من يملك رؤية أفضل.. عليه أن يقدمها
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
أن الحرب سوف تستمر مادامت العملية السياسية قد عجزت أن تفتح أفاقا جديدة للحل، تتجاوز بها طريقة التفكير القديمة للنخب السياسية و المثقفين السودانيين، هناك العديد من طلبات المقابلة قدمت لرئيس مجلس السيادة من قبل القوى المدنية، و كل يريد أن يقدم رؤاه لقائد الجيش، بعد ما لاح خبر تشكيل حكومة طواريء، و البعض يسميها تصريف أعمال، و آخرين يطلقون عليها فترة إنتقالية، و غيرها من التسميات لكن الهدف واحد هو كل مجموعة تعتقد أنها هي الأجدر من الأخريات و يجب ان تسلم لها السلطة.
كل مجموعة تتوافق أفكارها يحق لها ديمقراطيا أن تقدم رؤيتها للحل، و لكن لابد أن يكون لها قناعة أن هذه الرؤية تعتبر جزءا من آراء أخرى سوف تقدم من مجموعات مختلفة، هذه القناعة بالأخر و دوره في تأسيس الدولة، تعتبر طريقة جديدة لفتح منافذ الحوار بين المجموعات جميعها. لكن اصرار كل مجموعة بأنها وحدها التي يحق لها أن تقود الآخريات، و على الآخرين أن يقدموا فروض الطاعة و الولاء، هي طريقة سوف تؤدي إلي صراع يتولد منه العنف. و يبقى السؤال: هل النخب تبحث عن تشكيل حكومة مدنية لفترة إنتقالية، أم أنها تبحث عن تأسيس لدولة على أسس جديدة، من خلال إعادة النظر في هياكلها و مؤسساتها و طريقة الحكم؟ هاذان طريقان مختلفان تماما، الطريق الأول سوف يؤدي لذات النتائج السابقة عدم الاستقرار السياسي و الاجتماعي، لأن المجموعات سوف تتقاتل من أجل السلطة و كل واحدة تعتقد أنها أحق من الأخريات. أما الثانية سوف تجعل الكل مشاركا في عملية التأسيس من خلال مائدة حوار تتناول الدستور و نظام الحكم و توزيع الثروة و السلطة، و غيرها من مطلوبات الدولة، و لا تشعر أي قوى سياسية أنها منبوذة و تتخذ ما تراه هي مناسبا، بل على الكل تهيئة بيئة الحوار، و بذلك سوف تتوقف حالات العداء و التأمر. و توكل السلطة لكفاءات مستقلة ذات خبرات إدارية و سياسية و نزاهة و شفافية. وفق المعايير التي يتفق عليها.
أن حالة الاحتقان السائدة الآن ناتجة عن صراع حول السلطة، و كل مجموعة تريد أحتكارها وفقا لتصورها، و إذا أوكلت السلطة لكفاءات مستقلة سوف تقل المناكفات بين القوى المدنية و خاصة الأحزاب، و يصيح دور الأحزاب و القوى المدنية سياسي في ساحة حوار تؤسس للدولة الجديدة. و لكن لابد أن يكون هناك تناغما بين السلطة المدنية و المؤسسات العسكرية، خاصة أن البلاد تحتاج لاستقرار أمني يتطلب نزع السلاح من كل المجموعات المسلحة و من الأفراد و القبائل حتى يصبح السلاح فقط عند القوات المسلحة. هذه العملية لا يمكن انجازها في حالة المناكفة بين الطرفين. العملية السياسية في حاجة لطريقة تفكير جديدة، تؤسس على الحوار و تقديم الرؤى و التصورات بدلا عن حالة الاستقطاب الحادة تؤسس على مع و ضد.
و التفكير الجديد يذكرني ما كتبه أدور سعيد في مقدمة كتابه " المثقف و السلطة" يقول في المقدمة ( من المهام المنوطة بالمثقف أو المفكر أن يحاول تحطيم قوالب الأنماط الثابتة و التعميمات " الأختزالية" التي تفرض قيودا شديدة على الفكر الإنساني و على التواصل ما بين البشر) أن واحدة من سلبيات السياسة في السودان الصراع الأيديولوجي، و هو ليس صراعا فكريا يؤسس على المعرفة و يغذي المكتبة السياسية و الثقافية بأدب سياسي يصحح المفاهيم الخاطئة، يخرج الناس من حدة الصراع بين الأيديولوجيات، إلي الحوار الفكري المفتوح بين التيارات المختلفة. لكن ما يشاهد اليوم هو صراع عدمي نتائجه سالبة، و قد تأثرت به سلبا القوى السياسية الأخرى غير المؤدلجة. و يجب على النخب السياسية و المثقفين الذين وجدوا انفسهم في دائرة الاستقطاب أن يعيدوا النظر في هذا المسار حتى يخرجوا العملية السياسية من دائرة الصراع الصفري إلي الحوارات الفكرية المفيدة، بهدف خلق وعي جديد في المجتمع، وعي بناء و ليس هادم. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
///////////////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: کل مجموعة
إقرأ أيضاً:
الطائفية إستراتيجية انتخابية: صناعة الأصوات من الفزع
23 مايو، 2025
بغداد/المسلة: يسعى سياسيون في كل موسم انتخابي إلى إعادة إنتاج الطائفية كأداة تحشيد سهلة وسريعة، بعدما فشلوا في تقديم منجزات ملموسة يمكن الاستناد إليها في كسب أصوات الناخبين.
ويُعاد تدوير خطاب المظلومية بأشكال متعددة، كل مرة بلغة محدثة تُخاطب غرائز الجمهور وتستدعي ذاكرة الصراعات.
وتفيد مراقبات ميدانية ان الشيعي يخشى على “مكاسبه السياسية”، والسني يتوجس من التهميش والإقصاء، والكل يتحصن خلف سرديات قديمة أصبحت تتكرر حتى فقدت صدقيتها لكنها لم تفقد فاعليتها.
ويتغذى هذا الخطاب من بيئة إقليمية مشبعة بالتوتر، وأحداث الجوار – مثل التغيير في سوريا – تُوظّف كمرآة “تحذيرية” لما قد يقع في العراق، رغم اختلاف السياقات والأنظمة. فالتحذير من “سيناريو سوري” أصبح تيمة مكررة في دعايات انتخابية، .
وتتشكل دائرة مغلقة من التخادم بين النخب السياسية و”النخب الثقافية” التابعة، إذ يتم تسويق الخطاب الطائفي من خلال مؤثرين وإعلاميين وتغريدات تبدو مستقلة ولكنها في حقيقتها تشتغل ضمن ماكينة ترويج منسقة.
ومنصة “إكس” (تويتر سابقاً) تعج كل موسم انتخابي بـ”ترندات” تُصمم خصيصاً لإعادة إنتاج الانقسام، وتحقيق “العدوى الجماهيرية” .
ويُلاحظ أن بعض الساسة، ينزلقون نحو دعوات غريبة للانفصال أو إقامة إقليم طائفي.
ويتمادى البعض في استغلال فكرة “التوازن الطائفي”، كأنها قانون أزلي للحكم، غير عابئين بتجربة ما بعد 2003 التي شارك فيها الجميع، وساهمت فيها كل الكتل السياسية في إنتاج دولة ضعيفة ومختلة.
وتدل كل المؤشرات على أن الطائفية في موسم الانتخابات ليست مجرد انزلاق خطابي، بل هي استراتيجية منظمة لتأجيج المشاعر، وترسيخ الانقسام كشرط مسبق للتصويت. فكلما زاد الخوف، زادت فرص الصعود، وكلما تعمق الشرخ، سهل تسويق الزعيم بوصفه الحامي والضامن للمكون.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts