القاهرةـ حاول مصطفى عبيد وجيرانه بمدينة ببا في بني سويف (جنوب القاهرة) الاتصال بأرقام الطوارئ والمطافئ دون جدوى، فلا شبكات اتصالات تعمل لمدة ساعة، تلت الساعة الأولى لانقطاع الكهرباء عن المنطقة التي غرقت في الظلام قبل أن يضاء الأفق بحريق كبير في أحد البيوت أحال الظلام البارد نهاراً ملتهبا.

وتعطلت أبراج الهاتف المحمول بعد نفاد مخزونها من الطاقة مع طول مدة انقطاع الكهرباء -بحسب مختصين- مما سبب شللا كاملا في التواصل بين المواطنين تلك الفترة.

وعادت ظاهرة الانقطاع المتكرر للكهرباء بمصر مؤخراً، بعد أن كانت قد اختفت مع رحيل فصل الصيف الذي تضاعف فيه استهلاك الكهرباء بفعل تشغيل المكيفات، مما دفع الحكومة وقتها لتخفيف الأحمال بقطع الكهرباء عن مناطق كاملة خلال وقت محدد تزايد مؤخرا ليبلغ ساعتين في بعض المناطق رغم انخفاض درجات الحرارة وتراجع استهلاك الكهرباء.

ويؤثر الانقطاع على كفاءة كثير من الخدمات ومنها الاتصالات، ليصيبها بالشلل في بعض المناطق.

وأرجعت تصريحات حكوميين عودة ظاهرة الانقطاع إلى نقص الغاز المطلوب لتشغيل محطات توليد الكهرباء، رغم تبشير الحكومة للمصريين بتزايد الإنتاج من الغاز الطبيعي، مما دفع للتساؤل عن سر نقص الغاز المطلوب لتشغيل محطات التوليد.

ظلام دامس

وتردد صدى ضربات جيش الاحتلال الإسرائيلى على غزة في مصر بإغراق البلاد في ظلام دامس لساعة أو ساعتين يوميا، بعد توقف إسرائيل عن ضخ الغاز نحو مصر بالمعدل المعتاد.

ورغم عودة الغاز الإسرائيلي جزئياً، فإن انقطاع الكهرباء استمر.

ومن جهة أخرى، أفاد مواطنون في بعض مناطق القاهرة أن مدة الانقطاع انحسرت خلال اليومين الماضيين من ساعتين إلى ساعة واحدة.

وكانت الحكومة تستثمر واردات الغاز الإسرائيلي في عمليات التسييل، ومن ثم تصديره لأوروبا، سعيا لتدبير عوائد دولارية تتزايد حاجة مصر إليها بشكل متزايد.

واضطرت الحكومة إلى تسييل جانب من إنتاجها من الغاز المحلي الموجود بالمحطات لتعويض الحصة المطلوب تصديرها بهدف توفير العملة الصعبة، مما انعكس سلبا بالنقص على احتياجات محطات توليد الكهرباء المحلية التي قلصت ساعات عملها فانقطع الكهرباء فترات محددة عن معظم مناطق البلاد.

وأمام تراجع إيرادات السياحة من العملة الصعبة في ظل إلغاء 25 ألف حجز وإغلاق 90%من المنشآت الفندقية في سيناء -بحسب إحصاءات غرفة السياحة- بحثت الحكومة عن بدائل لتوفير الدولار، كما يقول مراقبون.

وضاعفت تلك التطورات من حاجة مصر إلى عوائد دولارية لسداد التزاماتها المتمثلة في أقساط الديون الخارجية التي تجاوزت -بحسب إحصاءات شبه رسمية- 172 مليار دولار.

وارتفعت واردات مصر من الغاز الطبيعي الإسرائيلي بنحو 133% خلال أسبوع، لتصل إلى 350 مليون قدم مكعب يوميا، وفقا تصريحات صحفية لمسؤولين مصريين.

ولايزال  مستوى واردات مصر من الغاز الإسرائيلي أدنى مما كانت عليه الوضع قبل بداية العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين.

وبلغت واردات الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر أواخر الشهر الماضي نحو 150 مليون قدم يومياً، مقارنة بـ 800 مليون قبل شهر من تدهور الأوضاع بالأراضي المحتلة.

وتجري إسالة هذه الكميات في معملي إدكو ودمياط، قبل تصديرها والحصول على عائدات تجاوزت 8 مليارات دولار عام 2022 من بيع الغاز الطبيعي والمسال.

ضغوط العملة الصعبة

بهذا الصدد أكد رئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة جامعة القاهرة رشاد عبده أن مصر مضطرة لتجرع الدواء المر باحتمال انقطاع الكهرباء بدلا من الانقطاع عن سداد 17 مليار دولار بنهاية السنة الحالية، و24 مليار دولار بنهاية العام المقبل كأقساط ديون.

وأوضح عبده -بحديث للجزيرة نت- أن تسييل الغاز الإسرائيلي في محطات الإسالة المصرية يحدث فارقا هائلا في ثمن الغاز، بشكل يزيد من عائدات مصر الدولارية، ويوفر مداخيل أكثر لميزان المدفوعات الذي يحتاج بشدة العملة الصعبة.

ولفت إلى أن الصيف الماضي شهد استهلاك كميات ضخمة من الغاز بسبب استخدام أجهزة التكييف، مما أدى إلى نفاد جزء كبير من الغاز الموجه في الأصل إلى التصدير.

وأضاف الدكتور عبده "كان الرهان على فصل الشتاء -وهو موسم ازدهار للسياحة- لتعويض نقص العوائد الدولارية، ومن ثم الاستمرار بسداد أقساط الديون، لكن أحداث غزة وانعكاساتها على مصر دفعت الحكومة للرهان على تحويل الغاز المحلي نحو محطات الإسالة ومن ثم تصديره بدلا من استهلاكه محليا".

من جهته عزا الخبير الاقتصادي هاني عادل تزايد انقطاع الكهرباء في مصر إلى اضطرار الحكومة للاستعاضة بالغاز المحلي بعد انقطاع الإسرائيلي لتزويد محطات الإسالة، وفاء بالتزامات دولية بتصدير الغاز نحو أوروبا بحصص واتفاقات محددة، في ظل توقف إمدادات الغاز الروسي نحو القارة العجوز.

وجاء هذا الخيار على حساب المواطن المصري، حيث تم تقليل الغاز المخصص لمحطات توليد الكهرباء مما أسهم في انقطاعات مستمرة للكهرباء.

ويتفق عادل -في حديث للجزيرة نت- مع الرأي القائل برغبة الحكومة في سد النقص من الدولار عبر هذا الحل، نظرا للالتزامات بسداد أقساط الديون التي تطارد الحكومة دوريا.

ما البدائل؟

قلل الخبير الاقتصادي وائل النحاس من أهمية التقارير التي تتحدث عن عدم اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي في توليد الكهرباء محلياً بشكل كلي، مؤكدا صعوبة الجزم بهذا الأمر، لاسيما وأن هذا الغاز يتم ضخه في أنابيب ويدخل السوق المحلية بشكل يصعب معه الفصل بين ما هو موجه للتصدير وبين المخصص للاستهلاك المحلي.

وعن البدائل المتاحة أمام الحكومة لتجاوز قطع الكهرباء عن الداخل، رأى الخبير الاقتصادي النحاس -في حديث للجزيرة نت- أن الخيارات تبدو محدودة:

أولا: عدم التركيز فقط على الغاز لتوليد الكهرباء، والاعتماد -بالمقابل- على المازوت، رغم تكلفته المرتفعة. ثانيا إمكانية الاعتماد على الطاقة البديلة المتمثلة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتوليد الكهرباء، لكن ذلك يحتاج لاستثمارات عالية. ثالثا: زيادة عمليات استكشافات الغاز، عبر تقديم حوافز للاستثمار في هذا المجال، بشكل يجعل البلاد في حالة اكتفاء ذاتي من الطاقة، لتلبية الطلب المحلي والعالمي، ومنع اللجوء إلى خيار تخفيف أحمال الكهرباء مستقبلا، لما لذلك من أضرار على مناخ الاستثمار والأنشطة الاقتصادية المختلفة. ترشيد أساليب التعامل مع حقول مصر من الغاز، والعمل على تطويرها وفق خطط ممنهجة. ضرورة وجود توجه رسمي وشعبي لتقليل الاستهلاك بشكل يحول دون استهلاك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، مما سيسهم في خفض فاتورة الطاقة.

وانتقد مصريون توسع الحكومة في قطع الكهرباء بوتيرة غير مسبوقة، دون الوضع في الاعتبار معاناة المواطنين جراء هذا الإجراء.

وقال طالب طارق نبيل (محام) إن على الحكومة أن تطالب من إسرائيل تعويضات عن انقطاع إمدادات الغاز الطبيعي، ورأى -في حديث للجزيرة نت- أنه لا يجوز التذرع بالحرب لأن إسرائيل هي من بدأتها وتملك وقفها وحل الأزمة التي صنعتها لنفسها وللعالم، كما لا يجوز تحميل المواطنين فاتورة تخاذل إسرائيل عن الوفاء بالتزاماتها التعاقدية.

من جهته سخر أحمد البربري (معلم بإحدى مدارس القاهرة) من مثل هذه الإجراءات، وقال إن الحكومة استندت إلى "الحائط المائل" وهو المواطن، وهو تعبير مصري يقصد به اختيار أسهل الحلول وترحيل العبء على الجانب الأضعف، مضيفا أن المنظومة التعليمية تعاني من انقطاع الكهرباء.

أما محمود سلامة (ممرض بأحد مستشفيات الجيزة) فقال إن طول فترة انقطاع الكهرباء يتسبب في انخفاض كفاءة المستشفيات، نظرا لاعتمادها على المولدات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الغاز الإسرائیلی انقطاع الکهرباء تولید الکهرباء الغاز الطبیعی العملة الصعبة للجزیرة نت من الغاز

إقرأ أيضاً:

وزير الكهرباء يتفقد قطاع شبكات المدن الجديدة بمدينة العاشر من رمضان

قام الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، اليوم السبت بزيارة ميدانية مفاجئة إلى قطاع شبكات المدن الجديدة بمدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، فى نطاق عمل شركة القناة لتوزيع الكهرباء والذى يخدم مدن العاشر والشروق وبدر وهليوبوليس والهايكستب، وذلك لمتابعة مستجدات العمل فى إطار تحسين كفاءة الطاقة وترشيد الاستهلاك والالتزام بمعايير الجودة والسلامة وضمان تأمين التغذية الكهربائية واستمرارية التيار فى ظل التغيرات المناخية المصاحبة لفصل الشتاء، وكذلك متابعة الطاقة الكهربائية المشتراة والمباعة، والفقد بمختلف أنواعه، والوقوف على الواقع الفعلى للتشغيل، ومعدلات الأداء وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

استهل الدكتور محمود عصمت الجولة الميدانية بتفقد القطاعات المختلفة، وتابع خطة الطوارئ واشتراطات السلامة والصحة المهنية، ومجريات التنفيذ الخاصة بتحسين كفاءة الطاقة وترشيد الاستهلاك وتأمين التغذية فى ظل التغيرات المناخية خلال فصل الشتاء، وكذلك التعاون والتواصل مع المشتركين فى القطاع الصناعي فى إطار تحسين كفاءة استهلاك الكهرباء، واستمع إلى شرح تفصيلي من مسئولي التشغيل حول مستجدات خطة العمل، وتوفير التغذية الكهربائية المستقرة فى نطاق العمل وخاصة فى المناطق الصناعية وغيرها من الاستخدامات غير المنزلية، واستعرض معدلات الأعطال وتطبيق معايير الجودة وسرعة الاستجابة للبلاغات ومعدلات التحصيل والمتأخرات وتقارير لجان التفتيش والمتابعة لمواجهة سرقة الكهرباء ونسبة محاضر الضبطية القضائية والمخالفات ومقارنتها بنسبة الفقد فى كل منطقة والاجراءات التى يجرى تنفيذها فى إطار خطة التصدي، وتمت مناقشة كيفية التعامل مع بلاغات المشتركين وأهمية المتابعة والتواصل للتأكد من جودة الخدمات المقدمة فى المدن الجديدة داخل نطاق العمل والتيسر على طالبى الخدمة وخاصة فيما يتعلق بتركيب العدادات الكودية.

قال الدكتور محمود عصمت أن الوزارة مستمرة فى اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة فى إطار خطة العمل التى يجرى تنفيذها بالتعاون مع الشركاء لتحسين كفاءة الطاقة وترشيد استهلاك الكهرباء كأداة فعالة لتحقيق توافر الطاقة وخفض استهلاك الوقود، مؤكدا أن المواطن شريك ومن حقه الحصول عل خدمة لائقة تتناسب وحجم التطور الذى شهده قطاع الكهرباء وهو عامل رئيسى فى نجاح مبادرة تحسين الكفاءة والترشيد، مشيرا إلى تحسين جودة التشغيل وزيادة العائد على وحدة الوقود المستخدم من الطاقة المولدة والارتقاء بمستوى الخدمات الكهربائية المقدمة من خلال التواجد الميداني، وعمل لجان المرور والمتابعة ومراجعة تقارير منظومة الشكاوى والبلاغات، وغيرها من الأدوات، للتأكد من تطبيق معايير الجودة، والالتزام بالاشتراطات والمعايير التى تم اعتمادها لتقديم خدمات لائقة، موجها بالمراجعة الدقيقة لمعدلات الاستهلاك فى كل منطقة والتأكيد على اتخاذ ما يلزم للحد من ظاهرة التعدى على التيار الكهربائي ومراجعة معدلات الطاقة المشتراة والمباعة وضرورة التنسيق مع مختلف جهات الدولة المعنية فى هذا المجال.

 

مقالات مشابهة

  • 7 تحديات تواجه حركة حماس في ذكرى انطلاقتها الـ38
  • عن انقطاع الانترنت... ماذا قال رئيس نقابة العاملين في قطاع الخليوي؟
  • وزير الكهرباء يتفقد قطاع شبكات المدن الجديدة بالعاشر من رمضان
  • وزير الكهرباء يتفقد قطاع شبكات المدن الجديدة بمدينة العاشر من رمضان
  • الطاقة الذرية: انقطاع الكهرباء عن محطة زابوريجيا النووية بأوكرانيا
  • انفجار خط الغاز الرئيسي في نيجيريا يهدد إمدادات الكهرباء
  • رئيسة الحكومة التونسية تشيد بالإصلاحات العميقة التي تشهدها الجزائر
  • فصل الكهرباء غداً عن قرية حاذق وتوابعها بكفر الشيخ
  • مصر وقبرص تمضيان قدماً في تعزيز التعاون الإستراتيجي بين البلدين في قطاع الطاقة
  • مصر وقبرص تمضيان قدمًا في تعزيز التعاون الإستراتيجي بين البلدين في قطاع الطاقة