ابرهيم موعد: الى روح الفتى نائل.. الديك الصيّاح
تاريخ النشر: 4th, July 2023 GMT
ابرهيم موعد أخيراً، بعد طول وقوف على أبواب السفارات الأجنبية ، نجحت بشّد الرّحال الى عالم الغرب . وسرعان ما خرجت من ثوبي ، فتفرنجت ، وأصبح بنظري كل إفرنجي ، برنجي . فإنبهرت بعالمي الجديد الذي لكي أندمج به سريعاً ، عمدت كما الثعبان الى طرح جلدي القديم ، والتفرّغ لعبادة الهي بالرجل الأبيض الذي استعمر بلادي ،وعاث فيها فساداً وقتلاً ونهباً .
فسامحته على طريقة معلش يا زهر ، فالمهم أن أعيش في كنفه وأحيا . كما أني عقدت ربطة العنق جيداً ، وإعتمرت البرنيطة لأستبدلها في قادم ألأيام بالكيباه ،أي القلنسوة الصهيونية . فإسرائيل يا أعزّائي هي نور العالم ، ويتوجّب عليّ لنيل رضاها وبركاتها أن أندمج أكثر في محيطي الطارىء الذي يكفّر دائماً كل من يعادي السامية ،فيقيم عليه الحدّ بقسوة . كما أني سأبذل جهدًاً مضاعفاً قد لا يسعفني لهبل مزمن في مخي ، بالرطن بلكنة مكان تواجدي سعياً مني أن ذلك سوف يساهم في تقبّلي فرداً اصيلاً في عشيرة الغرب المتفوقة . وألأهم أن أكون (بلا عنصرية) أبيض البشرة كبياض الثلج وأكثر ، إذ من المذل أن أكون حنطياً أو أسمراً ، ما يساهم في افتضاح عرقي ، وهذا لن يسهّل لي التماهي مع سكان محيطي . وكم سيكون ألأمر مبهجاً ومؤثّراً إن كنت على دينهم وملتهم . ها أنذا ، أحاول ان أعيش حضارة الغرب ، بملئ رئتيّ ومسام جلدي ، لا أحيد قيد أنملة عن إتيكيت الغرب وبروتوكوله لجهة عاداته وتقاليده ،وألأهم ، تفلّته الأخلاقي حيث سأنقل كل هذا الى دياري لدى عودتي المظفّرة اليها . ولعمق الإستلاب الحميد الذي تعرّضت له في الغرب ،سأعتبر تذكرّي تحيتي لأمي وأبي ، أو شد والديّ لإذني لعمل معيب قمت به، أموراً تستحق الشجب بشدة ، ومن مخلّفات ماضيّ الذي يجب القطيعة معه على الفور . وسرعان ما سوف أنسى حبي القديم لجارتي وطفا التي انتهكت شرفها وهربت ، وأكرّس كل ذكورتي ووفائي لجانيت . كما أني سأنظر الى تراثي وحليب أمي ، وشوارب والدي كجزء من ماضٍ متجذّر في التخلّف يجب نسيانه ولو أدى ذلك الى جلد نفسي ، أو إذابة جسدي بألأسيد . وفي ألأثناء ، سوف أعلّي من شأن الرجل الأبيض ، وأؤيّد كل طروحاته السياسية والعنصرية تجاه الدول المتخلفة والنامية ، ومتحمساً لحروبه التي قد تُشّن على بلدي ألأم ، بصرف النظر عن هول المجازر بحق شعبي الذي يستحق العيش ،بل الإبادة . أنا بكل بساطة ، أرغب في خدمة سيّدي الغربي برتبة عبد خانع ، وألأصح ، جاسوس . هذا غيض من فيض لما يمكن أن أقوم به أنا المثقف الوضيع الذي أفاخر ولا حرج ، بنكران الجميل الذي لقيته ذات يوم، من بلدي . فطوبى لكل الذين يسعون على أن يكون على شاكلتي . فكل ديك على مزبلته صيّاح . كيكي ،كيكي . ها انت يا ولدي نائل تُقتل في غرب ظننته مسرح احلامك . لك منا الرحمة . وهاأنذا ، ارفض العيش في الغرب لعنصريته البغيضة . كاتب فلسطيني
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
نوبار باشا.. رجل السياسة الذي صنع تاريخ مصر
نوبار باشا، ذلك الاسم الذي يلمع في تاريخ مصر الحديث، هو الرجل الذي ترك بصمة لا تمحى في الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد، ولد في سميرنا عام 1825 في عائلة أرمنية غنية بالخبرة والعلاقات، ومنذ صغره كانت الطريق نحو السياسة والدبلوماسية مفتوحة أمامه.
فقد تعلم في جنيف السويسرية، حيث تتلمذ على العلوم واللغات، وأصبح يعرف الفرنسية والإنجليزية والتركية واليونانية، ما منحه قدرة استثنائية على التنقل بين ثقافات متعددة وعوالم سياسية مختلفة، رغم أنه لم يتقن العربية بشكل كامل.
هذه البداية المتفردة هي التي مهدت له أن يكون رجل دولة محنكا، قادرا على المفاوضات المعقدة، ومطلوبا من الجميع سواء في القاهرة أو في إسطنبول أو باريس.
عندما وصل نوبار مصر، أصبح قريبا من الدوائر السياسية العليا، وصاهر عائلات لها صلة وثيقة بالباب العالي، مما منحه ثقة وامتيازات غير عادية.
عمل في البداية مترجما ومساعدا لعدد من الوزراء والخديويين، وكان له دور بارز في المفاوضات المالية والسياسية، بداية من تسوية حقوق ورثة العرش في إنجلترا، مرورا بتنظيم المرور بين القاهرة والسويس، ووصولا إلى إدارة السكك الحديدية ومشروعات الأشغال العامة.
كانت هذه التجارب المتنوعة بمثابة مدرسة عملية أعدته لتولي أكبر المناصب في الدولة المصرية، وجعلته الشخص المناسب لتشكيل أول حكومة مسؤولة في مصر.
تولى نوبار باشا رئاسة وزراء مصر ثلاث مرات، وكانت كل واحدة من وزاراته انعكاسا لفترة من التحولات الكبيرة، فوزارته الأولى عام 1878 جاءت بعد فترة من الأزمات الداخلية والخارجية، واعتبرت نموذجا للنظارة الأوروبية حيث شغل بعض الوزراء من أجانب، في خطوة أثارت جدلا واسعا.
أما وزارته الثانية، بعد الاحتلال البريطاني، فكانت مرحلة صعبة إذ شهدت إخلاء السودان وضياع أجزاء من الإمبراطورية، ولكنه ظل يمارس عمله بدقة ومهنية، رغم الانتقادات اللاذعة التي وجهت له من المصريين الذين رأوا في تعيين الأجانب وفرض المحاكم المختلطة نوعا من التعدي على الحقوق الوطنية.
وفي وزارته الثالثة، بدا واضحا استسلامه للنفوذ البريطاني، ولكن حتى في تلك المرحلة ظل شخصا لا يمكن تجاهل خبرته وقدرته على إدارة الدولة تحت ضغوط غير مسبوقة.
من أهم إنجازاته الاقتصادية والبنية التحتية، المفاوضات التي أدت إلى إنشاء خط السكة الحديدية بين الإسكندرية والسويس، والعقود التي عززت قدرة الدولة على تنظيم الشؤون المالية والمشاريع الكبرى مثل قناة السويس.
كما ساهم في وضع الأسس القانونية للمحاكم المختلطة، رغم أن تطبيقها أثار جدلا بسبب سلب بعض حقوق الفلاحين والمواطنين، وكان لها أثر كبير على استقلال القضاء والحق في المحاكم الوطنية.
لكن، رغم كل إنجازاته، لم يكن نوبار باشا محبوبا شعبيا، فقد اتهمه المصريون بتفضيل الأجانب، وفرض قيود على الصحافة الوطنية، وهو ما جعل بعض الصحف تغلق في عهده.
حصل أيضا على بعض الامتيازات والعمولات خلال العقود والقروض، مما ألقى بظلال على سمعته، ولكنه يظل شخصا استثنائيا لم يظهر في التاريخ المصري من قبل بمثل هذا التعدد من المناصب والخبرة الدبلوماسية، وهو الرجل الذي عاش بين ثقافات ودول، وحاول دائما أن يجد التوازن بين مصالح مصر ومطالب القوى الكبرى.
توفي نوبار باشا عام 1899 في باريس، ولكن أثره ظل حيا في شوارع مصر وأسماء المدن، فهو الذي أعطى لمصر تجربة أول حكومة مسؤولة، ووضع اللبنات الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة، وتجربة السكك الحديدية والمفاوضات المالية والقانونية.
حتى اليوم، حين نذكر اسمه، نستحضر صورة رجل دولة فريد، عاش بين التحديات والفرص، وسعى دائما لتحقيق ما يراه صالحا لمصر، برغم كل العقبات والانتقادات.
نوبار باشا ليس مجرد شخصية تاريخية، بل هو درس في القدرة على الصبر والعمل في زمن كان فيه التوازن بين الداخل والخارج أصعب ما يكون، ومهما اختلفت آراء الناس عنه، سيظل جزءا من تاريخ مصر الذي لا يمكن تجاوزه أو نسيانه.