لماذا اعتبر جعجع مبادرة باسيل الأخيرة استغباء للناس؟!
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
عندما أطلق رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل ما سُمّيت بـ"المبادرة"، أو ما أسماها هو بـ"مجموعة أفكار"، قادته للقاء الكثير من الشخصيات التي يخاصمها في السياسة، كرئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط، تفاوتت الآراء بشأن مدى جدّيتها، وفرص نجاحها في تحقيق أيّ "خرق".
لكنّ أحدًا لم يصل إلى طريقة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في تلقف حراك "خصمه الأول"، رغم "التقاطع المرحلي" معه الذي جاء كبدل عن "تفاهم معراب" الضائع، إذ لم يكتفِ بالتقليل من شأن حظوظها، بل ذهب لحد تصويرها على أنها "استغباء للناس"، معتبرًا أنّ "باسيل لا يملك أي مبادرة، بل يختار إيماءات لا فائدة منها"، بل ذهب أبعد من ذلك بقوله إنّ باسيل "جاد فقط حين يتعلق الأمر بتقاسم الجبنة"، وفق تعبيره.
وفي حين كان طبيعيًا أن تخلو جولة باسيل التشاورية على الأفرقاء من أيّ زيارة لمعراب، في ظلّ اعتقاد بأنّ باسيل لن يطلب مثل هذا اللقاء، وأنّ جعجع لن يلبّيه في حال وصل الطلب، فإنّه طرح علامات استفهام بالجملة، فلماذا يأخذ جعجع هذا الموقف السلبي من حراك باسيل، قبل أن تظهر ملامح نتائجه؟ ولماذا يعتبره "استغباء للناس"؟ وألا يعتقد جعجع أنّ المرحلة تتطلب مقاربة مغايرة، ولا سيما أنّ الحرب "على كفّ عفريت"؟!
"القوات" على موقفها
في الأيام الأخيرة، برزت الكثير من الأفرقاء لبعض القوى السياسية خارج السياق التاريخي والمعروف عنها، انطلاقًا من أنّ المرحلة الحالية دقيقة واستثنائيّة، وأن خطاب معاداة "حزب الله"، أو حتى تحميله مسؤولية التوتر الحدودي الجاري والذي قد يمتدّ إلى مناطق أخرى، ليس مناسبًا، وينبغي تأجيله بالحدّ الأدنى، ليُستبدَل بخطاب وطني يصل لحدّ التأكيد على الوقوف "صفًا واحدًا" في مواجهة أيّ عدوان إسرائيلي يمكن أن يحصل في أيّ لحظة.
لكن، لا يبدو أنّ "القوات اللبنانية" تبنّت مثل هذه المقاربة حتى الساعة، إذ يقول العارفون بأدبيّاتها والمحسوبون عليها، إنّ مثل هذا الخطاب سيشكّل "انقلابًا" على كلّ الثوابت التي نادى بها الحزب، وعلى رأسها منع أيّ قوة سياسية من "احتكار" قرار الحرب والسلم، الذي يجب أن يكون بحوزة الدولة اللبنانية، فضلاً عن رفض "ازدواجية السلاح"، تحت أيّ عنوان من العناوين، ولو كان "مقاومة العدو الإسرائيلي"، كما يحصل اليوم.
أكثر من ذلك، يقول المحسوبون على "القوات" إنّ تطورات الأيام الأخيرة لا يمكن أن تغيّر هذا الموقف "المبدئي"، لأنّ "القوات" لا يمكن أن تعطي أيّ "غطاء" لمحاولة أيّ حزب جرّ البلاد إلى الحرب، أو استدراجها كرمى لأيّ قضية، ولو كانت بحجم القضية الفلسطينية، فمساندة الفلسطينيين يجب أن تكون معنوية،كما تفعل سائر الدول العربية، من دون "توريط" البلاد بما لا طاقة لها على تحمّله أصلاً، في ضوء الأزمات المتفاقمة التي تتخبّط فيها.
ماذا عن مبادرة باسيل؟
صحيح أنّ "القوات" حرصت في الفترة الأخيرة على عدم "استفزاز" أيّ طرف، على وقع "الحرب المصغّرة" الدائرة على حدود لبنان الجنوبية، ولو أنّ قياديّيها ومسؤوليها كرّروا في إطلالاتهم الإعلامية ضرورة إبقاء لبنان بمنأى عن الحرب الدائرة في غزة، إلا أنّ مبادرة باسيل وجدت على ما يبدو "أصداء سلبيّة" في صفوف "القوات"، دفعت جعجع لقول ما قاله بحقها، وصولاً لحد وصفها بأنّها "استغباء للناس".
يقول المحسوبون على "القوات" إنّ ما قصده جعجع هو أنّ باسيل لا يملك مبادرة أصلاً، وأنّ كلّ ما يحاول أن يفعله هو استغلال الظروف الحاليّة لاستعادة دور كان قد فقده، بل لتفعيل قنوات تواصل كان قد خسرها في السياسة، علمًا أنّه برأي هؤلاء ليس مؤهّلاً أصلاً لقيادة أيّ دور في مواجهة سيناريو الحرب، ولا سيما أنّه يتحمّل مسؤولية في التفريط بقرار الحرب والسلم، وجعله بيد حزب لا يجد حَرَجًا في الحديث عن انتماءاته الخارجية.
من هنا، يعتقد "القواتيون" أنّ ما سُمّيت بـ"مبادرة باسيل"، لا قيمة لها، خصوصًا أنّ الأفكار التي تطرحها قد لا تكون أكثر من "عبارات شعرية وإنشائية"، كالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ورفض الاعتداءات الإسرائيلية، والوقوف صفًا واحدًا في مواجهتها، في حين أنّ المطلوب برأي هؤلاء أكثر بكثير، ويتمثّل تحديدًا في "الضغط" على "حزب الله" لمنع قيامه بأيّ "مغامرة غير محسوبة"، تستنسخ سيناريو "لو كنت أعلم" الشهير، في تموز 2006.
تتمسّك "القوات" بسرديّة "الحرب والسلم"، في مواجهة "حزب الله"، بمعزل عن كلّ الدوافع التي تجعل غيرها "يليّن" موقفه، تمامًا كما تتمسّك بـ"السلبية المطلقة" إزاء رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل، من دون انتظار ما يطرحه فعليًا. قد ينسجم ذلك مع "مبدئية" تتمسّك بها "القوات"، ترقى لمستوى "البراغماتية"، برأي البعض، لكنّها تصطدم بظرفٍ استثنائي ودقيق، يفترض "تفاهم الحدّ الأدنى"، وفق كثيرين!
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
ماذا لو دخلت أميركا الحرب مباشرة؟ وما الأهداف التي لا تتنازل عنها؟
خطورة التدخل الأميركي أهداف لا تنازل عنها الرد الإيراني لماذا المقامرة الأميركية؟
يقف العالم على أعتاب لحظة حاسمة عقب تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن اتخاذ ما قد يكون أخطر قرار في مسيرته السياسية، وهو توجيه ضربة عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، استكمالا لما بدأه جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ الجمعة الماضي.
وفي مواجهة هذا التصعيد المحتمل، تظهر المواقف الإيرانية رافضة لأي استسلام أو إملاءات خارجية، وجاءت الرسالة على لسان المرشد الإيراني علي خامنئي، وتحمل كلماتها تحديات أكّد فيها استعداد القوات المسلحة والشعب للدفاع عن البلاد، محذرًا من أن الهجمات الأميركية ستقود إلى "عواقب وخيمة لا يمكن إصلاحها".
وأمام هذا المشهد الذي تتباين فيه "تقديرات الردع والرد"، يشير محللون -في مقابلات مع الجزيرة نت- إلى أبعاد أوسع للصراع، تشمل بنية النظام الإقليمي، وتغيير خريطة المنطقة وفق رؤية ممارسات القوة الحالية، ومستقبل جديد من التوازنات في الشرق الأوسط، مؤكدين أن أي خطأ في الحسابات قد يزج المنطقة بأسرها في نفق التصعيد وأبواب قد تُفتح على مجهول.
خطورة التدخل الأميركي
ويشير التوجه الأميركي -وفقا لتصريحات المسؤولين الأميركيين- إلى تحريك قوات عسكرية ونقل مقاتلات متطورة إلى الشرق الأوسط، ومنها طائرات "إف-16″ و"إف-22" و"إف-35″، إضافة إلى قاذفات "بي-52" الموجودة حاليا في قاعدة "دييغو غارسيا" بالمحيط الهندي.
وهناك خيارات أخرى تدرسها الإدارة الأميركية مثل التدخل المباشر في المواجهات، عبر شن هجوم عسكري واسع النطاق ضد منشآت إيران النووية، وعلى رأسها "منشأة فوردو" المحصنة داخل الجبال.
وحسب الكاتب والباحث السياسي أسامة أبو أرشيد من واشنطن، فإن دخول الولايات المتحدة المباشر إلى المواجهة مع إيران سيغيّر موازين القوة بشكل جذري، إذ إن قدراتها الجوية والبحرية تفوق بكثير ما يمكن أن توفره إسرائيل وحدها، خاصة مع امتلاك واشنطن قنابل خارقة للتحصينات ذات قدرة -ولو نظريا- على تدمير المنشآت النووية المحصنة بالكامل.
إعلانوفي ما يتعلق بهذه النقطة تحديدا، فقد أعربت الحكومة الإسرائيلية في مناسبات عدة عن أنه يمكنها تعطيل البرنامج النووي وإرجاعه عدة سنوات للوراء، لكنها تفتقر للقدرات التي تمكنها من تدمير هذا البرنامج من دون دعم أميركي مباشر.
وأمام هذه الرؤية التي تتجلى شيئا فشيئا مع مرور الساعات من عمر المواجهات بين إيران وإسرائيل، يذهب المحلل السياسي إبراهيم المدهون إلى أن واشنطن انتقلت فعليا إلى "مرحلة التهيئة" للتدخل المباشر في الحرب، وأن "الحشود العسكرية والتصريحات التصعيدية للرئيس ترامب تؤكد دخول الولايات المتحدة شريكا مباشرا في هذه الحرب، حتى لو لم يُعلن ذلك رسميا بعد".
ومع ذلك، فإن واشنطن تدرك فداحة كلفة حرب طويلة في المنطقة، ولهذا تميل إلى سياسة "التدخل المتدرج"، بحيث تترك لإسرائيل الدور الأكبر في المراحل الأولى وتتدخل في لحظة الحسم فقط، وفقا للمدهون.
لكن في الجهة المقابلة، يقلل مدير مركز الرؤية الجديد للدراسات والإعلام في إيران مهدي عزيزي من احتمالية التدخل الأميركي المباشر، ويرى أن الولايات المتحدة تمارس في الوقت الحالي حربا نفسية وإعلامية هدفها الضغط على طهران وإرباك الخصم، وذلك "في ظل استنزاف القدرات الإسرائيلية وعجزها عن خوض حرب استنزاف طويلة".
وتضع فداحة كلفة التدخل المباشر للولايات المتحدة في الحرب سقوفا مرتفعة لما يجب على الإدارة الأميركية تحقيقه من أهداف، وهذه الأهداف -وفق تصريحات ترامب وكبار معاونيه- تتوزع بين هدف عاجل وآخر إستراتيجي طويل الأمد.
ويصف أبو أرشيد الهدف الآني المعلن لترامب بأنه "استسلام كامل من دون شروط" من قبل إيران، بحيث يجري تفكيك البرنامج النووي الإيراني كليا، وتصفير قدرة التخصيب داخل الأراضي الإيرانية، على أن تقتصر إمكانية إنتاج الطاقة النووية على استيراد الوقود النووي المخصّب من الخارج.
ويشير الباحث السياسي من واشنطن إلى أن هذا الهدف قد يتطور ليشمل تفكيك برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، الذي تعده إسرائيل تهديدا مباشرا لأمنها ولمصالح أميركا وحلفائها في المنطقة، ومنها القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في الخليج والعراق.
كما أشار المتحدث نفسه إلى هدف ثالث يتبناه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو تفكيك "محور المقاومة" الإيراني في المنطقة، أو ما تسميه واشنطن "محور الشر"، وربما الدفع نحو تغيير النظام نفسه.
أما المدهون فيذهب أبعد من ذلك، ويرى أن المشروع الحقيقي لواشنطن هو "إعادة ترتيب المنطقة بالكامل"، وربما السعي نحو "سايكس بيكو جديد" بإشراف أميركي إسرائيلي.
مضيفا أن الهدف النهائي ليس فقط إخضاع إيران واستسلامها، بل تغيير شكل النظام السياسي والاجتماعي الإيراني بما يخدم الرؤية الأميركية ومصالحها في المنطقة. و"لا يستبعد أيضا أن يكون تفكيك إيران وتقسيمها أحد السيناريوهات المطروحة إذا تحقق انتصار أميركي سريع".
