مخيمات في غزة بلا مراحيض… والاستحمام مرة واحدة منذ بدء الحرب
تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT
#سواليف
في مخيم مستحدث في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، يعيش النازحون الفلسطينيون أوضاعا قاسية أنتجتها الحرب المستمرة لليوم 102، تمثل آخر فصولها بعدم وجود «المراحيض ودورات المياه» مما تضطر أعداد من النازحين لقضاء حاجاتها في «العراء».
يأتي ذلك وسط انتشار النفايات وتراكمها بين خيام النازحين، وفي ظل شح شديد بالمياه سواء اللازمة للنظافة العامة أو الآمنة للشرب.
وجرى رصد صور لتراكم النفايات قرب الخيام التي نصبها النازحون مؤخرا في حي «تل السلطان» غرب رفح، حيث تعد هذه المنطقة آخر محطة لهم كونها تلامس الحدود المصرية.
وسعيا للحصول على المياه النادر توفرها، يقف مئات النازحين في طوابير لتعبئة أوعية بلاستيكية بأحجام صغيرة ومتوسطة بمياه يقولون إنها «غير صالحة للشرب». إلى جانب ذلك، يلفت النازحون في أحاديث منفصلة مع الأناضول، إلى أزمة النظافة التي باتت تتهددهم بتفشي الأمراض والأوبئة، خاصة في ظل عدم وجود «دورات للمياه»
نزوح من منطقة لأخرى
ومر عشرات الآلاف من النازحين الذين وصلوا رفح، بعدد من رحلات النزوح من منطقة لأخرى، فرارا من جحيم الغارات الإسرائيلية العنيفة التي استهدفت مناطق سكنهم ونزوحهم الأولى.
وارتفع عدد المقيمين في مدينة رفح من 300 ألف نسمة، إلى مليون و300 ألف جراء موجات النزوح المتكررة، حسب تصريح سابق لرئيس بلدية المدينة أحمد الصوفي لـ«الأناضول».
فقد قال، الجمعة، إن «البلدية فقدت السيطرة على الخدمات الأساسية خاصة عمليات جمع النفايات ومعالجة وتصريف مياه الصرف الصحي، بسبب الأعداد الهائلة من النازحين واستمرار الحرب الإسرائيلية».
وأوضح أن ظاهرة «مكبات النفايات العشوائية انتشرت بمدينة رفح» مرجعا ذلك إلى «ازدياد كمية النفايات بشكل كبير جدا مع زيادة أعداد النازحين وجراء النقص الحاد في أعداد الآليات اللازمة لتقديم الخدمات وشح في الوقود المخصص لعمليات جمع النفايات».
ورغم أن المساعدات الإنسانية الشحيحة تصل المناطق الجنوبية من قطاع غزة، وأبرزها رفح، فإن واقع النازحين والسكان هناك لم يشهد تحسنا ملحوظا منذ بداية الحرب الإسرائيلية.
ومنذ اندلاع الحرب المدمرة على القطاع في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قطعت إسرائيل إمدادات الماء والغذاء والأدوية والكهرباء والوقود عن سكان غزة، وهم نحو 2.3 مليون فلسطيني يعانون بالأساس أوضاعا متدهورة للغاية.
وسمحت إسرائيل في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بدخول كميات شحيحة من المساعدات الإنسانية إلى القطاع عبر معبر رفح، ضمن هدنة استمرت أسبوع بين الفصائل في غزة وإسرائيل، تم التوصل إليها بوساطة قطرية مصرية أمريكية، تخللتها صفقة تبادل أسرى.
وكان القطاع يستقبل يوميا نحو 600 شاحنة من الاحتياجات الصحية والإنسانية، قبل الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، إلا أن العدد تدنى إلى نحو 100 شاحنة يوميا في أفضل الظروف.
الطفلة نورة شاهين، تقول إنها لم تحظ بفرصة الاستحمام منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية إلا لمرة واحدة فقط. وتضيف أن ذلك يأتي بفعل قلة المياه المتوفرة وموجات النزوح المتكررة التي مرت بها عائلتها.
وتسببت قلة «الاستحمام» بإصابة الطفلة شاهين بأمراض جلدية كانت أبرز أعراضها «الحكة الشديدة في اليدين».
