عدن الغد /متابعات


تحوّلت حياة أسرة اليمني "عبدالكريم أحمد" المكونة من 4 أشخاص، إلى كابوس مظلم فجأة، بعد ظهور أعراض غريبة على زوجته المرضعة، التي باتت تعاني من آلام في الصدر وضيق في التنفس، بشكل متكرر يوميًا، دفعتها لاحقًا إلى عدم إخفاء رغبتها في الانتحار، وإعلان ذلك صراحة لزوجها.

طاف الأب لطفلتين إحداهما رضيعة، بزوجته على معظم مستشفيات العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، ولم يجد مشكلة عضوية تتسبب بهذه الأعراض التي كانت تواصل تفاقمها مع مرور الأيام، وأدت إلى تغيّر طبائع زوجته، وتعاملها بعصبية مفرطة تجاه طفلتيها البالغتين من العمر: 3 أعوام، والأخرى 10 أشهر.

يقول الأربعيني عبدالكريم،، إن أحد الأطباء اقترح عليه عرض زوجته على طبيب نفسي، لكنه اصطدم بمعارضة شديد من أهل زوجته، ليضُطر بعد ذلك إلى خوض رحلة العلاج بالرقية الشرعية.

مع استمرار سوء الحالة على مدى شهرين "هما الأطول" في حياة الرجل، وتصاعد انعكاساتها على حياة الأسرة، قرر عبدالكريم بعد نقاشات مع زوجته، عرضها على طبيب نفسي، مستجيبًا لطلبها بأن ترافقها والدتها إلى العيادة النفسية، بدلًا عنه، حتى لا تتم ملاحظته معها أثناء دخولهما العيادة، خشية أن يعرف أحد بمرضها، كما يقول.


كانت هذه الخطوة بمثابة "استعادة الحياة" كما يصفها عبدالكريم، فبعد تشخيص حالتها بنوبات هلع واكتئاب، وبدئها في تناول الأدوية والتزامها بنصائح الطبيب، بدأت بوادر التحسن في الظهور تدريجيًا على مدار أسابيع من العلاج حتى تعافت تمامًا، وتمكنت أسرتها من استعادة حياتها الطبيعية الآن.

حاجز الوعي

وتعدّ الأمراض النفسية، من أكثر الحالات الصحية شيوعًا في اليمن، إذ يعاني نحو 8 ملايين يمني، من مشاكل عقلية ونفسية واجتماعية، تفاقمت بسبب النزاع المسلح، والنزوح القسري، والبطالة، ونقص الغذاء، وغيرها من الظروف القاسية، وفق منظمة الصحة العالمية.

وذكر مدير مركز أكسجين حياتك، للصحة النفسية والعلاج الطبيعي في عدن، محمد إسماعيل، أن المركز يستقبل شهريًا نحو 40 حالة تعاني من بعض الاضطرابات النفسية من الجنسين، أكثر شرائحها العمرية بين 20 إلى 40 عامًا، يعاني معظمهم من اضطراب القلق، كنتيجة سلبية للصراع وما أفرزه من تداعيات".

وقال إسماعيل، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن الكثير من المرضى، يفضّلون مواصلة معاناتهم بصمت، بسبب قلة الوعي المجتمعي الذي لا يعترف بهذه الأمراض، ويعتبرها وصمة تلاحق المريض.

قنبلة مستقبلية

ومع توسع رقعة الأمراض النفسية، وحالة الإهمال التي تقابلها، بات اليمن يواجه خطرًا مستقبليًا يهدد المجتمع، في ظل النقص الحاد في موارد واحتياجات الصحة النفسية، وتدهور المستشفيات المتخصصة البالغ عددها 5 مستشفيات حكومية، و3 أخرى أهلية في مختلف محافظات البلد، والتي كانت جميعها تعمل بسعة إجمالية تصل إلى 946 سريرًا فقط، إضافة إلى 76 سريرًا مخصصًا للأمراض النفسية في مستشفيات صنعاء، بحسب ما أوردته "الإستراتيجية الوطنية للصحة النفسية 2022 – 2026".


