول الإسلام، بـ«عيد البرية»، ناظمًا فى هذا الجانب قصيدة حملت نفس العنوان، قال فيها:
عيد البرية عيد المولد النبوى
فى المشرقين له والمغربين دوى
عيد النبى ابن عبدالله من طلعت
شمس الهداية من قرآنه العلوى
يا قوم هذا مسيحى يذكركم
لا ينهض الشرق إلا حبنا الأخوى
فإن ذكرتم رسول الله تكرمة
فبلغوه سلام الشاعر القروى.
وما هذه سوى نماذج لكثير من الشعراء العرب المسيحيين والتى لا تتسع المساحة للحديث عنهم جميعًا فى هذا العدد.
 

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: المسلمين المسيحيين فى عام

إقرأ أيضاً:

عطر هولي عود إكسبريشن.. أناقة استثنائية في العيد

أن تكون أنيقاً دائماً، هذا أمر في غاية الأهمية، لكن الأمر الأكثر أهمية، أن تأخُذ أناقتُك ومظهرك مكاناً ومكانة خاصة في الذاكرة، مكاناً تُحافظُ عليه في ذاكرة الآخرين، بحيثُ تتجدد تلك الصورة عنك كلما تجدد اللقاءُ بك، سواء كانت هذه الصورة بصرية أم حسّية، لكن ذاكرة الأيام الاعتيادية ربما تكون ضعيفة بعض الشيء، كون الحدث هو من يمنح أهمية للذكريات، فإن اعتيادية الأيام وكلاسيكيتها لا تصنعُ فروقاتٍ في الذاكرة، لكن بروتوكولات المناسبات وخصوصيتها تُساهم في صُنع ذلك بالفعل!



يحلُّ علينا قريباً عيد الأضحى المُبارك، ولهذه المُناسبة خصوصيتُها وحضورها أيضاً، إذ لم تفقد شكلها التقليدي حتى الآن، تجمُعات وزيارات عائلية، رحلات بصُحبة الأصدقاء، والجميع يسعى أن يكون مُختلفاً واستثنائياً في مظهره وأناقته لتحظى صورته الأنيقة بمكان في ذاكرة الآخرين، كون الجميع يعلمُ أن شكل الأناقة وملامح المظهر تُصبحُ مُلفتة بشدّة في العيد، لكن السؤال الأهم، ما هو العطر الذي تستحقُه هكذا مُناسبة من في للعطور في الإمارات؟!.


أطلقت مؤخراً العلامة التجارية الإماراتية هولي عود عطرها الإماراتي الجديد والفاخر للرجال والنساء هولي عود إكسبريشن أو دو بارفان 110 مل عطر شرقي خشبي، طويل الأمد، عطرٌ فاخر مُستوحى من روح الإمارات وتُراثها، صُمم ليُجسد شكلاً استثنائياً من أشكال الفخامة والأناقة الإماراتية، واختارت العلامة التجارية أن تُطلقه في العيد من خلال متاجر في للعطور المُنتشرة في الإمارات العربية المتحدة و متجرها الإلكتروني حصرياً، فإن أردتم أن تكونوا استثنائيين في مظهركم وأناقتكم، فهذا هو عطركم الفاخر لأناقة مُختلفة تقتحمُ ذاكرة الناس وتبقى للأبد.

أخبار ذات صلة وزراء: انتخاب شيخة النويس أميناً عاماً  لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة إنجاز تاريخي مشرف مديرو ومسؤولو دوائر وهيئات سياحية لـ «الاتحاد»: انتخاب شيخة النويس تصويت أممي بريادة السياحة الإماراتية


شَكَلَ هذا العطر حالة خاصة منذُ إطلاقه، نسبة لتركيبته العطرية التي تجمعُ ما بين البساطة والفخامة التي يعشقها مُعظم العرب، خاصة في منطقة الخليج العربي والإمارات، إذ ينطوي هذا العطر على 
تركيبة عطرية مختلفة تتكون من الكشمش الأسود والزعفران في الافتتاحية، ولمسة أنيقة من الورد في القلب، بينما ترتكز القاعدة على توليفة فاخرة من العنبر والباتشولي التُرابي، بهذه المكونات الفاخرة، وتلك الرؤية الاستثنائية لصُنّاع هذا العطر، حصلنا على عطر صيفي فاخر وطويل الأمد، يكفي ليمنحكم أناقة شرقية مُختلفة في عيد الأضحى.

كما يعلم الجميع أن للعيد خصوصية مُعينة كون هذه المناسبة لا تأتي إلا مرتين في السنة، ولذلك يجب أن يكون كُل شيء استثنائياً من أجلها، لذلك أطلقت شركة في للعطور في الإمارات العربية العربية المُتحدة حملة "تنزيلات عيد الأضحى" في متاجرها ومن خلال الموقع الإلكتروني أيضاً، ستحصلون على خصومات جزئية تصل حتى 75 % على جميع عطوركم المفضلة من 2 حتى 8 يونيو - حزيران، لا تفوتوا الفرصة، تسوقوا الآن!
«مادة إعلانية»

مقالات مشابهة

  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الأُمَّ مؤسسة تربوية عظيمة
  • عطر هولي عود إكسبريشن.. أناقة استثنائية في العيد
  • النقيب محمد مختار دوشان كان من المجموعة التى تحركت من كرري الى سلاح المدرعات
  • وكيل تعليم سوهاج: معاينة مقر مدرسة صلاح سالم الإعدادية بنين بعد الحريق
  • انتظام امتحانات شهاده الدبلوم الفنى الصناعى بمدرسه صلاح سالم بسوهاج
  • كامل العدد.. ليلة فى حب بليغ حمدي ووردة بالمسرح الكبير فى دار الأوبرا
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: ماذا لو كنت مخطئاً
  • بيت الشعر العربي يستعيد طاهر أبو فاشا ويحتفي بشعراء دمياط في أمسية خاصة
  • د.حماد عبدالله يكتب: "العشوائيات وتأثيرها السلبى على السلوك "!!
  • أبرزهم أشرف زكي ووفاء عامر..حضور عرض الصوت والصورة لـ كوكبة الشرق