كما أصيبت الطفلة بنزلة معوية، جراء انعدام «مستوى النظافة الشخصية، وتلوث مياه الشرب التي يحصلون عليها». إلى جانب ذلك، تشير الطفلة إلى انعدام وجود المراحيض ودورات المياه في هذا المخيم المستحدث، مضيفة أنها تضطر إلى قضاء حاجتها في «الشارع».
لا يقتصر الوقوف في طابور لفترة زمنية طويلة طلبا للمياه على الرجال والنساء فحسب، إنما يساعد الأطفال ذويهم في ذلك. الطفلة شاهين واحدة من هؤلاء الأطفال النازحين الذين يقفون بدلا عن والديهم في انتظار دورهم لتعبئة «الغالون».
وتوضح أن الكميات التي يحصلون عليها لا تلبي احتياجاتهم في اليوم الواحد، لافتة إلى أنهم لا يحظون بفرصة الحصول على المياه بشكل يومي.
فيما يقول النازح معين أبو هربيد الذي يعيش داخل خيمة من النايلون: «في هذا المخيم هناك اكتظاظ من النازحين الواصلين إليه، حيث تقدر أعدادهم بمئات الآلاف».
وأضاف أن الحصول على المياه الصالحة للشرب أو النظافة يكاد يكون مستحيلا في هذا المكان، فهي «غير متوفرة» إلا ما ندر.
وأوضح أن «المراحيض ودورات المياه، غير متوفرة أيضا في هذا المكان» الذي يبعد عن مراكز الإيواء مسافات كبيرة.
وعادة، يعتمد النازحون الذين يعيشون داخل المخيمات، في أمور النظافة وقضاء الحاجة للذهاب إلى مراكز الإيواء لاستعمال دورات المياه الموجودة فيها.
واقع النظافة
يشكو الفلسطيني أبو هربيد من واقع النظافة المعدوم في مخيمات النزوح، لافتا إلى انتشار النفايات بين الخيام وفي مسافات قصيرة جدا.
وأضاف: «كل 20 مترا تجد أكواما من هذه النفايات ما يسبب أمراضا كثيرة للنازحين، خاصة المصابين بالأمراض المزمنة».
ويذكر أن شح المياه ألقى بظلاله السلبية على «واقع النظافة داخل المخيمات» حيث يعجز الكثير من النازحين من وقاية أنفسهم من تداعيات التلوث وانعدام النظافة.
ولأكثر من مرة، حذرت مؤسسات صحية محلية وأممية، من انتشار الأمراض والأوبئة بين النازحين بسبب عدم توفر المياه التي تلزم النازحين لوقاية أنفسهم من الأمراض.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت حتى الثلاثاء، 24 ألفا و285 شهيدا و61 ألفا و154 مصابا، وتسببت بنزوح أكثر من 85 في المئة (نحو 1.9 مليون شخص) من سكان القطاع، حسب السلطات الفلسطينية والأمم المتحدة.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف من النازحین فی هذا
إقرأ أيضاً:
كاتبة بين النازحين: نحن سكان غزة نمحى من التاريخ على الهواء
اعترفت الصحفية والشاعرة الفلسطينية الشابة نور العاصي بكل ألم وخجل -كما تقول- بأنها تفكر جديا في مغادرة غزة، لأن إسرائيل نجحت في خطتها للتهجير القسري بتدميرها كل الاحتمالات.
وتذكّر الكاتبة التي نزحت من شمال غزة مرتين -في مقال لها بموقع ميديا بارت الفرنسي- بأنها نشأت على الاعتقاد أن غزة ليست مجرد مكان، بل هي روحها وتاريخها وهويتها، وهي لم تر فيها سوى معاناة مغلفة بالقداسة، وحرب مغلفة بالدفء، ودمار محاط بشعور لا يتزعزع بالانتماء، كما تقول.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مقال بتلغراف: هذه الانتخابات ستؤثر كثيرا في تحديد مستقبل أوروباlist 2 of 2واشنطن بوست: الشرع يواجه تحدي الأجانب الذين ساعدوه في الإطاحة بالأسدend of listومع ذلك، وبعد كل ما عانيناه -تقول نور العاصي- وبعد ليال لا تنتهي من القصف والجوع والتشرد والجثث المدفونة تحت الأنقاض، أترك الآن فكرة "ماذا لو غادرت؟" تكبر في ذهني، ككثير من الشباب الأذكياء المتجذرين في هذه الأرض، وهم يفكرون الآن في المستحيل، "فنحن نحلم ببناء شيء ما في الخارج، لأن كل ما نبنيه هنا مدمر ماديا وروحيا".
