الحبيبة الأستاذة رشا
اطلعت على كلمتك (إلى من يهمه الأمر في حزب الأمة القومي) بتاريخ اليوم 11 يناير 2023م، ومفادها أن هناك "استراتيجية مخدومة بعناية لعزل حزب الأمة عن الاصطفاف مع القوى المدنية الديمقراطية وجرجرته إلى التكتل مع الجيش والمؤتمر الوطني وما يسمى بالكتلة الديمقراطية برعاية مصرية، بهدف إضعاف الصف المدني، ونزع مشروعيته الشعبية، وتقسيم حزب الأمة"، محذرة من تكرار ما حدث بعد نداء الوطن، وانشقاق مجموعة مبارك الفاضل بمساعدة الأجهزة الأمنية حينها وهو مخطط أفشله وجود الإمام عليه الرضوان كعاصم من تشتت الحزب، والآن فإن أي اتجاه شبيه سوف يمزق الحزب شذر مذر.
وأقول،
أولًا: انظر لاهتمامك بما يدور في الحزب الذي غادرته بإحسان كاهتمام مفهوم في إطار الهم الوطني فهو أكبر حزب سوداني بحسب آخر انتخابات ديمقراطية، والأكبر ضمن تكتل (تقدم) الذي يضم معه أحزابًا وكيانات أخرى لا تبلغ حجمه. لذلك فالنصح من قلم ديمقراطي مثابر مثلك مقبول كاجتهاد، لكن يهمني أن أرد على تلك الرسالة باعتباري ممن يهمه الأمر في حزب الأمة كقيادية فيه، إضافة للزمالة التي جمعتني بك في المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي ثم في العمل الوطني والصحفي، ولإيماني بقوة قلمك وتأثيره، ناهيك عن تقلدك لمنصب مهم الآن في تحالف (تقدم) وضرورة التعامل بجدية مع ما تخطين.
ثانيًا: أطمئنك بأنه لا توجد أي محاولة داخل حزب الأمة الآن للتكتل مع الجيش والمؤتمر الوطني والكتلة الديمقراطية برعاية مصرية أو بغيرها. ولا شك أنك وقعت فريسة تضليل معلوماتي، أو أنك قرأت بعض الآراء التي خطها بعض قادة الرأي في الحزب بعين أصابتها الكيزانوفوبيا في مقتل للمنطق مؤسف. والحقيقة هي أن الحزب إذا لم يتخذ موقفًا يطابق قراره بـ"ضرورة السعي للتوسط لوقف هذه الحرب اللعينة فورًا والتزام مسافة واحدة من طرفيها"، وإذا لم يفلح في تطوير موقف (تقدم) بصورة تبطل الانحياز الحالي للدعم السريع، فإن تقسيمه سوف يحدث لا محالة. العاصم الوحيد للحزب الآن ليس أن يسير خلف الدعم أو الجيش أو أي من الأجسام التي تدعم هذا أو ذاك، فقواعد الحزب الاجتماعية، وتياراته الداخلية موزعة في التعاطف بين الطرفين بصورة هيكلية، والحل الوحيد للحفاظ على وحدته هو هجران المواقف المنحازة وشق طريق ثالث توافقي يرضي الجميع.
ثالثًا: الآراء التي أزعجتك بصورة بالغة مثلها بقوة مقال د. عبد الرحمن الغالي الموسوم (قراءة أولية في إعلان أديس أبابا بين تقدم وقوات الدعم السريع ومقترح تطويره لحوار سوداني سوداني جامع)، فقد اطلعت على تعليقك في صفحته المنزعج من الفكرة الواردة فيه بضرورة جلوس الجميع بمن فيهم المؤتمر الوطني، لبحث أسس وقف الحرب اللعينة والاتفاق على سودان المستقبل. ثم مقالك أمس المعرّض بفكرته والمخطيء لها، ثم ها أنت تلحقين كل ذلك الشرر بهذه الرسالة في بريد حزب الأمة. وما ورد في المقال لا يتجاوز الحديث عن لقاء جامع لا يستثني أحدًا ولا يتحكم فيه أحد، ولا ينادي باصطفاف بديل لـ(تقدم) بل يخاطبها بضرورة تطوير خطوة اتفاق أديس أبابا نحو توافق سوداني شامل. والحقيقة أن الدعوة في المقال مطلوب وطني مهم وعاجل، إذا لم تتقدم تقدم نحوها فسوف يصنع الفراغ بدائله.
