سانا توثق حجم المعاناة… عجلة الحياة في غزة مهددة بالتوقف
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
القدس المحتلة-سانا
عجلة الحياة في قطاع غزة مهددة بالتوقف مع قرب نفاد مخزون الوقود الذي يمنع الاحتلال الإسرائيلي إدخاله، المستشفيات والمراكز الصحية باتت تعمل بالحد الأدنى، ومعظم سيارات الإسعاف خرجت من الخدمة، وأغلقت عدة مخابز أبوابها، مرافق حيوية كثيرة أصابها الشلل.
منظمة الصحة العالمية حذرت من أن نفاد الوقود يعد أحد أكبر المخاطر التي يواجهها أهالي القطاع، مشيرة إلى أن وضعه تجاوز حافة الهاوية، لكونه يشغل المستشفيات ومحطات المياه والمخابز وغيرها من المرافق الأساسية، بينما أكدت وزارة الصحة الفلسطينية أن المنظومة الصحية في القطاع فقدت كل قدراتها العلاجية والوقود اللازم لتشغيلها.
وبينت الوزارة أن المساعدات المحدودة التي دخلت إلى القطاع أمس غير كافية، ولم تصل إلى المستشفيات التي دخلت مرحلة الانهيار الفعلي مع خروج 7 منها، إضافة إلى 21 مركزاً صحياً من الخدمة، مطالبة بتوفير الحماية الدولية للمستشفيات والمؤسسات الصحية، والإسراع في إدخال الإمدادات الطبية والوقود إلى غزة لتفادي خسارة المزيد من الأرواح بين الجرحى والمرضى.
ويروي رفيق البطران من مخيم البريج وسط القطاع لمراسل سانا كيف حال عدم توفر الوقود دون وصوله إلى عائلته تحت أنقاض منزله الذي قصفه الاحتلال، قائلاً: استشهدت زوجتي وشقيقتي وبقي ستة من أفراد عائلتي تحت ركام المنازل التي تحولت إلى كومة ركام، مع وجود حفر عميقة في الأرض بفعل القصف، لا أعرف هل هم من الأحياء أم مع الشهداء، وقد تلاشى لدي الأمل في العثور عليهم مع مرور أربعة أيام على المجزرة البشعة، بعد أن دمر الاحتلال الحي الذي نسكنه بأكمله، ما أسفر عن استشهاد 70، وإصابة العشرات الذين لا يزال عدد كبير منهم تحت الأنقاض.
وأضاف البطران: عمليات البحث عن المفقودين توقفت لعدم توافر الوقود لعمل آليات الحفر، لا يوجد لتر واحد من الوقود وهذا فاقم الفاجعة، الاحتلال يتعمد قتلنا بمنع كل مقومات الحياة عنا من وقود وغذاء وماء، معرباً عن أمله بانتشال بناته الخمس ونجله الوحيد من تحت ركام المنازل، ليشيعهم ويودعهم كما والدتهم وشقيقته اللتان بالكاد تعرف عليهما لشدة ما أحدثته صواريخ الاحتلال بجثمانيهما.
ومع استمرار الاحتلال الإسرائيلي بمنع إدخال الوقود ونفاده، تصبح أعمال انتشال الجرحى والشهداء من تحت ركام المنازل المدمرة مستحيلة، ما يرفع عدد الشهداء الذين كان من الممكن إنقاذهم لو توفر الوقود.
من جانبه، أوضح جهاد أبو سعدة وهو سائق سيارة إسعاف أن نفاد الوقود انعكس بشكل خطير على عمليات إسعاف الجرحى وانتشال جثامين الشهداء، حيث يستحيل تلبية نداءات استغاثة أهالي القطاع الذين تتعرض منازلهم للقصف، ويبلغون عن شهداء لانتشالهم وجرحى لإنقاذ حياتهم.
وأفادت مصادر طبية في القطاع بفقدان أكثر من 1400 فلسطيني تحت ركام المنازل المدمرة، جراء قصف الاحتلال المباشر لها بمن فيها من أطفال ونساء وشيوخ ورجال، وأن الأمل بدأ ينفد في العثور على أحياء بينهم.
ويشير الباحث الحقوقي حسين حماد إلى أن مواصلة الاحتلال قطع إمدادات الوقود والكهرباء عن غزة منذ بدء عدوانه، هو عملية قتل متعمدة لآلاف الجرحى والمرضى الذين يعانون من سياسة القتل البطيء، ما يعد جريمة حرب مكتملة الأركان، لافتاً إلى أن إصرار الاحتلال الإسرائيلي على تجاهل كل النداءات الفلسطينية والدولية بإدخال الوقود يؤكد مضيه في ارتكاب المزيد من جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته بشكل كامل، جراء صمته عن جرائم الاحتلال.
محمد أبو شباب
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
“صمود” في كمبالا- محاولة لخلق طريق مدني ثالث وسط ركام الحرب السودانية
في ظل استمرار الحرب الدامية التي تعصف بالسودان منذ الخامس عشر من أبريل 2023، وتفاقم الأوضاع الإنسانية والانقسام السياسي، خرج تحالف "صمود" المنبثق من قوى الثورة المدنية ببيان ختامي من مدينة كمبالا الأوغندية، يمثل – بحسب كثير
من المراقبين – محاولة جادة لإعادة صياغة المعادلة السياسية بعيداً عن الاستقطاب العسكري الثنائي بين الجيش وقوات الدعم السريع.
