نيران السودان تصل «مدينة الأهرامات».. تحذيرات ومخاوف
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
دائرة لهب مستمرة في الاتساع بالسودان، في صراع بلا محطة توقف، بات يطال كل يوم منطقة جديدة وآخرها جزيرة مروي المعروفة بـ«مدينة الأهرامات».
ووصلت المعارك الدائرة منذ أشهر بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى المدينة المدرجة على قائمة التراث العالمي، بحسب منظمة حقوقية محليّة، وسط تحذيرات من خطر تضرّر آثار مملكة كوش التي يزيد عمرها عن 2300 سنة.
بدورها، أعلنت السلطات المحلية في ولاية نهر النيل، أنّ معارك اندلعت إثر محاولات تسلل عبر منطقة النقعة والمصوّرات، لكنها عادت للهدوء مجددا.
مدينة الأهرامات
ومروي أو مرواه بالعربية، أو ميدوي أو بيدوي باللغة المروية، هي مدينة أثرية تقع شمال السودان، وتعد واحدة من أعرق المدن السودانية والأفريقية جنوب الصحراء.
وتقع المدينة على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتبعد نحو 6 كيلومترات إلى اتجاه الشمال الشرقي من محطة كبوشية بالقرب من مدينة شندي، وقرابة 200 كيلومتر من العاصمة الخرطوم.
وكانت المدينة عاصمة للمملكة الكوشية لعدة قرون، وقد أطلق الكوشيون هذا الاسم لكل الجزيرة أو شبه الجزيرة الواقعة بين نهر عطبرة في الشمال والنيل الأزرق في الجنوب ونهر النيل في الشرق، ويطلق على هذه المنطقة جغرافيا اسم «إقليم البطانة».
وفي 2011 أدرجت اليونسكو جزيرة مروي على قائمتها للتراث العالمي، وتضم مواقع أثرية عن مناطق شبه صحراوية بين نهر النيل ونهر عطبرة، معقل مملكة كوش التي كانت قوة عظمى بين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد.
وتتألف من “الحاضرة الملكية للملوك الكوشيين في مروي، بالقرب من نهر النيل، وبالقرب من المواقع الدينية في النقعة والمصوّرات الصفراء”.
وتضيف اليونسكو في تعريفها للجزيرة أنّها “كانت مقرّاً لحكّام حكموا مصر لما يقرب من قرن ونيّف، ومن بين آثار أخرى، من مثل الأهرامات والمعابد ومنازل السكن وكذلك المنشآت الكبرى، وهي متصلة كلها بشبكة مياه”.
ولسكانها الذي يقترب عددهم من 150 ألف نسمة، ارتباط قوي بالأرض وأشجار النخيل التي تزرع في المزارع والمنازل ولا تقطع إلا نادرا.
ويتركز النشاط البشري بالولاية الشمالية على المحاصيل البستانية وصيد الأسماك التي بدأت في الاتساع بعد بناء سد مروي.
أهمية عسكرية
وتمثل مروي ثقلا أمنيا واستراتيجيا بالغ الأهمية، حيث تضم المنطقة مطارا عسكريا وآخر مدنيا، كما توجد بها قاعدة جوية، وبالتالي لا تقبل القوات المسلحة أي وجود لغيرها فيها.
ويغطي مطار المدينة شمال السودان وشرقه وغربه، ويعتبر قاعدة جوية مساندة بديلة للقواعد العسكرية الأخرى في السودان، كما يستقبل الطائرات العسكرية المقاتلة وطائرات النقل الجوي.
وتعد مروي كذلك منطقة تمركز بديلة للقوات الجوية، وتضم أكبر مشروعين زراعيين في الولاية الشمالية تم إنشاؤهما منذ عهد الاستعمار الإنجليزي، بالإضافة لوجود سد مروي، أكبر سد كهرومائي في السودان.
وكانت مروي أكملت في مارس/آذار 2009، بناء سدها الشاهق على بعد 40 كيلومترا من وسط المدينة، والذي تحول لاحقا إلى أبرز معالمها.
إدانة ومخاوف
وقالت “الشبكة الإقليمية للحقوق الثقافية” إنّها “تدين دخول قوات الدعم السريع للمرة الثانية لموقعي النقعة والمصوّرات الأثري”.
وأضافت، في بيان، أنّ “موقعي النقعة والمصوّرات يعتبران من أهمّ المواقع التاريخية المسجّلة ضمن قائمة التراث العالمي في السودان، إذ يضمّان تماثيل وآثاراً ومزارات منذ الحقبة المروية (350 ق.م. حتى 350 م)”.
وأكّدت المنظمة الحقوقية نقلاً عن “مصادر موثوقة وصور وفيديوهات منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ معركة حربية وقعت بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مما يعرّض هذه المواقع للتخريب والدمار والنهب والسرقة”.
وأسفرت الحرب الدائرة في السودان منذ 15 أبريل/نيسان عن أكثر من 13 ألف قتيل، وفق حصيلة أوردتها منظمة “مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها” (أكليد) لكنّ خبراء يعتبرونها أقلّ بكثير من الواقع.
كما تسبّب النزاع بتهجير حوالى 7.5 مليون شخص داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.
