كشافة المهدي.. محاضن حزب الله التربوية ومورده البشري
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
بعد قرابة 40 عاما على تأسيس حزب الله في لبنان، تعود الذاكرة ببعض المراقبين إلى سنواته الأولى، حين كان عدد مقاتليه لا يتجاوز بضع مئات، مقارنة مع "100 ألف مقاتل" أعلن عنهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله خلال خطابه الذي ألقاه في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وأمام هذا التطور الكبير في جوانب عديدة لحزب الله الذي بات أبرز كيان عسكري شبه حكومي في المنطقة وربما العالم، تُسلَّط الأضواء على دور جمعية "كشافة المهدي" في منظومة حزب الله.
تأسست كشافة المهدي في لبنان عام 1985 في السنة نفسها التي أعلن فيها حزب الله عن وثيقته السياسية الأولى، وذلك بعد 3 سنوات من انطلاقته.
وفي عام 1992، حصلت الجمعية على ترخيص من وزارة التربية في لبنان، وهو العام الذي قرر فيه الحزب خوض الانتخابات البرلمانية الأولى عقب انتهاء الحرب الأهلية في لبنان بالتزامن مع تعزيز أنشطته الاجتماعية المختلفة.
ومنذ تأسيسها، ركزت جمعية كشافة المهدي نشاطها في مدن وقرى جنوب لبنان وبيروت وسهل البقاع حيث الحاضنة الشعبية لحزب الله، وتنشط على وجه الخصوص في أكثر من 15 مدرسة وثانوية تابعة للمؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم-مدارس المهدي التي أسسها الحزب عام 1993، فضلا عن المدارس والمعاهد الأخرى في تلك المناطق، الحكومية والخاصة منها.
ويُظهر هذا المسار تناغما لصيقا بين كشافة المهدي في طور نشأتها وحزب الله خلال تبلور أنشطته السياسية والاجتماعية.
وأمام هذا الحضور الواسع، أشارت صحيفة "ديلي ميل" إلى أن عدد منتسبي كشافة المهدي بلغ 45 ألفا، في حين ذكر موقع "جنوبية" الإخباري اللبناني أن العدد لا يتجاوز 5 آلاف منتسب من الذكور والإناث على حد سواء تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عاما.
لكن كشافة المهدي ليست مجرد جمعية كشفية تقليدية، فإلى جانب أنشطة الجوالة والتخييم ومهارات الملاحة والقيادة وغيرها، تركز الجمعية على التلقين الشرعي والتربوي بما يتوافق مع الخط الديني الذي يتبناه حزب الله.
ولا تخفي الجمعية في أنشطتها الثقافية والمسرحية ذلك، بل يكاد يكون حضورها أساسيا في معظم المناسبات والمهرجانات التي يحييها الحزب، كمراسم إحياء ذكرى عاشوراء ويوم الشهيد ويوم القدس وغيرها.
تلعب كشافة المهدي دورا مركزيا في تثبيت منطلقات الحزب العقدية بين أبناء حاضنته الشعبية، مثل "الولي الفقيه" و"دولة صاحب الزمان" و"الجهاد المقدس" و"التكليف الشرعي" التي كانت مصطلحات غريبة في المجتمع الشيعي قبل ظهور حزب الله حيث كانت التيارات اليسارية والقومية تهيمن على توجهات المسلمين في لبنان حينها سنة وشيعة.
وبعد 40 سنة من التأسيس، لا يزال الحزب بحاجة لاستثمار الأنشطة الكشفية في صقل الشخصية القيادية لدى الناشئة منذ الصغر، ولإرساء قواعد السمع والطاعة التي تشكل عاملا بالغ الأهمية في ثقافة "الولي الفقيه".
مقاتلو الغدولأن بعض الأسر قد لا تتجاوب مع أساليب التجنيد التقليدية لدى الحزب، تستهدف "كشافة المهدي" الأسر الباحثة عن محاضن تربوية-ترفيهية لأبنائها حيث تنشأ هذه الأجيال على المبادئ التي تربطها بمشروع حزب الله حين تبلغ سن الرشد. وهكذا، تشكل الجمعية محاضن تربوية ترفد حزب الله بالعنصر البشري الشاب، المعد عقائديا وثقافيا وبدنيا.
وفي ظل هذا التلقين المنهجي الثقافي والتدريب العسكري الأولي، يكون المنتسب جاهزا مبدئيا للالتحاق بصفوف مقاتلي حزب الله.
الإناث أيضاولأن كشافة المهدي لا تقتصر على الذكور، بل تشمل الإناث أيضا، فإنها تعد المرحلة الابتدائية لـ"الأخوات المؤمنات" بخط حزب الله قبل التحاقهن بـ"الهيئة النسائية" التابعة للحزب.
ووفق هذا المسار التنظيمي، يمد حزب الله حبال الوصل بين المؤسسات التعليمية وجناحه العسكري وبيوت العائلات، مشكلا بيئة اجتماعية موالية له وملتزمة بمنهجه الديني ومشروعه السياسي.
كما تشكل الكشافة الإطار الشبابي الذي يحمي بيئة الحزب ومناصريه اليافعين من آثار التدافع الفكري وكثرة المذاهب والتيارات التي يتميز بها لبنان مع صغر مساحته واختلاط شرائحه.
وتعيد كشافة المهدي تثبيت الأطر العقدية والثقافية التي يريدها الحزب في عقول وقلوب مناصريه اليافعين.
تسلط وسائل الإعلام والتقارير التي تنتجها جهات مناهضة لحزب الله الضوء على الدور الذي تلعبه كشافة المهدي في مشروع الحزب، مما دفع المنظمة العالمية للحركة الكشفية "دبليو أو إس إم" (WOSM) عام 2020 لبدء تحقيقات حول علاقة الجمعية بالحزب.
ورغم أن هذه الخطوة ربما وضعت الحالة القانونية للجمعية في موقف حرج، فإنه من المستبعد أن تؤثر فعليا على نشاطها في لبنان في ظل توسع نفوذ حزب الله في مؤسسات الدولة اللبنانية وأجهزتها.
بل إن كشافة المهدي استطاعت خلال العقد المنصرم استحداث أنشطة لها خارج لبنان. فمع اندلاع الثورة السورية وانخراط حزب الله والمليشيات الإيرانية في القتال إلى جانب النظام، اكتسب الحزب نفوذا في بعض المناطق في الداخل السوري.
إثر ذلك دخلت كشافة المهدي إلى تلك المناطق لتؤسس فرعها السوري هناك، والذي يشار إلى دوره في تجنيد سوريين لصالح حزب الله في سوريا.
كما ارتبط اسم كشافة المهدي بـ"كشافة الحسين" في العراق التابعة لـ"كتائب حزب الله" العراقية، المنضوية تحت مظلة "تجمع شباب الشريعة".
ففي عام 2012، وقعت كتائب حزب الله مذكرة اتفاق مع كشافة المهدي لإقامة معسكرات تديرها الأخيرة لتدريب عناصر "كشافة الحسين" على المهارات القيادية ونقل الخبرات الكشفية.
ويضم "تجمع شباب الشريعة" منظمات وجمعيات الخدمة الاجتماعية والثقافية والرياضية والكشفية التابعة لكتائب حزب الله، في استنساخ لتجربة حزب الله اللبناني مطلع تسعينيات القرن الماضي.
وبين التحديات التي تواجهها وتعزيز دورها في لبنان وخارجه، فإن "كشافة المهدي" تعد الذراع الشبابية لحزب الله اللبناني وحاضنته التربوية والثقافية ورافده بالمورد البشري المتجدد.
ولعل هذا ما ميز الحزب عن غيره من التنظيمات السياسية والعسكرية التي تعتمد على أساليب التجنيد التقليدية وحملات الحشد الانتخابية الموسمية والإغراءات المادية، فالحزب على عكس كثيرين يركز على الجانب العقدي حين يتعلق الأمر ببيئته، إذ تبقى الفكرة حين تغيب المادة خلال التحديات المصيرية.
وتعد كشافة المهدي إلى جانب أطر اجتماعية وطلابية وشبابية أخرى أحد عناصر قوة الحزب، والتي مكنته من الحفاظ على فاعليته، رغم العديد من الاستحقاقات الأمنية والعسكرية والسياسية التي مر بها، والتي يعول عليها في أي مواجهة مقبلة مع إسرائيل في ظل تداعيات حرب طوفان الأقصى المستمرة حتى اليوم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: لحزب الله حزب الله فی لبنان
إقرأ أيضاً:
علماء يابانيون يحولون أعضاء الجسد البشري إلى حاسوب
في وقت تزداد فيه سيطرة التكنولوجيا على كل جوانب حياتنا ووجود الأجهزة حولنا طوال الوقت، قد يبدو غريبا أن يتجه العلم لاستخدام الجسم البشري نفسه كأداة للحوسبة.
لكن دراسة حديثة من جامعة أوساكا اليابانية منشورة في دورية "آي تريبل إي أكسيس" العلمية تقلب الموازين وتطرح السؤال الصعب، ماذا لو كانت العضلات قادرة على التفكير؟ وماذا لو استطعنا استخدام أجسامنا لأداء الحسابات؟
طرح يو كوباياشي، المؤلف الرئيسي والوحيد في الدراسة، فكرة ثورية ضمن ما يُعرف باسم "الحوسبة بخزانات الأنسجة البيولوجية". يستخدم في هذا النهج الأنسجة الرخوة داخل الجسم البشري، وبشكل خاص العضلات، كبيئة حيوية لمعالجة المعلومات، تشبه في عملها طريقة عمل نماذج تعلم الآلة المعروفة باسم الشبكات العصبية.
وتقول مي مبروك، أستاذة المعلوماتية الحيوية الطبية بجامعة النيل الأهلية المصرية، وغير المشاركة في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "نحن لا نتحدث عن حاسوب داخل الجسم، بل عن جسم يتحول نفسه إلى حاسوب. فمن الممكن أن تتفوق الحوسبة عبر العضلات في بعض المجالات، خصوصا في الأمور التي تتعلق بالجسم البشري أو التي تحتاج إلى استجابة طبيعية وسريعة".
الحوسبة بالخزّانات هي طريقة ذكية لمعالجة المعلومات، تقوم على مبدأ بسيط، بدلا من تصميم نظام يفهم البيانات خطوة بخطوة، نمرر البيانات من خلال "خزّان" مُعقد، مثل شبكة من العقد المتصلة عشوائيا.
إعلانويتفاعل هذا الخزان مع البيانات ويحفظ آثارا من الماضي، ثم يأتي دور طبقة بسيطة تُسمى "القراءة" لاستخراج النتيجة المطلوبة.
وتشرح مبروك: "العضلة ليست مجرد لحم، إنها عقل صغير! ففي هذه الدراسة، استخدم الباحثون عضلات اليد كأنها عقل صغير يقوم بعمليات حسابية. فعندما يحرك الإنسان يده، تتحرك العضلات بطريقة معقدة، وتُضغَط وتتمدد" وتضيف "هذه الحركات الدقيقة تمثل ‘لغة العضلة’ التي تُستخدم لمعالجة معلومات، وكأن العضلة تُفكّر من خلال حركتها!".
الحوسبة بالخزانات الفيزيائية تستخدم جسما فيزيائيا بدلا من شبكة إلكترونية، فيستقبل الجسم الإشارة ويتفاعل معها بطرق معقدة، مثل تفاعل سطح الماء بالتموجات عند رمي حجر فيه.
هذه التفاعلات تعالج البيانات بطريقة طبيعية، ثم تُقرأ النتائج باستخدام أدوات بسيطة. والفرق أن الخزان هنا ليس جزءا من برنامج حاسوبي، بل مادة أو جسم يتحرك ويستجيب فيزيائيا.
تستخدم أجهزة الحاسوب العادية أشياء مثل الأسلاك والرقائق لمعالجة المعلومات. ففي الدراسة، جرّب العلماء شيئا جديدا، حيث استخدموا أنسجة عضلية حقيقية (من خلايا حية) بدلا من الأسلاك والرقائق.
لماذا؟ تتفاعل أنسجة العضلات بشكل طبيعي مع الإشارات (مثل النبضات الكهربائية أو المواد الكيميائية)، ويمكن استخدام هذه التفاعلات لإجراء "حسابات" بسيطة، تماما مثل جهاز حاسوب عادي.
فمثلا يمكن أن يرسل العلماء إشارات كهربائية دقيقة إلى العضلة، ثم يقيسون رد فعل العضلة (كيف تنقبض أو تتغير)، ويمكن أن يمثل هذا التفاعل إجابات (مثل "نعم" أو "لا"، أو أرقاما).
وفي التجارب الحقيقية التي قام بها كوباياشي كان الأمر أكثر تعقيدا، حيث طلب من المشاركين تحريك معصمهم بزوايا مختلفة (20°، 40°، 60°). أثناء ذلك، استخدم جهاز موجات فوق صوتية، مثل السونار المستخدم في الكشف عن الأجنة، لتصوير العضلات أثناء الحركة، ثم استخرج الباحث ألف نقطة حركة مميزة من الصور باستخدام تقنيات رؤية حاسوبية متطورة.
إعلانوكل صورة عضلية أنتجت ما يُعرف باسم "مجال التشوه"، وهو الوضع المكاني للنقاط المميزة في لحظة معينة. هذا يشبه ما تفعله بعض الطبقات في الشبكات العصبية الحاسوبية ضمن نماذج تعلم الآلة، إذ تحول الإشارة إلى فضاء عالي الأبعاد.
تخيل أنك ترمي كرة مطاطية في غرفة مليئة بالجدران المائلة والوسائد، سترتد الكرة كل مرة بطريقة مختلفة حسب قوة الرمية واتجاهها. هنا، لم تحسب الجدران أي شيء، لكنها حوّلت الإشارة بطريقة مفيدة، وهذا هو "الحساب غير المباشر" الذي اعتمدت عليه هذه الطريقة.
وتوضح مبروك: "ربما تتفوق الحواسيب التقليدية في السرعة والدقة، لكنها لا تملك ما تملكه عضلاتنا من المرونة، والذاكرة القصيرة، والاستجابة الطبيعية للبيئة. الدراسة أثبتت أن العضلة يمكنها محاكاة نماذج رياضية معقدة وتقديم نتائج أدق من الطرق التقليدية في بعض الحالات".
الإنسان الآلةواحدة من أهم نتائج الدراسة أن الأنسجة الرخوة موجودة في جميع أنحاء الجسم، وهذا يعني إمكانية بناء أنظمة حوسبة "موزعة" داخل الجسد.
ويمكن لتلك الأجهزة أن تستفيد من الجسد نفسه كمورد حسابي، بدلا من تحميل الأجهزة الذكية بكميات ضخمة من الشرائح والمعالجات. لقد أصبح جسدك، دون أي جهاز إضافي، قادر على تحليل إشارات معقدة، ويتحكم في أجهزة طبية فقط من خلال حركته الطبيعية.
يوضح كوباياشي في دراسته أن استخدام هذه الفكرة قد يحسّن من أداء الأجهزة القابلة للارتداء، مثل الساعات الذكية أو الأجهزة الطبية التي تراقب الحالات الصحية، دون الحاجة لمعالجات ضخمة.
لكن العضلات ليست ثابتة، فهي تتحرك بحرية، تتمدد وتنقبض، وتتغير اتجاهاتها، مما يجعل تتبع النقطة نفسها بدقة عالية على مدى عدة ثوانٍ أمرا صعبا تقنيا، فأي انزياح بسيط أو ضياع لنقطة مميزة داخل العضلة قد يُفسد سلسلة البيانات المطلوبة للحوسبة.
كذلك، تختلف عضلات كل إنسان عن الآخر، فسُمك العضلة، ودرجة الليونة أو الصلابة، وشكل الألياف العضلية واتجاهها، وكمية الدهون تحت الجلد، قد تختلف من شخص لآخر. وبالتالي، فإن الوصول إلى مرحلة دمج هذه التقنية في أجهزة قابلة للارتداء يتطلب حلولا هندسية دقيقة تحترم طبيعة الجسم البشري وتضمن سلامته، بحسب مبروك.
إعلانوعند الوصول إلى هذا الحد من الدمج بين الجسم والتكنولوجيا، تقول مبروك: "من يملك البيانات التي تُولدها عضلاتنا؟ وهل يمكن التحكم في أجسامنا عن بُعد يومًا ما؟ مثل هذه الأسئلة الأخلاقية تزداد أهمية كلما اقتربنا من الدمج بين الإنسان والتكنولوجيا. عندما نبدأ باستخدام أجزاء من جسم الإنسان، مثل العضلات، للقيام بعمليات حسابية، قد يصبح من الصعب التفرقة بين ما هو بشري وما هو آلي".
هذه المخاوف لم تعد مجرد افتراضات بعيدة ورفاهية فكرية، بل قد تصبح قضايا فعلية في المستقبل القريب، مع تطور الذكاء الهجين الذي يمزج بين الإنسان والآلة.