وفي مقابل هذه الأهداف المعلنة أميركيا وإسرائيليا، يؤكد الخطاب الإيراني أن طهران مستعدة "للدفاع عن مقدساتها مدعومةً من المسؤولين وكل أبناء الشعب"، وأن أي هجوم أميركي "ستكون له عواقب وخيمة لا يمكن إصلاحها"، حسب المرشد الإيراني.
إعلانوشدد خامنئي على أن الشعب الإيراني "لن يخضع لأي إملاءات"، وأن إيران "لن يُفرض عليها سلام أو حرب".
ووفق تحليل أسامة أبو أرشيد، فإن الرد الإيراني سيكون عبر استهداف القواعد الأميركية في المنطقة، خاصة تلك الموجودة في العراق والخليج، والتي تقع ضمن المدى الصاروخي الإيراني، بالإضافة إلى تحريك الحلفاء الإقليميين لفتح جبهات متعددة ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية، مع تهديدات بإغلاق مضيق هرمز وتعطيل الملاحة الدولية.
ويذهب عزيزي إلى تفاصيل أكثر في الرد الإيراني، فحسب تحليله فإن إيران لن تتخلى عن حقوقها في تخصيب اليورانيوم وتطوير قدراتها الدفاعية والصاروخية، و"كل الخيارات مفتوحة دفاعا عن مصالح إيران حتى ولو أدى الأمر إلى إغلاق مضيق هرمز وخلق أزمة إقليمية ودولية في مجال الطاقة".
في حين يوضّح المدهون أن إيران قد تجد نفسها مضطرة -إذا واجهت ضربة أميركية ساحقة تستخدم فيها واشنطن "قوة غير تقليدية"- إلى عدم الرد حفاظا على ما تبقى من الدولة، و"حتى لا تفتح على نفسها باب الدمار الكامل".
التأمل في تشابك المصالح الأميركية في المنطقة، وتوزعها على مساحات جغرافية متعددة، وبقياس حسابات المكاسب والخسائر، قد يضعنا أمام معادلة تقول: إن أميركا بتبنيها الحرب الإسرائيلية على إيران "تقامر" بمصالحها ومكاسبها في المنطقة أمام مكسب إستراتيجي نعم لكنه قد لا يتحقق أمام رد الفعل الإيراني.
وهنا، يقول أبو أرشيد إن تحميل إسرائيل وحدها مسؤولية جرّ الولايات المتحدة للمواجهة مع إيران فيه تبسيط مخل، إذ يرى أن "التوسع وفرض الهيمنة هما جزء من الجينات الوراثية للولايات المتحدة" منذ نشأتها، وهي لا تقبل بوجود منافسين إستراتيجيين في مناطق تعدّها حيوية لمصالحها.
وهذه الرؤية تعززها عقيدة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر (في الثمانينيات) التي تؤكد أنه لن يُسمح لأي قوة أخرى بمنافسة النفوذ الأميركي في الخليج العربي، وتجارب واشنطن في فيتنام وأفغانستان والعراق تؤكد أن أميركا لا تتردد في استخدام قوتها حين ترى مصالحها مهددة، حتى لو كانت الخسائر أكبر من المكاسب الفعلية، حسب ما بيّنه أبو أرشيد.
أما المدهون، فيرى أن واشنطن "تقامر" في كل مرة بمصالحها من منطلق تصور قدرتها على فرض نظام عالمي جديد، مستندة إلى تفوقها العسكري وقناعتها بأن الهيبة الأميركية تتطلب ضرب خصومها في عقر دارهم ومنعهم من امتلاك أدوات الردع.
يذكر أنه منذ الجمعة الماضي شهدت المنطقة تصعيدا خطيرا بين إيران وإسرائيل، تمثل في سلسلة من الضربات الجوية المتبادلة وتوسيع دائرة الاشتباك لتشمل جبهات جديدة، وكشفت إسرائيل عن تنفيذ هجمات جوية على مواقع داخل إيران استهدفت منشآت مرتبطة ببرنامجها النووي، واغتالت عددا من القادة العسكريين وعلماء الطاقة الذرية في إيران.
وفي المقابل، ردت إيران بإطلاق رشقات صاروخية على مواقع عسكرية إسرائيلية في عدة مناطق، مع تفعيل منظوماتها الدفاعية. وأكدت المصادر الإيرانية أن الردود الإيرانية ستستمر في حال توسعت دائرة العدوان، وهو ما دفع واشنطن لإرسال مزيد من التعزيزات العسكرية إلى الشرق الأوسط تحسبا لانفجار إقليمي أوسع.