ويقول استشاري الطب النفسي، الدكتور منصور الشرجي، إن غياب المعالجات النفسية الكافية والشافية، للمجتمعات التي تعرّضت لأزمات أو حروب أو كوارث، يضاعف نسبة المرضى النفسيين إلى 35 ضعفًا، عن المجتمعات الطبيعية والعادية، "ما يعني أن حجم المشاكل النفسية سيكون كبيرًا ومبالغًا فيه، من ناحية الانتشار، ومن حيث شدّة الأعراض وآثارها على الإنتاج".

وأشار في حديثه الخاص لـ"إرم نيوز"، إلى أن التعرّض للصدمات، هو عبارة عن كارثة كبرى تحل بالمجتمع، لا تبدأ آثارها بالظهور فورًا، بل تجعلها قنبلة للمستقبل، ما يتسبب في تتزايد معدلات تتفكك الأسر، وتخلّف تربية غير سوية للأطفال، وتنتشر المخدرات والإدمان والعنف وغيرها، وتبدأ تأثيراتها بالتدحرج ككرة الثلج، لتشمل مختلف جوانب الحياة.

وقال الشرجي إن تركيز الجهود على إعداد البرامج المتخصصة وتدريب وتأهيل وزيادة أعداد المعالجين النفسيين والأخصائيين والأطباء، يقلل من حجم الكوارث المتوقعة من الأزمات والحروب، سواء على المستويات الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، "فمعالجة آثار الصدمات النفسية، تعني تهيئة المصاب ليصبح عضوًا سليمًا في مجتمعه، وعدم معالجته وإهماله، ستحوله إلى عاهة عدوانية وغير منتجة مستقبلًا".

عواقب متعددة

يشير رئيس قسم علم النفس، في كلية الآداب بجامعة عدن، الدكتور وحيد سليمان، إلى أن غياب البرامج الحكومية المتخصصة في الصحة النفسية، وضعف الدعم الأسري والمجتمعي، وقلة الوعي، ساهمت في توسع الكثير من الأمراض النفسية وتسبب في مفاقمتها، وذلك ما أدى إلى ظهور الكثير من السلوكيات العدوانية وغير الأخلاقية، التي انتشرت، مؤخرًا، في أوساط المجتمع.

وأكد أن استمرار معاناة المرضى وتزايد أعدادهم، دون معالجتهم سلوكيًا ومعرفيًا ونفسيًا، يفقدهم حياتهم، ويحوّلهم إلى تهديد يؤثر على تماسك المجتمع ونسيجه، في ظل تفاقم حالاتهم التي يقود بعضها إلى سلوكيات عدوانية، تتسبب ارتفاع معدلات الجرائم والعنف والتحرش الجنسي، وتعاطي المخدرات، وغيرها.

وقال سليمان  إن حجم ما أحدثه الصراع ومخلفاته من ضغوط متعددة، يتطلب التفاتة من جميع الجهات الدولية والحكومية ومراكز الخدمات النفسية، لانتشال وضع الصحة النفسية المتدني جدًا في البلاد، منذ فترة ما قبل اندلاع الحرب، لتلافي حجم الكلفة المجتمعية التي يمكن حدوثها مستقبلًا، أو على الأقل التقليل منه، للحؤول دون وقوع العواقب المقبلة الناجمة عن تدهور تنمية الفرد.

المصدر/ إرم نيوز

المصدر: عدن الغد

إقرأ أيضاً:

هل ترتبط الصحة النفسية بصحة الجلد؟

اكتشف علماء أن المرضى الذين يعانون من مشكلات تتعلق بالصحة النفسية ويعانون من أمراض جلدية قد يكونون أكثر عرضة لعواقب أسوأ، بما في ذلك الانتحار والاكتئاب.

وقد تساعد نتائج الدراسة في تحديد المرضى المعرضين للخطر وتخصيص العلاج النفسي المناسب لحالتهم.

