موقع النيلين:
2025-05-12@00:16:32 GMT

جفاف السبعينات … وحبابة البدوية في بيتنا

تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT

جفاف السبعينات … وحبابة البدوية في بيتنا


والخدمة المنزلية ليست عيبا ، ولكن لم يكن عمل البدويات العربيات في هذه المهنا مألوفا ، والحق يقال ، فما هي تلك الظروف الطاحنة التي ألجأتهم مضطرين لذلك ؟

إنه جفاف بداية السبعينات ثم الموجة الثانية بداية الثمانينات ، ذلك الجفاف الذي أجبر في من أجبر شعب الزغاوة على الهجرة الجماعية من موطنه في شمال غرب دارفور إلى جنوبها كما ذكرنا في منشورات سابقة.

إمتد ذلك الجفاف إلى شمال كردفان وفقدت مجموعات من الرحل ثروتها ونفقت دوابها وفقدت بالتالي سبل العيش وكانت أم درمان هي الملاذ الأقرب لهم فلجأوا إلى غربها وأقاموا رواكيبهم في منطقة غرب أم درمان.

أول من لفت الأنظار لتلك المأساة أئمة الجوامع فتحدثوا واستنفروا الناس في أم درمان لزيارتهم حتى يستشعروا عمق المأساة ، وحين ذهبت الوفود وشاهدت الأجسام التي هدها الجوع فصارت جلودا فوق هياكل عظمية صدموا وعادوا يحكون ما شاهدوه غير مصدقين ، وبعضهم قال أنه أجهش بالبكاء مما شاهد ، وتدفقت المساعدات من مجتمعات أم درمان ، مواد غذائية ، ملابس ، بطاطين ، إلخ.

وبدأنا في أم درمان نشاهد بل نعيش مشهد الأب البدوي العربي يدق باب الباب ومعاه فتاته الصغيرة وبعد أن يدخل ويسلم على الأسرة بكل الحزن والوقار ويطلب مقابلة رب الدار يقول أنه لا يطلب أجرا مقابل خدمة بنته ، بل كل ما يطمع فيه بيت كريم موثوق فيه يؤيها ويطعمها وهي لن تقصر في الخدمة.

في تلك الظروف القاهرة وبتلك المعادلة المحزنة دخلت الفتاة البدوية حبابة إلى حياتنا وضمتها والدتنا تحت جناحها ورعايتها وأخذت تتدرج بها رويدا رويدا في مهارات الحياة المدينية التي لم تكن تفهم فيها شيئا ولا شاهدت أدواتها ، وقررت لها الوالدة راتبا شهريا.

لم ينقطع والد حبابة عن زيارتها فكان يأتيها كل إسبوعين أو ثلاث ليتفقدها ويطمئن عليها وحين يأتي آخر الشهر يأتيها ليأخذها ومعها راتبها لإجازة يومين تقضيها مع الأسرة في رواكيب غرب أم درمان.

كبرت حبابة وقام والدها بتزويجها وأنقطعت عن الخدمة ولكنها لم تنقطع عن زيارة الوالدة ورافقتها في زيارتها الأخير قبل الحرب بشهرين بنتها الشابة التي أسمتها على إسم الوالدة وفاءا وعرفانا ، وظلت الوالدة تفرح وتسعد بهذا الوفاء ، وصارت حبابة تتلقى المصاريف من ولدها الذي إغترب في السعودية ، وهكذا تدور عجلة الحياة وتتغلب الناس على الصعاب.

ما أعلمه أن مجتمعات النازحين البدو في غرب أم درمان من تلك الحقبة كافحت وأندمجت تدريجيا في حياة أم درمان فليس في أم درمان حواكير تزعج وتقيد القادم المبتلى وليس في أم درمان سوى البشر والترحاب وقبول الآخر.

في هذه الأيام وفي هدأة الليل والسكون كثيرا ما أتذكر وأفكر في حال بشر رقيقي الحال مروا في حياتنا ، أين هم وكيف حالهم في خضم الأحداث والفوضى ؟!

كانت حبابة ووالدها من بدو كردفان الذين شاهدناهم كثيرا في طفولتنا وصبانا الباكر ينيخون إبلهم في سوق العرضة وحي العرب ويقضون أياما في التسوق قبل أن يشدوا الرحال إلى باديتهم التي التي يألفونها وتألفهم ويفهمونها ولا يرضون عنها بديلا لأن البدوي القح الأصيل لا يشعر بالنقص أمام أهل المدن ولا يحسدهم على بيوتهم وعمرانهم بل ربما نظر إليهم نظر الشفقة إذ لا يملكون ما يملك من الحرية والأنعام والنظرة المختلفة للحياة.

مات والد حبابة في أطراف أم درمان وهو مطمئن على بناته بعد أن شاهد أحفاده وحفيداته ، ولم تنقطع زيارته للبيت فكان هو وحبابة في ذاكرتي رمزا للوفاء والأصالة والصبر على الأقدار وتقلبات الأيام.

#كمال_حامد ????

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فی أم درمان

إقرأ أيضاً:

لا تمتحنوا صبرهن …ثورة النساء قادمة

 

بقلم / عفراء الحريري

 

أنّ ما نشهده منذ ثلاث سنوات ( عمر المجلس الرئاسي) لا يعبّر عن الإرادة الحقيقية لشعب عانى من القمع والاستبداد، بل هي محاولة مكشوفة لإعادة إنتاج نظام قائم على التمييز، إذ يتم التعامل مع النساء وكأن وجودهنّ في الحياة السياسية مجرد تفضيل مضاف إلى هيئات الرئاسة، أو صورة تُستخدم لتجميل مشهدٍ زائف،

إننا نرفض أن نكون مجرد واجهة لمشاريع لا تعترف بنا ولا تعطي لحقوقنا أي وزن، لسنا أرقاماً تُضاف إلى قوائم الحضور، ولسنا شهود زور على عملية سياسية عقيمة تُعيد إنتاج التهميش وتكرّس سياسات الإقصاء،،،

لقد كشفت مجدد نتائج تغيير رئيس الوزراء. عن عقلية الإقصاء والإنكار التي لطالما كانت السبب بأزمات الشرعية أو الحكومة المعترف بها دوليًا في المناطق المحررة. ويتناسى المجلس الرئاسي “بإننا نحن النساء وقفنا في مقدمة النضال، قاتلن ضد القمع والاستبداد والتطرف والعنف…إلخ ، دفعن الثمن الأكبر من النزوح والاعتقال والاغتيال والإغتصاب والقتل”.

على الرغم من ذلك لا يزال مصيرنا يُقرَّر في قاعات مغلقة، دون أن نمنح حق التعبير عن قضايانا، ودون أن يكون لنا دور حقيقي في صياغة مستقبل هذا البلد. فكيف يمكن الحديث عن حل سياسي؟ بينما يتم استبعادنا ونحن أكثر من النصف؟ كيف يُبنى مستقبل اليمن فيما نقصى نحن النساء اللواتي حملن العبء الأكبر في الحرب والسلام على حد سواء؟

أننا لن نقبل أن يكون مستقبل البلد مرهونًا بالسياسات ذاتها التي أنتجت معاناة النساء لعقود.

إن ما يجرى في قاعات فنادق الرياض هو استكمال لنهج تهميش النساء، وإقصاء القوى الديمقراطية الحقيقية، واستمرار للعقلية الذكورية التي لم تتعلم من دروس الماضي، هذه التعيينات ليست خطوات نحو الحل، بل نحو تعميق الأزمة، وهذه ليست بداية جديدة، بل استنساخٌ مشوّه لفشل قديم.

يبدو ان حركة التعيينات أصبحت تشوبها التدابير المقيّدة للحريات، لا سيّما في حقّ النساء اللواتي استبعدن تدريجيًا من الحياة العامة وأقصين من كلُّ المواقع السياسية، كمااستُبعدن من غالبية الوظائف العامة و أعطين أجورًا زهيدة لحضّهن على البقاء في المنزل أوسرحن من العمل أو سكن في القبر، فأصبح من الواضح أن سياسة المجلس الرئاسي مصمّمة لإقصاء النساء من الحياة العامة، فهو لم يعد يبدي مخاوفا من التستر على الوضع الاقتصادي الكارثي والقمع المتزايد والعسكرة والعنف ضد المدنيين والمدنيات، بل يجعل من تهميش المرأة طابع مؤسسي يطال النساء والفتيات، وإقصاء ممنهج من قبله كأعلى مؤسسة في الدولة.