العين الاخبارية
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: نهر النیل
إقرأ أيضاً:
غزة: بين نيران الإبادة وتحذيرات الوكالات الأممية
وسط أصوات القصف والغارات، وبين الركام وأصداء صرخات الضحايا من الأطفال والنساء، تتكشف كل لحظة فصول جديدة من المأساة الإنسانية والكارثة التي يشهدها قطاع غزة، فالاحتلال الإسرائيلي ماضٍ في تصعيده الدموي، مستهدفا كل مظاهر الحياة، دون رادع يوقف حربه المستمرة للإبادة الجماعية.
في جنوب وشمال قطاع غزة، سُجلت أبشع الجرائم بحق الغزيين والمرضى والكوادر الطبية والصحفيين، حيث تحولت أماكن عديدة إلى ساحة حرب بفعل الغارات الجوية والقصف المدفعي المكثف، بهدف إفراغ القطاع من سكانه ودفعهم نحو النزوح والتهجير.
في ظل هذه الظروف، أعلنت منظمة "المطبخ المركزي العالمي"، التي تقدم وجبات الطعام لسكان غزة منذ بداية الأزمة، توقفها عن طهي وجبات جديدة بسبب نفاد الإمدادات الغذائية والوقود. وأكدت المنظمة أنها قدمت في غزة خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية أكثر من 130 مليون وجبة و26 مليون رغيف خبز، إلا أن حصار الاحتلال حال دون استمرار هذه الخدمة.
تتزامن هذه الأزمة الكارثية مع تحذيرات من وكالات الأمم المتحدة، مثل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، من أن قطاع غزة يواجه مجاعة وشيكة. ويعزى ذلك إلى استمرار الحصار الشامل الذي يفرضه الاحتلال، وحرمان السكان من الغذاء والمياه والرعاية الصحية. وقد ورد ذلك في تقرير جديد بعنوان "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي"، والذي أظهر أن جميع سكان غزة، البالغ عددهم نحو 2.1 مليون نسمة، يواجهون انعداما حادا في الأمن الغذائي، في وضع لا مثيل له في أي سياق إنساني آخر في العالم اليوم.
وفقا للتقرير، صُنّف 93 في المئة من السكان ضمن المرحلتين الثالثة والخامسة من أصل خمس مراحل تحدد مستويات انعدام الأمن الغذائي. ويُقدّر أن 244 ألف شخص (12 في المئة) يعيشون في المرحلة الخامسة، وهي حالة مجاعة كارثية. بالإضافة إلى ذلك، يعاني 925 ألف شخص (44 في المئة) من حالة طوارئ غذائية، بينما يواجه الباقون أزمة غذائية حادة.
وكشفت بيانات الأمم المتحدة أن حوالي 470 ألف شخص يعانون حاليا من مجاعة فعلية، وأن 71 ألف طفل و17 ألف أم بحاجة إلى علاج فوري من سوء التغذية الحاد. وتشير التقديرات إلى أن 60 ألف طفل إضافي سيحتاجون إلى علاج مباشر منذ بداية عام 2025.
وتوقعت الوكالات أيضا استمرار تدهور الوضع الغذائي بين شهري أيار/ مايو وأيلول/ سبتمبر 2025، دون أي تحسن متوقع، مع بقاء جميع السكان في حالة أزمة غذائية أو أسوأ.
وأوضحت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن نحو 75 في المئة من أراضي غزة الزراعية دُمرت بسبب العمليات العسكرية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كما تضررت ثلثا آبار المياه الزراعية، ما أدى إلى انهيار شبه كامل في إنتاج الغذاء المحلي.
وعلى الرغم من توزيع أكثر من 2100 طن من الأعلاف والمستلزمات البيطرية، إلا أن هذه الإمدادات لا تزال غير كافية. وتقدر المنظمة أن ما يقرب من 20 إلى 30 في المئة من الثروة الحيوانية معرضة للموت في حال استمر منع دخول المستلزمات البيطرية والرعاية اللازمة.
ووفقا للتقرير، هناك أكثر من 116 ألف طن من المساعدات الغذائية متوقفة على المعابر، دون السماح بدخولها، علما بأنها تكفي لإطعام حوالي مليون شخص لمدة أربعة أشهر. وفي الوقت نفسه، نفدت جميع مخزونات الغذاء في القطاع وشهدت تراجعا حادا، وقد أغلقت جميع المخابز المدعومة أبوابها بسبب نفاد مخزون دقيق القمح ووقود الطهي منذ أواخر شهر نيسان/ أبريل.
وأكدت الوكالات الأممية أن استمرار منع دخول المساعدات يُعد انتهاكا صريحا للقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف التي تُلزم أطراف النزاع بتأمين وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين، وتحظر استخدام التجويع كسلاح في الحرب. ووفقا لتعريف "المجاعة" في القانون الدولي، يُعتبر التجويع المتعمد للسكان المدنيين جريمة حرب، بل ويُمكن تصنيفه ضمن جرائم الإبادة الجماعية إذا رافقه حرمان ممنهج من سبل الحياة الأساسية، وهو ما تؤكده مؤشرات التقرير الأممي.
إلّا أن هذه التحذيرات لم تجد أي استجابة عملية من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية، ولا من الحكام العرب، الذين يكتفون بتصريحات باهتة ومواقف شكلية، تاركين غزة تواجه مصيرها وحيدة.
في ظل هذه الخيانة العربية والتواطؤ الدولي، يقف الفلسطينيون في غزة وحدهم في مواجهة آلة القتل والحصار، لكن صمودهم يبقى شاهدا على عار الصامتين والمتآمرين.