وأجرى الدراسة باحثون من معهد غريغوريو مارانيون للبحوث الصحية، في العاصمة الإسبانية مدريد، وعرضت نتائج هذه الدراسة في اجتماع اللجنة الأوروبية للطب النفسي الذي عقد في الفترة بين11 و14 أكتوبر/تشرين الأول في أمستردام، هولندا، وكتب عنها موقع يوريك أليرت.

ودرس الباحثون 481 مريضا يعانون من نوبة ذهان أولى، وهي المرة الأولى التي يصاب فيها الفرد بنوبة ذهانية، مثل فقدان الاتصال بالواقع والهلوسة والأوهام.

وعند إجراء الاختبارات، وجد الباحثون أن 14.5% منهم يعانون من أعراض جلدية مثل الطفح الجلدي والحكة والحساسية للضوء، وغيرها.

وتلقى جميع المرضى علاجا لمدة 4 أسابيع بمضادات الذهان، ثم فحصت مجموعة من معايير الصحة النفسية.

مؤشر مسبق للخطر

قال الباحث الرئيسي، الدكتور خواكين جالفان من معهد غريغوريو مارانيون للبحوث الصحية: "بعد 4 أسابيع من المتابعة، سجّل المرضى الذين عانوا من نوبة ذهان أولى مصحوبة بأمراض جلدية مستويات أعلى من الاكتئاب وخطر الانتحار. وجدنا أن 7% فقط من المرضى غير المصابين بأمراض جلدية أولية راودتهم أفكار أو محاولات انتحارية، في حين راودت حوالي 25% من المرضى الذين عانوا من أمراض جلدية أولية أفكار أو محاولات انتحارية".

وأضاف:" ترتبط الأمراض الجلدية بتفاقم الاكتئاب وتراجع الحالة الصحية خلال فترة المتابعة، يشير هذا الاكتشاف إلى أن وجود أمراض جلدية يشير إلى أن هؤلاء المرضى أكثر عرضة لنتائج أسوأ من المرضى غير المصابين بأمراض جلدية بعد نوبة ذهان أولى".

ويشير الباحثون إلى أنه في حال تأكيد هذه النتيجة، فإنها قد تُشكّل مؤشرا مسبقا لمخاطر الصحة العقلية، تماما كما قد يشير فحص الدم إلى خطر أكبر للإصابة بالسرطان أو أمراض القلب.

إعلان

وتابع الدكتور جالفان قائلا: "كان من المعروف أن ما بين 30% و60% من المصابين بأمراض جلدية يظهرون أعراضا نفسية. ما قمنا به هو النظر إلى الأمور من منظور مختلف؛ هل يعاني الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية من أمراض جلدية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن أن يفيدنا هذا؟".

وتشير النتائج إلى أن الأعراض الجلدية قد تمثل مؤشرا على شدة المرض وسوء النتائج قصيرة المدى في المراحل المبكرة من الذهان، وهذا قد يحدد مجموعة فرعية من المرضى ذوي التشخيص السريري الأضعف والذين قد يستفيدون من تدخلات مخصصة مبكرة.

مقالات مشابهة

  • التقرير السنوي للمدير الإقليمي للصحة العالمية
  • الصحة: إطلاق حملة توعية مدرسية لتعزيز ثقافة غسل اليدين
  • إيداع المتهم بقتل زوجته محكوم عليه بالاعدام بالخصوص في مستشفى الصحة النفسية
  • منظمة الصحة العالمية تحذر من ازدياد مقاومة مسببات الأمراض للمضادات الحيوية
  • هل ترتبط الصحة النفسية بصحة الجلد؟
  • بخاخ لتوصيل الليثيوم مباشرة إلى الدماغ وآفاق جديدة لعلاج الأمراض النفسية
  • إجراء كشف طبي مجاني للمحامين بالتعاون مع وزارة الصحة
  • جامعة قناة السويس تناقش «الإيجابية السامة» في ندوة توعوية لدعم الصحة النفسية للفتيات
  • وزير الصحة يستعرض جهود مكافحة الأمراض ويؤكد انحسار حمى الضنك
  • عُمان تعزز جهود الكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم