من تختار المملكة العربية السعودية كحليف استراتيجي: الصين أم الهند؟
يقترب عصر الولايات المتحدة الأمريكية من نهايته، ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أن الهند سوف تحل، في غضون بضعة عقود، محل الولايات المتحدة باعتبارها صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم (الأولى هي الصين).
إقرأ المزيد. من يدفع الفاتورة؟
ومن المهم أيضا بالنسبة للمملكة العربية السعودية أن الهند هي مستهلك كبير جدا للنفط والغاز، وأن احتياجاتها من الطاقة ستزداد. كذلك يتوقع بعض الاقتصاديين أنه بسبب قيام الشركات الغربية بنقل مصانعها من الصين إلى دول أكثر تأييدا للولايات المتحدة، ستتمكن الهند خلال عقد أو عقدين من الزمن منافستها وتصبح مصدرا رئيسيا للسلع.
أي أنه من المفترض، بمرور بعض الوقت، ومن الناحية النظرية، ستكون الهند مناسبة على أقل تقدير للمملكة العربية السعودية مثل الصين من حيث تكامل الاقتصادات الوطنية.
علاوة على ذلك، فقد أعلنت السعودية مع الهند وعدد من دول المنطقة عزمها تشكيل أسطول مشترك، يمكن اعتباره بداية لنظام أمني جماعي لدول المحيط الهندي، قادر على ضمان أمن دول الخليج أيضا. والآن، يقدر أن الجيش الهندي هو رابع أقوى جيش في العالم، والأمن أهم من الرخاء الاقتصادي.
إضافة إلى ذلك، وعشية اندلاع الحرب العالمية الثالثة تدريجيا، لا تزال الهند خارج مواجهة الأطراف المتحاربة. وقد قادت الهند حركة عدم الانحياز خلال الحرب الباردة الأخيرة، وبالنسبة لدول الخليج (وليس بالنسبة لها فقط) فإن هذا هو النموذج السلوكي الأكثر جاذبية. فهل ربما ينبغي على المملكة العربية السعودية الانضمام إلى مثل هذه الحركة التي تقودها الهند إذا ما انتعشت؟
لقد عرضت الحجج المحتملة للرياض لصالح الهند كحليف استراتيجي. والآن عن السلبيات التي يمكن أن تلغي كل هذه الإيجابيات.
في رأيي أن الهند، وعلى الرغم من كونها كبيرة جدا، إلا أنها لا تزال جزءا مصطنعا من الحقبة الاستعمارية، كيان غير مستقر على الإطلاق، وآفاقه غير واضحة. فقد انقسمت الهند البريطانية، باعتبارها مستعمرة سابقة، مرة واحدة على أسس دينية، بعد حصولها على الاستقلال، إلى الهند وباكستان وبنغلاديش. واحتمالات المزيد من التفكك في الهند هائلة، ويتوقف تحقق هذه الاحتمالات على احتمال زعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهو احتمال كبير أيضا.
فمن الناحية العرقية، تبدو الهند كيانا شديد التباين لا عمود فقريا له، فهي عبارة عن مجموعة عرقية رئيسية ومهيمنة تتحمل المسؤولية والتكلفة الرئيسية للحفاظ على البلاد.
وأكبر لغة هي الهندية، يتحدث بها 40% فقط من السكان. هناك 3 لغات أخرى لديها ما يقرب من 7-8% من السكان لكل منها، و6 لغات أخرى لديها 4-5% من السكان. واللغة المشتركة التي تجمع البلاد لا تزال هي اللغة الاستعمارية: اللغة الإنجليزية.
حتى الآن، كان الدين عاملا في وحدة البلاد. فـ 80% من الهنود يعتنقون الهندوسية، و14% يعتنقون الإسلام، و2% مسيحيون، و1.9% سيخ. بمعنى أن البلاد أكثر تجانسا دينيا منها لغويا، لكن الانقسام بين الأغلبيات والأقليات أكثر حدة في الهند من أعمال العنف المنتظمة ضد المسلمين والمسيحيين من جانب الهندوس.
إقرأ المزيدفضلا عن ذلك، فإن الاتجاه السائد في الهند اليوم يتلخص في تزايد النزعة القومية، فيما يتحدث رئيس الوزراء مودي بالفعل عن الاسم الهندي الجديد للبلاد بهارات بدلا من الهند. في الوقت نفسه، تدعي لغة الأقلية النسبية أنها هي المهيمنة. وعلى المستوى الوطني، والأخطر من ذلك على المستوى الإقليمي، غالبا ما تلعب الأحزاب القومية دورا قياديا، ما يخلق إمكانية لتقسيم البلاد.
وإذا نظرنا إلى الخريطة العرقية اللغوية للهند، سنرى كتلة كبيرة من الهنود في داخل البلاد وشمالها، بينما تمثل المناطق الساحلية أقليات عرقية وعنصرية. وفي حالة التطور السريع لاقتصاد التصدير، سيتم بناء مؤسسات على الساحل، بالقرب من الموانئ وطرق التجارة، ما سيؤدي إلى تفاقم عدم المساواة الاقتصادية بين المناطق، وهو ما سيؤدي إلى فصل الأقليات الغنية عن الأقلية الحاكمة الفقيرة.
إلا أن بقاء الهند موحدة سيستمر فقط بشرط أن تظل البلاد تعيش القرن التاسع عشر من حيث سياساتها الداخلية، في عالم الإمبراطوريات والطبقات وسكان الريف الأميين. إن هذا البلد هو عبارة عن بقايا، بقايا حقبة سابقة لم تدخل بعد في الصراع العالمي على السلطة، ولم تثبت بعد قدرتها على مواجهة التحديات.
يتطلب النمو الصناعي قوة عاملة ماهرة ومتنقلة. ولمزيد من النمو الاقتصادي، يجب تحقيق تحديث تكنولوجي واجتماعي في البلاد، أي إلغاء النظام الطبقي، وإنشاء مجتمع متساو إلى حد ما مع حراك اجتماعي عمودي كبير.
لكن، مع هذا التحديث، ستنمو التناقضات السياسية والاجتماعية إلى مستويات حرجة، وسيشتد الصراع الطبقي والسياسي. وهذا تحد كبير للبلاد، ومن غير المرجح أن تتمكن من مواجهته. فالتغيرات الاقتصادية تحدث في العالم الحديث بسرعة، ولن تتغير البنية الاجتماعية لمجتمع من العصور الوسطى بطبيعته خلال جيل أو جيلين. فروسيا، على سبيل المثال، والتي كانت في بداية القرن العشرين أسرع الاقتصادات نموا في العالم، لكنها احتفظت بالبنية الطبقية للمجتمع، لم تكن قادرة على اجتياز مرحلة التحديث الاجتماعي دون صدمات وانهيار وحرب أهلية.
ومع ذلك، ففي رأيي أن التحدي الرئيسي الذي يواجه الهند هو فخ الزيادة السكانية الزراعية. لتسمحوا لي أن أذكركم أن عدد سكان الريف في الهند يبلغ حوالي 70% من السكان، فيما تشهد التكنولوجيات الزراعية الآن تطورا سريعا، وما كان يتطلب 20 عاملا قبل 30 عاما، أصبح يكفيه عامل واحد. وتحديث وأتمتة الزراعة أمر لا مفر منه في الهند أيضا، وهو ما سيحرر عددا لا يمكن تصوره من العمال الذين لن يتمكنوا من العثور على عمل. أضف إلى ذلك النمو السكاني المستمر في البلاد. لقد اقتربت الهند من الثورة الزراعية وهي غير مستعدة على الإطلاق، ولا أعتقد أنه سيتم التغلب على تحد بهذا الحجم دون حدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية. وفي بلد متعدد الأعراق، قد تؤدي هذه الاضطرابات إلى تغيير الحكومة، ولكن في متنوع مثل الهند، ونظرا للقومية وعدم المساواة الاقتصادية في المناطق المختلفة، فإن انهيار البلاد أمر محتمل للغاية عند أول أزمة اقتصادية كبرى.
وبشكل عام، في رأيي ان الحديث عن المنافسة بين الصين والهند على الزعامة الاقتصادية لا يزال سابقا لأوانه. وحاليا تمثل الصين نحو 30% من الاستثمار العالمي، في حين تقل حصة الهند عن 5%. ويتوقع بنك HSBC أن تتسع فجوة الحجم الاقتصادي بين الصين والهند إلى 17.5 تريليون دولار في عام 2028 من 14.5 تريليون دولار هذا العام.
إقرأ المزيدكما يجب علينا أيضا أن نأخذ في الاعتبار اللحظة التاريخية التي نعيشها، حيث أصبح العالم الآن في خضم أزمة إفراط في الإنتاج، ولهذا السبب بدأت الحرب العالمية الثالثة التي تقرر فيها الصين والولايات المتحدة وأوروبا من سيكون إنتاجه غير ضروري وسيتم تدميره أو على الأقل خفضه بشكل كبير. أما الهند، فهي غير موجودة في هذه المعركة، ولا تستطيع الاعتماد على نمو صادراتها على خلفية انحدار التجارة العالمية وتفكك العالم إلى مناطق اقتصادية. تأخرت الهند، بل على العكس تماما، ففي ذروة الأزمة، أي في الأعوام العشرة المقبلة، فمن المرجح أن تنحدر صادراتها، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض عائدات الهند من النقد الأجنبي، والتشكيك في قدرة الهند على استيراد الطاقة بنفس الحجم.
إن التجارة الحرة في العالم تنتهي، والعلاقات الاقتصادية، على الأقل فيما يخص توريد المواد الخام الاستراتيجية والتقنيات والمعدات الحيوية، سيتم تحديدها قريبا بشكل صارم من خلال الروابط السياسية، أي أن التجارة سوف تتطور فقط داخل الكتل السياسية.
الهند ليست قوة عظمى بعد، وأقصى ما تستطيع فعله الآن هو الحفاظ على موقف سياسي مستقل عن القوى العظمى الأخرى. لكن عدم المشاركة في الكتل الأخرى لا يعني بعد الاستعداد أو القدرة على إنشاء تكتل خاص بك، وهذا بالضبط ما هو مطلوب لحماية الحلفاء، بما في ذلك، نظريا، دول الخليج، إذا قرروا اختيار الهند كمركز استراتيجي رئيسي وشريك لهم. فحتى إيران وتركيا قد اصبحتا الآن قوى عظمى أكثر من الهند.
أشك في أن تظل الهند على هيئتها الحالية بعد 30 عاما. ومع ذلك، فربما تصبح إحدى أجزاء الهند الحالية قوة عظمى في يوم من الأيام.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: الولايات المتحدة الأمريكية الهند الصين للنفط والغاز ألكسندر نازاروف المحيط الهندي ناريندرا مودي أخبار السعودية ألكسندر نازاروف الحرب العالمية الثالثة مؤشرات اقتصادية العربیة السعودیة من السکان فی العالم الهند من فی الهند
إقرأ أيضاً:
صراع الهند وباكستان.. ساحة أعطت الصين "فرصة الاختبار"
في ظل التصعيد المتزايد بين الهند وباكستان، يراقب المختصون اختبارا غير مباشر لقدرات التكنولوجيا العسكرية الصينية المتطورة، في أول مواجهة لها ضد معدات عسكرية غربية أثبتت كفاءتها.
وحسب شبكة "سي إن إن" الأميركية فإنه ومع تصاعد التوترات، بدأت أسهم شركات الدفاع الصينية في الارتفاع، في مؤشر على الثقة المتزايدة بقدرات بكين الدفاعية.
وقد قفزت أسهم شركة "AVIC Chengdu Aircraft"، المصنعة لمقاتلات "جيه-10"، بنسبة 40 بالمئة خلال أسبوع، عقب الإعلان عن استخدام باكستان لهذه الطائرات في إسقاط 5 مقاتلات هندية، من بينها طائرات رافال الفرنسية المتطورة، خلال معركة جوية وقعت يوم الأربعاء.
وبينما لم تؤكد الهند هذه المعلومات أو تعترف بخسائر، اكتفت الخارجية الصينية بالقول إنها "ليست على دراية بالموقف".
لم تخض الصين، وهي قوة عسكرية صاعدة، حربا كبيرة منذ أكثر من أربعة عقود، بينما سارعت في تحديث قواتها المسلحة، وضخت الموارد في تطوير أسلحة متقدمة وتكنولوجيا متطورة.
اختبار الصناعة العسكرية الصينية
ورغم الغموض الرسمي، يمثل الاشتباك الجوي اختبارا فعليا لصادرات الصين من الأسلحة، في ظل كونها المزود الرئيسي لباكستان، حيث يبدو أن هذا الدعم يتجاوز الجانب التسليحي ليشمل التدريبات المشتركة والتطوير التكنولوجي المتكامل.
ووفقا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، شكلت الأسلحة الصينية 81 بالمئة من واردات باكستان العسكرية خلال السنوات الخمس الماضية، وتشمل طائرات مقاتلة، وصواريخ، ورادارات، وأنظمة دفاع جوي متقدمة.
كما تم تطوير بعض هذه المعدات بشكل مشترك أو باستخدام تكنولوجيا صينية.
وقال مدير الأمن الدولي بمؤسسة آسيا والمحيط الهادئ الفكرية في لندن، ساجان جوهال: "الاشتباك بين الهند وباكستان يمثل بيئة اختبار نادرة لصادرات الصين الدفاعية".
ويضيف محللون أن المواجهة قد تعيد رسم موازين الردع العسكري الإقليمي في جنوب آسيا.
جيه-10 "العمود الفقري" للقوات الجوية الصينية
تُعد مقاتلة "تشنغدو جيه-10"، المعروفة باسم "التنين القوي" في اللغة الصينية، ركيزة أساسية في سلاح الجو الصيني، وتمثل تطورا هاما في مجال الطيران العسكري الحديث.
وقامت شركة "تشنغدو لصناعة الطائرات" بتصميم وتصنيع هذه الطائرة، وقد حصل المشروع على الضوء الأخضر من الحكومة الصينية في منتصف الثمانينيات، بهدف تطوير مقاتلة حديثة لتحل محل الطائرات القديمة وتعزيز القدرات الجوية للبلاد.
وتتميز جيه-10 بتكوين ديناميكي هوائي من نوع "دلتا" مع أجنحة أمامية صغيرة، ما يمنحها ثباتا وقدرة عالية على المناورة.
كما تم تزويدها بنظام تحكم رقمي في الطيران، يُتيح تنفيذ مناورات دقيقة، وهو ما يعزز دورها كمقاتلة متعددة الاستخدامات.
وتمتلك جيه-10 القدرة على أداء مهام متعددة، من القتال الجوي إلى الهجوم على مواقع أرضية، وحتى الاستطلاع، مما يجعلها طائرة متعددة الأدوار عالية الكفاءة في الخدمة.
ويصل مداها القتالي إلى أكثر من 550 كيلومترا، وزوّدت بمدفع داخلي عيار 23 ميلي للقتال القريب، وتستطيع حمل مجموعة واسعة من الصواريخ جو-جو، بما في ذلك الصاروخ PL-12 الموجه بالرادار النشط.
كذلك تتمتع بقدرات هجوم أرضي باستخدام ذخائر موجهة بدقة وقنابل تقليدية، فضلا عن إمكانية حمل صواريخ مضادة للسفن، ما يعزز فعاليتها في سيناريوهات المواجهة البحرية.
وتُجهز الطائرة بأنظمة إلكترونية متطورة تعزز وعي الطيار بالمجال القتالي، وتمتلك رادارا قادرا على تتبع أهداف متعددة.