ففي الوقت الذي تحتاج فيه اليمن إلى مشروع وطني حقيقي يعبّر عن جميع أبنائها وبناتها، نجد أنفسنا أمام مشهد مكرّر للمجلس الرئاسي، إذ تُعاد صياغة السلطة بأدوات قديمة، ويُفرض الواقع نفسه بوجوه جديدة، لكن بعقلية لم تتغير، عقلية تقصي النساء وتهمّشهنّ، وكأن أصواتهنّ وتضحياتهنّ لم تكن يومًا جزءًا من هذا النضال الطويل”.

إننا نعيش إعادة إنتاج لنظام قائم على التمييز، ورفض واضح لحقوق النساء ودورهن السياسي والاجتماعي.

اليوم في العاصمة المؤقته المقتولة عدن، تتزايد ممارسات ممنهجة لاقصاء النساء وتهميش دورهن في الحياة العامة وفي مواقع صنع القرار، وتنامي وتنوع مظاهر العنف الاسري والعنف الجنسي الذي يسحق كرامتهن، ويحول دون تمتعهن كمواطنات بحقوقهن الإنسانية، بسبب هيمنة العقلية والثقافة الذكورية والأعراف القبلية الدخيلة، والخطاب الديني المتطرف الذي تخلت عنه” المملكة العربية السعودية بزعامتها وتفردها له سابقا، وأختاره ولاة أمرنا بصوره المتعددة( الجهل، القمع، العنف، …إلخ) وبسبب أيضًا ضعف آليات الحماية ومؤسسات انفاذ القانون، وتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية والصحية، وانتشار الفقر والأميّة واستشراء الفساد…..

أن أي تعيين يتم دون أن يشمل ويمثلن النساء تمثيل حقيقي وصوت مسموع، هو تعيين غير شرعي، وأي عملية سياسية لا تأخذ في الحسبان نضال النساء وتضحياتهنّ، هي عملية ميتة قبل أن تبدأ. لن نسمح بأن تُفرض علينا خيارات لا تمثلنا، ولن نصمت أمام هذا المشهد السياسي الذي يحاول فيه المجلس الرئاسي دفن حقوقنا وإرادتنا تحت ستار “التوافقات” المزعومة.

نحن النساء، لسنا هامشًا، ولسنا بديلًا نحن أساس الحل وجوهر الديمقراطية، ومن لا يرى ذلك، فهو لا يسعى إلا لإعادة إنتاج الاستبداد بوجهٍ جديد”.

لذلك فإن لصبر النساء حد أشد حدة من السيف، إن شحد نحر و أجتز الشجر والجبل، فلا تمتحنوهن ولا تمتحنوا صبرهن.

مقالات مشابهة

  • حين تُقصف العواصم… أين تختبئ الدبلوماسية؟
  • بنك أم درمان الوطني يفتتح فرعاً جديداً بمحلية الدبة
  • رمز جديد في واتس آب يثير الجدل…ما الذي يجب معرفته عن Meta AI؟
  • رعب في الكرك…أفعى تلتف حول عنق شاب أثناء نومه!
  • كيكل: ستجدوننا قريباً في موقع المسيرات التي تقصف
  • “حياتنا في خطر”..  كتائب القسام تنشر رسالة مؤثرة لأسيرين إسرائيليين
  • 1909م …قصة ميناء بورتسودان من طق طرق
  • كيا تدشن سيارات K4 2026 بأسعار تبدأ من 87 ألف … فيديو
  • لا تمتحنوا صبرهن …ثورة النساء قادمة
  • بين التشكيك والوفاء: الأردن وغزة… حكاية لا يكتبها الزيف