بينما اتجهت الشمس نحو المغيب يوم 16 يناير/كانون الثاني 2024 في قرية "كُوهِ سَبْز" الهادئة في جنوب غربي باكستان، شعر قاطنو القرية باهتزازات عنيفة، ورأوا أجساما تحلق في سماء قريتهم الصافية عادةً.

سرعان ما أُصيب منزل طيني بسيط  فقَدَ صاحبه طفليه وأصيبت زوجته وبناته الثلاث، واشتعلت النيران في أحد المساجد.

في صباح اليوم التالي، أفصحت إيران عن تفاصيل ما جرى، فقد أطلقت صواريخ عبر الحدود إلى إقليم بلوشستان الباكستاني، مدّعيةً أنها أصابت مخابئ لـ"جيش العدل"، وهو جماعة إيرانية معارضة مسلحة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لماذا تخلت روسيا عن إيران في حربها مع إسرائيل؟list 2 of 2الجنرال عاصم منير الذي تخشاه الهندend of list

بعد ثمانٍ وأربعين ساعة، ردَّت إسلام آباد بإطلاق صواريخها الخاصة وشنِّ قصف بالطائرات على محافظة سيستان-بلوشستان الإيرانية، زاعمةً أنها استهدفت متمرِّدين من البلوش ينتمون إلى تنظيمَيْ جيش تحرير بلوشتان وجبهة تحرير بلوشستان، وهما منظمتان مسلحتان مناهضتان لباكستان.

كانت تلك المرة الأولى منذ الحرب العراقية الإيرانية التي تُستهدف فيها أراضي إيران. ورغم أن القصف المُتبادَل لم يَقصِد منه أيٌّ من الطرفيْن استهداف الطرف الآخر بحد ذاته، لا سيَّما أن التنظيمات الثلاثة تُصنّفها طهران وإسلام آباد بأنها "حركات إرهابية"، فإن شن هجوم داخل حدود البلد الآخر عُدَّ تجاوزا استثنائيا للخطوط الحمراء، وأسفر عن توتُّر لفت أنظار باكستان إلى لواء زينبيون، الذي شكَّله الحرس الثوري الإيراني من الشيعة الباكستانيين للقتال في سوريا، مما دفع إسلام آباد إلى إعلانه حركة إرهابية في أبريل/نيسان 2024.

إقليم بلوشستان في باكستان، ومحافظةسيستان-بلوشستان في إيران (الجزيرة)

وللمفارقة فإن تلك التنظيمات "الانفصالية" التي أشعلت الصراع بين باكستان وإيران تنهل من مَعين واحد وهو "مظالم" عِرقية البلوش -وهم من المسلمين السنة- المتفرقة بين كلا البلدين.

إعلان

تمتد منطقة بلوشستان بطول الحدود الجنوبية للبلديْن في إقليم باكستاني بالاسم نفسه ومحافظة إيرانية باسم سيستان-بلوشستان، وقد حُكمت المنطقة عبر السلالات المغولية المتعاقبة وصولا إلى تقسيمها بين الإيرانيين والبريطانيين في زمان الاستعمار البريطاني، قبل أن ينضم جزء منها إلى باكستان في أعقاب استقلالها عن الهند عشية رحيل الاستعمار البريطاني عن المنطقة.

وعلى مدار العقود الماضية، يرى البلوش أنهم تعرضوا لمظالم متفاقمة في إيران وباكستان على حد السواء رغم نفي كلا الحكومتين لذلك. وتتعلق "مظالم" البلوش في إيران برغبتهم في الخروج من هيمنة النظام الذي يرون أنه يهمشهم على أساس مذهبي، ويتزعَّم تلك المطالب تنظيم جيش العدل، الذي تتهم إيران الولايات المتحدة بدعمه.

أما في باكستان فتتعلَّق "مظالم" البلوش -حسب سرديتهم- بالتهميش الاجتماعي، واستغلال موقع الولاية وثرواتها دون أن يكون لأبنائها من البلوش نصيب عادل من التنمية، ومن ثمَّ فإن التنظيميْن المُتمرِّديْن، جبهة تحرير بلوشستان وجيش تحرير بلوشستان، يستهدفان تعطيل النشاط الاقتصادي في الإقليم، وبالتحديد الشركات الصينية التي تبني ميناء غوادر.

بدا في مطلع العام 2024 إذن أن بلوشستان على وشك الانزلاق إلى كارثة، لكن الدبلوماسية سرعان ما تحرَّكت بين البلديْن. ففي أبريل/نيسان من العام نفسه، حطَّ الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي في إسلام آباد، والتقى رئيس الوزراء شهباز شريف للتنسيق حيال المشكلات الحدودية، وخرجا بتعهدٍ "بأن نجعل الحدود سوقا لا ساحة حرب".

الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي (يسار) ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف (يمين) يعقدان اجتماعًا في إسلام آباد، باكستان في 22 أبريل/نيسان 2024 (الأناضول)

لم يُمهِل القدر رئيسي كي يرى ثمار زيارته، فقد لقي حتفه بعد شهر واحد في حادث مروحية ما زال يثير التساؤلات، لكن الزيارة لم تكن مجرد ترميم دبلوماسي لما أحدثته أسابيع الاضطراب الحدودي في العلاقة بين البلدين، بل عُدَّت بداية جادة لإستراتيجية أثمرت تعاونا في ملف بلوشستان بالتحديد.

ففي يوليو/تموز من العام نفسه، سلَّمت إسلام آباد عضوا في تنظيم جيش العدل إلى إيران، وفي المقابل سلَّمت طهران أحد "الانفصاليين" البلوش الباكستانيين إلى باكستان. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني، شنَّ البلدان معا عملية مشتركة في بلوشستان، وفقا لبيان من جيش العدل، الذي أعلن عن مقتل 12 من مقاتليه في العملية، وإن كانت إيران قد احتفت بالعملية دون أن تؤكِّد مشاركتها فيها.

"لقد تجاوز الطرفان إذن عُقدة في علاقتهما"، بحسب وصف فرزان ثابت، باحث بمعهد جنيف للدراسات العليا، إثر زيارة إبراهيم رئيسي المحورية لإسلام آباد. وفي حوار مع موقع "راديو فري يوروب"، قال امتياز بالوش، المحلل المهتم بملف بلوشستان، إن "التعاون بين البلديْن يتعمَّق بوتيرة متسارعة".

بيد أن تلك لم تكن المرة الأولى التي يتعاون فيها البلدان لمواجهة "النزعات الانفصالية" في بلوشستان، ولم يكُن التوتُّر وانعدام الثقة في الحقيقة هو السائد بينهما.

إعلان

فعلاوة على التداخل التاريخي والثقافي العميق بين إيران وباكستان، مرَّ البلدان بمحطات تحالف صريح في القرن العشرين، في حين لم يُسفر التوتُّر بينهما أبدا عن عداء مفتوح، إذ نأت باكستان بنفسها دوما، حتى في ذروة فقدان الثقة بينها وبين طهران، عن اختزال النظام الإيراني في كونه نظاما شيعيا، أو مسايرة واشنطن وبعض الدول العربية "السنية" في مهاجمته ومحاولة تطويقه.

