السامري!! سحرُ أعين الناس بالخداع لتغيير ضبط المصنع
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
تحضرني من ذكريات الحبوبات، (الحبوبة) والدة الأب أو الأم . وعلى رأسهن الحبوبة "أم تيراب" في لكنتها المحببة كان يكمن جمالها، كانت لا تعرف من اللغة العربية كلمة واحدة، ولا من "القرآن الكريم" إلا (الحمد لله رب العالمين) ومن الاعتقاد فقط قول (لا إله إلا الله محمد رسول) ولكن على الرغم من ذلك كانت تنغمس في صلواتها وتناجي ربها.
يعتبر خداع العقل وسحر الأعين وتوجيه الوعي، آلية يستخدمها الانسان بغرض تحقيق أهداف معينة، وذلك بتغبيش الوعي وتزييف الحقائق ولا يتحقق ذلك إلا بأخذ قبضة من أثر الرسول، ليسحروا به اعين الناس، وتوجيه الفهم ليصنعوا لهم عجلا له خوار. مثال ذلك إطلاق كلمة (كوز) لكل من يخالفك الرأى. وكلمة (فلول) لكل من قال جيش واحد شعب وكلمة (قحاتي) لكل من يخالفك الفهم، وكافر وزنديق لكل من يخالفك في الاعتقاد. عقلية الثنائيات أبيض وأسود، هلال ومريخ، لا تسهم في بناء جسور من التفاهم، فالموضوع أكبر بكثير خصوصا في حالة وطن يكون أو لا يكون. كثيراً ما نستخدم اللغة ببراعة لتشكيل الرأي العام وتوجيه الانتباه نحو قضايا بعينها. مثل هذه الأساليب، تجعل الكلمات أقوى من الأفعال في تحقيق الأهداف، إلا أنها تطرح تساؤلات حول أخلاقيات الاستخدام وتأثيرها على العلاقات الإنسانية والمجتمع بشكل عام. فاستخدام الأخلاق والقيم في سياقات الاختلاف تعكس نضجاً اجتماعياً يسهم في مد جسور التواصل وتجنب التصاعد السلبي والتعبير عن وجهات النظر بطريقة محترمة ومتسامحة بعيداً عن الانفعالات الزائدة. فالقيم والأخلاق ضروريتان نحو حلول توفر توازنا بناء مثمراً. بهذا النهج، يمكن أن تصبح التحديات فرصاً للتعلم وتوسيع آفاق الفهم، وطرح حلول تسهم في بناء مجتمع يتمتع بالتنوع والإحترام الذي يعزز وحدته.
قوة الكلمة أحياناً تتجاوز الأفعال في تحقيق الأهداف. عندما نستخدم كلمة ملهمة يمكن أن ينتج ذلك تغييراً في الآراء والمواقف. علينا أن نكون حذرين، فالتعبير اللفظي إذا لم يُستخدم بحذر يمكن أن يثير فتنة. وعليه من الضروري أن يكون الحوار مبنيا على الاحترام وقبول التباين. إن سر بناء الوطن يكمن في التفاهم والتعاون بعيداً عن النزاعات والصراعات. دعونا نبني وطنا يسوده الحوار، ونتجاوز التهميش والانقسامات لتحقيق تطلعات مجتمع معافى. في وطن مترابط متسامح، لنلمس جمال الاختلاف ونحترم تنوّع الآراء. فالوحدة الوطنية لا تتأسس بالتشظي والانقسام، بل تتجلى في التعايش السلمي بين الأفراد، وتجاوز الانقسامات وترك العدالة تأخذ مجراها، لتعاقب كل من ارتكب جرماً مُثبتا بالدليل، هذا ما يعزز مفهوم العدالة، بعيداً عن التعميم ووضع جميع الأفراد في قوالب ضيقة، أو سلة واحدة (اسلاميون، قحاتة، جذريين، غرابة، جلابة) وغيرها، فالاقصاء لا يفاقم المشكلة وحسب، بل يؤدي إلى تشكل هويات متناحرة، ان التفاهم أفضل طريق لبناء مجتمع يعيش بسلام. (سلام عليكم وعليكم السلام!) هنا اختلاف في أنبل حروف، لكنها تعزز من رونق وجمال الحياة. فالاحترام المتبادل والتفاهم يُسهمان في بناء جسور الوحدة والتآخي. لنكن مرحبين بالحوار والتفاهم، فالوطن يزدهر عندما نحترم بعضنا ونسعى لبناء مستقبل أفضل بروح الحب والاخاء.
