جفاف السبعينات … وحبابة البدوية في بيتنا
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
والخدمة المنزلية ليست عيبا ، ولكن لم يكن عمل البدويات العربيات في هذه المهنا مألوفا ، والحق يقال ، فما هي تلك الظروف الطاحنة التي ألجأتهم مضطرين لذلك ؟
إنه جفاف بداية السبعينات ثم الموجة الثانية بداية الثمانينات ، ذلك الجفاف الذي أجبر في من أجبر شعب الزغاوة على الهجرة الجماعية من موطنه في شمال غرب دارفور إلى جنوبها كما ذكرنا في منشورات سابقة.
إمتد ذلك الجفاف إلى شمال كردفان وفقدت مجموعات من الرحل ثروتها ونفقت دوابها وفقدت بالتالي سبل العيش وكانت أم درمان هي الملاذ الأقرب لهم فلجأوا إلى غربها وأقاموا رواكيبهم في منطقة غرب أم درمان.
أول من لفت الأنظار لتلك المأساة أئمة الجوامع فتحدثوا واستنفروا الناس في أم درمان لزيارتهم حتى يستشعروا عمق المأساة ، وحين ذهبت الوفود وشاهدت الأجسام التي هدها الجوع فصارت جلودا فوق هياكل عظمية صدموا وعادوا يحكون ما شاهدوه غير مصدقين ، وبعضهم قال أنه أجهش بالبكاء مما شاهد ، وتدفقت المساعدات من مجتمعات أم درمان ، مواد غذائية ، ملابس ، بطاطين ، إلخ.
وبدأنا في أم درمان نشاهد بل نعيش مشهد الأب البدوي العربي يدق باب الباب ومعاه فتاته الصغيرة وبعد أن يدخل ويسلم على الأسرة بكل الحزن والوقار ويطلب مقابلة رب الدار يقول أنه لا يطلب أجرا مقابل خدمة بنته ، بل كل ما يطمع فيه بيت كريم موثوق فيه يؤيها ويطعمها وهي لن تقصر في الخدمة.
في تلك الظروف القاهرة وبتلك المعادلة المحزنة دخلت الفتاة البدوية حبابة إلى حياتنا وضمتها والدتنا تحت جناحها ورعايتها وأخذت تتدرج بها رويدا رويدا في مهارات الحياة المدينية التي لم تكن تفهم فيها شيئا ولا شاهدت أدواتها ، وقررت لها الوالدة راتبا شهريا.
لم ينقطع والد حبابة عن زيارتها فكان يأتيها كل إسبوعين أو ثلاث ليتفقدها ويطمئن عليها وحين يأتي آخر الشهر يأتيها ليأخذها ومعها راتبها لإجازة يومين تقضيها مع الأسرة في رواكيب غرب أم درمان.
كبرت حبابة وقام والدها بتزويجها وأنقطعت عن الخدمة ولكنها لم تنقطع عن زيارة الوالدة ورافقتها في زيارتها الأخير قبل الحرب بشهرين بنتها الشابة التي أسمتها على إسم الوالدة وفاءا وعرفانا ، وظلت الوالدة تفرح وتسعد بهذا الوفاء ، وصارت حبابة تتلقى المصاريف من ولدها الذي إغترب في السعودية ، وهكذا تدور عجلة الحياة وتتغلب الناس على الصعاب.
ما أعلمه أن مجتمعات النازحين البدو في غرب أم درمان من تلك الحقبة كافحت وأندمجت تدريجيا في حياة أم درمان فليس في أم درمان حواكير تزعج وتقيد القادم المبتلى وليس في أم درمان سوى البشر والترحاب وقبول الآخر.
في هذه الأيام وفي هدأة الليل والسكون كثيرا ما أتذكر وأفكر في حال بشر رقيقي الحال مروا في حياتنا ، أين هم وكيف حالهم في خضم الأحداث والفوضى ؟!
كانت حبابة ووالدها من بدو كردفان الذين شاهدناهم كثيرا في طفولتنا وصبانا الباكر ينيخون إبلهم في سوق العرضة وحي العرب ويقضون أياما في التسوق قبل أن يشدوا الرحال إلى باديتهم التي التي يألفونها وتألفهم ويفهمونها ولا يرضون عنها بديلا لأن البدوي القح الأصيل لا يشعر بالنقص أمام أهل المدن ولا يحسدهم على بيوتهم وعمرانهم بل ربما نظر إليهم نظر الشفقة إذ لا يملكون ما يملك من الحرية والأنعام والنظرة المختلفة للحياة.
مات والد حبابة في أطراف أم درمان وهو مطمئن على بناته بعد أن شاهد أحفاده وحفيداته ، ولم تنقطع زيارته للبيت فكان هو وحبابة في ذاكرتي رمزا للوفاء والأصالة والصبر على الأقدار وتقلبات الأيام.
