قراءة في الموقف التونسي: الصوت الأعلى
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
قراءة في الموقف التونسي: الصوت الأعلى
اللافت أن الرئيس التونسي لم يسارع كما جرت العادة للاتصال بمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية للتشاور.
برز موقف تونس مختلفا عن بقية الدول العربية التي أصدرت بيانات في هذا الشأن، بما في ذلك الموقف الجزائري على أهميته.
رغم تحفظات سعيد على الحركات الإسلامية بما فيها حركتا حماس والجهاد، لم يمنعه ذلك من الإعلان عن موقف مساند بدون تحفظ سياسي أو أيديولوجي.
إصدار قانون لتجريم التطبيع، أصبحت واردا في القريب العاجل أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع تطور الأحداث القادمة التي ستفجرها تداعيات "طوفان الأقصى".
انحاز بيان الرئاسة كليا وبدون تحفظ إلى المقاومة؛ لم يذكر حماس والفصائل المسلحة، لكن أكد بوضوح "حق المقاومة المشروعة للاحتلال، ولا يعدّ ذلك اعتداء وتصعيدا".
* * *
كان الرئيس التونسي قيس سعيد سعيدا بما يجري على الساحة الفلسطينية منذ الساعات الأولى، وهو ما جعل موقف تونس مختلفا عن بقية الدول العربية التي أصدرت بيانات في هذا الشأن، بما في ذلك الموقف الجزائري على أهميته.
فالرئيس رفض في صياغة البيان مختلف الخطوط الحمراء التي تلتزم بها عادة الأنظمة العربية بما في ذلك الدبلوماسية التونسية، وذلك خشية اتهامها من قبل الدول الكبرى والمنتظم الأممي بالعداء لإسرائيل، ورفض حقها في الوجود.
بقطع النظر عن الحسابات الخاصة بالصراع الداخلي التونسي، لقي موقف الرئاسة استحسانا من قبل أغلب مكونات الطيف السياسي، بما في ذلك المعارضون لسياسات الرئيس. فتونس اليوم رئاسة وأحزابا ومنظمات مجتمع مدني؛ مثل النقابات والقضاة والمحامين والصحفيين وغيرهم؛ على قلب رجل واحد، تؤيد حق المقاومة في الخطة التي أعدتها وشرعت في تنفيذها.
رفض البيان مجاراة المفردات المستعملة إعلاميا مثل "غلاف غزة"، في إشارة إلى المستوطنات التي زرعت حولها، قائلا بأنها "أرض فلسطينية ترزح تحت الاحتلال الصهيوني".
وهو تصحيح مهم له دلالاته وأبعاده، فتنشيط الذاكرة أمر على غاية من الأهمية، خاصة ضمن السياق الراهن، لهذا أشار البيان إلى ضرورة التذكير بالجرائم السابقة؛ مثل مذابح دير ياسين وكفر قاسم وخان يونس.
فقيس سعيد يفضل الحديث عن الصهيونية، ويتجنب قدر الإمكان استعمال مصطلح إسرائيل ككيان سياسي معترف به دوليا، ويعتبره الرئيس التونسي كيانا غير شرعي.
الأهم من ذلك، إصرار البيان الرئاسي على حق الفلسطينيين في "استعادة كل أرض فلسطين"، وهو ما يعني ضمنيا أن الرئاسة التونسية لا تقر بشرعية الدولة الصهيونية التي تأسست عام 48.
انحاز بيان الرئاسة كليا وبدون تحفظ إلى المقاومة؛ صحيح أنه لم يذكر حماس وغيرها من الفصائل المسلحة، لكن أكد بوضوح لا لبس فيه "حق المقاومة المشروعة للاحتلال، ولا يعدّ ذلك اعتداء وتصعيدا".
أخيرا، تم تذكير المجتمع الدولي بحق الفلسطينيين في "إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس" على كل فلسطين، وهو المطلب الذي تجاهلته الدول بعد أن غيّرت إسرائيل الجغرافيا، وعادت القيادات الصهيونية، خاصة الدينية منها إلى خرائط "إسرائيل الكبرى"، التي خلت بالكامل من الوجود الفلسطيني.