"تطهير ديمغرافي"
وتقول بنت حي التفاح بشمال شرق غزة، بكل ألم، إن إسرائيل نجحت في إستراتيجيتها الشيطانية المتمثلة في التهجير القسري من خلال الصدمة بجعل غزة غير صالحة للسكن، "فقد حولوا المنازل إلى أهداف، والمستشفيات إلى مقابر، والمدارس إلى أنقاض، جوعونا وشردونا وقصفونا مرارا وتكرارا. لم يكن هدفهم قتلنا فحسب، بل أرادوا قتل إرادتنا في البقاء".
إعلانوتتابع "يؤلمني أكثر من أي صاروخ أو جرح أن أقول إنهم يدفعوننا إلى الرحيل، وقد بدأنا نضعف، لا في حب غزة، بل في إيماننا بأننا نستطيع العيش هنا، وسلاحهم الحاسم في ذلك ليس القنابل، بل اليأس".
ما تفعله إسرائيل في غزة ليس حربا، بل تطهيرا عرقيا وإبادة جماعية -كما تقول الكاتبة- فقد "دمروا كل شيء عمدا والعالم يراقب، والكاميرات تصور، وشاحنات المساعدات تصل محملة بفتات المساعدات والشعارات الزاهية، والمجتمع الدولي المتستر بلغة الدبلوماسية والديمقراطية، لم يعد متواطئا فحسب، بل هو المسؤول".
وذكّرت الكاتبة بإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن عملية "عربات جدعون"، مشيرة إلى أنها اسم توراتي لمجزرة معاصرة، تعني غزوا عسكريا شاملا لمدن غزة المتبقية -كما تقول الكاتبة- "فها هي رفح التي كانت يوما مدينة جميلة ومزدهرة، قد محيت تماما، وخان يونس تحت الغزو الآن، ودير البلح تختنق تحت وطأة النازحين".
لا نموت بصمت
وأشارت الشاعرة إلى أن ما تريده إسرائيل هو إجبارهم على الاستسلام، وجعل الجيل القادم من الفلسطينيين يعتقد أنه لا يوجد ما يستحق المرء البقاء من أجله، لأن "بيوتنا غبار، ومدارسنا خراب، وشهاداتنا ودفاترنا وحتى أحلامنا ترقد تحت الأنقاض".
وتضيف نور العاصي: "نشهد شيئا يتجاوز القسوة، حيث الأطفال يحرقون أحياء، وتنتزع الأطراف من أجسادهم الصغيرة، نحن شعب غزة، نُمحى من التاريخ على الهواء، ومع ذلك لم يُتخذ أي إجراء، لأن العالم قد باع روحه للسياسة والتطبيع".
وذكّرت الشابة الفلسطينية بأنها لا تكتب هذه السطور بوصفها صحفية، بل بوصفها ابنة لم تعد قادرة على ضمان سلامة والديها، وأختا تسمع دوي الانفجارات وتتساءل هل ستكون هي الضحية التالية، هي الطالبة التي تحول تعليمها إلى رماد، والإنسانة التي تصرخ في الفراغ، متوسلة لأي شخص أن ينظر إلى هذه الحقيقة ولا يغض الطرف عنها.
إعلانوختمت نور العاصي عمودها بأن حقوق الإنسان والقانون والأخلاق يجب أن تحفظ في غزة، وأن العالم الذي يشاهدنا نختفي دون أن يفعل شيئا، لا يدافع حقيقة عن شيء، "فنحن لا نموت بصمت، نحن نوثق دمارنا، وإذا سقطت غزة فلن تسقط في الظلام، بل ستسقط في دائرة الضوء، ويمضي العالم مفضلا النسيان".