تحالف قديم لم يدُم طويلا

تحت حكم محمد رضا بهلوي، كانت إيران أول بلد يعترف بدولة باكستان بعد تقسيم الهند عام 1947، وكان الشاه أول قائد يزور باكستان عام 1950، كما أن أول سيدة أولى لباكستان بعد إعلانها جمهورية إسلامية عام 1956 كانت إيرانية من عائلة أرستقراطية على صلة قوية بالنظام الإيراني، وهي ناهد أمير تيمور، زوجة الرئيس الأول لباكستان إسكندر علي ميرزا، وابنة سفير إيراني سابق للهند.

وقد جمعت البلدين علاقةٌ وطيدة وهادئة على خلفية تحالفهما مع الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة، واشتراكهما في حلف بغداد، وتعاونهما في دحر "الحركات الانفصالية" في منطقة بلوشستان، وهي حركات حصلت على الدعم من الهند، ومن نظام صدام حسين في العراق، ومن نظام داوود خان في أفغانستان.

الاجتماع الوزاري الثالث لحلف بغداد عام 1955، وفي الصورة من اليمين: رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، ووزير الخارجية البريطاني سِلوين لويد، وناهد تيمور وزوجها الحاكم العام لباكستان آنذاك إسكندر ميرزا، والوزير الإيراني منوتشهر إقبال، ورئيس الوزراء العراقي نوري السعيد، ولا يعلم من هو الرجل الذي يقف في أقصى يسار الصورة. (مواقع التواصل)

 

بردت العلاقات نسبيا بين البلديْن بعد انقلاب الجنرال ضياء الحق على الرئيس الباكستاني ذو الفقار علي بوتو عام 1977، نتيجة العلاقات الجيدة التي جمعت بوتو بشاه إيران (وكانت زوجة بوتو من أصول كردية إيرانية أيضا)، وكذلك بسبب اتجاه ضياء الحق نحو الاهتمام بالدين الإسلامي لتعزيز شرعية الدولة الباكستانية، بالتزامن مع صحوة دينية متزايدة في الكثير من بلدان المنطقة أثناء السبعينيات.

لم يُعجَب الشاه بسياسة ضياء الحق، لكنه لم يبقَ طويلا في السلطة على أي حال، حيث أطاحت به الثورة الإسلامية في بلاده عام 1979.

من جانبها اعترفت باكستان سريعا بالنظام الإسلامي الجديد في طهران، أملا في أن يكون الاتجاه الإسلامي سببا في عودة العلاقات الجيدة، ولكن لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى أدركت إسلام آباد أن نُسخة إيران من الصحوة الإسلامية جدّ مختلفة عن النسخة المحافظة التي رعتها إسلام آباد، ومن ثمَّ اضطربت العلاقات بعد أن ازداد توجُّس باكستان من تصدير ثورة إسلامية مُعادية للولايات المتحدة، وكذلك من تسييس المذهب الشيعي، إذ توجد في باكستان أقلية شيعية كبيرة تصل نِسبتها إلى نحو 20% من السكان.

أتى الغزو السوفياتي لأفغانستان ليزيد الطين بلَّة، حيث تعاونت باكستان مع واشنطن لدعم "المجاهدين الإسلاميين"، في حين آثرت إيران دعم الجماعات الشيعية في غرب أفغانستان خوفا من وصول الجماعات المسلحة السنية إلى حدودها، مما أدى إلى مزيد من التوتُّر.

ورغم ذلك، لم تَستَجِب إسلام آباد للضغوط الأميركية (والخليجية) في الثمانينيات لدعم النظام العراقي بقيادة صدام حسين في حربه على إيران، بل تمسَّكت بالحياد طيلة الحرب مما ساعدها على بناء علاقات جيدة مع إيران في التسعينيات.

كانت العلاقات الباكستانية الإيرانية أشبه بموجات من الصعود والهبوط، حيث عادة ما كانت العلاقات تتحسن حين يتبوَّأ السلطة في إسلام آباد مدنيون، في حين كانت تتراجع نسبيا في أوقات الحكم العسكري بسبب زيادة التوجس الأمني من النظام الإيراني.

مثلا، في عام 1995، ورغم الخلافات بخصوص تنامي نفوذ طالبان في أفغانستان، استقبلت طهران رئيسة الوزراء الباكستانية بينظير بوتو استقبالا حافلا، ووصفها المرشد علي خامنئي بأنها "ابنة الشهيد" (والدها ذو الفقار علي بوتو أعدمته السلطات بعد انقلاب ضياء الحق).

إعلان

وكانت بينَظير صاحبة موقف أقل تشدُّدا حيال الخلافات مع إيران في أفغانستان، إذ دعت إلى احتواء الجماعات المدعومة من إيران، وهي سياسة تراجعت عنها إسلام آباد بعد الانقلاب عليها أول مرة عام 1990.

الرئيس الإيراني الراحل حسن روحاني (يمين) يستقبل رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان بطهران في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2019 (الأوروبية)

على المنوال نفسه، حين تولَّى عمران خان رئاسة الوزراء عام 2018، رتَّب زيارة لإيران شملت مدينة مشهد وضريح الإمام علي الرضا، الذي يزوره عشرات الآلاف من الشيعة الباكستانيين سنويا.

ولفت الأنظار حينها تصريحه المثير للجدل بأن جماعات مسلحة مدعومة من الخارج استخدمت الأراضي الباكستانية لشن هجمات على إيران، ما يستلزم "تعاون البلديْن ضد الإرهاب". وقيل إن تساهله في احتواء المطالب الإيرانية كان مدفوعا بعلاقاته الوطيدة مع الشيعة في باكستان، أو ما سمّاه بعض الصحافيين "اللوبي الشيعي" وحضوره في الدوائر المحيطة به.

نوويا، دعم البلدان جهود بعضهما بعضا ضمنيا. ففي عام 1998، حين أجرت الهند تجربتها النووية الثانية بعد 24 عاما على التجربة الأولى، أعربت إيران عن قلقها. وحين أجرت باكستان تجربتها النووية الأولى في العام نفسه، دعمت إيران الموقف الباكستاني، بل وأعرب وزير الخارجية الإيراني حينها كمال خرَّازي عن سعادته بتهنئة إسلام آباد.

وبعد أربعة أعوام، صرَّح الرئيس الإيراني آنذاك محمد خاتمي بأن الضغوط على باكستان لنزع سلاحها النووي يجب أن تتجه بالأحرى إلى إسرائيل.

بدءا من منتصف الثمانينيات، حامت شكوك وذاعت بأن إيران حصلت على مساعدة من شبكة الفيزيائي الباكستاني عبد القدير خان لبناء برنامجها النووي، وقد نفت الحكومة الباكستانية رسميا ذلك وقال المتحدث باسم الخارجية الباكستانية مسعود خان حينها "إن بلاده لا تعير أهمية لهذه الادعاءات، مضيفا أن صحة هذه التقارير موضع تساؤل، وينظر إليها بشك".

التباعُد الكبير.. الحرب على الإرهاب

مع بداية القرن الجديد، وإعلان الولايات المتحدة حربها على "الإرهاب"، ورغبتها في استئصال ما سمّاه جورج بوش الابن "محور الشر"، أُعيد تشكيل التحالفات والعداوات في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا تبعا للموقع من واشنطن، التي أعلنت أن الدول إما أن تكون معها وإما ضدها.

