صانعو القرار الصهيوني.. بقلم: منهل إبراهيم
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
ثمة حقيقة لا زلت أقتنع بها منذ الأيام الأولى للحرب الصهيونية على غزة، وهي أن الحرب ستتوقف كما توقفت من قبل حروب الكيان على غزة لحظة وصول الضوء الأخضر من الرعاة الغربيين.
الهدن مع المحتل تبقى هشة والالتزام دوماً من طرف أصحاب الحق، والخرق والعربدة من قبل المعتدين، والخروقات التي أعقبت الهدنة من قبل المحتل الإسرائيلي دليل واضح على ذلك.
إنه منطق الحقيقة وليس أكثر، وهو التحليل الواقعي المشاهدة آثاره على الأرض، والهدف منه استدامة الحرب وشراستها ضد القطاع، وعليه يتضح المشهد جلياً ليوثق العلاقة الحميمة بين المحتل وثقافة الإرهاب المتأصلة في كيانه والتي تسري بأوردته تغذيتها، وهي وجه باطل على نقيض ثقافة المقاومة المتأصلة قولاً وفعلاً على كامل الأراضي المحتلة، وليس في غزة وحسب.
من المسلم به أن حجم الترسانة العسكرية الصهيونية كبير ومتخمة بشتى أنواع الأسلحة التقليدية، والمحرمة دولياً وإنسانيا، لكن حجم قدرات المقاومة وصلابة عودها في الميدان يضاهي الترسانة الصهيونية المعلقة بحبل الغرب السري.
صانعو القرار الإسرائيلي وداعموه من غرب تقوده أمريكا لن يتركوا باباً إلا وسيحاولون الدخول منه لحسم الصراع لصالح الجانب الإسرائيلي الذي دمر غزة ولم يترك فيها حتى لأحلام الصغار مكاناً لتتعلق فيه، هذا الحسم ربما تكون الهدنة جزءاً منه لترك الكيان يتنفس الصعداء بعد أن أنهكته ذراع المقاومة في الأراضي المحتلة.
لكن وفي ضوء الوقائع ومجريات الأحداث وتفاصيل الحرب ومهما كانت عنيفة ومدمرة، لن تؤثر عميقاً في ثقافة المقاومة وصلابتها، وقدرتها على الترميم وإعادة البناء السريعة، ولن تحسم انتصاراً إسرائيلياً نهائياً عليها، وستتلاشى سحب التفكير الصهيوني وتتحول لركام يضيع في فضاء غزة.
الاستنتاج الإسرائيلي الأميركي بضرب المقاومة وفقاً لما استخلصه العقل السياسي والاستراتيجي الصهيو أمريكي المشترك من تجاربه السابقة، سيكون مستحيلاً في باطن تفكيرهم حتى لو حاولوا إظهار خلاف ذلك، وهذا الأمر من أكبر عوامل الإخفاق لفكرهم العسكري التدميري، ومنه ستكون الحسابات لأي حروب أخرى يخطط لها العقل الغربي تجاه المنطقة ودولها.
الحرب على غزة تستهدف المنطقة برمتها ومن ضحالة التفكير وقصر النظر أن نقرأ المشهد الحربي الصهيوني بكل تفاصيله القاسية على أنه يستهدف فلسطين ومقاومتها فحسب، بل الحرب الغربية الصهيونية تستهدف جميع من يساندون غزة قولاً وفعلاً، وهذا ما يجب أن يبقى راسخاً في الأذهان وماثلاً أمام العيون.
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
إيران تلقن الكيان الصهيوني درسا وتعطي رسائل للعرب
توقفت أو انتهت الحرب الصهيونية الأمريكية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي بدأت فجر يوم الجمعة ١٣ يونيو واستمرت لمدة ١٢ يوما، والتي أعطاها الكيان الصهيوني اسما له أبعاد توراتية؛ «Operation Rising Lion» أو «الأسد الصاعد». وبدأ الكيان الصهيوني حربه بدعم عسكري واستخباراتي أمريكي وغربي واضح، وبطريقة خاطفة ومباغتة، وبتضليل وخداع لإيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
استطاعت هذه الحرب في ساعاتها الأولى القضاء على عدد من القادة العسكريين الإيرانيين، وعدد من كبار العلماء النوويين، إضافة إلى استهداف مدمر لعدد من المواقع العسكرية والاستراتيجية الإيرانية المهمة. وبالطبع، في انتهاك سافر للقانون الدولي ولسيادة دولة عضو في هيئة الأمم المتحدة. وهذا ليس بجديد على الكيان الصهيوني الذي لا يعترف أصلا بالقانون الدولي، ولا يقيم له وزنًا، ويعلم أنه محصن من أي عقوبة دولية.
وأن من يقوم بتحصينه هي الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، التي لطالما تشدقت باحترامها للقانون الدولي وللشرعية الدولية ولحقوق الإنسان.
ظن الكيان الصهيوني وظنت معه الولايات المتحدة أن ٤٦ عاما من العقوبات المستمرة والحظر على إيران، وتحديدًا الحظر على توريد الأسلحة، سيجعل منها لقمة سائغة، وسيتم شل حركتها العسكرية في ساعات، جراء الضربات الجوية الصهيونية الأمريكية العنيفة. ونسوا أن إيران والحضارة الفارسية التي تأسست إمبراطوريتها الأولى عام ٥٥٩ قبل الميلاد، وأن هذا البلد الذي يتجاوز عدد سكانه ٩٠ مليون نسمة، وبمساحة شاسعة تقدر بمليون و٦٤٨ ألف كيلومتر مربع، لا يمكن أن يتحطم بالسهولة التي توقعها المعتدون، بالرغم من الظروف الاقتصادية الخانقة والتغلغل الاستخباراتي الصهيوني والغربي الكبير.
لقد كسرت إيران التعجرف والصلف والغرور الصهيوني، عندما قامت خلال ساعات معدودة بتعيين قيادات عسكرية في كل المواقع التي استشهد قادتها، والتي يبدو أنها كانت مستعدة لمثل هذا الأمر، وقامت بتحصين الجبهة الداخلية، في مفاجأة للمعتدين الذين ظنوا أن النظام الإسلامي في إيران ليس له قبول، وأن الشعب سيقوم بنفسه بالتخلص من هذا النظام عند بداية أي هجوم على إيران.
وبدأت في اليوم نفسه عملية الرد على هذا العدوان تحت مسمى «الوعد الصادق ٣»، والذي يعد امتدادا لسلسلة من العمليات تحمل الاسم نفسه؛ إذ كانت عملية الوعد الصادق الأولى في يوليو من عام ٢٠٠٦م، من قبل حزب الله، وأُطلق الاسم نفسه على الضربات الإيرانية على الكيان الصهيوني في أبريل ٢٠٢٤، ثم على الضربات الإيرانية على الكيان الصهيوني في أكتوبر ٢٠٢٤، التي أُطلق عليها عملية «الوعد الصادق٢».
وبدأت إيران في الرد الصاروخي العنيف على أرض فلسطين المحتلة بأسلحة استراتيجية، وهي الصواريخ البالستية التي تعد من أعمدة القوة العسكرية الردعية في الاستراتيجيات الدفاعية الحديثة، نظرا لقدراتها التدميرية العالية وسرعتها الكبيرة، وكذلك الصواريخ الفرط صوتية التي تنطلق بسرعة تفوق سرعة الصوت بمقدار يتراوح بين ٥ و٢٥ ضعفًا - وهي كلها صناعة إيرانية.
لقد استطاعت هذه الصواريخ التي تحمل مسميات مختلفة: كشهاب وعماد وخيبر وقاسم وفتاح، وغيرها من المسميات، أن تصيب أهدافها بدقة، وتدمر مواقع حيوية استراتيجية عسكرية واستخباراتية صهيونية، وتخترق -تحت دهشة العالم أجمع - التحصينات الأمريكية لهذا الكيان، التي تتكون من ٤ طبقات تحت مسميات؛ القبة الحديدية، ومقلاع داود، وصواريخ حيتس ٣، ونظام ثاد الأمريكي.
وأدخلت كل سكان الكيان الصهيوني للملاجئ، في مشاهد من الرعب لم يتعرض لها هذا الكيان المجرم المتعجرف من قبل. وبالرغم من قيام هذا الكيان بالتعتيم التام وحظر نشر أي صور لهذه المواقع الاستراتيجية المدمرة، والقيام باعتقال فوري لمن يقوم بتصويرها، وذلك حتى يثبت أنه لم يتأثر، وهي جزء من استراتيجيته الإعلامية لإظهار القوة وفشل أعدائه في التأثير عليه، والسماح فقط بنشر بعض الأضرار التي لحقت بالمواقع المدنية. إلا أن الواقع والتسريبات بينت عكس ذلك تمامًا، وأن هذا الكيان وعلى مدى ١٢ يومًا ومن خلال مئات الصواريخ وصل إلى مرحلة قريبة من الانهيار، لولا تدخل الرئيس ترامب في الساعات الأولى من فجر الثلاثاء ٢٤ يونيو لإنقاذه، من خلال عرض وقف إطلاق النار على إيران المنهكة هي أيضا من الضربات الجوية الأمريكية الصهيونية.
لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال هذه الحرب، عدة أمور، ووجهت كذلك للدول العربية عدة رسائل وحقائق منها: إن إيران بالرغم من الحصار الطويل المميت، الذي امتد لـ ٤٦ عاما وتسبب في حرمانها من الطائرات الحربية وكذلك الدفاعات الجوية المتطورة - وهذا ما أثبتته الحرب - من استباحة الطيران الصهيوني الأمريكي للأراضي الإيرانية طوال مدة الحرب، إلا أنها بالمقابل استطاعت من خلال قوتها الذاتية صناعة الآلآف من صواريخ الردع الاستراتيجية، بطريقة مذهلة تثير الإعجاب.
وأن الحروب والتفوق فيها، تعتمد على عوامل عدة، يأتي في مقدمتها الصبر وتحمل قوة ضربات العدو مهما كانت قوتها. كذلك بينت أحداث هذه الحرب أن الدول الغربية لا يمكن الوثوق بها إطلاقًا.. وهذا ما أكدته ردة فعل الدول الغربية الكبرى فور العدوان الصهيوني على إيران، من خلال إصدارها بيانات تؤكد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. بالرغم من أن هذا الكيان هو المعتدي، ولم تقم إيران بالاعتداء عليه حتى يدافع عن نفسه.
وأن الضعف العربي والخذلان من قبل معظم الدول العربية، وبالذات الدول العربية النافذة والوقوف وقوف المتفرج على المجازر والإبادة الجماعية، والتجويع حتى الموت التي يمارسها هذا الكيان الصهيوني المجرم على المدنيين العزل في غزة، على مدى أكثر من ٢٠ شهرا، راح ضحيتها حتى الآن أكثر من ٥٦ ألف شهيد، و١٣٣ ألف جريح، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وتدمير غزة بالكامل تقريبًا.
ليس لهذا الضعف العربي ما يبرره، فإيران المحاصرة على مدى عقود، اقتصاديا وعسكريا، استطاعت تأديب هذا الكيان المتعجرف، والدول العربية التي تملك أحدث الأسلحة المتطورة لم تستطع أن ترفع عقيرتها بالصوت أمام هذا الكيان لإدخال أبسط أنواع المساعدات الإنسانية لغزة، كالماء على سبيل المثال لا الحصر. وأن الحقيقة التي يفترض أن يضعها النظام الرسمي العربي أمام عينيه، أن من يتجرأ ينتصر، ومن يهين نفسه لا يتوقع من الآخرين أن يحترموه ويهابوه.
وأن الدور أتٍ على من يظن أنه في مأمن من التخطيط الصهيوني الشيطاني وتحقيق حلمه بإسرائيل الكبرى.
خالد بن عمر المرهون متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية