فى ظل المخاطر التى تحيط بنا والأجواء المنذرة بما لا تحمد عقباه، علينا أن ندرك جميعا أن بناء الدول والحضارات يبدأ ببناء الإنسان الصالح اليقظ لمصلحة وطنه، والخائف على تراب بلده من الطامعين، والمترصدين له بالأفكار الخبيثة والدعوات الشيطانية لهدم الدولة.
ومما لا شك فيه أن القدوة الحسنة هى أحد ركائز بناء الإنسان والمجتمع، وهي عامل التحول السريع الفعال، فالقدوة عنصر مهم في كل مجتمع، ومهما كان أفراده صالحين فهم في أمس الحاجة للاقتداء بالنماذج الحية، وتشتد الحاجة إلى القدوة الحسنة كلما بعد الناس عن قيم الإسلام وأخلاقه وأحكامه، كما أن الله - عز وجل - حذر من مخالفة القول للفعل الذي ينفي كون الإنسان قدوة بين الناس فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ".
وللأسف الشديد يعيش الناس في وقتنا الحالي صراعاً رهيباً، بسبب فقد القدوة الحسنة فى ظل تقديم النماذج السيئة والشاذة على أنها كريمة المجتمع، وتقديم القدوة السيئة الفارغة لتكون مثالاً لهم، ومن السهل جداً تقديم منهج نظري في التربية في غاية الإتقان والإبداع، ولكنه يظل حبراً على ورق لا قيمة له، إلا إذا تحول إلى واقع عملي، فكثير من الناس يتغنى بالصدق ولكن ندر الصادقون، ويتغنون بالأمانة ولكن ندر أهل الأمانة، وقل الوفاء، وكثر نقض العهود والمواثيق.
والتربية بالقدوة من أعظم وسائل التربية، ولذا قيل: حال رجل فى ألف رجل، خير من وعظ ألف لرجل، فما أحوجنا الآن للقدوة الحسنة التي تعيننا على السير في خطى ومنهج واضح سليم، وقد شرع الله عز وجل لنا منهجا معجزا، تحولت فيه المقولات والنظريات التربوية إلى واقع عملي في حياة الناس، حيث بعث الله عز وجل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - قدوة تتحرك بين الناس، ليعلموا أنه المنهج الحق الذى لا مراء فيه، فحين تتجسد القدوة الطيبة والمثل الأعلى، تكون هى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - خير الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين، ولذا فإنه حينما هاجر إلى المدينة قام ببناء المسجد لبناء الإنسان روحيا وسلوكيا، وفق مبادئ إيمانية ترسخ فيه القيم والفضيلة والدعوة إلى الخير وتحمل المشاق في سبيل تحقيق ذلك، ولتحقيق هذا الهدف المنشود لابد أن تتحرك كل القوى وتتوحد الجهود.
فى الوقت نفسه لا بد من تجلية جانب اليسر والسماحة في الشريعة الغراء، ومن ثم التعامل مع أحكامها في ضوء المقاصد العليا والكلية لديننا الحنيف، ونبذ كل ألوان التشدد، والتنطع والمغالاة بما ينافي روح الدين وسماحته، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين"، وقال أيضًا: "إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين"، وقال أيضًا: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا"، وقال أيضًا: "هلك المتنطعون" قالها ثلاثًا، وقال أيضًا: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا.. ".
وإذا تأملنا جميع العبادات سنجدها تقوم على مبدأ اليسر والتسهيل على الناس، وقد ميز الله تعالى أمة الإسلام عن غيرها من الأمم بيسر العبادات، فقد قال الرسول الكريم: "عليكم بما تطيقون فإنّ الله لا يملّ حتّى تملّوا"، ويسر العبادة يخفف على الناس المشقة ويجعل أداء العبادة سهلا ميسورا.
اللهم قرب إلينا وقربنا من كل قدوة حسنة، وباعد بيننا وبين القدوات السيئة، واصرفنا عنها واصرفها عنا إنك على ما تشاء قدير.
[email protected]
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: القدوة الحسنة وقال أیض ا
إقرأ أيضاً:
أيادي الخير
حين يكون الناس “متعطشين” لمشروع ينقذهم ويوصلهم لحياة كريمة، فيها عدل وإنصاف تضمن لهم حياة فيها أمان وضمان وبقاء ومعنى للحياة.
حين يجدون من يكون لهم اليد التي ترفعهم وتضعهم إلى مكان يكون أكثر سعادة وأكثر أمنا وأكثر استقرارا يوفر لهم مستلزمات الحياة وعيشا بكرامة وحرية واستقلالا يجعل الناس يشعرون بأنهم في أمان هذه السفينة التي ستنقلهم إلى بر الأمان وترسو بهم على شاطئ فيه كل سبل الأمان والعيش الكريم. حينها سيكون الناس ممتنين لهذه اليد المساعدة التي ما أرادت إلا أن يكون الخير يصل للجميع ويسعد الناس ويعرفون أين هو طريق الخير والحق حينها
سيحبون هذه اليد الخيرة والتي مدت يدها للناس أجمعين.
سيثقون بها ويتعاونون ويتساعدون ويتكاتفون ويكونون أخوة محبين.
لن يزعجهم الأوامر أو التعليمات التي فيها نصح ونفع وخير لأنهم ما رأوا فيها إلا كل خير .
سينجذب ” ليد الخير ” كل من هم في قلوبهم نفس الصفات، ويحبون أن يتشاركوا ويلتقوا في كل ما يجمعهم لتحقيق ما يريدون تحقيقه لإسعاد الجميع.
ستلتقي كل “العقول” لتنشئ تطورات وتقدم في كل ما يحبون أن يعملوه ليستفيد كل الناس، وتشتغل كل الأيادي لتحقيق أهداف سامية ونبيلة، تجعل قلوب الناس كلها في خير وسعادة.
إن الخير هو الذي سيجمع ولا يفرق، سيقوي ولا يضعف، سيزيد الناس محبة ولا يزيدهم نفورا، سينير القلوب، لا يجعلها تعيش في ظلمة، سيرشدهم لطريق الحق لا طريق الظلام.
فالناس هم أحرار لا يأتمرون بأوامر أي أحد ولا يخضعون لأي أحد إلا للَّه سبحانه وتعالى ويطيعون رسوله والمؤمنين الذين يسيرون على طريق الحق.
أما حين تتوفر أيادي خيرة فلن يرى الناس أنها أوامر بل سيرونها أيادي خير يجب أن يكونوا معها في كل نواحي وكل مجالات الخير.