قراءة في البيان: ما الجديد؟
البيان لم يأت في سياق تبريري أو دفاعي، بل بلهجة تشخيصية حاسمة، تؤكد أن ما يجري في السودان ليس مجرد صراع على السلطة، بل لحظة انفجار تاريخية لأزمة وطنية متراكمة شملت البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة منذ الاستقلال.
وأشار إلى الانقسام الاجتماعي المتزايد، والنزعات الانتقامية، والدمار الواسع، دون أن يغفل جرأة تحميل المسؤولية للأطراف المتحاربة من دون مواربة أو انحياز.
رفض الاصطفاف: لا مع الدعم السريع ولا مع الجيش
في خطوة مهمة، أدان البيان بوضوح الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، خاصة ما يتعلق باستهداف المدنيين ونهب ممتلكاتهم واستخدام أسلحة محرمة، لكنه في ذات الوقت حمّل القوات المسلحة السودانية، و"القوى المتحالفة معها"، مسؤولية ارتكاب
جرائم مماثلة، ودعا إلى تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في جميع الانتهاكات. هنا، يظهر "صمود" كتحالف لا يهادن، ولا ينجر إلى لعبة الاصطفاف، بل يتمسك بموقف مبدئي ضد الحرب.
شرعيات متنازعة وشعب مهمّش
البيان يهاجم صراحة ما وصفه بـ"التنافس على الشرعية" بين سلطة بورتسودان وقوى الدعم السريع، ويعتبر ذلك صراعاً نخبوياً منفصلاً عن هموم الشعب السوداني. فالشعب، بحسب البيان، لا يبحث عن حكومة تعيينات ولا تحالفات إعلامية، بل عن وقف للقتال
وإغاثة عاجلة، وحماية للمدنيين، واستعادة لكرامته. بهذا المعنى، يقدم التحالف رؤية تقطع مع النماذج السابقة من المحاصصات السياسية قصيرة النظر.
المشروع المدني: طريق ثالث بلا مساومة
البيان يسعى إلى بلورة ما يمكن تسميته بـ"الطريق المدني الثالث"، وهو موقف يرفض الحرب ولا يتساوى فيها مع دعاة السلام الرمادي أو الوسطاء الدوليين، بل يحاول أن يعيد الفعل السياسي المدني إلى مركز القيادة، من خلال جبهة مدنية ديمقراطية موحدة
لا تخضع للمحاور المسلحة. وتحالف "صمود" يعترف بتحديات هذا المسار، لكنه يعتبره السبيل الوحيد المتبقي لإنقاذ السودان من هاوية التشظي والانهيار.
البعد الإقليمي والدولي: كسر العزلة
يقر البيان بانقسام المواقف الإقليمية والدولية تجاه الأزمة، وهو ما أدى إلى فشل مبادرات وقف إطلاق النار. ولهذا، يسعى التحالف عبر تحركاته الخارجية إلى إعادة تعريف القضية السودانية في المحافل الدولية من زاوية مدنية وشعبية
لا باعتبارها نزاعاً بين جنرالين متصارعين. من هنا، فإن حشد الدعم السياسي والإنساني لمشروع "صمود" يتجاوز الرهان المحلي ويطمح إلى اختراق إقليمي ودولي حقيقي.
القضية الإنسانية أولاً
لا يغفل البيان الوضع الإنساني المتردي، بل يضعه في مركز الأولويات. يشيد بجهود "التكايا" و"المطابخ المجتمعية" و"غرف الطوارئ" باعتبارها تعبيرات عن مناعة اجتماعية وطنية قاومت الانهيار، ويدعو السودانيين في الخارج إلى تنظيم حملات
ضغط على المؤسسات الإعلامية والحقوقية لتسليط الضوء على معاناة المدنيين، خاصة مع تفشي الأمراض، وانعدام الدواء، واستمرار المجازر في إقليم دارفور.
محاولة لاستعادة المبادرة
ما خرج به اجتماع كمبالا ليس مجرد بيان سياسي، بل إعلان عن نية خلق مركز مدني مستقل وفاعل، يحاول أن يستعيد زمام المبادرة السياسية من بين يدي الجنرالات. هو بيان ضد الحرب، لكنه أيضاً ضد الاستسلام للوقائع المفروضة.
وهو خطاب مدني صريح، لكنه غير ساذج، يطرح نفسه بديلاً وطنياً حقيقياً وسط فراغ سياسي خانق.
إن تحالف "صمود" قد لا يملك حتى الآن الأدوات الكاملة لتغيير الميدان، لكنه يملك أهم ما افتقدته قوى الثورة منذ سنوات: وضوح الرؤية، واستقلالية الموقف، وربط السياسي بالإنساني.
وفي بلد بات فيه الصمت تواطؤاً، فإن هذا البيان خطوة نحو استعادة الصوت المدني للسودان.
zuhair.osman@aol.com