كيف غيرت موسكو مسار الثورة السورية وموازين القوى بعد 8 سنوات من تدخلها؟
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
ثماني سنوات مرت على التدخل الروسي في سوريا، حيث تغيرت موازين القوى في البلد الذي شهد ثورة بدأت سلمية ومن ثم تحولت إلى مسلحة، تحت ضغط القمع الدموي للنظام.
يمثل الـ 30 أيلول/سبتمبر 2015، علامة فارقة قد تكون الأهم في تاريخ الثورة السورية، فما بعد هذا التاريخ ليس كما قبله، والثورة التي أخذت بالاتساع بدأت أراضيها تنحسر تحت ضربات الميغ الروسية.
انتعش النظام السوري بطوق النجاة الروسي، الذي نجح بمساعدة النظام عسكريا على استعادة زمام المبادرة، لكنه فشل بجوانب أخرى، ناهيك أن الحرب لم تنته بعد.
بداية التدخل
جاء التدخل الروسي بعد أن فقد النظام كثيرا من الأراضي، وباتت المعارضة والفصائل المسلحة تقاتل في أحياء دمشق وتسيطر على ريفها، كما أحكمت سيطرتها على إدلب واتجهت جنوبا نحو حماة.
شرق البلاد لم يكن أفضل حالا بالنسبة للنظام، هناك يسيطر تنظيم الدولة على مناطق شاسعة من دير الزور ويقاتل النظام في أحياء المدينة المتبقية تحت سيطرته كما يحاصر مطار المحافظة، فضلا عن سيطرته على مدينة الرقة التي انتزعها من المعارضة المسلحة.
لم يكن اعتماد النظام على مساعدة حزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية العراقية، كافيا لقلب كفة الصراع لصالحه، بل بات المشهد وكأن المعارضة والفصائل "الإسلامية" تقضم الأرض شيئا فشيئا من تحت سيطرة النظام.
شعرت إيران بخطورة المشهد، فأوفدت قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إلى موسكو في حزيران/يونيو 2015، لطلب مساعدة الروس، بحسب وكالة رويترز.
تنقل الوكالة عن مسؤول إيراني قوله، "وضع سليماني خريطة سوريا على الطاولة أمام الروس الذين كانوا مرتبكين كثيرا وشعروا بأن الأمور في انحدار وأن النظام أضحى في خطر حقيقي".
يومها أكد الجانب الإيراني أنه لا يزال هناك فرص وقدرة على استعادة زمام المبادرة، وأقنعهم سليماني حينها أنهم لم يخسروا كل الأوراق، وفقا لرويترز.
وتذكر الوكالة نقلا عن مسؤولين إيرانيين، أن مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف زار طهران قبل شهر من التدخل الروسي، وأجرى مقابلات مع المسؤولين الإيرانيين، على رأسهم حسين أمير عبد اللهيان، الذي يتولى الآن منصب وزير الخارجية.
من جانبها قالت موسكو حينها، إن تدخلها في سوريا جاء نتيجة لطلب رسمي من الأسد الذي تحدث عن مشاكل يواجهها جيشه، عندما قال إن الجيش يواجه نقصا في الطاقة البشرية، مشيرة إلى أن الحلف الجديد يهدف لمواجهة تنظيم الدولة.
لكن العملية الروسية التي بدأت بالقصف المكثف، لم تستهدف التنظيم لوحده، بل شملت فصائل المعارضة حتى تلك التي تقاتل التنظيم، عندها بدا واضحا أن الروس عازمون على منع سقوط النظام.
يقول الخبير العسكري السوري أديب العليوي، "إن التدخل الروسي لم يكن ليحدث لولا وجود ضوء أخضر أمريكي-إسرائيلي، حيث كانت وظيفته بالأساس إعادة التوازن، بعد وضوح اقتراب حسم المعركة لصالح الثوار الذين وصلوا إلى دمشق".
وأضاف في حديث لـ "عربي21"، "أن إعادة التوازن يعني بالتحديد تطبيق الخطة الأمريكية في سوريا وهي معادلة (لا غالب ولا مغلوب) لذا استطاع التدخل الروسي إمالة الكفة لصالح النظام نسبيا، فلم يكن مطلوبا منهم حسم المعركة".