كانت باكستان شريكا عسكريا واستخباريا صريحا للتحالف الغربي، ولم يكن بوسعها أن تُفوِّت فرصة توطيد شراكتها الإستراتيجية مع الأميركيين على حساب الهند، ولو كلَّفها ذلك اضطراب علاقاتها مع طالبان.

على الجهة المُقابلة مانت إيران مُحاصرة بالجيش الأميركي في شرقها وغربها (أفغانستان والعراق)، ومُستهدَفة حال قرَّر الأميركيون إسقاط نظامها كما فعلوا مع طالبان وصدام حسين.

ورغم تعاونها الأمني والاستخباري مع السلطات الجديدة في البلديْن، فإنها سرعان ما شكَّلت تحالفاتها الخاصة مع "الميليشيات الشيعية" التي نشأت بمساعدتها في العراق، ووطَّدت علاقتها بطالبان على غير المُتوقَّع بمرور الوقت، وصولا إلى علاقتها القوية بكابول اليوم.

الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن (يمين) يرافق الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف في منتجع كامب ديفيد الرئاسي بولاية ماريلاند يوم 24 يونيو/حزيران 2003 (رويترز)

على مدار العقد الأول من الألفية تعمَّق التحالف الباكستاني الأميركي، واضطربت العلاقات الإيرانية الباكستانية، وفي غضون ذلك أفرزت بلوشستان من جديد حركات انفصالية داخل كلٍّ من إيران وباكستان، بعد أن هدأت نسبيا في الثمانينيات والتسعينيات.

فقد برز جيش تحرير بلوشستان وجبهة تحرير بلوشستان بسلسلة من العمليات استهدفت مصالح عسكرية واقتصادية في الإقليم، بالتزامن مع انقلاب الجنرال برويز مشرف وسيطرته على السلطة في باكستان، وهما تنظيمان كانت إسلام آباد تقول حتى وقت قريب إن إيران لا تساعد في مكافحتهما بما يكفي، وإنهما مدعومان من الهند، التي توجَّست بالفعل من تهميشها لصالح باكستان في السياسة الأميركية، خاصة أن الانشغال بالصين لم يكُن قد هَيْمن بَعد على الإستراتيجية الأميركية.

من جانبها، وفَّرت حركة طالبان ملاذات آمنة لمقاتلي الحركة في جنوب أفغانستان في إطار علاقاتها المضطربة مع باكستان في تلك الفترة.

كما تركت مساحة لعمل تنظيمات سُنية مسلحة مثل تنظيم جند الله، الذي استهدف سيستان-بلوشستان الإيرانية، ورغم أن التنظيم أنكر تلقيه الدعم من أي دولة، فإن المحلل السياسي الأميركي مارك بيري نشر تحقيقا في مجلة "فورين بوليسي" عام 2012، أورد فيه علاقات الموساد بتنظيم جند الله، وكيف استخدم ضباط إسرائيليون مزدوجو الجنسية هويتهم الأميركية للتعاون مع التنظيم، وتواصلوا معه بوصفهم عملاء من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA).

إعلان

ومن اللافت للنظر أن زعيم الحركة السابق عبد الملك ريكي، الذي اعتقلته إيران وأعدمته عام 2010، كان قد ظهر في حوار متلفز عام 2008 وصرَّح حينها أن التنظيم يسعى للحصول على حقوق البلوش وليس الانفصال عن إيران.

ولكن بعد إعدام ريكي أفل نجم التنظيم، وخرج من عباءته تنظيم جيش العدل، وعلى خلفية التدخُّل الإيراني في سوريا، نجح التنظيم في تشكيل علاقات متنوِّعة، مع حركات انفصالية كردية، ومع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

شهدت نشاطات التنظيمات الثلاثة في إيران وباكستان طفرة في السنوات الأخيرة، فقد نفَّذ تنظيم جيش العدل عمليات في إيران بلغ ضحاياها نحو 70 ضابطا وشرطيا على أقل تقدير بين عامي 2019-2024، في حين وصل ضحايا عمليات جيش تحرير بلوشستان داخل باكستان إلى أكثر من 100 في الأعوام الخمسة الأخيرة، منهم 7 صينيون يعملون في مشاريع استثمارية، وأكثر من 20 ضابطا وشرطيا.

أما جبهة تحرير بلوشستان فقتلت أكثر من 100 ضابط وشرطي بالإضافة إلى نحو 60 مدنيا في الفترة نفسها.

مع دخول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، بدأ التفات الولايات المتحدة إلى الصين يتزايد وكذلك اهتمامها بالهند، وفي الوقت نفسه أخذت المؤسسات السياسية والعسكرية الباكستانية تضيق ذرعا بحُرية الحركة العسكرية التي منحتها واشنطن لنفسها لاستهداف "الإرهابيين" من وجهة نظرها دون اعتبار لسيادة باكستان ومصالحها في أفغانستان، ومن ثمَّ سنحت الفرصة لإيران كي تسعى من جديد لجذب باكستان إلى تشكيل شراكة قوية، وهو ما حصل بالتزامن مع فتح باب التواصل بين طهران وطالبان.

في سبتمبر/أيلول 2010، أدانت إيران تعامل السلطات الهندية مع الكشميريين المُحتجين على أنباء عن حرق القرآن في الولايات المتحدة، وكانت قناة "برِس تي في" الإيرانية هي مَن بثَّ أخبار حرق القرآن في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، فقررت السلطات في دلهي حظر القناة.

في موسم الحج للعام نفسه، أعلن خامنئي تضامنه مع قضية كشمير صراحة حين قال إن "أبرز الواجبات الملقاة على عاتق الأمة الإسلامية هي تقديم العون للشعب الفلسطيني ولأهالي غزة المحاصَرين، والتعاطف مع شعوب أفغانستان وباكستان والعراق وكشمير، والانخراط في الكفاح والمقاومة ضد اعتداءات الولايات المتحدة والنظام الصهيوني".

مع التحوُّلات التي شهدتها المنطقة بعد الثورات العربية وصعود إدارة ترامب وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، أصبحت مسارات الشراكة مُمكنة أكثر بين إيران وباكستان، وتعززت فرص هذه الشراكة بسبب تعمُّق التحالف الهندي-الإسرائيلي تحت قيادة رئيس الوزراء الهندي نارِيندرا مودي، وحياد بعض دول الخليج المتزايد تجاه باكستان بسبب علاقاته المتشعِّبة مع الهند. أما الأهم من كل ذلك، فكان تراجع أهمية باكستان في الإستراتيجية الأميركية، إلى حد التجاهل.

تحالف صيني وتجاهل أميركي

لطالما كان الدعم العسكري الأميركي لباكستان ركيزة أساسية للعلاقات بين البلدين منذ بدايات الحرب الباردة وحتى وصول ترامب إلى السلطة عام 2016. فبين عامي 2002-2018 تلقَّت إسلام آباد زهاء 34 مليار دولار من الولايات المتحدة، منها نحو مليار دولار سنويا في صورة حزمة نفقات عسكرية، وكانت تُعَد البلد الثالث بعد إسرائيل ومصر في تلقي الدعم العسكري الأميركي.