رابعًا: هذه الآراء التي ترفضينها تمليها ضمائر وقرائح صادقة في البحث عن حلول لمأساة وطن يذبح بأيدي فجرة متحاربين على جسده، ويمكن لمن أراد الاتفاق معها أو الاختلاف، لكن من الجور مقارنتها باختراق الحزب بأيدي المؤتمر الوطني عام 2000م. وقد عمل المؤتمر الوطني حينها بأمواله وآلة سلطته وصولجانه لتقسيم الحزب والتنكيل به لأنه رفض المشاركة في حكمه إلا عبر انتخابات حرة أو حكومة قومية تحقق الانتقال الديمقراطي. فالقياس بين الاتجاهين ليس مائلًا فقط، وكما تعلمين فإن القياس علم يتطلب أركانًا، كلها ساقطة الآن: فلا المال والصولجان الآن عند المؤتمر الوطني بل لا سلطة حقيقية حاليًا وقد دكت البلاد ومزقت، والسلطة المنظورة بحسب نتائج الحرب ربما آلت لابن حمدان لا للبرهان، والمال والصولجان منظور في كف الأول أكثر من الأخير. والموقف الذي يستبطنه المقال يشكل التنفيذ الأصدق لقرار الحزب المؤسسي، بينما كان الانسلاخ حينها رفضًا لقرار المؤسسة، ولا بيع ولا شراء ولا انحياز للديكتاتورية في الدعوة الحالية، بل محاولة حثيثة لرسم طريق لخلاص وطن يحتضر. يمكن ألا يوافقها من لا يراها صالحة، لكن المسارعة لتشبيهها بتلك السقطة الأخلاقية تعدٍ بالغ، وجور عظيم قبل أن يكون فقدان تام لأسس المنطق والقياس السليم. وغني عن القول إن القلم الذي تعرضين به وبأنه يساق خلف خطط أجنبية وصفه الإمام عليه الرضوان بأنه التالي بعده في كياننا الذي يدرك أبعاد القضايا سياسيًا ودينيًا، ولا أظنه يحتاج لشهادة منك أو غيرك عن مدى نزاهته وعفته، ولا نفاذ بصيرته ومعارضته أهواء النفس والتعالي على جراحاتها من أجل الوطن.
خامسًا: من المدهش أنك لا ترين في هذه الحرب ولا تسمعين سوى صوت الكيزان وأفعالهم، كأنك جزء من هذه الحرب التي شبت بين طرفين حقيقة كلاهما انقلابيان وخارج مظلة الديمقراطية بالأساس، وليس لديك لأي مخالف لرؤاك سوى دمغات الكوزنة والكوزنة المستترة والغفلة وغيرها، ولا مكان لأي اجتهادات تخالف اجتهاداتك أو قراءات تخالف قراءاتك سواء في قراءة أسباب الحرب ودوافع طرفيها الزنيمين، ولا في خطط الحلول للخروج من مستنقعها الآسن. والحقيقة أن السوء في هذه الحرب مقسم بين الطرفين، وكلاهما صائد وجه بندقيته على الشعب بصورة يصدق عليها تصوير حميد رحمه الله (صياد عن شمال وصياد عن يمين). فأنتِ لا ترين سوى صائدًا وحيدًا وكل من يشير للصورة الأعم يصير عندك في عداد الغافلين، أو ربما المشتركين في مؤامرة مصرية كيزانية، إلخ. وهل مصر وحدها التي تعبث الآن في السودان، ولماذا لا تفهمين انزعاج آخرين من تدخلات أخرى أشد ظهورًا سارت بذكرها ركبان الصحف والمجلات العالمية وكادت طائراتها التي تمد ابن دقلو أن تبلغ المائتين؟
سادسًا: هذا الاتجاه الأحادي والإقصائي حينما يصدر من شخص يتقلد مسؤولية مهمة في تحالف ينتظر أن يجمع القوى المدنية والديمقراطية لا أن يفتتها، يصير أمرًا مقلقًا جدًا، لأنك من حيث لا تشعرين تضعين العراقيل أمام وحدة القوى الديمقراطية بتنصيب اجتهادك ورؤيتك ومن يوافقك الرأي بوصلة وحيدة للسداد وللوطنية. فهل أنت الشخص الوحيد النزيه في السياسة السودانية وكل الآخرين معروضون في سوق النخاسة والعمالة الأجنبية؟ هذا التشنج موضع خطر عظيم جدًا على الأمة السودانية التي لا تحتاج الآن لمن ينمي الكراهية ويوزع التهم حتى بين حملة لواء الديمقراطية ويخونهم ويدمغهم، فقط لاختلاف الرأي والرؤية، بل تحتاج بلادنا لمن يمد يده ويوسع صدره حتى لأولئك الذين أشقونا وأوسعوا شعبنا ذمًا ومهانة (سواء أكان البرهان أو ابن حمدان). وكما كان الإمام الصادق عليه الرضوان يقول: "السياسي الذي لا يدرك مواطن الخطر يصير هو نفسه موطنًا للخطر."
سابعًا وأخيرًا: أرجو أن تقبلي نقدي هذا ونقد الذين وجهوا لك السهام مؤخرًا بسبب الـ"نصف دقيقة" التي خففتِ الإدانة فيها للدعم السريع، وأعني أولئك الذين انتقدوك من داخل حوشك الديمقراطي، فلست معنية بسفاهات الكيزان ومشانقهم المنصوبة ولا بأكاذيبهم التي تعودنا عليها فـ"العيب لما يجي من أهل العيب ما ببقى عيب" كما في المثل. أما النقد الموجه من صفك الديمقراطي فأرجو أن تتقبليه على أنه مقياس للاهتمام ودليل على الاحترام، فكثير من الساسة المعروضين الآن في الأسواق لا يرفعون حاجب دهشة ولو قالوا إن الله مات!
والسلام
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المؤتمر الوطنی حزب الأمة هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
لانا الشريف وجه الطفولة بغزة الذي شوهته الحرب الإسرائيلية
في قطاع غزة، حيث يصبح الخوف جزءا من الحياة اليومية للأطفال، تجسد الطفلة الفلسطينية لانا الشريف، البالغة من العمر 10 سنوات، مأساة الطفولة في ظل القصف والحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام ونصف العام.
كانت لانا، التي عرفت بجمالها وبراءتها، تعيش حياة هادئة في مدينة رفح إلى أن دمرت الحرب طفولتها، وغزا الشيب رأسها في عمر مبكر، وانتشرت بقع بيضاء في جسدها الهزيل نتيجة الصدمة النفسية الهائلة التي تعرضت لها عندما دمر البيت المجاور لمنزل عائلتها في قصف إسرائيلي.
عاشت لانا بعدها نوبات فزع وكوابيس غزت أحلامها، ما أثر على حالتها الجسدية والنفسية، وأفقدها الشعور بالأمان والطفولة التي تستحقها، فتعبر لانا عن ألمها بحزن قائلة: "الناس لم يعودوا يحبونني كما كانوا من قبل، لم أعد تلك الطفلة الجميلة."
"كنت جميلة… والآن لا أحد يحبني"
الطفلة لانا الشريف 10 سنوات أصيبت بمرض البُهاق نتيجة نوبات هلع وخوف شديد
ناجم عن قــ.. ــصف اســ.. ــرا.ئيلي عنيف???? pic.twitter.com/ewAzv66gAv
— ☠️EMA إيما (@ghost_girl2023) May 10, 2025
هذه الكلمات أشعلت تعاطفا واسعا عبر منصات التواصل، حيث أصبح اسمها رمزا لمعاناة الأطفال في غزة.
بسبب الخوف الشديد من القصـ.ف شابَ شعر الطفلة لانا الشريف، وأُصيبَت بمرض البُهاق.
تحدثوا عن هذه الأوجاع المنسية ليكون الكلام شاهدًا لكم. pic.twitter.com/NdMlfF94AI
— معين الكحلوت , من غزة ???????? ???? (@Moin_Awad) May 10, 2025
إعلانومع انتشار المقطع على منصات التواصل دان النشطاء ما تفعله إسرائيل بأطفال غزة قائلين "اغتالوا الطفولة البريئة"، بحسب تعبيرهم، مطالبين بتسليط الضوء على قصة لانا لتوثيق حجم المعاناة التي يقاسيها أطفال قطاع غزة وعائلاتهم.
وعلى منصة إكس كتب العديد من المدونين أن ملامح لانا ليست مجرد صورة، بل هي شهادة حية على الانتهاكات الممنهجة بحق أطفال غزة.
واعتبر بعض الناشطين أن "لانا لم يقتلها القصف، لكن قتلها الخوف وقلة الحيلة في عالم تفتقد فيه الإنسانية."
عمرها عشر سنوات، لكن عيناها تحكيان عن عمرٍ أثقلته الصدمات.
لانا، الطفلة الوحيدة لوالديها، لم ترَ من الحرب إلا ما يُفقد الكبار توازنهم، فكيف بطفلة ما زالت تخط أولى خطواتها نحو الحياة؟
كانت في بيتها حين انهار المنزل المجاور، بفعل صواريخ الاحتلال، ليتحوّل صوت الانفجار إلى رفيق يومي… pic.twitter.com/vCueqbJbBz
— Khaled Safi ???????? خالد صافي (@KhaledSafi) May 6, 2025
في ظل الحصار المستمر الذي يفاقم معاناة سكان القطاع، دعا مؤثرون وصحافيون إلى ضرورة فتح المعابر لإخراج الأطفال الذين هم في حاجة ماسة إلى العلاج، مؤكدين أن غياب الإمكانيات الطبية المناسبة داخل غزة يجعل من الصعب معالجة الحالات الطارئة التي تسببها الحرب للصغار.
وقال مغردون إن قصة لانا ليست استثناء فهي تمثل آلاف الأطفال في قطاع غزة الذين عايشوا الموت دون أن يزهق أرواحهم، لكنه "اغتال طفولتهم"، كما وصفها أحد المدونين.
الطفلة الصغيرة لانا الشريف حكاية وجـ ـع أكبر من عمرها لم تُصب بشظايا ص/روخ لكنها أُصيبت بشيء لا يُرى… شيء يُمزق الداخل ويُغير الملامح. الخوف الشديد من القـ ـصف لم يترك لها خياراً… شاب شعرها في لحظات كما لو أن الزمان مرّ بها دفعة واحدة وأصابها مرض "البُهاق"، pic.twitter.com/6Yv0H5wQga
— إيهاب الحلو (@Ehabhelou) May 10, 2025
إعلانوأضاف آخرون أن قصة لانا الشريف تبقى مثالا مأساويا على الوجه الحقيقي للحرب الإسرائيلية على القطاع، حيث تتحول البراءة إلى خوف، والجمال إلى ألم، والطفولة إلى ذكريات مغتصبة.
وفي الوقت الذي يتداول فيه العالم صور الطفلة عبر الإنترنت، يبقى السؤال الأكبر: متى ينتهي هذا الكابوس الإسرائيلي الذي يطارد جيلا بأكمله في غزة؟>
"كنت جميلة… والآن لا أحد يحبني”..????
شايف #الخوف بس ايش بعمل فقط الخوف ????????
كم مرة خوفنا وخافت اطفالنا في عامين
"كنت جميلة… والآن لا أحد يحبني”.. بهذه الكلمات تصف الطفلة لانا الشريف (10 سنوات) ألمها، بعد إصابتها بمرض البُهاق نتيجة نوبات هلع وخوف شديد، ناجم عن قصـ ف إسر ائيلي… pic.twitter.com/hWliOGkt72
— ثائر البنا، غزة ???????? (@thaeralbannaa) May 10, 2025
ويتحدث تقرير صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة عن ارتكاب أكثر من 11,859 مجزرة ضد العائلات الفلسطينية، بينها 2,172 عائلة أبيدت بالكامل بقتل جميع أفرادها.
في خيام تفتقد إلى أبسط متطلبات الحياة، يعيش الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم وأطرافهم معاناة يومية تضاعفها استمرارية القصف وشح الموارد.