هذا الموقف التونسي الرسمي الصادر هذه الأيام، جاء مختلفا في جوانب أساسية عن الرؤية التي تبناها الرئيس بورقيبة منذ 1965، حين شجع الفلسطينيين على القبول بقرار التقسيم، وإقامة دولتهم على ذلك الأساس.
بهذا البيان الواضح وقطعي الدلالة، يكون الرئيس قد أكد عدم قبوله بمسألة التطبيع مهما كانت الضغوط. وموقفه هذا ستكون من نتائجه تعميق الفجوة بينه وبين جزء واسع من رؤساء دول العالم الغربي؛ الذين أكدوا بعد عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كونهم ملتزمين بالدفاع عن إسرائيل ضد ما وصفوه بـ"عدوان حماس الإرهابي".
ومن المتوقع في هذا السياق أن تتضاعف الضغوط على تونس، في محاولة من هذه الأطراف الدولية إضعاف قيس سعيد سياسيا واقتصاديا، وربما التفكير في التخلص منه بأي شكل من الأشكال، وهي فرضية قد تبدو مستبعدة وغير جدية، لكن بعد المنعرج الذي دخله الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والموقف الرسمي التونسي، فإن الدوائر الصهيونية، بعد أن تهدأ الأوضاع، ستراجع حساباتها وتعيد النظر في أكثر من ملف.
الأمر اللافت للنظر، أن الرئيس التونسي لم يسارع كما جرت العادة للاتصال بمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية للتشاور. ورغم تحفظات سعيد على الحركات الإسلامية عموما بما في ذلك حركتا حماس والجهاد، إلا أن ذلك لم يمنعه من الإعلان عن موقف مساند بدون تحفظ سياسي أو أيديولوجي.
إن إمكانية إصدار قانون لتجريم التطبيع، أصبحت واردة في القريب العاجل أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع تطور الأحداث القادمة التي ستفجرها تداعيات "طوفان الأقصى".
فعندما تحرك الولايات المتحدة مجموعة "حاملة طائرات هجومية"، وترسل 5000 جندي لمساعدة إسرائيل في حربها على الفلسطينيين، فذلك مؤشر على طبيعة المعارك التي ستدور رحاها؛ لأن الغرب الأمريكي والأوروبي بالذات غير مستعد للتخلي عن انحيازه المطلق للحركة الصهيونية، وعدم استعداده النظر بجدية في حجم الجرائم التي ترتكبها الدولة العبرية على مختلف الأصعدة.
إن غدا لناظره قريب.
*صلاح الدين الجورشي كاتب صحفي وناشط في المجتمع المدني
المصدر | عربي21المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إسرائيل فلسطين تونس التطبيع حماس الجهاد طوفان الاقصي الخطوط الحمراء الأنظمة العربية الدبلوماسية التونسية الرئیس التونسی بما فی ذلک
إقرأ أيضاً:
جولة في الصحافة العبرية: تفاعلات الضربة اليمنية في أروقة الصهيونية
يمانيون../
موجة من السخط والتذمّر تتكشف تباعاً في الأوساط الصهيونية نتيجة ما وصفه الإعلام العبري بالاستدارة الأمريكية غير المسبوقة، ورغم أنها استدارة لحظية تعبر عن خلاف بين شخصين ( نتنياهو وترمب) أكثر منها انقلاب على الشراكة الصهيونية الذي ينصهر فيها الأمريكي والعدو الإسرائيلي، بحكم أنه مشروع يرتبط بأعماق الكيانين وحكام الصهيونية الكبرى والحلم المنشود، إلا أنها أفرزت مجموعة من القراءات وجملة من التحذيرات من تداعيات الأزمة بين “الشريكين الاستراتيجيين” واحتمالية تأثيراتها على مستقبل الصهيونية. ونشير هنا إلى أن هذا الخلاف لم يؤثر البتة على قوافل الدعم العسكري والحربي ومختلف أشكال الدعم المالي والعسكري للعدوان الصهيوني.
في هذا التقرير قراءة عابرة على مجموعة من التصريحات التي دارت في أروقة الساسة وعلى سبيل نقاشات إعلامية جرت في وسائل إعلام العدو الإسرائيلي:
عبّر مايك هاكبي، سفير الولايات المتحدة في الكيان الصهيوني، عن قلقه إزاء الوضع قائلاً: “هذا الأمر ليس عملية التفاف على الإسرائيليين، إنما أمر ينهي هذا الجزء من العنف، فلنأتِ لإيقاف ما بقي من العنف. أعتقد أن علينا أن نستمر في الإيضاح لليمنيين أن هناك سبعمائة ألف أمريكي يقطنون في إسرائيل، وإذا أصابوا أحداً منهم أو ألحقوا بهم الضرر، فإن الولايات المتحدة ستقوم بشن هجوم ضدهم.”
وبقدر ما يعبر ظاهر التصريح الأمريكي عن تحذير لليمن إلا أنه يعكس تلميحا أمريكيا إلى ما يمكن وصفه بـ “إخلاء مسؤولية” تجاه التعهد التاريخي الأمريكي بحماية الكيان.
من جانبه، وصف أور هيلر، المراسل العسكري للقناة 13 الصهيونية، القرار الأمريكي بـ “الخيبة الكبيرة في المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي”، معتبراً أنه “يمثل عاملاً مشجعاً لليمنيين، الذين سيواصلون إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة نحوَنا.”
وكانت أوساطُ العدو الصهيوني قد عبرت عن صدمتها من قرار ترمب لأنه لم يخبر “إسرائيل” بهذا الاتفاق، وهو ما يعني أنه تركها وحيدة في الميدان لتواجه عدواً انتصر في حرب استمرت لسنوات على التحالف السعودي الإماراتي، لأن الولايات المتحدة كانت تكتفي بمجرد الدعم التسليحي والاستخباراتي والتقني دون أن تتدخل بشكل مباشر، وهو ما يتوقع أن يحصل مع “تل أبيب” التي ستكون عاجزة عن مواجهة اليمن، الذي أثبت باستهداف مطار “بن غوريون” أنه قادر على إيلام “إسرائيل”، وأنه على الرغم من الضربات الإسرائيلية سيستمر وبزخم أكبر في مساندته لغزة.
عميت سيغل، محلل سياسي صهيوني، قال: “نذكّر أن الأمريكيين لا يهاجمون اليمنيين لأنهم يطلقون الصواريخ نحو إسرائيل، لذا الاختبار حالياً هو أن اليمنيين سيتفرغون لمهاجمة إسرائيل، وإسرائيل ستضطر للعمل بمفردها، وتبقى إسرائيل متروكة جانباً، فكيف ستتصرف حيال ذلك؟”
باراك ساري، مستشار استراتيجي صهيوني، وصف القرار الأمريكي بـ “الخبر السيء جداً لإسرائيل من قبل ترامب بإعلان وقف الحرب ضد اليمن، وقد عقدنا عليه الكثير من التوقعات، وقد بقيت إسرائيل بمفردها، وأنا لا أعلم من أين التفاؤل لدينا، فاليمنيون قاتلوا ضد السعودية، والسعودية قاتلت ضدهم مع أفضل السلاح الأمريكي على مدى سنوات، وقد وجه السعوديون ضد اليمنيين كل الضربات الممكنة، وقد رد اليمنيون إلى أن استسلم السعوديون، لذا لا أرى أن الضربات الأكثر قوة ستكسرهم.”
توقعات بضربات يمنية قادمة
أجمعت أوساط العدو أن الرد اليمني سيأتي قريباً، وأن الضربات التي وجهتها “إسرائيل” له لن يكون لها تأثير ملموس على قدراته الصاروخية وسلاح المسيرات، وأن على “إسرائيل” أن تهيئ نفسها لضربات يمنية مستمرة، وربما تأخذ أشكالاً أكثر قسوة بعد أن عزلت واشنطن نفسها عن المشاركة المباشرة في الحرب.
أوهاد حيمو، محلل صهيوني للشؤون العربية، قال: “الخلاصة مقلقة جداً، ويبدو لي أن ذلك لم يفاجئ أحداً بأن اليمنيين يواصلون حتى الآن القول إنهم سيواصلون المعادلة نفسها من فرض الحصار الجوي على إسرائيل، وهم سيواصلون مهاجمة إسرائيل.”
الموغ بوكير، مراسل للقناة 12 الصهيونية، أضاف: “وفق تقديرات المستوى السياسي والعسكري، فلا يوجد من توقع أن لا تطلق المزيد من الصواريخ من اليمن نحو إسرائيل بعد الهجوم على مطار صنعاء، وهم سيختارون المزيد من الأهداف بهدف إيلامنا، وقد رأينا فهم يواجهون القتال منذ العام ألفين وأربعة عشر، وهم لم ينكسروا.”
فرص نجاح وتكامل الحظر الجوي المفروض يمنياً:
يتفاعل الحظر الجوي اليمني على مطارات العدو، في ظل تمديد شركات الطيران الأجنبية تعليق رحلاتها نحو فلسطين المحتلة، وآخرها إعلان شركة الطيران البولندية LOT Polish Airlines تعليق رحلاتها الى الـ 18 من الشهر الجاري، وذلك في ظل استمرار إطلاق الصواريخ والمسيرات اليمنية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما يصفه إعلام العدو بـ “رسائل الحرب النفسية” القادمة من اليمن، مع مؤشرات إلى نجاح تكاملها في فرض الحظر بشكل أكبر.
دين فيشر، مراسل لشؤون الطيران في القناة 12 الصهيونية، أوضح قائلاً: “قام اليمنيون بخطوة من الحرب النفسية المؤثرة، وأرسلوا رسائل إلكترونية إلى شركات الطيران الأجنبية، وقالوا لهم إن استمريتم بالسفر إلى “إسرائيل”، فإنكم ستكونون في مكانِ الخطر، وهذا الإنذار موجهٌ مباشرةً لكم. وقد قالت الشركات إن ما حصل يوم الأحد هو حدث استثنائي، لذا نحن نواصل دراسة خطواتنا، فهناك خطر حقيقي على إلغاء موسم الصيف، لأن شركات الطيران تعمل ليس فقط بناء على اعتبارات الأمان، إنما لاعتبارات اقتصادية، فإننا سنرى الحصار يتحقق، وإن كنا نأمل أن لا يحصل ذلك.”
نعاما سيكولر، رئيسة التحرير في نشرة غلوبس الاقتصادي الصهيونية، قالت “نحن أمام اقتصاد كلاسيكي حول العرض والطلب، والجميع في ظل إلغاء شركات الطيران الأجنبية رحلاتها يركضُ للشركات الإسرائيلية، وهذا يرفع أسعار البطاقات، والمشكلة الأكبر لدينا في هذا السياق هي أن الطواقم الأجنبية لا تريد الوصول إلى هنا، لأنها تخاف، وهم يسمعون أن هناك صواريخ تطلق نحو تل أبيب، وهم لا يريدون القدوم، وهذا هو الأثر النفسي. وبنظري، توجد موجةٌ إضافيةٌ من الشركات التي ستعيد تقييم الوضع في الأيام المقبلة، وقد بقينا مع الشركات الإسرائيلية، ومع من هم الأكثر وفاءً لنا، وهم الإماراتيون الذين لم يلغوا رحلاتهم لا في الموجة السابقة ولا الحالية.”
يشار الى أنّ توالي العمليات اليمنية يُذهب بسمعة الكيان المؤقت كوجهة آمنة للاستثمار، ويضع ورقة أمانها في يد اليمن الذي يبدي قدراً كبيراً من الدهاء في التعامل معها وتحويلها الى ورقة ضاغطة لصالح المقاومة الفلسطينية في الوقت الراهن، وذلك من خلال نتائجها العميقة التي تتشكل في أكثر من صعيد، من بينها في الوقت المنظور خلق بيئة مضطربة ليس فقط أمام السياحة، إنما لاقتصاد العدو بشكل كامل، خاصة مع تراجع الجدارة الائتمانية في ظل تذبذب حالة الاستقرار الأمني والسياسي.
موقع انصار الله – يحيى الشامي