إنقاذ الأسد
منذ اليوم الأول دعمت روسيا النظام السوري لكنها لم تنخرط في الحرب فعليا حتى أيلول/سبتمبر 2015، حيث زجت بعد هذا التاريخ بثقلها العسكري ومثل تدخلها بداية لتراجع المعارضة السورية على الأرض.
هاجمت المقاتلات الروسية مختلف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وبدأ النظام حينها قطف ثمار تدخل موسكو، الذي تجلى باستعادة السيطرة على مدينة حلب شمالي البلاد في كانون الأول/ديسمبر 2016، بعد أربع سنوات من معارك طاحنة تقاسمت فيها قوات المعارضة والنظام السيطرة على المدينة.
بعد حلب اتجه النظام مدعوما بالغطاء الجوي الروسي، لبقية المناطق من حمص وأريافها حتى العاصمة دمشق، حيث استعاد النظام السيطرة على معاقل المعارضة في غوطة دمشق عام 2018.
وتوالت خسائر المعارضة على طول الخارطة السورية من ريف دمشق وجبال القلمون حتى درعا التي خسرت فيها المعارضة هناك مناطقها منتصف 2018، كما حقق النظام بمساعدة الروس انتصارات على تنظيم الدولة الذي طرد من مناطق سيطرته جنوب الفرات في دير الزور والبادية السورية.
وكانت آخر معارك كسر العظم بين النظام والمعارضة، سيطرته على مدينة خان شيخون بريف إدلب منتصف عام 2019، قبل أن يطغى الجمود على الواقع العسكري في البلاد.
وذكر الخبير العسكري السوري أديب العليوي، "لم يكن للروس تواجد بري كبير، الذي كان واضحا مع المليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني، بالرغم من مشاركة الروس بريا أحيانا، عبر ضباط ومستشارين أو وحدة فاغنر في بعض المعارك فقط، خصوصا بالمناطق التي تسعى موسكو للسيطرة عليها وتكون في الغالب ذات ثروات طبيعية".
وتابع، "السيطرة الروسية يمكن وصفها بالمعينة حيث تتواجد الشرطة العسكرية الروسية في حلب وحمص ودرعا مثلا، لكنها بالمقابل دعمت النظام عن طريق الجو بشكل كبير جدا".
وأضاف العليوي، "أن المعارضة كانت تحتاج لصواريخ مضادة للطائرات لإيقاف القصف لا سيما البراميل التي تلقيها الحوامات، لكن الحاجة الأكثر أهمية في حينها تتمثل بالدعم الدولي الصريح والحقيقي لإسقاط النظام".
ويرى العليوي، "أن هناك عدة أسباب حالت دون حسم المعركة لصالح المعارضة، على رأسها التدخل الدولي الذي منع فصائل المعارضة من التقدم باتجاه دمشق، فضلا عن الصراع الداخلي بين الفصائل".
الأرض المحروقة
استخدمت القوات الروسية سياسة الأرض المحروقة، في حربها ضد المعارضة، وهذا يظهر واضحا في مشاهد الدمار الصادمة وأعداد الضحايا الكبيرة من المدنيين في المناطق التي استعادها النظام.
مسحت أحياء كاملة من مدينة حمص وغوطة دمشق وبلدات في درعا وحماة وإدلب ودير الزور، بفعل القصف الروسي، وأدى ذلك إلى مقتل أكثر من 7000 مدني على يد القوات الروسية منذ تدخلها في الحرب عام 2015، بحسب إحصائية للشبكة السورية لحقوق الإنسان صدرت أواخر أيلول/سبتمبر المنصرم.
وتقول الشبكة إنها وثقت مقتل 6954 مدنيا بينهم 2046 طفلا و978 سيدة على يد القوات الروسية لوحدها منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا قبل 8 سنوات.
وأكدت توثيقها بالصوت والصورة ما لا يقل عن 360 مجزرة ارتكبتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا، إلى جانب 1246 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية من مدارس ومنشآت طبية وأسواق.
ووفقا لتقرير الشبكة فقد قتل 70 من الكوادر الطبية و44 من كوادر الدفاع المدني على يد القوات الروسية خلال 8 سنوات. كما لقي 24 إعلاميا حتفهم خلال الفترة نفسها.
وأوردت الشبكة إحصائية لشن القوات الروسية 237 هجوما بذخائر عنقودية وكذلك 125 هجوما بأسلحة حارقة منذ عام 2015.
وسجلت مدينة حلب أعلى نسبة في عدد القتلى بحسب إحصائية الشبكة الحقوقية، بواقع 2789 مدنيا، تليها إدلب بـ 2593 ضحية من المدنيين.
ومع الغزو الروسي لأوكرانيا، استذكر العالم ما جرى في سوريا، حتى قال الجنرال أولكسندر سيرسكي قائد القوات البرية الأوكرانية، إن موسكو تستخدم استراتيجية الأرض المحروقة في بلاده كما فعلت في سوريا.
وفي آذار/مارس العام الماضي قالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"؛ إن العقيدة العسكرية لموسكو ترتكز على استخدام الأسلحة الثقيلة والقصف الجوي لتدمير من يقف أمامها، محذرة من أن تستخدم روسيا استراتيجية الأرض المحروقة في أوكرانيا، كما فعلت بالشيشان وسوريا.
تكلفة ثقيلة
تنتشر القوات الروسية في عدد من المواقع العسكرية الروسية في سوريا التي يتجاوز عددها 100 موقع، منها 20 قاعدة تحكّم وسيطرة أبرزها قاعدة "حميميم" الجوية بريف اللاذقية، وقاعدة طرطوس البحرية، وفقا لمركز جسور للدراسات.
وتتواجد القوات الروسية في محافظات دير الزور، الحسكة، الرقّة، حلب، اللاذقية، طرطوس، حماة، حمص ودمشق والسويداء والقنيطرة.
وشارك في ذلك التدخل الروسي منذ بداياته أكثر من 60 ألف جندي، ونحو 26 ألف ضابط، وأدت عملياتها العسكرية إلى القضاء على أكثر من 133 ألف إرهابي، وفقاً لوزارة الدفاع الروسية.
وشكلت القوات الروسية مجموعات عسكرية تابعة لها بشكل مباشر، أبرزها "الفيلق الخامس" و"قوات النمر" حيث ساهمت المجموعتان بشكل كبير في التقدم الذي أحرزه النظام على حساب المعارضة والمجموعات المناهضة له.
ولم تصدر روسيا إحصائية لقتلاها في سوريا، سوى ما أعلنه النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما، أندريه كراسوف في آذار/مارس 2019، بأن 112 جنديا روسيا قتلوا خلال النزاع المسلح في سوريا.
أما عن التكلفة الاقتصادية، فقد أشارت دراسة لمؤسسة البحوث الدولية "أي إتش إس" ومقرها لندن، إلى أن معدل النفقات العسكرية الروسية في سوريا يبلغ بين 3 إلى 4 ملايين دولار يوميا.
ولا تشمل هذه الإحصائية، الدعم بالسلاح الذي قدمته روسيا للنظام، حيث لم تقبض ثمن تلك الأسلحة وحولتها إلى ديون طويلة الأجل، أو اختارت تحصيلها من خلال مزايا أو اتفاقيات تضمن بها مصالحها وتواجدها بالمنطقة، وفقا للأناضول.
انعكاسات حرب أوكرانيا
انعكس الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في شباط/فبراير العام الماضي، بالسلب على وجودها في سوريا، حيث تحول تركيز الكرملين نحو كييف التي أصبحت ساحة لمواجهة غير مباشرة مع الغرب.
عقب غزو أوكرانيا اتسعت الهوة بين موسكو والغرب بشكل عام، كما أن طول أمد الحرب أثر على الإمكانيات العسكرية الروسية في سوريا.
وتحدثت عن تقارير عن نقل روسيا قوات من سوريا نحو الجبهة في أوكرانيا، وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، أن موسكو سحبت أنظمة دفاع جوي رئيسية وبعض القوات من قواعدها في سوريا لتعزيز حربها على الجارة أوكرانيا.
من وجهة نظر الخبير العسكري أديب العليوي، "فإن الحرب الأوكرانية لم يكن لها انعكاسات كبيرة على الوضع في سوريا، على عكس آراء الكثير من الخبراء والمحللين الذين توقعوا تغيرا كبيرا في الساحة السورية".
وعزا العليوي ذلك إلى عدة أسباب أهمها، "أن القوة الروسية في سوريا تعتمد على الجو بشكل أساس فنقل سرب أو أكثر إلى أوكرانيا لن يحدث تغييرا كبيرا على الأرض لا سيما مع حالة الهدوء النسبي الذي تشهده الجبهات في سوريا".
وأردف، "كما لا توجد قوات برية بأعداد كبيرة سوى فقط مجموعات من الشرطة العسكرية والقوات التي تنتشر في حقول النفط والغاز وتساعدها في ذلك قوات فاغنر".
وردا على سؤال حول إمكانية فتح جبهة في سوريا بالتزامن مع تعثر روسيا في أوكرانيا، أجاب العليوي، "أن المعركة في سوريا ليست بين المعارضة والروس، بل مع النظام الذي تساعده موسكو، فإذا فتحت أي جبهة ستتدخل المليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني وقوات النظام، أما روسيا ستوفر غطاء جويا فقط، وكما هو معروف فإن القوات البرية هي من تحسم المعركة، وهذه موجودة فعليا على الأرض متمثلة بالنظام والمليشيات الداعمة له".
وختم بالقول، "إن فتح جبهة في سوريا أمر صعب جدا، لا سيما أن الأوضاع هناك أصبحت أكثر انضباطا، فجميع فصائل المعارضة لا تمتلك قرارا حرا لذا من المستبعد حاليا فتح أي جبهة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سوريا الثورة حلب القوات الروسية سوريا حلب الثورة اوكرانيا القوات الروسية تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العسکریة الروسیة فی الروسیة فی سوریا الأرض المحروقة القوات الروسیة التدخل الروسی لم یکن
إقرأ أيضاً:
المرأة التي واجهت إرث تشافيز ومادورو.. من هي ماريا كورينا ماتشادو الفائزة بجائزة نوبل للسلام؟
حصلت السياسية الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو على جائزة نوبل للسلام لعام 2025، في اعتراف دولي بنضالها من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في فنزويلا، ما رسّخ مكانتها كإحدى أبرز الشخصيات المؤثرة في أمريكا اللاتينية. ماذا نعرف مسيرتها قبل هذا التكريم؟ اعلان
وُلدت ماريا كورينا ماتشادو باريسكا في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1967 في العاصمة كاراكاس، لعائلة ميسورة الحال وتعد من أبرز العائلات العاملة في قطاع الصلب. نشأت في بيئة مرفهة أتاحت لها التعليم في مؤسسات خاصة مرموقة، وتخرّجت مهندسة صناعية من جامعة أندريس بيلو الكاثوليكية عام 1989، قبل أن تتخصّص في المالية بمعهد الدراسات العليا.
قبل دخولها المعترك السياسي، بنت ماريا كورينا ماتشادو مسيرة مهنية في مجال الأعمال، إذ أسهمت خلفيتها التقنية وخبرتها في القطاع الخاص في بلورة رؤيتها الليبرالية للاقتصاد ودفاعها عن مبادئ السوق الحرة، التي شكّلت لاحقًا جوهر خطابها السياسي.
الحياة الشخصية والعائلةتزوّجت ماريا كورينا ماتشادو من رجل الأعمال ريكاردو سوسا برانجر بين عامي 1990 و2001، وأنجبا ثلاثة أبناء: آنا كورينا، ريكاردو، وهينريكه. ومنذ نحو عقد، تربطها علاقة مستقرة بالمحامي جيراردو فرنانديز، إلا أنّها حرصت على إبقاء حياتها الخاصة بعيدة عن الأضواء، مفضّلة التركيز على نشاطها السياسي.
يعيش أبناؤها الثلاثة حاليًا خارج فنزويلا لأسباب أمنية، في انعكاس للتوترات السياسية والمخاطر التي تتعرض لها العائلة نتيجة نشاطها المعارض. ورغم المسافة، تؤكد ماتشادو في تصريحاتها العلنية على متانة الروابط التي تجمعها بأبنائها.
Related من غرفة صغيرة في عمّان إلى منصة نوبل.. عمر ياغي يُتوَّج بجائزة الكيمياء لعام 2025 لجنة نوبل النرويجية تمنح جائزة نوبل للسلام إلى زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماشادومن "اتفاقيات أبراهام" إلى خطة غزة.. هل تكفي مبادرات ترامب لانتزاع جائزة نوبل للسلام؟ البدايات والنشاط المدنيشكّل عام 2002 محطة مفصلية في مسيرة ماريا كورينا ماتشادو، في ظل الأزمة السياسية الحادة التي عاشتها فنزويلا تحت حكم هوغو تشافيز. في تلك الفترة أسست منظمة "سوماتِه" (Súmate)، وهي مبادرة مدنية سرعان ما تحولت إلى فاعل رئيسي في الدفاع عن حق التصويت وتعزيز المشاركة المدنية، خصوصًا في ما يتعلق بالاستفتاء على سحب الثقة.
نظّمت "سوماتِه" حملة لجمع التواقيع تمهيدًا للاستفتاء على سحب الثقة من تشافيز عام 2004، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا ودفعت ماتشادو إلى واجهة المشهد السياسي الوطني. وقد اتهمتها حكومة تشافيز آنذاك بتلقّي تمويل خارجي والتآمر ضد الدولة، وهي اتهامات نفتها باستمرار. تلك التجربة جعلت منها شخصية مثيرة للجدل وبارزة في صفوف المعارضة.
المسيرة البرلمانيةفي أيلول/ سبتمبر 2010، انتُخبت ماريا كورينا ماتشادو نائبة في الجمعية الوطنية بعد أن حصدت أعلى عدد من الأصوات بهامش فوز غير مسبوق مقارنة بأي مرشح آخر في تلك الانتخابات. تميّز أداؤها البرلماني بخطابات حادة ومواجهات مباشرة مع ممثلي تشافيز، ما جعلها من بين أبرز رموز المعارضة.
وخلال ولايتها النيابية، دأبت على التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان والفساد المستشري وتراجع المؤسسات الديمقراطية. وقد جعل أسلوبها التصادمي ورفضها لأي شكل من أشكال التفاوض مع الحكومة منها شخصية مختلفة عن قادة المعارضة الأكثر اعتدالًا.
في عام 2013، أسست ماريا كورينا ماتشادو حزب "فينتي فنزويلا" (هيا فنزويلا)، وهو تنظيم سياسي ليبرالي أصبح منصتها الأساسية في العمل السياسي. ومنذ ذلك الحين، عززت حضورها كإحدى أبرز قيادات المعارضة الفنزويلية، خصوصًا في صفوف التيارات الأكثر تشددًا التي ترفض أي حوار مع نظام نيكولاس مادورو.
تستند قيادتها إلى خطاب واضح ومبادئ راسخة تقوم على الدفاع عن الحرية الاقتصادية والسياسية، ورفض مطلق للنموذج الاشتراكي، وهو نهج جعلها تحظى بإعجاب واسع وكذلك انتقادات حادة بسبب صلابتها.
الإقصاء والسباق إلى انتخابات 2024في عام 2023، أقدم نظام نيكولاس مادورو على إقصاء ماريا كورينا ماتشادو سياسيًا، مانعًا إياها من الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في 2024. ورغم هذا الحظر، حققت فوزًا كاسحًا في الانتخابات التمهيدية للمعارضة، ما رسّخ مكانتها كشخصية محورية في الحركة المناهضة لتشافيز.
وأمام استحالة ترشحها رسميًا، أعلنت دعمها للمرشح إدموندو غونزاليس أوروتيا، محافظة على موقعها كزعيمة معنوية واستراتيجية لحملة المعارضة. وقد عكست قدرتها على حشد ملايين الفنزويليين، في الداخل وفي صفوف الجاليات بالخارج، حجم تأثيرها السياسي الذي يتجاوز حدود المناصب الرسمية.
تُعدّ ماريا كورينا ماتشادو من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في فنزويلا. فبالنسبة لمؤيديها، تجسّد رمزًا للمقاومة في وجه الدكتاتورية وقائدة شجاعة مستعدة للتضحية بكل شيء من أجل الديمقراطية، بينما يرى منتقدوها أنها تمثل صوت النخبة الاقتصادية البعيدة عن هموم الشعب، ويتهمونها بتبنّي مواقف سياسية متشددة.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار قدرتها على إبقاء شعلة المعارضة حيّة في أحلك المراحل، وصلابتها في مواجهة الاضطهاد الحكومي. وجاءت جائزة نوبل للسلام لعام 2025 اعترافًا بمسيرتها في النضال السلمي من أجل الديمقراطية وسط ظروف قاسية.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة