هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي متساوين؟
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
سعيد بن محمد الكلباني **
يُعد الذكاء الاصطناعي ذروة سنام التقدم التكنولوجي في وقتنا الحاضر بالنسبة لعامة المجتمع، وأصبح عنصرًا أساسيًا في الحياة اليومية والبيئة العملية سواء باستخدامنا المقصود الموجه له من دواخلنا أو كنتيجة لتقدم الآخرين وإدخاله في عناصر الحياة بهدف اختزال الجهد والوقت وإكساب الأعمال الجودة الفائقة والخروج بالإبداع الذي لا يضاهى.
يشهد العالم إذن تحولًا ثقافيًا ليست الكتب فرس رهانه كما كان سابقًا وإنما تحركه التقنيات التي اختزلت الكثير من النصوص في جملة أو صورة، واختصرت الكثير من النقرات في نقرة واحدة رافق ذلك تغيير في سلوكياتنا وأساليبنا وطرق تنفيذ أنشطتنا وحتمًا تأثرت أفكارنا ونظرتنا للواقع.
تكمن الإشكالية اليوم في مخاوف عامة الناس من إمكانية إقصائهم من وظائفهم نتيجة للدور أو الأدوار التي يلعبها الذكاء الاصطناعي في أتمتة المهام وتقليص الإجراءات والعمليات. كما أن هناك تساؤل هام جدا يبرز عن الجانب التفضيلي لفرد دون آخر في عملية توظيف هذا النوع الفائق الذكاء أو بمعنى آخر سبب نجاح البعض دون الآخر في نشاط ما رغم امتلاكهم جميعا لذات الأدوات التقنية والمستوى التعليمي المتماثل.
الحقيقة أن تلك المخاوف والتساؤلات لها ما يبررها ويدفع بها، إذ يشير موقع layoffs.fyi المهتم بمتابعة تسريح العمال إلى أن شركات التكنولوجيا الكبرى في العالم سرحت حوالي 235639 في عام 2023م مقابل 164769 في العام 2022م.
السؤال إذن لماذا يتم تسريح بعض الأفراد في المؤسسات مقابل الاحتفاظ بالبعض الآخر رغم أنهم يقومون بنفس المهام؟
للسير نحو إجابة هذا السؤال. والسؤال المعنون لهذه المقالة، نتطرق لنتائج دراسة حديثة لديل أكوا وآخرين (Dell'Acqua et al., 2023) والتي يؤكدون فيها إلى أن الذكاء الاصطناعي يصنع الفرق بين الموظفين حيث تظهر نتائج دراستهم أن المستشارين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي أنجزوا مهام أكثر بنسبة 12.2% في المتوسط، وأكملوا المهام بسرعة أكبر بنسبة 25.1%، وحققوا نتائج ذات جودة أعلى بنسبة 40% من أولئك الذين لا يستخدمون الذكاء الاصطناعي وأدواته.
وبما أنَّ الأفراد يتمايزون نتيجة لخبراتهم وأفكارهم الإبداعية تسعى الشركات الكبرى وبشكل كبير وتعمل على استقطاب المبدعين والخبراء، حتى إذا استعصى الأمر عليها فإنها قد تشتري شركات صغيرة بأكملها بهدف الحصول على موظف واحد في هذه الشركة أو تلك. وهذا ما حدث فعلًا هذا العام عندما استحوذت شركة OpenAI على Global Illumination بهدف الحصول على خدمات Thomas Dimson العقل المبتكر والمساهم بالخبرات في تطوير Instagram وFacebook وYouTube وGoogle وغيرها.
يمكن القول إنَّ الأفراد مهما تساوت في أيديهم الأدوات والعوامل المساعدة على الإنتاج إلا أن هناك فوارق تصنعها الخبرة المعرفية والتطبيقية والمهارات التي تُنشئ الأفكار الإبداعية والمعتمد عليها في التمييز بين الأفراد عن بعضهم. فعلى سبيل المثال، في مجال التصميم ينادي الكثير من المعجبين والمنبهرين بالذكاء الاصطناعي بزوال وظيفة المصممين مع ظهور أدوات مثل Midjourney و Adobe Firefly و Microsoft Designer ، والملاحظ أن مجال التصميم أضحى أكثر قوة وتعقيدًا وأرقى مستوى، حيث تعمقت الأفكار وخرجت بمستوى مغاير عما سبق، وأنتجت أعمال إبداعية غير معهودة، وهذا ليس شاملًا لجميع المصممين وإنما محصور لفئة تمتلك الفكر الإبداعي والخبرة والمهارات التي تستطيع بها تطوير الإنتاج رغم أنه يمكن أن يكون بنفس الأدوات والظروف لدى الآخرين. يمكن القول إن القدرات العقلية والإبداع والخبرة وتعدد المهارات التي يمتلك الفرد تحقق له الفارق وتميزه. كما أن السعي المستمر نحو المعرفة وسبر المستحدثات في جميع جوانبها يعمق الفارق بين الأقران في المجال وترفع الساعي لمستوى يفوقهم درجة ودرجات.
وبشكل عام.. يمكن أن يرى البعض بمنطق نموذج تحيز الاختيار Selection bias أن الذكاء الاصطناعي هو من يقصي البشر، والحقيقة هي أن بعض البشر المميزين والمتصفين بالإبداع والتطوير المستمر تفضلهم الشركات وتبحث عنهم وتتمسك بهم، وهم بذلك من أقصوا نظراءهم وليس الذكاء الاصطناعي الأداة.
ختامًا.. نحن لسنا متساوين فكرًا قبل الذكاء الاصطناعي ولن نتساوى في وجود الذكاء الاصطناعي، ومسألة التساوي هي نتيجة البقاء في منطقة الراحة التي يخمل فيها البعض ويجمد ويسلم عقله للتقنية الحديثة. أما الوظائف فيخلقها البشر، ويتنافسون عليها بمهارات وأفكار وهؤلاء هم من يعول عليهم في فتح مجالات لوظائف جديدة في مستقبلنا القريب.
** أخصائي خدمات رقمية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مخاوف أمريكية من شراكة بين أبل وعلي بابا في الذكاء الاصطناعي
ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" السبت أن البيت الأبيض ومسؤولين في الكونغرس الأمريكي يجرون تحقيقًا موسعًا بشأن خطة شركة "أبل" لإبرام اتفاق شراكة مع مجموعة "علي بابا" الصينية، يهدف إلى دمج برنامج الذكاء الاصطناعي الذي تطوره الأخيرة على هواتف آيفون في السوق الصينية.
وأفادت الصحيفة، نقلاً عن ثلاثة مصادر مطلعة، بأن السلطات الأمريكية تعبر عن مخاوف جدية من أن تساعد هذه الصفقة شركة "علي بابا" على تعزيز قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي، وتوسيع نطاق برامج الدردشة الخاضعة لقيود الرقابة، فضلاً عن زيادة إخضاع شركة "أبل" لقوانين الرقابة ومشاركة البيانات التي تفرضها الحكومة الصينية في بكين.
يأتي ذلك في وقت أكدت فيه مجموعة "علي بابا" في شباط/ فبراير الماضي شراكتها مع "أبل" لدعم خدمات الذكاء الاصطناعي على هواتف آيفون في الصين، ما يمثل مكسبًا كبيرًا في سوق الذكاء الاصطناعي التنافسية، حيث تطور "علي بابا" برنامج "ديب سيك" الذي اشتهر هذا العام كنموذج محلي منافس وبأسعار أقل مقارنة بنماذج غربية.
وتواجه "أبل" مقاومة متزايدة من إدارة الرئيس دونالد ترامب وعدد من أعضاء الكونغرس، الذين يخشون أن تسهم الشراكة في تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي لشركة صينية خاضعة لرقابة الحزب الشيوعي، ما قد يعزز من النفوذ الرقابي لبكين ويزيد من قدراتها العسكرية المستقبلية.
وخلال اجتماعات عقدت في واشنطن مع كبار مسؤولي "أبل"، عبّر ممثلو لجنة الكونغرس المعنية بالصين عن قلقهم من إمكانية تبادل بيانات حساسة مع "علي بابا"، وطالبوا بتوضيحات بشأن الالتزامات القانونية المحتملة لشركة "أبل" بموجب قوانين الرقابة الصينية، غير أن الشركة لم تستطع تقديم إجابات وافية، وفقًا لمصدرين حضرا المناقشات.
ووصف عضو الكونغرس الديمقراطي راجا كريشنامورثي موقف "أبل" بأنه "مقلق للغاية"، مؤكدًا أن "علي بابا" تجسد استراتيجية "الدمج المدني-العسكري" التي ينتهجها الحزب الشيوعي الصيني.
وتشكل الصين نحو 20% من مبيعات "أبل" العالمية، إلا أن حصتها السوقية في البلاد انخفضت من 19% في 2023 إلى 15% في 2024، ما دفع الشركة إلى البحث عن دعم من شركات محلية لتقديم ميزات ذكاء اصطناعي موازية لتلك المتوفرة في الأسواق الغربية، خاصة مع غياب خدمات شركة "أوبن إيه آي" في الصين، وهو ما جعل "علي بابا" الشريك المحلي الأمثل لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل أجهزة آيفون في البلاد.
وفي المقابل، تعرض الرئيس التنفيذي لشركة "أبل"، تيم كوك، لانتقادات من الرئيس ترامب بسبب تصنيع بعض منتجات الشركة في الهند بدلاً من الولايات المتحدة، مما زاد من الضغوط السياسية التي تواجهها الشركة.
مع تزايد إدراك واشنطن للدور المحتمل للذكاء الاصطناعي كأداة عسكرية استراتيجية، تسعى إدارة ترامب إلى منع أي شراكات أمريكية قد تمنح بكين تفوقًا تقنيًا، حيث تدرس وزارة الدفاع وهيئات الاستخبارات إدراج شركات مثل "علي بابا" على قوائم سوداء تحظر التعامل التجاري معها، في إطار جهودها لكبح تقدم الذكاء الاصطناعي الصيني.
وتؤكد مراكز بحث أمريكية، منها مركز "وادهواني" للذكاء الاصطناعي، أن تمكين شركات صينية من جمع بيانات مستخدمي أجهزة آيفون قد يسرع من تطور نماذجها، ما يثير مخاوف أمنية بالغة.
وفي حال فشل الصفقة، قد تواجه "أبل" صعوبات في تسويق هواتفها في الصين، مقارنة بمنافسيها المحليين مثل "هواوي" و"شاومي" الذين يقدمون حلول ذكاء اصطناعي محلية متطورة، مع الإشارة إلى أن الصفقة مع "علي بابا" لا تقتصر على الدعم التقني فقط، بل تمتد إلى التسويق والتوزيع عبر منصات التجارة الإلكترونية التي تسيطر عليها المجموعة الصينية، ما يجعلها شريكًا استراتيجيًا حيويًا.
وتتجاوز هذه الشراكة حدود السوق التجارية لتصبح اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة الولايات المتحدة والصين على التعاون في حقبة الذكاء الاصطناعي، وسط تصاعد القناعة الغربية بأن السيطرة على تقنيات الذكاء الاصطناعي تعني السيطرة على اقتصاد المستقبل والأمن القومي.