وأنت تقرأ هذه المقال بالتأكيد وصلتك الأنباء التي تفيد بأن حاملة الطائرات الأمريكية آيزنهاور قد عبرت قناة السويس المصرية متجهة إلى المنطقة التي يسمونها الشرق الأوسط، وقد كان يطلق عليها من قبل المنطقة العربية، من أجل دعم وإسناد العدوان الصهيوني المستمر لقرابة شهر ويومين على الأراضي العربية المحتلة في فلسطين العربية.
تنص قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية على حق تقرير المصير وعلى حق الدفاع عن النفس ضد المحتل بكافة السبل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح، كما جاء في القرار ٢٦٤٩ الصادر في عام ١٩٧٠ "إدانة إنكار حق تقرير المصير خصوصا لشعوب جنوب أفريقيا وفلسطين"، وفيه أيضا أن الأمم المتحدة "تؤكد شرعية نضال الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية والمعترف بحقها في تقرير المصير لكي تستعيد ذلك الحق بأي وسيلة في متناولها".
كما تنص اتفاقية الدفاع العربي المشترك في بنها الثاني على: "تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح على أي دولة أو أكثر منها أو على قواتها اعتداء عليها جميعا، ولذلك فإنها وعملا بحق الدفاع الشرعي -الفردي والجماعي- عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها وبأن تتخذ على الفور -مجتمعة أو منفردة- جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء وإعادة الأمن والسلم إلى نصابها، ويُخطر على الفور مجلس الجامعة العربية ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء، وبما اتخذ في صدده من تدابير وإجراءات".
هذه النصوص موجودة ومتداولة في السفارات والوزارات العربية ومحفوظة في أرشيف جامعة الدول العربية ومكتوبة بلغات عدة على رأسها اللغة العربية، فلماذا لا يتم تفعيلها أو التحرك من أجل تفعيلها أو حتى التلويح باستخدامها؟ وقبل أن أسرد لكم الأسباب كلها أو جلها، علي أن أقول لكم أنني شاهدت فيديو قديم للرئيس المخلوع حسني مبارك يتحدث فيه بسخرية عن الدفاع عن فلسطين والأقصى والعالم العربي والقمة العربية؛ قائلا إن القمة لا تجتمع قبل أن يتم التشاور الخليجي مع أمريكا، ثم ضحك ضحكة رقيعة وصفق الحضور، قبل أن يطلب من الأجهزة حذف كل ما قاله وألا يتم عرضه، ولكن شاء الله أن يعرض ويعرف العالم كيف كان مبارك كنزا استراتيجيا للكيان الصهيوني.
في مذكراته المنشورة "بيبي: قصتي"، يذكر رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو أن الجنرال السيسي والملك عبد الله عادة ما يكونا متفهمين لطلباته ولكنهما يصبحان أكثر تحفظا حين يكون هناك مسؤول أمريكي، لذا فهو يفضل الانفراد بهما من أجل الحصول على ما يريد. وقال ما نصه كما جاء في مقالة للباحث أحمد مولانا: "لاحظت كلما قابلت السيسي سرا في شرم الشيخ أو الملك عبد الله في عمان، يكون الحديث أكثر انفتاحا وصراحة، لكن في وجود العم الأمريكي يتبنون المواقف العربية التقليدية التي لا تترك مجالا للإبداع".
هو نفسه نتنياهو الذي أعلن عن لقائه بالسيسي ست مرات سرا هذا غير اللقاءات المعلنة ناهيك عن لقاءاته المعنية مع ملك الأردن وعمان وحاكم الإمارات ومحمود عباس ولقاءات سرية مع ملك البحرين في بودابست بالمجر ناهيك عما أشيع عن لقاء أو لقاءات سرية تمت مع ولي العهد السعودي.
لقد وقف نتنياهو في الأمم المتحدة متباهيا بما حققه من اختراق للمقاطعة الرسمية العربية وتحقيق إنجازات في عملية التطبيع دون أن يتنازل عن شبر من الأراضي المحتلة، فلماذا يجد نفسه مضطرا اليوم لكي يستجيب لنداءات البعض بوقف إطلاق النار وهو يعلم أن معظم هؤلاء الحكام مؤيدون له في حصار غزة وضرب المقاومة؟
القصة تتعلق بمشاريع شخصية في منطقة عربية مبتلاه وهذه المشاريع الشخصية تتعارض مع مشروع تحرير فلسطين، فمصر على سبيل المثال قد وقع فيها انقلاب ساندته دولة الكيان وراهن عليه نتنياهو الذي تحدى إدارة الرئيس أوباما ونجح في منع تصنيف ما جرى في ٣ تموز/ يوليو ٢٠١٣ بالانقلاب، وهو ما ضمن لنتنياهو حليفا بل عميلا في مصر يعمل لخدمة مشروعه كما يعمل السيسي لخدمة مشروعه الشخصي كذلك.
إذا يممت قبل الشرق فسوف تجد أن صراعا على السلطة في السعودية قد ظهر على السطح، وأن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عبر زوج ابنته (جاريد كوشنر) قدم معلومات ذات قيمة لمحمد بن سلمان مكّنته من القضاء على منافسيه على العرش، كما قدم نتنياهو له أدوات تنصت وتتبع للمعارضين أو المنافسين مكنته من السيطرة على مقاليد الأمور بعد أن قام بخلع ولي العهد السابق ووزير الداخلية محمد بن نايف، والذي كان من المفترض أن يرث الحكم من الملك سلمان؛ الملك الحالي ووالد محمد بن سلمان.
يذكر ويتفاخر المؤرخ الصهيوني موردخاي كيدار أن الحكومات العربية تتمنى التخلص من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتطالب الكيان الصهيوني بسرعة فعل ذلك، ولو كنت مثلي لا تصدق الصهيوني المتغطرس كيدار فقل لي بربك لماذا تأخر الإعلان عن عقد القمة العربية وحين أُعلن عنها تأخر موعد انعقادها ليكون قد مر على الحرب على غزة أكثر من شهر؟ هل هذا سوى لمنح نتنياهو الفرصة كاملة لكي يقضي على المقاومة كما يزعم، ولكي يعيد احتلال غزة ويهجر شعبها بعد أن حاصره وسفك دماءه على أعين الحكام الذين يحتفظون باتفاقية الدفاع العربي المشترك، ويحفظون عن ظهر قلب الآيات والأحاديث الدالة على نصرة المستضعفين وعدم خذلان المسلمين؟
لماذا تحاصر مصر الفلسطينيين ولا تجرؤ على إدخال المعونات إلا بإذن من الكيان الصهيوني؟ وحتى عندما أمرتها أمريكا بإدخال بعض الجرحى مقابل سماح المقاومة بخروج بعض مزدوجي الجنسية منعت مصر عودة سيارات الإسعاف مرة أخرى للفلسطينيين، لا أدري هل طمعا في السيارات أم انتظارا للتعليمات الصهيونية كما قالت مصادر مصرية.
يتفاخر ملك الأردن الدولة المجاورة لفلسطين بأن قوات "النشامى" الأردنية قامت بعملية إنزال مواد غذائية وأدوية داخل القطاع وكأنها عملية فدائية، ثم تبين لنا أن العملية تمت بالتنسيق مع المحتل حتى يتم تخفيف الضغط الشعبي على ملك الأردن. وفي اليوم التالي كانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، تعلن عن منح الأردن قرابة المليار دولار كمساعدات من أجل التحديث والعصرنة (والبقاء على الحياد فيما يجري في فلسطين)، وأعتقد أن جنرال مصر التعيس ينتظر هو الآخر المكافأة.
هل تتوقع من هكذا حكومات مدينة للكيان الصهيوني وأمريكا بوجودها وببقائها أن تتحرك لنصرة مظلوم أو لدفع الاعتداء عن أهلنا في فلسطين؟
هل لدى أحدهم الشجاعة أن يطلب من نتنياهو مجرم الحرب أن يوقف الحرب؛ وهو الذي يحرضه على شنها حتى يتم التخلص من المقاومة ومن الصداع الفلسطيني برمته؟
هل تحتاج مني لإجابة على السؤال الذي طرحته في مقدمة المقال؟
الأمور واضحة ولا يمكن ولا يجب التعويل على هكذا حكومات أنشئت لغايات محددة؛ ليس من بينها الدفاع عن أرضها إن احتلت يوما ما، بل استدعاء من يحررها مقابل احتلال مدفوع الأجر يدوم لعقود وأجيال.
المقاومة هي الشيء الوحيد الذي يجعلنا فخورين بانتسابنا إلى الأمة العربية والإسلامية، وهي الضوء الذي ينير الطريق للباحثين عن الحرية والاستقلال والكرامة، لذلك فنحن الشعوب نسير عكس سير الحكومات وهذا قدرنا وقدرهم الذي لا فكاك منه، والصدام قائم وقادم لأنه من وجهة نظري لا تحرير للأرض المحتلة قبل تحرير الشعوب من وكلاء الاحتلال.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين غزة المقاومة إسرائيل فلسطين غزة المقاومة العالم العربي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من أجل
إقرأ أيضاً:
الجالية العربية في كاليفورنيا.. مخاوف أمنية بعد عقود من الاستقرار
كاليفورنيا- تتواصل حملات توقيف المهاجرين غير النظاميين بولاية كاليفورنيا، وخصوصا في مدينة لوس أنجلوس، إذ دخلت أسبوعها الثالث، وسط حالة من القلق والتوجس تسود الجالية العربية، وتصاعد الاحتجاجات والانقسام السياسي والأمني بشأن تداعياتها.
وتعيش الجالية العربية، التي تقدر أعدادها بمئات الآلاف في كاليفورنيا، على وقع هذه التطورات بقلق بالغ، وسط مخاوف من أن تطال الإجراءات الفدرالية بعض أبنائها، خصوصا من ذوي الوضع القانوني غير المستقر، أو من المقيمين في المناطق المتأثرة بهذه الحملات.
وتشير تقديرات إلى أن عدد أفراد الجالية العربية في الولاية يبلغ نحو 374 ألف شخص، بأعلى نسبة من السكان من أصول عربية في الولايات المتحدة، وتتركز أغلب التجمعات العربية في مدن لوس أنجلوس، وإل كاهون، وسان دييغو، وإيرفين، وأناهايم.
أما عدد المسلمين في الولاية فيبلغ مليون نسمة تقريبا، ربعهم من أصول شرق أوسطية، ونحو 40% من أصول آسيوية، و20% من أصول أفريقية، والبقية من خلفيات أخرى، وفق إحصائيات مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) بكاليفورنيا.
يقول المدير التنفيذي للمجلس المدني العربي الأميركي بكاليفورنيا رشاد الدباغ، إن الحملات الأمنية التي نفذتها إدارة الهجرة والجمارك مؤخرا في مدينة لوس أنجلوس، تركزت أساسا على المهاجرين من أصول لاتينية، ألقت بظلالها على العرب المقيمين في الولاية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الدباغ أن "ما يمس الجالية اللاتينية ينعكس بشكل مباشر على العرب"، مشيرا إلى وجود عدد من المهاجرين العرب في وضع قانوني هش قد تطالهم الإجراءات، خاصة أن هناك ترابطا بين الجاليتين في سوق العمل والمجالات الاقتصادية.
وأضاف أن النشاط الاقتصادي لبعض المناطق ذات الأغلبية العربية بجنوب كاليفورنيا تضرر نتيجة التوتر، حيث تغيب كثير من العمال من أصول أميركية لاتينية عن عملهم، خوفا من الاعتقال، وهو ما أثر على المحلات التجارية والمطاعم العربية التي تعتمد عليهم.
ولفت الدباغ إلى حادثة توقيف مهاجر عربي في مايو/أيار الماضي في مقاطعة أورانج وترحيله لاحقا، مما زاد من حالة القلق لدى الجالية العربية، ودفع العديد من الأسر إلى تقليص حركتها والبقاء في المنازل، خوفا من التفتيش أو التوقيف المفاجئ.
وفي تطور لافت، أدان المجلس المدني العربي الأميركي قرار نشر قوات من الحرس الوطني ومشاة البحرية (المارينز) في مدينة لوس أنجلوس، معتبرا إياه "استعراضا غير مبرر للقوة" و"انتهاكا للحريات المدنية".
إعلانوقال في بيان إن العرب في الولاية ليسوا بمنأى عن الإجراءات الأمنية الفدرالية، في ضوء تاريخ من التضييق بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وما تبعها من استهداف للعرب والمسلمين.
من جهته، أكد المدير التنفيذي لمجلس "كير" في كاليفورنيا حسام أيلوش، أن تبعات الحملات الأمنية تطال جميع المهاجرين، حتى أولئك الذين يتمتعون بوضع قانوني سليم.
وقال للجزيرة نت إن عددا من الناشطين العرب شاركوا في الاحتجاجات الجارية في لوس أنجلوس، تضامنا مع المهاجرين الموقوفين، واحتجاجا على "النهج المتشدد" في سياسات الهجرة.
ويرى أيلوش أن ما يجري لا يمكن فصله عن السياسات العامة للإدارة الأميركية الحالية تجاه ملف الهجرة، والتي خلقت، حسب رأيه، مناخا من التوتر والخوف داخل صفوف الجاليات العربية والمسلمة، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.
وأشار إلى أن ولاية كاليفورنيا -التي يبلغ عدد سكانها نحو 40 مليون نسمة- تعد من أكثر الولايات تنوعا وانفتاحا، وغالبية سكانها تميل للتوجهات الليبرالية، في حين يقدر عدد المهاجرين غير النظاميين فيها بنحو مليوني شخص، أغلبهم من بلدان أميركا اللاتينية.
وتعتبر الولاية الأولى من حيث الناتج المحلي الإجمالي على مستوى البلاد، إذ تجاوز 4.1 تريليونات دولار عام 2024، ما يعادل 14% من حجم الاقتصاد الأميركي، وتحتل المرتبة الثالثة من حيث المساحة الجغرافية.
أما رئيس الجمعية المغربية الأميركية بكاليفورنيا سعيد الخليفي، فأكد أن الجالية العربية في الولاية، ورغم تاريخها العريق الذي يمتد لأكثر من قرن، لا تزال تواجه تحديات اجتماعية وسياسية واقتصادية، من أبرزها التمييز المرتبط بالهوية الدينية أو العرقية، خاصة في أوقات التوتر السياسي أو عند تفجر الأزمات في منطقة الشرق الأوسط.
وقال الخليفي، في حديثه للجزيرة نت، إن اللاجئين والمهاجرين الجدد من أبناء الجالية يواجهون صعوبات متزايدة في تسوية أوضاعهم القانونية، مما يجعلهم عرضة لخطر التوقيف أو الترحيل، في ظل استهداف ممنهج لذوي الأصول اللاتينية الذين يتشابهون في الكثير من المؤشرات السلوكية والديمغرافية مع المهاجرين العرب.
وأشار إلى أن التمثيل السياسي للعرب الأميركيين لا يزال ضعيفا، رغم أن الكثير منهم حققوا إنجازات مرموقة في مجالات متعددة، الأكاديمية والفنون والطب والتقنية، لكن الحضور العربي في مواقع صنع القرار ما زال دون الطموحات، مما يحد من القدرة على التأثير الفاعل في السياسات العامة.
الاحتفاظ بالهويةوتُعد منطقة "ليتل أرابيا" بمدينة أنهايم، على بعد نحو 45 كيلومترا من لوس أنجلوس، معقلا رئيسا للجالية العربية، وتضم أغلبية من أصول لبنانية وفلسطينية ومصرية وسورية ويمنية، وهي منطقة نابضة بالحياة، تعج بالمطاعم العربية والمقاهي ومحلات الجزارة والأسواق التقليدية.
ويعود الوجود العربي في الولاية إلى أواخر القرن الـ19، حين بدأت أولى موجات الهجرة من بلاد الشام، خاصة من لبنان وسوريا، لأسباب اقتصادية ودينية، وكان معظمهم من المسيحيين، ثم توالت الموجات لاحقًا، خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية، وشملت مهاجرين من مصر والعراق وفلسطين، قبل أن تأتي موجة ثالثة في ستينيات القرن الماضي شملت فئات أوسع دينيا وسياسيا واجتماعيا.
إعلانواليوم، باتت "ليتل أرابيا" رمزا لهوية مستقرة ومتجذرة، يعززها حضور ثقافي وجمعوي نشط، ومدارس دينية ومؤسسات مجتمعية، تعمل على الحفاظ على اللغة والثقافة والروابط بين الأجيال، رغم التحديات المتواصلة.
وبينما تزداد وتيرة حملات الهجرة الفدرالية، يجد العرب الأميركيون أنفسهم بين سندان القوانين المتشددة ومطرقة الصورة النمطية التي تحاصرهم منذ سنوات، وهو ما يفرض -بحسب نشطاء ومراقبين- ضرورة رفع مستوى الوعي القانوني والسياسي داخل الجالية، وتعزيز تمثيلها في مراكز القرار لضمان حماية حقوقها ومكتسباتها.