عندما ترتفع مستويات وعينا ويدرك كل منا دوره الفعّال وتفاعله مع مسؤولياته ونخاطب الاسباب الجذرية لمشاكلنا، تتوقف الحروب، ونحس بالجمال في وطن يسع الجميع. عندما يعيش الناس حياة كريمة بفضل الأمان والفرص المتساوية والتنمية المتوازنة، يتحولون إلى عناصر نشطة في نمو الوطن. عندما يُوفَّر للعلماء البيئة الملائمة والرعاية الكريمة وحياة لائقة تتلاشى هموم هجرتهم ويُقل رحيلهم إلى الخارج بحثاً عن لقمة عيش كريم هنا يُظهر الابتكار بتقديم حلول للتحديات. وقتها ينفتح فصل جديد من الازدهار والاستقرار. تتوقف الصراعات عندما يُستثمر في الامن وتوفير المعاش في كل زاوية من أرجاء الوطن. توفير التعليم للجميع هو أساس أساسي لبناء مجتمع مستدام ومزدهر. يسهم في تحقيق المساواة وتوفير فرص للجميع لتطوير مهاراتهم وتحقيق إمكانياتهم، عندها يتحول البلد إلى مركز جاذب للمواهب. تتوقف الحرب بإقامة كليات تعمل لتطوير التكنولوجيا، وتخريج كوادر طبية لأكتشاف الأمراض، صيادلة مبدعين في صنع الأمصال، مهندسين وقضاة ومحاسبين واداريين اكفاء عندها نبني وطناً ينعم الجميع بالصحة والازدهار.
في ثورة ديسمبر، تلاحم الجميع لإسقاط النظام باستناد إلى شعارات موحدة، ولكن نتيجة للشلليات والانانية والتفرد وحب الذات وعدم الصدق وصلنا لواقع مأساوي وحرب مدمرة. وللخروج من هذا المأزق وتحقيق تقدم فعّال، يتوجب علينا في البداية أن نكون صادقين مع ذواتنا قبل صدقنا مع الأخرين. الراهن السياسي تتجلى فيه (كوزنة) فارغة، عندما يتلاعب السياسيون بالحقائق، يفقدون قيمتهم ليصبحوا مجرد ( كيزان) لأن الكوزنة في اصلها سلوك. من بداية الحراك حتى الآن شهدت سلوكنا وأقوالنا تغييراً هائلاً، والتسجيلات شاهدة على ذلك. في خضم التحولات التي شهدناها كانت من ضمن أهداف الثورة حكومة (كفاءات) مستقلة ، ولكن في الحقيقة كانت حكومة (شلليات) تنقصها الخبرة في إدارة الدولة، وتلتها حكومة (حزبية) ضعيفة، وهنا تبرز أهمية الأهلية والكفاءة في القيادة لتحقيق تقدم يعود بالنفع على المواطنين ويعزز سلطة الشعب. يجب أن يكون للأهلية دور أساسي في الاختيار، ان الأفراد الذين يتمتعون بالأهلية الفكرية والوعي يمكن أن يصبحوا رواداً في قيادة مستقبل واعد. عندما خاطب الله سبحانه سيدنا نوحا ب (أن ابنك ليس من اهلك) لم يقصد ابنه البيولوجي، لانها حقيقة لا جدال فيها، وانما البنوة الفكرية كما نقول أبنائي الطلبة هم بنوتي الفكرية أو من بنات أفكاري.. والاهلية هنا ليست قرابة الدم أو القبيلة أو غيرها وانما الأهلية هنا بمعني الكفاءة والوعي، فالبنوة الفكرية للشخص المقصود، ومستواه الفكري هو ما يؤهله لركوب السفينة، للاهلية والكفاءة أهمية قصوى، كركيزة أساسية لإختيار القادة وتولي المسؤوليات في أي مجتمع يسعى إلى التقدم والتطوير، انهما الضمانة لاختيار قادة لهم رؤية لتحقيق الأهداف بطريقة فعّالة ومستدامة، قادة قادرون علي تحمل المسؤوليات، واتخاذ القرارات الحكيمة، وفهم التحديات. اننا نكتب - للأسف - وبلادنا نازفة وجريحة، والقلب نازف وموجوع.. ولا يسعنا سوى أن ندعو الله سبحانه ليرحم شهداءنا وآخرهم (ود الأمين).
abudafair@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: یمکن أن عندما ی لکل من
إقرأ أيضاً:
هل هناك أشخاص لا يصيبهم السحر؟.. علي جمعة: بـ6 أمور تكن واحدا منهم
لاشك أن الوقوف على حقيقة هل هناك أشخاص لا يصيبهم السحر ؟ تعد من الأمور التي تثير الانتباه والفضول، خاصة وأن أثر السحر الخطير معروفًا بدرجة مخيفة للجميع، فكم من أسحار هدمت بيوتًا وأهلكت أجساد وأرهقت أنفس، فالسحر من أكبر الكبائر لخطورته ، وهو ما يجعل حقيقة هل هناك أشخاص لا يصيبهم السحر مثيرًا للاهتمام وإن كانوا موجودين فماذا يفعلون لينالوا هذه الكرامة فلا يقدر عليهم ساحر ولا شيطان.
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الشيطان في الأصل ضعيفًا، فكيده ضعيف يذهب بذكر الله أو بقرآن يُتلى ، بل يذهب بقوة الإيمان ، فإذا وجد إنسانًا قويًا ، دائم الذكر وقراءة القرآن ومصليًا ومستعينًا بالله ومتوكل عليه ولى مدبرًا.
وأكد «جمعة» في إجابته عن سؤال: هل هناك أشخاص لا يصيبهم السحر ؟، أنه لا سلطان للشيطان على ابن آدم والسحر ثابت في الكتاب والسُنة النبوية الشريفة ولكن أثره ضعيف ، لكن الناس الآن تغالوا فيه بحيث أنهم حملوا عليه كل بلاء وكل مرض، فصار الدجل في المسحور وليس في الساحر.
ونبه إلى أن الإنسان قوي الشخصية يفر منه الجن، ويتسلط على ضعيف الشخصية وضعيف الجسم وضعيف الإيمان وضعيف النفس وهكذا ، ناصحًا : فلا تخاف فبالخوف يتمكن الشيطان من الإنسان، واذكر الله تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب ـ فالله تعالى أرشدنا إلى أن آية الكرسي على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم أعظم أيات القرآن وأن يس لما قرأت له والفاتحة رقية، الدعاء والقرآن والتحصين والذكر من شأنها أن تضعف تأثر السحر عليك، خاصة وأن الأسحار في علم الأمراض ضعيف مثل الأنفلونزا .
ونوه الشيخ محمد عبدالسميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، بأن السحر تأثيره طفيف جدًا ولا يؤثر على إنسان يذكر الله ليلًا ونهارًا ويقيم الليل ويقرأ سورة البقرة 4 مرات فى اليوم، فهذا ليس سحرًا بل يكون مرضاً نفسياً، وقد يكون أمرًا آخر غير ذلك لكن هذا ليس سحر وتأثير السحر لا يصل لهذا الحد.
وكان الشيخ محمد متولى الشعراوي، إمام الدعاة ، قد أكد أن السحر لا يصيب الإنسان إلا إذا أراد الله تعالى ذلك، فقال الله تعالى: «وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» (سورة البقرة: 102)».
وأوضح أنه ما دام البشر سيتعلمون ذلك، إذن كيف يحمي الحق سبحانه وتعالى خلقه من هذه المسألة؟، يكفي أن تعلم أن الله يقول «وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ»، فلو أنك تتبعت هؤلاء لاستذلوك، واستنزفوك، وتركك الله لهم، لأنك اعتقدت فيهم، أما إن قلت: «اللهم إنك أقدرت بعض عبادك على السحر والشر، ولكنك احتفظت لذاتك بإذن الضر، فأعوذ بما احتفظت به مما أقدرت عليه بحق قولك الكريم: «وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ».
وأضاف أنه بعد أن يقول الإنسان دعاء فك السحر لا يمكنهم الله منه، لكن إن استجبت لهم وذهبت لهم، يقولون: سنحل لك، وبالفعل يحل لك مرة، لكن إن ابتعدت عنه "يعقد لك" حتى تذهب إليه مرة ثانية».
هل السحر موجودوأفادت دار الإفتاء المصرية، بأن تعريف السحر في اللغة: كل ما لطف مأخذه ودق وخفي، وقالوا سحره، وسحره بمعنى خدعه وعلله، وفي الحديث الصحيح: «إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا»، والسحر بالفتح وبالتحريك الرئة، وهي أصل هذه المادة، والرئة في الباطن، فما لطف مأخذه ودق صنعه حتى لا يهتدي إليه غير أهله فهو باطن خفي، ومنه الخداع وهو أن يظهر لك شيئًا غير الواقع في نفس الأمر، فالواقع باطن خفي، وقد وصف الله السحر في القرآن بأنه تخييل يخدع الأعين، فيريها ما ليس بكائن كائنًا؛ فقال تعالى ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: 66].
وتابعت: والكلام في حبال السحرة وعصيهم، وفي آية أخرى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ﴾ [الأعراف: 116]، ويدل ذلك على أن السحر إما حيلة وشعوذة، وإما صناعة علمية خفية يعرفها بعض الناس ويجهلها الأكثرون، فيسمون العمل بها سحرًا؛ لخفاء سببه ولطف مأخذه، ويمكن أن يعد منه تأثير النفس الإنسانية في نفس أخرى لمثل هذه العلة، وقد قال المؤرخون إن سحرة فرعون قد استعانوا بالزئبق على إظهار الحبال والعصي بصور الحيات والثعابين وتخييل أنها تسعى.
وواصلت : وقد اعتاد الذين اتخذوا التأثيرات النفسية صناعة ووسيلة للمعاش أن يستعينوا بكلام مبهم وأسماء غريبة، اشتهر عند الناس أنها من أسماء الشياطين وملوك الجان، وأنهم يحضرون إذا دعوا بها، ويكونون مسخرين للداعي، ولمثل هذا الكلام تأثير في إثارة الوهم عرف بالتجربة، وسببه اعتقاد الواهم أن الشياطين يستجيبون لقارئه، ويطيعون أمره، ومنهم من يعتقد أن فيه خاصية التأثير وليس فيه خاصيته، وإنما تلك العقيدة الفاسدة تفعل في النفس الواهمة ما يغني منتحل السحر عن توجيه همته وتأثير إرادته، وهذا هو السبب في اعتقاد الدهماء أن السحر عمل يستعان عليه بالشياطين وأرواح الكواكب.
موقف الشريعة من السحرواستشهدت بما قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ۞ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ۞ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 101-103].
واستطردت: المعنى الإجمالي: يخبر المولى عز وجل أن أحبار اليهود وعلماءهم نبذوا كتابه الذي أنزله على عبده ورسوله موسى عليه السلام وهو التوراة، كما نبذ أحفادهم الكتاب الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو القرآن، مع أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاء مصدقًا لما بين أيديهم من التوراة.
وأردفت: فلا عجب أن يكون الأحفاد مثل الأجداد في الاستكبار والعناد، فهؤلاء ورثوا عن أسلافهم البغي والإفساد والعناد، لقد نبذ أولئك كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله المنزل على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، واتبعوا طرق السحر والشعوذة التي كانت تحدثهم بها الشياطين في عهد ملك سليمان.
وأكدت قائلة: وما كان سليمان عليه السلام ساحرًا ولا كفر بتعلمه السحر، ولكن الشياطين هم الذين وسوسوا إلى الإنس وأوهموهم أنهم يعلمون الغيب، وعلموهم السحر حتى فشا أمره بين الناس.
وأكملت : كما اتبع رؤساء اليهود السحر والشعوذة، كذلك اتبعوا ما أنزل على الرجلين الصالحين أو الملكين هاروت وماروت بمملكة بابل، فقد أنزلهما الله تعالى إلى الأرض؛ لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس، وما يعلمان السحر من أجل السحر، وإنما من أجل إبطاله؛ ليظهرا للناس الفرق بين المعجزة والسحر.
وأفادت بأنه لله أن يبتلي عباده بما شاء، كما امتحن قوم طالوت بالنهر، وقد كثر السحر في ذلك الزمان، وأظهر السحرة أمورًا غريبة وقع بسببها الشك في النبوة؛ فبعث الله تعالى الملكين لتعليم أبواب السحر حتى يزيلا الشبه ويميطا الأذى عن الطريق.
وبينت أنه مع ذلك فقد كانا يحذران الناس من تعلم السحر واستخدامه في الأذى والضرر، وكانا إذا علما أحدًا قالا له إنما هذا امتحان من الله وابتلاء، فلا تكفر بسببه، واتق الله فلا تستعمله في الإضرار، فمن تعلمه؛ ليتوقى ضرره ويدفع أذاه عن الناس، فقد نجا وثبت على الإيمان، ومن تعلمه معتقدًا صحته ليلحق الأذى بالناس، فقد ضل وكفر.
وأشار إلى أنه كان الناس فريقين: فريق تعلمه عن نية صالحة؛ ليدفع ضرره عن الناس، وفريق تعلمه عن نية خبيثة؛ ليفرق به بين الرجل وأهله، وبين الصديق وصديقه، ويوقع العداوة والبغضاء بين الناس، وهؤلاء قد خسروا دنياهم وآخرتهم؛ لأنهم عرفوا أن من تجرد لهذه الأمور المؤذية ما له في الآخرة من نصيب، ولبئسما باعوا به أنفسهم لو كان عندهم فهم وإدراك، ولو أن هؤلاء الذين يتعلمون السحر آمنوا بالله وخافوا عذابه لأثابهم الله جزاء أعمالهم مثوبة أفضل مما شغلوا به أنفسهم من هذه الأمور الضارة التي لا تعود عليهم إلا بالويل والخسار والدمار.
وأبانت أن المقارنة بين ذكر الشياطين والسحر في الآية الكريمة هو أن السحر فيه استعانة بأرواح خبيثة شريرة من الجن والشياطين تزعم أنها تعلم الغيب وتوهم الناس بذلك، وقد كان بعض الناس يصدقونهم فيما يزعمون ويلجئون إليهم عند الكرب.
ودللت بما قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: 6]، ولهذا اشتهر السحر عن طريق الاتصال بهذه الأرواح الخبيثة، وعبر القرآن الكريم عن السحر بالكفر في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ وسياق اللفظ يدل على أن المراد منه السحر أي وما سحر سليمان، وإنما عبر عنه بالكفر تقبيحًا وتشنيعًا.
واستندت لما قال تعالى فيمن ترك الحج مع القدرة عليه: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾، وفي هذا التعبير تنفير للناس من السحر، ودلالة على أنه من الكبائر الموبقات، بل هو قرين الكفر والإشراك بالله.
ونوهت بأنه في الحديث الصحيح قوله صلوات الله وسلامه عليه: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ» من رواية البخاري ومسلم.