ولكن مع صعود إدارة الرئيس ترامب عام 2016، قرَّرت واشنطن أن الدعم المُخصَّص لباكستان لا يحقق أهدافه المطلوبة، وغرَّد ترامب في يناير/كانون الثاني 2018 على موقع تويتر واصفا سياسة باكستان بـ"الكذب والخداع"، ومن ثمَّ جمَّدت واشنطن المعونة العسكرية السنوية إلى غير رجعة، ومنذ ذلك الوقت انخفض بشدة نصيب باكستان من الدعم المالي الأميركي.

بين عامي 2019-2024، تلقَّت باكستان في المتوسط 265 مليون دولار سنويا فقط من المعونات الأميركية، بعدما واصلت إدارة جو بايدن تجاهلها لإسلام آباد بشكل غير مسبوق، حتى إن الرئيس الأميركي السابق هو الوحيد الذي دخل إلى البيت الأبيض وخرج منه دون أن يُجري اتصالا هاتفيا واحدا مع نظيره الباكستاني. وتخلَّل سنوات بايدن الانسحاب الكارثي للجيش الأميركي من أفغانستان، وما سمّاه محللون "انتفاء الحاجة الإستراتيجية" إلى إسلام آباد، مقابل الاهتمام المتزايد بالهند لموازنة الصين.

وأكثر من ذلك فرضت إدارة بايدن في ابريل/نيسان عام 2024 فرضت واشنطن عقوبات على عدة شركات وهيئة حكومية لمساهمتها في برنامج الصواريخ الباليستية الباكستاني. أما عودة ترامب فلم يكُن متوقَّعا أن تُغيِّر الأفول التدريجي للشراكة الباكستانية الأميركية، وهو الذي بدأ تقويضها بنفسه قبل ثمانية أعوام، وتأكَّد ذلك مع قرار واشنطن إدراج 19 شركة باكستانية أخرى على قوائم العقوبات في أبريل/نيسان الماضي.

انعكست التحوُّلات الدولية على الاقتصاد الباكستاني أيضا. ففي العام المالي 2023-2024، تصدَّرت الصين تدفُّقات الاستثمار الأجنبي في باكستان بأكثر من نصف مليار دولار، وجاءت بعدها هونغ كونغ بـ350 مليون دولار، ثم بريطانيا بـ270 مليون دولار، ثم حلَّت الولايات المتحدة رابعا بـ140 مليون دولار فقط، وهو تراجع عمَّا كان عليه الأمر في العام المالي 2021-2022، حين حلَّت الولايات المتحدة ثانيا بنحو رُبع مليار دولار، وسابقه حين تجاوزت الاستثمارات الأميركية 300 مليون دولار. وكان هذان العامان تعافيا جزئيا في الحقيقة مقارنة بالأعوام 2016-2020، حين بلغ الإجمالي في السنوات الخمس مُجتمعة نصف مليار دولار،  بمتوسط 100 مليون للسنة الواحدة.

على النقيض، كانت الصين حتى عام 2014 تتأرجح بين كونها المستثمر الرابع أو الخامس، خلف الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات، بيد أن تراجع الاهتمام الأميركي منذ رئاسة ترامب الأولى، وصعود شي جين بينغ إلى رئاسة الصين، وتدشين مبادرة الحزام والطريق، وبدء مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، دفع الاستثمارات الصينية إلى القفز نحو الصدارة، حيث ارتفعت في العام المالي 2015-2016 إلى 700 مليون دولار، وفي العاميْن التالييْن تجاوزت المليار دولار، قبل أن تستقر في الصدارة منذئذ بـ500-700 مليون دولار سنويا.

على المستوى العسكري، لطالما تمتَّع البلدان بعلاقات وطيدة منذ اعترفت باكستان بجمهورية الصين الشعبية مطلع الخمسينيات، مدفوعة بالرغبة المشتركة في احتواء الهند، وهي علاقة استفادت منها باكستان أكثر في ظل التطوُّر العسكري والتقني الكبير للجيش الصيني طيلة العقد الماضي. وتُعد الصين الآن مصدر السلاح الأول لباكستان، حيث بلغت هيمنتها على الواردات العسكرية الباكستانية أكثر من 80% بين عامي 2019-2023.

لم تكُن علاقات إسلام آباد مع بكين مثار خلاف كبير مع الولايات المتحدة في الماضي، لا سيَّما مع انفتاح واشنطن على بكين في السبعينيات أثناء إدارة نيكسون، وكذلك بعد تلاشي الخطر السوفياتي وخلال سنوات الحرب على الإرهاب. لكن التفات واشنطن المتزايد إلى ثقل الصين العسكري والاقتصادي فرض على باكستان معادلة جديدة فيها تنافر واضح بين أهم شراكتيْن ورثتهما من القرن العشرين. وقد كانت تلك التغيُّرات في الوضع الإستراتيجي لباكستان بمنزلة خبر سعيد لإيران، صاحبة العلاقات الجيدة مع الصين، والخصومة التاريخية مع الولايات المتحدة.

طائرة باك جي إف 17 ثندر (PAC JF-17 Thunder) القتالية متعددة المهام، وهي طائرة صينية باكستانية الصنع (غيتي) الحرب على إيران.. آصف يتضامن ومنير يحاول إثناء ترامب

في التاسع عشر من يونيو/حزيران من هذا العام، وبينما انصبَّت أنظار العالم على الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمعرفة قراره النهائي بشأن الانضمام للحرب الإسرائيلية على إيران، حلَّ رئيس الأركان الباكستاني عاصم منير ضيفا على العاصمة واشنطن، في زيارة هي الأولى من نوعها لقيادة عسكرية باكستانية إلى البيت الأبيض منذ عام 2001.

سرت التكهُّنات بأن الأمر مرتبط بالحرب على إيران، وأن عودة الاهتمام بباكستان من طرف الرئيس الذي همَّشها ابتداء يعني أن الولايات المتحدة تريد أن تستعيد شراكتها مع إسلام آباد بصورة ما، أما فحوى الزيارة فلم يظهر إلا في اليوم التالي، حين تحدَّث ترامب قائلا: "إن الباكستانيين يعرفون إيران جيدا جدا، يعرفونها أكثر من معظمنا، وهم ليسوا سعداء بأيٍّ مما يجري".

على مدار ساعتين، تحدَّث عاصم منير مع ترامب حول خطورة انهيار النظام الإيراني، وما يُمكن أن يخلفه ذلك على بلوشستان بالتحديد، بما يشمل انتشار الجماعات المُسلَّحة التي يمكن أن تستغل انهيار النظام في طهران، وعلى رأسها جيش العدل الذي تُصنِّفه واشنطن جماعة إرهابية.

من جهته، لم يتأخر جيش العدل في إعلان نِيّاته، فبعد بدء التصعيد بثلاثة أيام، أصدر بيانا دعا فيه "شعب بلوشستان" إلى الانضمام إلى نضاله المُسلَّح ضد النظام الإيراني، دون توضيح أي بلوشستان بالتحديد، وإن كان ثمَّة فرق كبير بين المنطلقات الأيديولوجية لجيش العدل والمتمردين البلوش في باكستان تحول دون تحالفهما.

لا شك أن التحذير من تنامي نشاط المسلحين الإسلاميين يضغط على وتر حساس لدى واشنطن، التي أخفق غزوها لكلٍّ من العراق وأفغانستان في تحقيق أهدافه، بل وفتح الباب أمام جماعات مسلحة لا حصر لها، ولا تزال تعمل على مواجهتها بالتعاون مع باكستان، وهو تعاون أمني تجدَّد على خلفية نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) فرع خراسان، وكذلك حركة "تحريك طالبان باكستان" التي تُنفِّذ عمليات داخل باكستان، وتسبب في إثارة التوترات بين كابول وإسلام آباد.

أعرب رئيس الأركان الباكستاني أيضا عن مخاوفه من أن تتحوَّل عملية ضرب المشروع النووي الإيراني إلى سابقة سيئة يُمكن أن تُحفِّز الحروب النووية في المنطقة. ورغم أن إسرائيل لا تُعلِّق على المشروع النووي الباكستاني، فإن مؤسساتها العسكرية والاستخبارية لطالما نظرت إليه بتحفُّظ كبير.

وكانت إسرائيل قد عرضت على الهند في الثمانينيات عملية جوية لقصف المفاعلات النووية الباكستانية قبل أن تنجح إسلام آباد في تجربة سلاح نووي، وذلك باستخدام طائرات إسرائيلية تنطلق من قواعد هندية، لكن حكومة إنديرا غاندي التي أبدت حماسا للفكرة تراجعت عنها، ثم رفضها نهائيا ابنها راجيف غاندي.

بالتوازي مع زيارة منير، كان الموقف السياسي والرسمي لباكستان قد لفت الأنظار باصطفاف صريح مع إيران، فقد صرَّح وزير الدفاع خواجة محمد آصف في جلسة للبرلمان الباكستاني قائلا إن "إسرائيل استهدفت إيران واليمن وفلسطين. وإذا لم تتحد الدول الإسلامية الآن، فإن كلًّا منها سيشهد المصير نفسه".

وفي جلسة طارئة بمجلس الأمن، طالب عاصم افتخار، مندوب باكستان لدى الأمم المتحدة، بالدعم الكامل للشعب الإيراني، وقال: "إن العدوان الإسرائيلي خطر على المنطقة كلها، وإن باكستان تقف في تضامن حازم مع شعب إيران الشقيق، وتقدم تعازيها لضحايا تلك الهجمات البشعة". وقد غرَّدت البعثة الدائمة لباكستان لدى الأمم المتحدة على موقع "إكس" قائلة إن لإيران الحق في الدفاع عن نفسها.

 

إسلام آباد والاستعداد لكل السيناريوهات

وفيما يبدو، لا تزال باكستان مهتمة بعلاقاتها مع واشنطن، وراغبة في الحفاظ على شراكة قديمة تجذب الكثيرين داخل المؤسسة العسكرية.

وكذلك لأن حاجة واشنطن إلى باكستان، التي يُمكن أن تتجدَّد بسبب الحرب على إيران، تعني أن باكستان ستجمع بين تحالف وثيق في جنوب آسيا مع الصين، وآخر مع واشنطن في الشرق الأوسط، وهو أمر يُسهِّله وجود عاصم منير على رأس الجيش الباكستاني، الشخصية الصاعدة مؤخرا على الساحة في البلاد بعد إقصاء عمران خان، الذي يُكِن له عداء شخصيا وسياسيا كبيرا، حيث ينحاز منير إلى نُسخة من القومية الإسلامية التقليدية تحت سيطرة الدولة والجيش، ويعمل على تطويق حركة "تحريك إنصاف" التي يقودها عمران خان، المسجون حاليا، التي لم تمتلك علاقات جيدة مع الولايات المتحدة أو الخليج.

تعلم إسلام آباد أيضا أن قَصْر اعتمادها التجاري والاقتصادي على الصين قرار غير حكيم، ومن ثمَّ فإن التنويع بين الاستثمارات الصينية واستثمارات الأميركيين تبدو وصفة مُمتازة للاقتصاد الباكستاني في قادم السنوات.

في المقابل، تُدرك واشنطن أن تجاهل باكستان بالكامل يعني منح أعدائها في المنطقة ظهيرا إضافيا، ومن ثمَّ يقول مُحللون أميركيون إن واشنطن يجب أن تهتم بالاستثمار هناك، حتى لو كانت استعادة الشراكة الوطيدة السابقة أمرا صعبا في ضوء الأولويات الأميركية. وفي أدنى الأحوال فإن ذلك سيمنع باكستان من أن تتحوَّل إلى حليف كامل لدول مثل إيران وكوريا الشمالية في آسيا حتى لو لم يؤثر بشكل كبير على علاقاتها مع بكين.

على الجهة المُقابلة، تجد الهند نفسها في موقف صعب حيال التصعيد الأخير، إذ إنها عادة ما امتلكت علاقات قوية مع إيران. مثلا، تعمل الهند منذ سنوات على تدشين مشروع ميناء تشابهار الإيراني، وهو لا يهدف فقط إلى منافسة ميناء غوادر الصيني المجاور في باكستان، وإنما إلى إنشاء ممر اقتصادي يربط الهند بأفغانستان وآسيا الوسطى، وهي منطقة مهمة تبحث عن سبيل إليها في ظل حيلولة كشمير الباكستانية دون امتلاكها صلة مباشرة هناك.

وقد وقَّعت الهند عقدا لمدة عشر سنوات لتطوير الميناء، مستفيدة من إعفاء مشروعها من العقوبات الأميركية على إيران، الذي كانت واشنطن قد أصدرته عام 2018، لكن إدارة ترامب أوقفت الاستثناء في إطار سياسة الضغط على إيران.

من جهة أخرى، ونتيجة علاقاتها الوثيقة بواشنطن وتل أبيب، نأت الهند بنفسها عن تبني بيان التنديد بالضربات الإسرائيلية الذي أصدرته منظمة شانغهاي للتعاون يوم 14 يونيو/حزيران الماضي، بحضور الصين وروسيا وباكستان وبيلاروسيا ودول آسيا الوسطى الخمس.

وصرَّحت دلهي بعد اجتماع المنظمة أنها لم تحضر المناقشات بخصوص البيان، وأن موقفها من الأزمة واضح في بيان وزارتها للخارجية الذي صدر قبلها بيوم، وعدُّه كثيرون محاولة لتجنُّب اتخاذ موقف صريح، حيث جاء فيه: "إننا نراقب الوضع عن كثب، ونعمل لنزع فتيل التصعيد، والهند تتمتَّع بعلاقة ودية ووطيدة مع البلديْن".

وفي اليوم السابق لبيان منظمة شانغهاي، كانت الهند قد امتنعت عن التصويت على مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بوقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط في قطاع غزة.

في ظل حرية حركة أوسع بعيدا عن الاعتماد الأوحد على التحالف الأميركي السابق، تحاول باكستان استغلال مأزق الهند لتقويض علاقات الأخيرة الجيدة بإيران. وتأمل إسلام آباد أن تنجح في تدشين شراكة أعمق باتت مُمكنة أكثر من أي وقت مضى مع طهران، وإن كانت العقوبات الأميركية تُهدِّدها هي الأخرى، مثلما حدث عام 2013، حين توقَّفت إسلام آباد عن الوفاء بالتزاماتها حيال مشروع خط غاز اتفق عليه البلدان عام 2010.

في هذا السياق، يُمكن فهم الموقف الباكستاني الأخير، الذي اصطف مع إيران، وإنْ لم يُقدِّم أي دعم مادي ملموس على الأرض، ودون أن يلغي من خياراته احتمالية قد تضطره مستقبلا حين يتوسع النزاع. من جهة، يُمثل سقوط النظام الإيراني عبئا على باكستان، بسبب الفوضى التي يُمكن أن يُحدثها، خاصة في ظل اختراق إسرائيلي وأميركي لبعض الحركات البلوشية الإيرانية يُمكن أن يتعزز بتعاون مع الهند ليشمل بلوشستان الباكستانية، المحورية الآن لممر الصين-باكستان الاقتصادي.

يبدو أن إسلام آباد منحازة إذن إلى الحفاظ على النظام الإيراني والعلاقة التي تشكَّلت معه على مر السنين، مهما كانت طبيعة التوتُّر الذي تخلَّلها من حين إلى آخر، كما يبدو أنها حريصة على إبقاء جميع خياراتها مفتوحة في ظل معركة تراجعت مؤشراتها حاليا، بعد وقف اطلاق النار، وعلى الصعيد الداخلي، يخدم الدعم الإعلامي لإيران شرعية النظام أمام الرأي العام الباكستاني المناهض لإسرائيل، وبالتحديد الأقلية الشيعية المتعاطفة مع النظام الإيراني، خصوصا في ظل غضب لدى قطاع من الشعب من إسقاط حكومة عمران خان ومن الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

في الأخير، ثمة تداخل ثقافي ومذهبي وسياسي بين البلديْن يُشكِّل عبئا في لحظات الاضطراب، ورصيدا مُهِما في حال تعميق العلاقات، علاوة على كونه سقفا يَحول دون العداء الصريح بين إيران وباكستان. أما التحالف الإستراتيجي والعسكري الكامل الذي روَّجت له بعض المنصات الإعلامية، فبعيد المنال، ما لم تشهد الحسابات الإقليمية والدولية لباكستان منعطفات جذرية تدفعها إلى إعادة التفكير في الأمر بعد أن تضع الحرب أوزارها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أبعاد مع الولایات المتحدة ت الولایات المتحدة بین إیران وباکستان النظام الإیرانی الرئیس الإیرانی تنظیم جیش العدل تحریر بلوشستان رئیس الوزراء فی أفغانستان ت إسلام آباد بین البلدی ن ملیار دولار أبریل نیسان ملیون دولار فی باکستان باکستان فی باکستان من عاصم منیر ت باکستان فی العراق جیش تحریر الحرب على ضیاء الحق على إیران عمران خان بین عامی فی إیران فی العام مع إیران ی مکن أن أکثر من الذی ت الذی ی فی حین دون أن ومن ثم التی ت التی ی

إقرأ أيضاً:

كيف أخفقت إسرائيل في منع تحول باكستان إلى دولة نووية؟

سلط تقرير لـ"ميدل إيست آي" الضوء على ظروف تمكن باكستان من التحول إلى دولة نووية، والإخفاقات التي منيت بها "إسرائيل" لإحباط هذا المشروع الاستراتيجي الأول والوحيد بين الدول الإسلامية.

ولفت التقرير الذي أعده "عمران ملا" إلى الخطط العملية الجريئة التي أدارها العالم النووي الباكستاني، عبد القدير خان في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي لبناء قنبلة نووية في إسلام آباد بالرغم من الاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية.

وذكّر التقرير بالجهود الكبيرة التي بذلت لتخريب البرنامج، بما في ذلك سلسلة من محاولات الاغتيال، كان يقف خلفها جهاز المخابرات الإسرائيلي، "الموساد".


تاليا نص التقرير:
كان جورج تينيت، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السي آي إيه) يقول عنه إنه "لا يقل خطورة عن أسامة بن لادن" بينما أعرب شابتاي شافيت، المدير السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد، عن أسفه لأنه لم يقتله.

ولكن بالنسبة لما يقرب من مئتين وخمسين مليون باكستاني يعتبر عبد القادر خان، عراب برنامج باكستان النووي، أسطورة وبطلاً قومياً.

كان هذا العالم النووي، الذي ولد في عام 1936 وتوفي في عام 2021 عن خمسة وثمانين عاماً، مسؤولاً أكثر من أي شخص آخر عن تطوير القنبلة النووية لهذا البلد الواقع في جنوب آسيا.

ولقد أدار شبكة دولية معقدة وسرية لمساعدة إيران وليبيا وكوريا الشمالية في برامجها النووية.
أحد هذه البلدان، كوريا الشمالية، انتهى به الأمر إلى الحصول على شعار الوضع العسكري المنشود.

ثمة مزاعم بأن إسرائيل – والتي هي نفسها قوة نووية، رغم أنها لا تقر بذلك – مارست محاولات الاغتيال ولجأت إلى التهديد في مساعيها للحيلولة دون تحول باكستان إلى قوة نووية.

بل لقد وضعت إسرائيل خطة في الثمانينيات لقصف الموقع النووي الباكستاني بمساعدة هندية – ولكن ما لبثت الحكومة الهندية أن تراجعت أخيراً عن ذلك المخطط.

كان إيه كيو خان، كما يتذكره عامة الباكستانيين، يؤمن بأنه من خلال بناء قنبلة نووية أنقذ بلده من المخاطر الخارجية، وبشكل خاص من تهديدات الهند، البلد المجاور المسلح نووياً.
وهذا ما يراه اليوم كثير من المواطنين الباكستانيين.

"لماذا لا يكون هناك قنبلة إسلامية؟"
قررت باكستان بناء قنبلة نووية للمرة الأولى بعد أن فعلت ذلك جارتها الأكبر. ففي الثامن عشر من مايو / أيار من عام 1974 اختبرت الهند أول سلاح نووي لها، والذي أطلقت عليه اسم "بوذا المبتسم".

تعهد حينها رئيس وزراء باكستان ذو الفقار علي بوتو مباشرة بتطوير أسلحة نووية لبلاده. وقال في ذلك: "سوف نأكل العشب وأوراق الشجر، بل ولسوف نجوع، ولكننا سوف نحصل على واحدة خاصة بنا."

ثم أعلن: "هناك قنبلة مسيحية، وقنبلة يهودية، وقنبلة هندوسية. فلماذا لا يكون هناك قنبلة إسلامية؟"

ولد عبد القدير خان في عهد الحكم البريطاني لشبه القارة الهندية، وأكمل دراسته وحصل على شهادة جامعية في العلوم من جامعة كراتشي في عام 1960، قبل أن ينتقل إلى برلين ليتخصص هناك في علم المعادن. كما ذهب أيضاً إلى هولندا وبلجيكا للدراسة فيهما.

بحلول عام 1974 كان عبد القدير خان يعمل في أمستردام مع أحد المقاولين الذين يعملون لصالح شركة كبرى اسمها يورينكو متخصصة في إنتاج الوقود النووي.

كانت الشركة تقوم بتزويد المفاعلات النووية الأوروبية بوقود نووي من اليورانيوم المخصب.

خلال تلك الفترة تمكن عبد القدير خان من الوصول إلى أماكن بالغة السرية في المرافق التابعة لشركة يورينكو كما اطلع على مخططات تصاميم سرية لأرقى أجهزة الطرد المركزي في العالم، والتي تستخدم لتخصيب اليورانيوم الطبيعي وتحويله إلى وقود يستخدم في صناعة القنبلة النووية.

ثم في شهر يناير من عام 1976 اتخذ قراراً مفاجئاً وغامضاً بمغادرة هولندا. وأعلن حينها إنه حصل على عرض في باكستان لا يمكنه أن يرفضه".

فيما بعد اتهم عبد القدير خان بسرقة مخططات وتصاميم من هولندا لبناء أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم، والتي بإمكانها تحويل اليورانيوم إلى وقود للسلاح النووي.

في شهر يوليو / تموز من ذلك العام أنشأ مختبراً للأبحاث في روالبندي لإنتاج اليورانيوم المخصب المستخدم في الأسلحة النووية.

مضت العملية بشكل سري لبضع سنين، كانت شركات زائفة تقوم خلالها باستيراد القطع التي يحتاجها عبد القدير خان لبناء برنامج التخصيب، وذلك تحت غطاء أن القطع المستوردة كانت ستستخدم في مصنع جديد للمنسوجات.

بينما تشير الأدلة الدامغة إلى أن الجيش الباكستاني كان يدعم عبد القدير خان في عمله، يعتقد بأن الحكومات المدنية كانت بشكل عام في معزل عما يجري، فيما عدا رئيس الوزراء ذي الفقار علي بوتو (الذي كان أول من اقترح المبادرة).

حتى رئيسة الوزراء الراحلة، بناظير بوتو، وهي ابنة ذو الفقار علي بوتو، لم يكن جنرالاتها يقولون لها شيئاً عن البرنامج التكنولوجي النووي المشترك مع إيران.

ولم تعرف عنه إلا صدفة في عام 1989 – في طهران.

وذلك حين سألها الرئيس الإيراني رفسنجاني ما إذا كان بإمكانهما إعادة التأكيد على اتفاق البلدين بشأن "الأمور الدفاعية الخاصة".

ردت بوتو عليه بارتباك متسائلة: "ما الذي تتحدث عنه بالضبط، السيد الرئيس؟"

فأجاب الرئيس الإيراني: "التكنولوجيا النووية، السيدة رئيسة الوزراء، إنها التكنولوجيا النووية." الأمر الذي صدم بوتو.

محاولات الاغتيال والتهديدات
في شهر يونيو / حزيران من عام 1979، كشفت مجلة الأيام الثمانية عن العملية، مما أثار صخباً دولياً، واحتجت حينها إسرائيل لدى الهولنديين، الذين أمروا بإجراء تحقيق.

وفي عام 1983 أدانت محكمة هولندية عبد القدير خان بمحاولة التجسس (ثم ما لبث حكم الإدانة بحقه أن أسقط لأسباب فنية). ولكن العمل في البرنامج النووي مضى قدماً.

بحلول عام 1986، غدا عبد القدير خان واثقاً من قدرة باكستان على إنتاج أسلحة نووية.

كان محفزه إلى حد كبير عقائدياً، فقد قال: "أريد أن أطعن في سلوك الأمريكيين والبريطانيين الذين يعتبرون أنفسهم أقدس من غيرهم."

وأضاف: "هل أولاد الحرام هؤلاء عينهم الله أوصياء على العالم."

بُذلت جهود كبيرة لتخريب البرنامج، بما في ذلك سلسلة من محاولات الاغتيال، يفهم على نطاق واسع أنها كانت من فعل جهاز المخابرات الإسرائيلي، الموساد.

كما وجد مدراء الشركات الأوروبية التي تعاملت مع خان أنفسهم رهن الاستهداف. أرسل طرد مفخخ إلى أحدهم في ألمانيا الغربية – نجا هو من التفجير، ولكن كلبه قضى نحبه.

كما استهدفت قنبلة أخرى مديراً كبيراً في شركة كورا الهندسية، وهي شركة سويسرية، كانت تعمل مع باكستان في برنامجها النووي.

يقول المؤرخون، بما في ذلك أدريان ليفي وكاثرين سكوت كلارك وأدريان هاني، إن الموساد استخدم التهديدات ومحاولات الاغتيال في الحملة التي فشلت في منع الباكستانيين من صنع القنبلة.

في تصريح للشرطة الفيدرالية السويسرية، قال مالك إحدى الشركات، واسمه سيغفريد شيرتلر، إن عملاء الموساد اتصلوا هاتفياً مراراً وتكراراً به وبرجال المبيعات العاملين لديه.

وقال إن موظفاً في السفارة الإسرائيلية، رجل اسمه ديفيد، في ألمانيا تواصل معه، وقال له إن عليه أن يوقف "هذه الأعمال" المتعلقة بالأسلحة النووية.

بحسب ما يقوله فيروز خان، المسؤول السابق في برنامج باكستان لإنتاج الأسلحة النووية فإن الإسرائيليين "لا يريدون أن يمتلك بلد مسلم القنبلة النووية."

في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي اقترحت إسرائيل على الهند أن يتعاون البلدان في قصف وتدمير المرافق النووية الباكستانية في كاهوتا داخل محافظة روالبندي الباكستانية.

وافقت رئيسة الوزراء الهندية أنديرا غاندي على الضربة.

تم وضع خطة تقضي بأن تنطلق طائرات إف 16 وطائرات إف 15 الإسرائيلية من قاعدة جامنغار في إقليم غوجارات الهندي لتشن ضربات على المرافق الباكستانية.

ولكن أنديرا غاندي تراجعت بعد ذلك ووضعت الخطة على الرف.

وفي عام 1987، عندما كان ابنها راجيف غاندي هو رئيس الوزراء، حاول رئيس الجيش الهندي الفريق كريشناسوامي سوندرجي إشعال حرب مع باكستان حتى تتمكن الهند من قصف المعامل النووي في كاهوتا.

قام بإرسال نصف مليون جندي إلى الحدود مع باكستان لإجراء مناورات عسكرية، ترافقهم مئات الدبابات والعربات المصفحة – فيما اعتبر عملاً استفزازياً غير عادي.

ولكن هذه المحاولة لإشعال فتيل الحرب لم تنجح بعد أن أمر رئيس الوزراء، الذي لم يكن قد أحيط علماً بخطة سوندرجي، بتخفيف التصعيد مع الباكستان.

على الرغم من المعارضة الهندية والإسرائيلية، مدت الولايات المتحدة والصين كلاهما سراً يد العون إلى الباكستان. زودت الصين الباكستان باليورانيوم المخصب وكذلك بالتريتيوم، وحتى بالعلماء.

جاءت المساعدة الأمريكية لأن الباكستان كان حليفاً مهماً في الحرب الباردة.

قطع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر المساعدات عن باكستان في إبريل / نيسان من عام 1979 رداً على افتضاح أمر البرنامج النووي الباكستاني، ثم تراجع عن قراره بعد شهور من ذلك عندما غزا الاتحاد السوفياتي أفغانستان. وذلك أن الولايات المتحدة كانت بحاجة إلى باكستان المجاورة.

وفي الثمانينيات قدمت الولايات المتحدة سراً تدريباً فنياً لعلماء النووي الباكستانيين وغضت الطرف عن البرنامج.

ولكن تغير كل شيء مع انتهاء الحرب الباردة.

ففي أكتوبر / تشرين الأول من عام 1990 علقت الولايات المتحدة المساعدات الاقتصادية والعسكرية للباكستان احتجاجاً على برنامجها النووي. حينها قالت الباكستان إنها سوف تتوقف عن تطوير الأسلحة النووية.

