ديكور فيلم هندي في بغداد
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
آخر تحديث: 15 يناير 2024 - 9:43 صبقلم :كرم نعمة لو تسنى للمعماريين العراقيين الكبار الذين بقوا يحرصون على ترك لمساتهم على مباني وبيوت العراقيين، أن يسنح لهم التاريخ الذي “لا يكرر نفسه” مشاهدة الرثاثة التصميمية السائدة في البلاد اليوم، ماذا بوسعهم أن يفعلوا؟هل يكفي ذرف الدموع كردة فعل على فساد الذائقة البصرية، مثلما نسد أنوفنا من الرائحة الكريهة؟أشك بذلك، فالتصاميم المنتشرة حالياً في المدن العراقية للمنازل والمباني أشبه بديكور فيلم هندي تتقاطع فيه الألوان الصارخة، فيما تنعدم الوظيفة لواجهات جمالية في بيوت لا تعبر إلا عن ذائقة أصحابها من الطبقة الأوليغارشية المختطفة للبلاد، بعد أن تريّفت بغداد وتراجعت مدَنيّتها.
التصاميم المعمارية الجديدة، تعبر بامتياز عن الانهيار الثقافي والاجتماعي السائد وتراجع الذائقة البصرية في البلاد كمعادل للانهيار السياسي. فقد تشتت المعمارية في البناء العراقي، وفقدت خصوصيتها ويمكن أن نجد ذلك في التصميم المتطفل على خصوصية المعمار الموصلي، بتواطؤ من اليونسكو عندما اختارت تصميماً لجامع النوري يفتقد إلى الخصوصية المعمارية العراقية.أما تصاميم البيوت العراقية المشيدة حديثاً، فتكفل بها “جيل معماري” هو نتاج الرثاثة السائدة، فتراجع مفهوم البيت الذي ينحى لعوامل المفاجأة ويخلق الاستمرارية، ولهذا فدون البيت يصبح الإنسان مفتتاً حسب تعريف غاستون باشلار، إنه -البيت- يحفظه عبر عواصف السماء وأهوال الأرض، يمكن أن نجد ذلك مجسداً في مئات الأحياء العشوائية وبيوت الصفيح والطين المنتشرة في المدن العراقية. بينما التصاميم الشاذة للبيوت الجديدة، أشبه بموسيقى صاخبة مزعجة تنتشر في الطرقات، فمثلما لا يكفي سد الآذان لتجنب سماعها، لا يكفي إغلاق العيون للمحافظة على الذائقة البصرية للمواطن العراقي. البيت المسروق من أهله هنا هو التعبير المصغر للوطن المختطف، عندما لا يكون لك بيت صغير فبالضرورة لا يمكن أن تنتمي للوطن، مقابل ذلك تجد من يشوهون البيت في محاولة لإضفاء مشروعية ملفقة لوجودهم في بيوت ضخمة، لكنها جوفاء في شكلها الخارجي وألوانها الفاقعة الخارجة من رحم لا يمت بصلة لما يحيط بها في البيئة.تسنى لي أن أتابع على مضض منذ اطلاعي على التصميم المقترح لجامع النوري المحطم في الموصل من قبل فريق تصميم مصري بتواطؤ مخزي من اليونسكو، المعمارية المحدثة في العراق، فثمة الكثير من العروض وثمة الكثير من المجموعات الهندسية الشابة التي تدافع عن الذائقة البصرية وتعرض لمجزرة التشويه في صور لبيوت جديدة تصيب العين الإنسانية بالتوتر. فالمعمار المشوه هو أحد امتدادات التشويه المتعمد لما يجري في العراق منذ عقدين، انهارت لغة الحكي العراقي وتحولت إلى لهجة محطمة بذيئة بلا جذور، سقطت القيم، ساد الفساد وأصبح ميزة لدى الأشخاص، انكسر الفن وتحولت الموسيقى إلى نغمة واحدة مكررة لدى الجميع مستمدة من التخلف والهيجان العشائري والطائفي، وهكذا غابت الذائقة البصرية لمن يصممون واجهات البيوت ومداخلها في العراق.رسم صورة مبالغ فيها حد الفجاجة اللونية للبيت يفقده الألفة والوظيفة التاريخية التي وجدت له منذ أول بيت في التاريخ، لكنه بالمقابل يكشف أبهة المال الفجة وغرور الاستعراض المتغطرس، وهذا أمر قد يميز أصحابه من وضيعي المعرفة وأثرياء المال المسروق. بيد أن سقوط المصمم المعماري في فخ تلك الفجاجة يصنف كجريمة بصرية، ولسوء حظ عيوننا لا يحاسب عليها القانون، قبلها علينا أن نسأل إذا كان ثمة قانون ثقافي أصلا في العراق الحالي!هؤلاء كمن يرتدي الملابس المفرطة في بريقها اللامع للتعبير عن أنفسهم. ومهما غلا ثمن هذه الملابس فهي لا تخفي دواخلهم الخاوية، تماماً كبيوتهم الجديدة الطارئة على تاريخ الذائقة العراقية.فالبيوت فاسدة الوظيفة ومشوهة التصميم كالأغاني الفجة والمراثي الوضيعة وكالسياسيين الأميين وكالفضائيات بخطابها الرث وحثالتها الطائفية. بيوت اليوم في الكرادة والمنصور… أشبه بديكور فيلم هندي مقحم على بغداد!
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: فی العراق
إقرأ أيضاً:
العراق ولبنان يؤكدان على تعزيز العلاقات بين البلدين
آخر تحديث: 1 يونيو 2025 - 2:08 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- ذكرت الدائرة الإعلامية لرئاسة الجمهورية في بيان،الأحد، أن “رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد أستقبل في قصر بغداد، رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون والوفد المرافق له”.وأضاف البيان، أن “رئيس الجمهورية عقد لقاءً ثنائياً مع نظيره اللبناني، رحب من خلاله بالرئيس الضيف”، مؤكدا “متانة العلاقات الثنائية بين العراق ولبنان والحرص على تطويرها وتنميتها، وأهمية تعزيز التعاون والتبادل التجاري في مختلف المجالات”.واشار البيان الى، أنه “جرى استعراض الأوضاع في لبنان والمنطقة، مع التأكيد على ضرورة بذل المزيد من الجهود الدولية لتخفيف حدة التوترات والركون إلى التهدئة والحوار البنّاء لتحقيق السلام والاستقرار إقليميا ودوليا، كما تم بحث الأوضاع في فلسطين وغزة، حيث أكد الرئيسان أهمية مواصلة دعم وإسناد الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة، وجدد الرئيسان دعمهما لوحدة سوريا واستقرارها والحفاظ على سيادتها وأمنها”.وأوضح البيان، أنه “عُقد بعد ذلك اجتماع موسع بين الجانبين بحضور عدد من المسؤولين العراقيين واللبنانيين، حيث أكد رئيس الجمهورية موقف العراق الثابت تجاه لبنان، والذي يقوم على دعم كل ما يحفظ أمنه واستقراره وسيادته ووحدة أراضيه وما يحقق مصلحة شعبه، مشيرا إلى أن العراق وانطلاقا من مقررات قمة بغداد يبذل أقصى الجهود بالتنسيق مع الأشقاء والأصدقاء لدعم الشعب اللبناني الشقيق وبما يسهم في تحقيق تطلعات وآمال اللبنانيين بجميع مكوناتهم”.وأعرب الرئيس عون وفق البيان عن “شكره وامتنانه لمواقف العراق الداعمة للبنان في مختلف المجالات، ودوره في لمّ الشمل وبناء جسور التعاون بين دول المنطقة”، مؤكدا “حرص بلاده على تعزيز العلاقات بين البلدين، وتوطيد التعاون الثنائي وبما يخدم المصالح المشتركة، مستعرضا الأوضاع في لبنان، مؤكدا انتهاج الدولة اللبنانية سياسة واضحة تلتزم الإصلاح في مختلف المجالات، وتقوم على احترام سيادة لبنان واستقراره”.