لجريدة عمان:
2025-05-20@15:41:09 GMT

عندما يُقتل الجمال

تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT

الإنسان بفطرته عاشق للجمال، سمعا وبصرا وتذوّقا وشمّا ولمسا، وهذه طبيعة سويّة في الإنسان، ولهذا الوجود تناسق مع الجمال، من صحراء وسهول وبحار وأنهار وواحات، وتجلّى مصدر الجمال الوجوديّ في الإنسان، فهو صورة الوجود من تناسقٍ وتماهٍ معه، ثمّ تجلّى الوجود الأصغر أي الإنسان، والوجود الأكبر أي الكون في الأطفال، فهم نفحة الله في الوجود، وبراءة الحياة في التّناسق والجمال، وهم مرآة لجمال الكون، وانعكاس لجمال الإنسان.

جمال الأطفال نَفَسُ الحياة، فبقربهم تهدأ النّفوس، وتطمئن الأبدان، وبشغبهم وصراخهم ولعبهم وحركتهم نعلم أنّ في الكون حياة، فأيّ عقل سوي يقتل هذا الجمال، وأيّ دين إلهي يبيح لهم ذلك، وأيّ منهج سياسيّ أو إعلاميّ أو دوليّ يبرّر لهم ذلك أيضا.

ما حدث لأطفال غزّة عموما، وللمستشفى المعمدانيّ خصوصا لا تتقبله نفس سويّة، ولا تبرّره فطرة إنسانيّة، أطفال يلعبون ويمرحون، يرون القتل والدّمار من أمامهم وخلفهم، وأصوات رشاشات الفناء لا يفارق مسامعهم، حرموا من حنان الطّفولة، ومن سكينة الأبوة، فما بقي لهم في الكون إلّا اللّعب مع من نجا معهم، ومع هذا في عشيّة وضحاها يحرمون منه، وليتهم حرموا من اللّعب، بل حرموا من حقّ الحياة كباقي البشر.

أي جرم إنسانيّ هذا، صورة واحدة تكفي لتحرك العالم لوقف هذا الهذيان، فكيف بآلاف الصّور والمشاهد المرعبة، والّتي لا يتحملها قلب الإنسان، لتكون شاهدة للأجيال القادمة أنّ العالم اليوم، وفي هذه اللّحظة التّأريخيّة، والتي شاء القدر أن نكون جزءا منها، قد قام بقتل هذا الجمال، والعالم جميعه سياسيّا ما بين تأييد وسكون وتبرير، وما بين استنكار وبيان وتنديد خجول، ولكن مسرحيّة القتل لا تتوقف، ومسيرة البطش تسرح كما تشاء، وتفعل ما تشاء.

(وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)، هي نفس واحدة تسأل العالم أجمع، بأي ذنب اقترفته لتقتل، وليحكم عليها بالفناء، هل حملت سلاحا، أو أحدثت إرهابا، فلماذا تجوّع وتحرم من حقّ الطفولة، ثمّ لماذا يكون مصيرها التّشويه الجسديّ والفناء.

هذه الدّول الكبرى، والتي بسلاحها يقتل آلاف الأطفال في غزّة اليوم، ألم تتحدّث بالأمس عن حقّ الطّفولة؟، وألم تضع قوانين في ذلك؟، وتحاسب الدّول المنتهكة لحقوق الطّفولة والمقصرة فيه، واليوم بسلاحها ومالها وبحقّ الفيتو هي لا تنتهك هذه الحقّ فحسب، بل تقتل هذا الحقّ وترفعه من الوجود.

طفل واحد تزهق روحه بغير حقّ، أو يحرم من طفولته بلا جرم، يكفي أن يستنفر العالم لذلك، فكيف بمئات الأطفال ما بين مشوّه ومقطعة أجساده، وما بين جريح ومقتول أمام مرأى ومسمع من العالم، فإن كان الخبر كاذبا، فالصّورة لا تكذب.

إنّ القتل النّفسيّ، والحرمان الأسريّ، والّذي سيعانيه أطفال غزّة وغيرهم ممّن نجا منهم، هو أيضا لا يقل خطورة، وسيبقى في ذاكرة هؤلاء طول حياتهم، حتّى يولد من أصلابهم جيل آخر يعيشون لحظة تأريخيّة أخرى، لا علاقة لها بهذه اللّحظة التّأريخيّة السّوداء الّتي نعيشها الآن.

ما يحدث في غزة اليوم من قبل الكيان المحتل، ليس قضاء على الإرهاب كما يدّعون، وليس دفاعا عن النّفس، وليس حربا على الاعتداء؛ بل هي عبثيّة بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى، ففي كلّ مرة يقتلون الأطفال والنّساء والشّيوخ والمدنيين بلا ذنب، وليست حالة واحدة أو أخرى، وليس في لحظة تأريّخيّة وزمنيّة واحدة، فمنذ 1948م وحتّى اليوم، تتكرّر في كلّ عام مرة أو مرتين ثمّ لا يتوقفون، ومنهم خلفهم دول كبرى لهم يدعمون ويبررون ويصفقون، فأيّ عبثيّة هذه في حقّ الوجود والجمال والإنسان.

حدّثنا التّأريخ عن حالات تحدث في ظرفيّتها مع سوءاتها، لكنّه لم يحدّثنا عن إبادة لهذا الجمال لما يقرب قرن من الزّمان، فأيّ دين يبيح هذا، وأيّ قانون يبرر لهم ذلك، وأيّ فطرة وعقل يتقبله، فلابدّ أن يتوقف هذا العبث بالجمال والإنسان والطّفولة، التي خلقت حرّة لا ذنب لها، ولا علاقة لها بدين أو بلد أو حركات جهاديّة أو غيرها، فبأي ذنب تحرم من حقّ الحياة والتّمتع بها كباقي أطفال العالم؟!

إنّ الجبان هو من يظهر شجاعته على الضّعيف، والقوي هو من يحمي الضّعيف، فما نراه الآن في غزّة هو دليل ضعف لا قوّة، ودليل هزيمة لا انتصار، ثمّ لهو دليل أنّ العدو فاقد للسّيطرة على الأمور، وغير قادر على الاتّزان، وعلى المواجهة الحقيقيّة.

يجب أن تتوقف هذه العبثيّة بحقّ الجمال والإنسان اللّحظة قبل الغد، ولابّد أن يكون العالم صفا واحدا في ردع كلّ من يعبث بذلك، أو يبرر ذلك، وعلى هيئات حقوق الإنسان، والأحرار في العالم التّحرك والضّغط السّريع في ذلك، وإلّا فهناك مجازر أخرى سيجدون ما يبرّرها.

وإنّا لنشكر أحرار العالم وقفتهم الإنسانيّة، فأصبح العالم اليوم ليس كالأمس، وإعلام اليوم ليس كإعلام الأمس أيضا، حيث أصبحت الشّعوب شرقيّة وغربيّة مدركة لهذا العبث الذي يحدث في غزّة، من حصار وقتل وتشريد، وقتل للطّفل والجمال والإنسان، إلّا أنّه يحتاج إلى مزيد من الضّغط الحقوقيّ لإيقاف هذا العبث، وألّا يتوقف عند البيانات والقصائد والمظاهرات فحسب، لعلّ العالم الحر يجتمع على حماية الطّفولة والجمال والإنسان من عبث السّاسة وبطشهم وتناقضهم.

ثمّ إننا لابدّ أن نفرق بين المبادئ وتصرفات السّاسة، فهذه المبادئ الإنسانيّة الدّاعية إلى حماية الجمال والإنسان والطفولة، والتي ناضل لأجلها الفكر الإنسانيّ، واجتمع عليها الدّين والفلسفة، وخلصت إلى وثيقة حقوقيّة إنسانيّة واحدة، لا ينبغي أن يخلط بينها وبين عبثّية السّاسة والعسكريين، ومن يبرّر لهم من الأحبار ورجال الدّين والثّقافة، فعلينا أن نجتمع جميعا، وأن نحمي هذه المبادئ الإنسانيّة والحقوقيّة لعالم أفضل لجميع أبناء وأطفال العالم بلا تفريق بينهم.

إنّ النّفس البشريّة واحدة، وأطفال غزّة وشيوخها ونسائها لا تفترق بحال عن أيّ نفس في العالم أجمع، ولا يمكن لأي رجل دين أو كاتب أو إعلامي أو مثقف أو شاعر أو فنّان أن يبرّر هذه العبثيّة غير الإنسانيّة الّتي تحدث في غزّة بحق الإنسان عموما، وبحقّ الأطفال خصوصا، وإلّا كان مشاركا في هذا الجرم النّاتج عن هذه العبثيّة.

إنني أرجو أن أفارق الحياة وأرى أطفال غزّة كغيرهم من أطفال العالم، يلعبون ويلهون ويمرحون في بلدهم آمنين مطمئنين، بين أهاليهم وأسرهم، يذهبون إلى مدارسهم صباحا كغيرهم، ويشاكسون بعضهم مساء كأيّ طفل في العالم، وهذا ما أرجوه لأطفال العالم جميعا، فهناك أيضا عبثيّة الفقر والجهل والحرمان من حقوق التّمتع بالطّفولة والحياة في أجزاء كبيرة من العالم، فعلينا أن نجتمع في حماية هذا الجمال، وإلّا فطبيعيّ أن ينقلبوا على العالم مستقبلا؛ لأنّه غرسنا في طفولتهم التّمييز والكراهيّة والحرمان، فما بالك بأطفال غزّة وقد حرموا حتّى من حقّ الأمومة والأبوّة الّتي فطروا عليها، فبأيّ سلام وجمال نتحدّث معهم مستقلا، ونحن من ساهمنا في حرمانهم منها، وسكتنا عن هذه الحروب العبثيّة بحق الجمال والإنسان والطّفولة!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أطفال العالم هذا الجمال الإنسانی ة ة واحدة ما بین

إقرأ أيضاً:

 عندما يهز صاروخ أسس الكيان…

 

هو اعتراف علني من أعلى المراكز السياسية القيادية في تل أبيب ، صاروخ اليمن في طريقه لفرض حصار كامل على الكيان ، بينما مليارات تسليح جيوش العرب لم تستطع إدخال صندوق مساعدة إلى قطاع عزة.

كانت دمشق يوماً تُعرف بعز الشرق ، أما اليوم فاليمن عزة العرب والإسلام ، هذا الشعب المعجزة و كما يقال بالعامية :”الحجر الذي لا يعجبك يفجك”.

إنهم شعب جزيرة العرب العريق و الأصيل رغم كل المعاناة، الحصار والحرب التي أدمت البشر و الحجر من الأقربين و الأبعدين بقي راسخاً ، ثابتاً و شامخاً في أرضه و مواقفه …

إنهم أعجوبة القرن الواحد و العشرين أصحاب الرؤوس التي لا تنحني و أهل المروءة ترى فيهم أهل فلسطين الحقيقيون لا يتعبون فمن جبهات القتال إلى الساحات كل يوم جمعة.

تحملوا ما لا يتحمله شعب و مع ذلك مؤخراً بعد أن زُلزلت أرض اليمن بالألاف الأطنان من القنابل و اكتمل العدوان من قبل الكيان أخيرا وليس آخر ، أجبروا ترامب بعد عدوانه الوحشي هذا بأن يطلب منهم أو يترجى أن تكون السفن الأمريكية التجارية خارج منطقة الاستهداف ، بينما أعرابنا لا يخجلون حتى بيان استنكار لم يكلفوا خاطرهم تقريبا ثماني سنوات و اليمن يُطحن بكل من عليه من بشر حجر .

فيا خجلنا من أنفسنا ، فحتى المساعدات العربية و الإسلامية إنسانيا من الباب الأخلاقي غابت و غائبة انهم توأم غزة و لكن لم ولن يخضعوا ، إنهم المقاتلون المعجزة و ضمير العرب

اليوم كل السياسيين في الكيان الإسرائيلي يقفون على رجل واحدة بعدما قرر انصار الله اليمنيين فرض حظر جوي بعد البحري عليه ، و ربما صاروخ آخر غير تحذيري على مطار “بن غوريون” و العوض بسلامتكم و بالتالي لن نرى أي طائرات خطوط جوية تحط هناك و إن تطورت الأمور اكثر ، أي تم قصف المطار بصاروخين في الأسبوع يكون قد تم إقامة الحصار فعليا و الأهم نفسياً ، قد يضطر الإسرائيليون إلى الخروج إن أرادوا بالقوارب إلى اليونان أو قبرص هجرة أو سفر…

هي معركة إرادة و عزيمة هذا الذي ينفرد بها اليمنيين ، بينما حكامنا بانتظار أن يهل عليهم كالبدر (القاشوش) “ترامب” وقد هلّ وبدانا العروش تجمع له الخوة على شاكلة استثمارات إجبارية و بلا أي حرج كما كان عليه في فترة ولايته الأولى بمئات المليارات عدا عن الصفقات المفروضة لشراء أسلحة بعشرات مليارات الدولارات ليأكلها الصدأ

التاريخ سوف يلعن من باع نفسه و انتهى و كرامته و من جهة ثانية سوف يسجل مآثر أحفاد بلقيس و أبناء الحضارات الأولى و الأخوة الحقيقيون في أوقات الشدة..

طوبى لأبناء اليمن الذي لم يعرف السعادة تفيدة (الاشقاء) وتنازعوه ، لكنهم على طريق الحق و أصحاب المروءة و خزان صبر على الشدائد ، لم يتخلوا عن من استنجد بهم هذا ما أثبتته مواقفهم وتصرفاتهم على الأرض على قدر استطاعتهم من السابع من تشرين و إلى يومنا هذا.

نشد الجواهري العظيم : صبراً دمشق على البلوى …

اليوم تم سبي دمشق التي عرفناها و انضمت إلى المعتقل مع أخواتها من عواصم القرار التائه لهذه الأمة المخصية.

الرجاء والأمل بصنعاء اليمن أن تبقى عزيزة و شامخة و قوية بأبنائها رغم أن اليمن اليوم تنطبق عليه قصة “يوسف و إخوته” هي حاله مع (أشقاءه) قبل أعدائه.

 

كاتب سوري

مقالات مشابهة

  • يائير غولان يتهم إسرائيل بقتل الأطفال كهواية
  • تقرير| خطوات شراء أضحية سليمة من الجمال بأسوان مع قرب حلول عيد الأضحى
  • كأس العالم للأندية من دون «دي بروين»
  • كم من الأطفال يجب أن يَـقـتُـل الذكاء الاصطناعي؟
  • هذه مقالة رأي لن تغير رأيك
  • شاهد.. حكم ملاكمة يتعرض لضرب مبرح في الحلبة
  • اكتشاف مبنى أثري جديد في أم الجمال خلال إزالة اعتداءات تنظيمية
  • بالصدفة .. جرافة تصطدم بمبنى وتكشف آثارًا جديدة في أم الجمال
  •  عندما يهز صاروخ أسس الكيان…
  • عندما تغفل عين الرقيب