فيما بعد كشف عبد القدير خان عن أن إنتاج اليورانيوم المخصب بدرجة عالية استمر سراً.

القوة النووية السابعة
في الحادي عشر من مايو / أيار من عام 1998 أجرت الهند اختباراً على رؤوسها النووية. ثم في وقت لاحق من نفس ذلك الشهر أجرت الباكستان بعد ذلك اختبارها هي بنجاح في صحراء بلوشستان. فما كان من الولايات المتحدة إلا أن ردت على ذلك بفرض عقوبات على الهند والباكستان.

وبذلك أصبحت الباكستان القوة النووية السابعة في العالم.

وغدا عبد القدير خان بطلاً قومياً. كان يتنقل في مواكب من السيارات لا تقل حجماً عن تلك التي يتنقل فيها رئيس الوزراء، ووفرت له حراسة من قبل الجيش يقوم عليها المغاوير.

وأطلق اسمه على الشوارع وعلى المدارس وعلى العديد من فرق لعبة الكريكيت. ولم يكن يعرف عنه التواضع في ذكر إنجازاته.

وكان قد أعلن عبر شاشة التلفزيون الوطني قائلاً: "من الذي صنع القنبلة النووية؟ أنا الذي صنعتها. من الذي صنع الصواريخ؟ أنا الذي صنعتها لكم."

ولكن عبد القدير خان قام بتنظيم عملية أخرى في غاية الجرأة.

فقد راح منذ منتصف الثمانينيات يدير شبكة نووية دولية، هي التي أوصلت التكنلوجيا والتصاميم إلى إيران وكوريا الشمالية وليبيا.

كان يطلب ضعف عدد القطع التي يحتاج إليها البرنامج النووي الباكستاني ثم يقوم سراً ببيع الفائض منها.

في الثمانينيات تواصلت الحكومة الإيرانية مع دكتاتور باكستان العسكري الجنرال ضياء الحق، وذلك على الرغم من اعتراض أية الله الخميني على القنبلة باعتبار أنها محرمة إسلامياً، وطلبت منه المساعدة.

ما بين عام 1986 وعام 2001 أعطت باكستان لإيران قطعاً أساسية لابد منها لصناعة القنبلة، رغم أن هذه كانت في العادة مستعملة – حيث كان عبد القدير خان يخص باكستان بالتكنولوجيا الأكثر تقدماً.

طوال الثمانينيات والتسعينيات ظل الموساد يراقب عبد القدير خان في سفرياته حول الشرق الأوسط، ولكنه أخفق في فهم ما الذي كان يفعله هذا العالم في رحلاته تلك.

فيما بعد قال رئيس الموساد شافيت إنه لو كان يدرك نوايا عبد القدير خان لربما اتخذ قراراً باغتياله "من أجل تغيير مسار التاريخ."

القذافي يفضح العملية
في نهاية المطاف كشف دكتاتور ليبيا معمر القذافي ستر العملية في عام 2003 بينما كان يسعى لكسب دعم الولايات المتحدة.

كشف القذافي للمخابرات الأمريكية السي آي إيه وللمخابرات البريطانية إم آي 6 عن أن عبد القدير خان كان يعمل في إنشاء مواقع نووية لحكومته – كان بعضها متنكراً على شكل مزارع دجاج.

ضبطت المخابرات الأمريكية آليات كانت متجهة إلى ليبيا أثناء تهريبها عبر قناة السويس. وجد المحققون مخططات أسلحة داخل أكياس تعود إلى محل تنظيف ملابس في إسلام آباد.

عندما افتضح أمر العملية هال ذلك الأمريكان.

في تصريح لصحيفة ذي نيويورك تايمز، قال أحد كبار المسؤولين الأمريكيين: "لقد كان تحولاً مذهلاً عندما تفكر في الأمر. إنه شيء لم نر مثله من قبل. في البداية يستغل عبد القدير خان سوقاً مقسمة ويطور ترسانة نووية متقدمة للغاية. ثم يلقي بمفتاح التشغيل، ويعكس اتجاه الانسياب، ويبحث عن طريقة لبيع العدة كاملة، انتهاء بتصاميم القنبلة، لبعض أسوأ الحكومات في العالم."

في عام 2004 اعترف عبد القدير خان بإدارته لشبكة نشر التقنيات النووية، قائلاً إنه زود إيران وليبيا وكوريا الشمالية بالتكنولوجية النووية.

ظهر على شاشة التلفزيون في شهر فبراير / شباط من ذلك العام وأصر على أنه تصرف بشكل فردي، بدون دعم من الحكومة الباكستانية، والتي سارعت بعد ذلك إلى إصدار عفو عنه.

وصفه الرئيس مشرف بعبارة "إنه بطلي". ولكن يقال إنه تحت وطأة الضغط الأمريكي وضع عبد القدير خان فعلياً تحت الإقامة الجبرية في منزله في إسلام آباد حتى عام 2009.

فيما بعد قال عبد القدير خان: "لقد أنقذت البلد للمرة الأولى عندما جعلت من باكستان أمة نووية ثم أنقذتها تارة أخرى عندما اعترفت وتحملت الوزر منفرداً."

تم تشخيص إصابته بسرطان البروستات، ولكنه تعافى بعد أن أجريت له عملية جراحية.

بما أويته من ثراء ضخم، أمضى عبد القدير خان سنين عمره الأخيرة وهم يطعم القردة بعد أن مول إنشاء مركز اجتماعي في إسلام آباد.

من كانوا يعرفونه يقولون إن عبد القدير خان كان يؤمن بأن ما فعله كان هو الصواب.

لقد أراد أن يواجه الغرب ويتحداه، وأن يوفر التكنولوجيا النووية للبلدان غير الغربية، وخاصة المسلمة منها.

يقول أحد معارفه، والذي لم يرغب في الكشف عن هويته: "وكان يقول أيضاً إن منح التكنولوجيا لبلد مسلم ليس جريمة".

توفي عبد القدير خان بسبب الإصابة بكوفيد في عام 2021، ولقد أشاد به رئيس وزراء باكستان في حينه عمران خان باعتباره "أيقونة وطنية".

وهكذا يتذكره عموم الناس في باكستان اليوم.

كان هذا العالم النووي قد أعلن في عام 2019 إنه: "على الأمة أن تستيقن بأن باكستان قوة ذرية آمنة. ليس بإمكان أحد أن يرمقها بعين الشر."

مقالات مشابهة

  • الصين تمدد قروضا تجارية بقيمة 3.4 مليارات دولار لباكستان
  • إصابات وانهيار منازل.. زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب جنوب باكستان
  • فيضانات وانهيارات أرضية وزلازل تدمر المنازل وتودي بحياة عدد من الأشخاص في باكستان
  • كيف أخفقت إسرائيل في منع تحول باكستان إلى دولة نووية؟
  • زلزال بقوة 5.5 ريختر يضرب وسط باكستان
  • زلزال بقوة 5.5 درجة يهز باكستان
  • نيودلهي ترفض اتهامات إسلام آباد بشأن تفجير وزيرستان وتصفها بـ«الادعاءات الزائفة»
  • الأمم المتحدة: نحو 1.2 مليون أفغاني عادوا لبلادهم من إيران وباكستان جراء الحرب والترحيل
  • هجوم انتحاري يقتل 16 جنديًا في باكستان