سام برس:
2025-12-12@22:16:05 GMT

طريق بايدن وتغيير خريطة الشرق الاوسط

تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT

طريق بايدن وتغيير خريطة الشرق الاوسط

بقلم/ عبدالباري عطوان
كيف سيغير طريق بايدن “التطبيعي” خريطة الشرق الأوسط؟ ولماذا لا نستبعد عودة المثلث المركزي العراقي السوري المصري بدعم تركي إيراني؟ وما هي المؤشرات الثلاثة التي تدعم هذا التفاؤل؟

أعظم هدية قدمها الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يتباهى دائما بصهيونيته، ودعمه المطلق لدولة الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة العربية هي إستفزازه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وجره الى مصيدة الحرب الأوكرانية لاستنزافه عسكريا واقتصاديا، والحد من التقارب الصيني الروسي تطبيقا لوصية “معلمه” هنري كيسنجر فجاءت النتائج عكسية تماما، فروسيا ما زالت صامدة، واقتصادها ما زال متماسكا، وعلاقاتها الاستراتيجية مع الصين تزداد تلاحما، وبما يعّجل بصعود نظام عالمي جديد على أنقاض النظام الغربي الأمريكي المتآكل.



نشرح أكثر ونقول ان بايدن “المسكون” بعدائه للعرب والمسلمين، وهوسه اللامحدود بإنقاذ “إسرائيل” من نفسها، وحقنها ببعض أسباب الحياة في محاولة يائسة لإطالة عمرها، ومنع إنهيارها، من خلال إضعاف المراكز العربية الرئيسية الثلاثة، العراق وسورية ومصر، وتقديمه (بايدن) أكبر خدمة لها وللمنطقة بنقل الحروب المتناسلة في منطقة الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية انطلاقا ما يقرب من الثمانين عاما الى قلب أوروبا من أوكرانيا، وفشله الكلي في احتواء ايران، وتحويلها الى قوة إقليمية عظمى تملك صناعة عسكرية متطورة جدا، واذرع عسكرية ضاربة في معظم دول المنطقة تشكل تهديدا وجوديا لدولة الاحتلال، وتحاصرها بالصواريخ الباليستية الدقيقة والمسيّرات من معظم الجهات، وبما يلغي بشكل عملي، تفوقها العسكري (أي إسرائيل) الذي جعلها “دولة” مهابة، قادرة على حسم حروبها مع الجيوش الرسمية العربية في ساعات معدودة.

الآن، يرتكب الرئيس بايدن خطأ استراتيجيا لا يقل خطورة عن الخطأ الاوكراني، بإشهاره مشروع طريقه التطبيعي الجديد، الذي أراده ان يقوم على أنقاض طريق الحرير الصيني، بربط الهند، إسرائيل الآسيوية الجديدة، بالقارة الأوروبية، عبر دول خليجية ومرورا بدولة الاحتلال وميناء حيفا، في إطار خطة تطبيعية تمنحها شرعية إقليمية تسهل دمجها في المنطقة، لما يطيل بعمرها بضعة سنوات، والقاء عبئها الثقيل على عاتق دول مجلس التعاون الخليجي الثرية، بقيادة المملكة العربية السعودية.

استبعاد الدول الرئيسية الثلاث من مشروع “طريق بايدن” أي مصر وسورية والعراق، الى جانب ايران وتركيا، ولمصلحة “اسرائيل”، ربما يؤدي الى إيقاظها من سباتها العميق، والتقارب فيما بينها واستعادة دورها الإقليمي والعالمي، واندماجها في منظومة إقليمية معادية لواشنطن وحليفها الإسرائيلي، ومتحالفة مع المحور الصيني الروسي، في المستقبل المنظور.

فاذا كانت اتفاقات “كامب ديفيد” التي رعاها الرئيس “الديمقراطي” جيمي كارتر نجحت في تفتيت المنطقة، وإنهاء القيادة المصرية لها، ومنح إسرائيل جرعة قوية من السلام والامن والاستقرار والشرعية المؤقتة، واذا كانت حرب احتلال العراق أخرجته من معادلات القوة الإقليمية، وجمدت نموه العسكري والاقتصادي الواعد، والشيء نفسه ينطبق أيضا على الحرب الأخرى المتجمدة لتفتيت سورية، ووضعها تحت حصار فاشي خانق، فإن مشروع طريق بايدن الجديد هذا قد يتحول الى طوق النجاة، وتحقيق الصحوة المأمولة المنتظرة للتقارب والاتحاد مجددا، ضد هذا المشروع والعمل على إجهاض أهدافه الخبيثة.

هناك ثلاثة مؤشرات رئيسية تدعم هذه النظرية، وتنبئ بالتغييرات المتوقعة في المنطقة في المرحلة القادمة:
الأول: زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الأخيرة للصين، والاستقبال الحافل الذي حظي به من قبل قيادتها، والتوقيت الذكي لها، واتفاقات التعاون التي جرى توقيعها على هامشها في المجالات الاقتصادية والعسكرية، وبما يسهل مرور طريق الحرير الصيني عبر أراضيها.

الثاني: التقارب المصري الإيراني الذي تمثل في اللقاء بين وزيري خارجية البلدين، أي مصر وايران، على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهو تقارب مرشح للتعزيز، وخاصة من قبل الجانب المصري الذي جرى تهميشه من قبل إدارة بايدن، وادركت قيادته ان مشروع طريق بايدن يستهدف قناة السويس بالدرجة الأولى.

الثالث: هزيمة ملموسة للسلاح الغربي في الحرب الأوكرانية، وتعاظم التنسيق الروسي الصيني، ودخول أسلحة وذخائر جديدة متطورة من مصادر لم تكن متوقعة، مثل ايران (المسيّرات)، وكوريا الشمالية (الصواريخ والقنابل)، وربما قريبا تركيا التي تتدهور علاقاتها مع واشنطن بشكل متسارع في مقابل “ترسخ” الصداقة الشخصية بين بوتين ورجب طيب اردوغان.

صحيح ان هناك هجوما أمريكيا إسرائيليا مضادا ينعكس في محاولة العودة بقوة لاستخدام سلاح الأقليات العرقية، وإحياء العنف الطائفي العرقي لتفتيت سورية، وفصل جنوبها عن شمالها، وشرقها عن غربها، وزيادة الضغوط على “حزب الله” في لبنان من خلال “إحياء” حروب المخيمات الفلسطينية (مخيم عين الحلوة)، و”نحت” دور اردني متجدد للتورط في المخطط الجديد (السويداء ودرعا)، تحت عنوان “مضلل” وهو محاربة تهريب السلاح والمخدرات، ولكن فرص نجاح هذا الهجوم تظل محدودة، ان لم تكن شبه معدومة، ولن تكون أفضل من فرص نجاح الهجوم الاوكراني المضاد الذي تجمع آراء الخبراء على فشله، رغم المليارات وصفقات السلاح الامريكية الاوروبية
***
لا نتحدث هنا انطلاقا من أُمنيات، وانما إستنادا الى وقائع ملموسة على الأرض، وقراءة متعمقة للتطورات في المنطقة والعالم، فمن كان يتوقع هزيمة أمريكية، وانسحاب مهين من أفغانستان، ومن كان يتصور حدوث هذه النهاية “البائسة” لتدخل حلف “الناتو” في ليبيا؟ ومن كان يحلم بطرد فرنسا وإنهاء هيمنتها التي استمرت قرونا للقارة الافريقية، بعد الثورات او الانقلابات العسكرية الأربعة الأخيرة المتتابعة.

فعندما تعجز “إسرائيل” وجيشها الذي لا يهزم عن اقتلاع خيمة لمقاتلي “حزب الله” في مزارع شبعا خوفا من الصواريخ، وترتعش رعبا من مجرد عودة البالونات الملغمة الحارقة المنطلقة من قطاع غزة، وتفشل في كل تهديداتها المستمرة والمصحوبة بالصور والخرائط منذ عشرين عاما لتدمير البرنامج النووي الإيراني، لمنع تحول ايران الى دولة نووية، وتخصيب مئات الكيلوغرامات من اليورانيوم بدرجات تفوق نسبة الـ 60 بالمئة، ومن كان يتصور بأن تلجأ موسكو الى المسيّرات الإيرانية، وربما غدا “التركية” لتغيير معادلات القوة في حرب أوكرانيا، فالكتابة واضحة على جدار المنطقة.

متفائلون.. بل نغرق في التفاؤل.. نعم.. ولكنه تفاؤل مبني على الحقائق على الأرض، ونتيجة إيمان وثقة بهذه الأمة وعقيدتها،.. وإرادة شعوبها، وجيناتها الإمبراطورية، وإرثها الحضاري العميق، وهذا لا يُعيبنا بل يُعيب من يرون غير ذلك.. والأيام بيننا.

نقلاً عن رأي اليوم

المصدر: سام برس

كلمات دلالية: طریق بایدن

إقرأ أيضاً:

اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى

 

مثّلت الحرب الشاملة التي شُنّت على اليمن في مارس 2015، التدشين العملي والأخطر لمؤامرة دولية مركبة، حيكت خيوطها بعناية فائقة في الغرف المظلمة بين واشنطن وتل أبيب؛ فالموقع الجيوسياسي لليمن، الحاكم على رئة العالم في باب المندب، جعل منه هدفاً دائماً لأطماع قوى الاستكبار التي ترى في استقلال هذا البلد تهديداً وجودياً لمشاريعها في المنطقة، ولعل المتأمل في مسار الأحداث يدرك بيقين أن ما يجري هو عقاب جماعي لشعب قرر الخروج من عباءة الوصاية.

إن القراءة المتأنية للرؤية الأمريكية والإسرائيلية تجاه اليمن تكشف تحولاً جذرياً في التعامل مع هذا الملف، فمنذ نجاح الثورة الشعبية في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، أدرك العقل الاستراتيجي في البيت الأبيض والكيان الصهيوني أن اليمن قد غادر مربع التبعية التي كرسها “سفراء الدول العشر” لسنوات طويلة، وأن القرار اليمني لم يعد يصاغ في السفارات الأجنبية. لقد كانت تلك اللحظة بمثابة زلزال سياسي دفع بنيامين نتنياهو مبكراً للتحذير من أن سيطرة القوى الثورية الوطنية على باب المندب تشكل خطراً يفوق الخطر النووي، وهو ما يفسر الجنون الهستيري الذي طبع العدوان لاحقاً. وقد تجلت هذه الرؤية بوضوح صارخ في المرحلة الحالية، وتحديداً مع انخراط اليمن في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، حيث سقطت الأقنعة تماماً، وانتقلت أمريكا من إدارة الحرب عبر وكلائها الإقليميين إلى المواجهة المباشرة بالأساطيل وحاملات الطائرات، بعد أن أدركت أن أدواتها في المنطقة عجزت عن كبح جماح المارد اليمني الذي بات يهدد شريان الحياة للاقتصاد الصهيوني.

وعند النظر إلى الخارطة العملياتية للمؤامرة، نجد أن العدو اعتمد استراتيجية خبيثة تقوم على تقسيم الجغرافيا اليمنية وظيفياً، والتعامل مع كل جزء بأسلوب مختلف يحقق غاية واحدة هي “التدمير والإنهاك”. ففي المناطق والمحافظات الحرة التي رفضت الخضوع، لجأ التحالف الأمريكي إلى استراتيجية “الخنق والتجويع” كبديل عن الحسم العسكري المستحيل؛ فكان قرار نقل وظائف البنك المركزي في سبتمبر 2016 الضربة الاقتصادية الأخطر التي هدفت لضرب العملة الوطنية وتجفيف السيولة، مترافقة مع حصار مطبق على الموانئ والمطارات، في محاولة بائسة لكسر الإرادة الشعبية عبر لقمة العيش، ومؤخراً محاولة عزل البنوك اليمنية عن النظام المالي العالمي، وهي ورقة ضغط أخيرة تم إحراقها بفضل معادلات الردع الصارمة التي فرضتها صنعاء.

أما في الجانب الآخر من المشهد، وتحديداً في المحافظات الجنوبية والمناطق المحتلة، فتتجلى المؤامرة في أبشع صورها عبر استراتيجية “الفوضى والنهب”، حيث يعمل المحتل على هندسة واقع سياسي وعسكري ممزق يمنع قيام أي دولة قوية؛ فمن عسكرة الجزر الاستراتيجية وتحويل “سقطرى” إلى قاعدة استخباراتية متقدمة للموساد وأبو ظبي، وبناء المدارج العسكرية في جزيرة “ميون” للتحكم بمضيق باب المندب، إلى النهب الممنهج لثروات الشعب من النفط والغاز في شبوة وحضرموت، بينما يكتوي المواطن هناك بنار الغلاء وانعدام الخدمات. إنهم يريدون جنوباً مفككاً تتنازعه الميليشيات المتناحرة، ليبقى مسرحاً مفتوحاً للمطامع الاستعمارية دون أي سيادة وطنية.

وأمام هذا الطوفان من التآمر، لم يقف اليمن مكتوف الأيدي، بل اجترح معجزة الصمود وبناء القوة، مستنداً إلى استراتيجية “الحماية والمواجهة” التي رسمتها القيادة الثورية بحكمة واقتدار. لقد تحول اليمن في زمن قياسي من وضع الدفاع وتلقي الضربات إلى موقع الهجوم وصناعة المعادلات، عبر بناء ترسانة عسكرية رادعة من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والطائرات المسيرة التي وصلت إلى عمق عواصم العدوان، بل وتجاوزتها لتدك “أم الرشراش” وتفرض حصاراً بحرياً تاريخياً على الكيان الصهيوني، مسقطة بذلك هيبة الردع الأمريكية في البحر الأحمر. هذا المسار العسكري وازاه مسار اقتصادي يرفع شعار الاكتفاء الذاتي والتوجه نحو الزراعة لكسر سلاح التجويع، ومسار تحصين الجبهة الداخلية عبر ترسيخ الهوية الإيمانية التي كانت السد المنيع أمام الحرب الناعمة.

خلاصة المشهد، أن اليمن اليوم، وبعد سنوات من العدوان والحصار، لم يعد ذلك “الحديقة الخلفية” لأحد، بل أصبح رقماً صعباً ولاعباً إقليمياً ودولياً يغير موازين القوى، وأن المؤامرة التي أرادت دفن هذا البلد تحت ركام الحرب، هي نفسها التي أحيت فيه روح المجد، ليصبح اليمن اليوم في طليعة محور الجهاد والمقاومة، شاهداً على أن إرادة الشعوب الحرة أقوى من ترسانات الإمبراطوريات.

 

مقالات مشابهة

  • إدارة بايدن تجمد التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل بسبب جرائم حرب في غزة
  • وزير الري يشهد فعاليات ورشة عمل "خريطة طريق للجيل الثانى لمنظومة المياه 2.0"
  • «الليجا» تُطلق مشروعاً استراتيجياً في المنطقة
  • أسبوع أبوظبي المالي يرسم خريطة طريق لمستقبل سوق الديون المرمّزة
  • تسليم وتدشين العمل بمشروع رصف طريق في بعدان بإب
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • عائدات قياسية لشركات الأسلحة.. كيف غيّرت الحرب الروسية على أوكرانيا خريطة الصناعات الدفاعية؟
  • خريطة طريق لتطوير منظومة تشريعية نموذجية للتجارة والمنصات الرقمية
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى
  • متحدث الحكومة يكشف تفاصيل مشروع ضخم يُعيد رسم خريطة السياحة حول الأهرامات