#كمال_حامد ????
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی أم درمان
إقرأ أيضاً:
الخواطر … بوابة إلى الوعي القرآني وسمو الروح
بين يدي القارئ الكريم .. كتاب الخواطر، أحد أهم المراجع التي تهدف إلى وصل القارئ بمصادر الهداية الأصيلة، مقتبسة من كلمات ومحاضرات الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، والسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، ويأتي هذا الكتاب ليجسّد حاجة ملحّة في واقعنا المعاصر، حاجة إلى خطابٍ يحيي الروح، ويعيد بوصلة الإنسان إلى الاتجاه الصحيح، ويقدّم الهداية القرآنية بلغةٍ عملية قريبة من القلب والعقل، وتم فيه اختيار أهم الموجهات القرآنية التي تدفع القارئ للاستزادة والتعمق
يمانيون / خاص
الكتاب شمل ستة عشر فصلاً تناولت الموضوعات التالية :
1: معرفة الله.
2: كيف نتعامل مع هدى الله.
3: فضل القرآن الكريم.
4: كيف نستقبل شهر رمضان
5: مواصفات المؤمنين.
6: تذكر الجزاء والحساب وأثره في الاستقامة.
7: الطريق إلى الجنة.
8: الإخلاص.
9: الإحسان ودوره في حياة الفرد والمجتمع.
10: بر الوالدين.
11: الاستقامة والأساس الذي تقوم عليه.
12: عوامل وأسباب تؤدي إلى الفرقة.
13: التعاون على البر والتقوى.
14: البطاقة التعريفية الصحيحة للعدوان.
15: معنى الجهاد.
16: أسباب النصر.
هذا التوزيع يمثل منهجًا متدرّجًا لبناء الوعي الإيماني، فهو يبدأ بمعرفة الله، ويمضي في رسم صورة متكاملة للإنسان المؤمن، كيف يبني علاقته بالقرآن؟ وكيف يتعامل مع الأحداث من حوله بوعي وبصيرة؟
وفي كل باب من أبوابه الستة عشر، نجد صياغة تجعل الهدى القرآني أكثر حضورًا في حياة الإنسان، وأكثر قدرة على التأثير في سلوكه ومواقفه.
من أهم ما يميّز هذا الكتاب أنه يبرز جوهر المنهج العملي للقرآن الكريم ومركزيته التي قدمها الشهيد القائد والسيد القائد بتسلسل يدخل مباشرة إلى مركز الوعي في عقل الانسان بما يحقق ترسيخها في حياة كل مؤمن، كمنهج يُعاش، وكمنبع للثبات والقوّة والسلوك المستقيم.
ولذلك يبرز الكتاب فضل القرآن، وكيفية التعامل مع الهدى القرآني، وكيف يسهم هذا الارتباط في صناعة شخصية قويمة، ثابتة، وواعية.
كما أن الكتاب يتناول جوانب عملية من حياة المؤمن، وفي مقدمتها الإخلاص، الإحسان، الاستقامة، البر بالوالدين، تذكّر الحساب، التعاون على البر والتقوى، وكلها قيم تُسهم في ترقية النفس وبناء مجتمع متماسك يقوم على المحبة، والمسؤولية، وتحمّل الأمانة، وبهذا الأسلوب، يتحوّل الهدى القرآني من معانٍ ذهنية إلى سلوك يومي يصنع إنسانًا أقرب إلى الله، وأقرب إلى بقية الناس.
كما أن محتوى الكتاب له صلة مباشرة بالواقع، واختار موضوعات مثلت رؤية تساعد على فهم طبيعة الصراعات والتحديات التي يواجهها الإنسان والمجتمع.
فيعرض البطاقة التعريفية للعدوان، ومعنى الجهاد، وأسباب النصر، ليوضّح أن الوعي الإيماني لا يكتمل بدون وعيٍ بمسؤولية المؤمن في الدفاع عن الحق، وبناء المجتمع، ومواجهة الظلم.
ما يجعل ’’الخواطر’’ كتاباً متميزًا هو أنه، يجمع بين الروح والمعرفة، ويقرّب القرآن إلى حياة الناس اليومية، ويقدم المعالجات للقضايا الفردية والاجتماعية في إطار قرآني، كما أنه يضع الإنسان أمام مسؤولياته الدينية والأخلاقية بوعيٍ هادئ وعميق
كتاب الخواطر يمثل رحلة قصيرة لكنها عميقة داخل الهدى القرآني، تعيد صياغة علاقة الإنسان بالله، وبالقرآن، وبذاته، وبمجتمعه، وبحياته كلها.
إنه خطوة نحو بناء إنسانٍ أقوى إيمانًا، أوسع وعيًا، وأقدر على مواجهة تحديات العصر بروحٍ قرآنية ثابتة.
كتيب خواطر