أعرب فلسطينيون عن تخوفاتهم من انتشار الأوبئة في المناطق السكنية ومراكز الإيواء شمال قطاع غزة، بعد أن بات المواطنون يجاورون القبور العشوائية التي دفن فيها أقاربهم الذين قتلوا بالهجمات الإسرائيلية.
وقالوا في حوارات منفصلة مع الأناضول، إن هذه القبور لم تُبن وفق أسس شرعية أو صحية، ما ينذر بانتشار الأوبئة قريبا.


ووصف المتحدثون حياتهم بين القبور والأموات بأنها «مأساة كبيرة»، مبدين آمالهم بانتهاء قريب للحرب المستمرة منذ نحو 4 شهور. منذ بداية الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، لجأ الناس في كافة محافظات القطاع لإنشاء مقابر جماعية وفردية عشوائية، في الأحياء السكنية وأفنية المنازل والطرقات وصالات الأفراح والملاعب الرياضية.
يأتي ذلك نظرا لاستحالة الوصول للمقابر الرئيسية والمنتظمة، جراء تعمد الجيش قطع الطرق وتدمير البنى التحتية فضلا عن عمليات الاستهداف المتكررة للمواطنين.
كما عكف الجيش، مع بداية الحرب، على تجريف واستهداف المقابر في المناطق التي تتوغل فيها آلياته العسكرية.
وفي 13 ديسمبر الماضي، قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده في تصريح للأناضول، إن المرصد وثق إنشاء أكثر من 120 مقبرة جماعية عشوائية بمحافظات القطاع لدفن قتلى الحرب.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على قطاع غزة، خلفت حتى صباح الثلاثاء «25 ألفا و490 شهيدا و63 ألفا و354 مصابا معظمهم أطفال ونساء»، وفق السلطات الفلسطينية، وتسببت في «دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة»، بحسب الأمم المتحدة.

سمة رائجة
المواطن رائد ضيف الله، قال إن بناء القبور العشوائية الفردية والجماعية لدفن القتلى، باتت السمة الرائجة لمحافظتي غزة والشمال.
وأضاف في حديثه للأناضول: «إن دفن جثامين الشهداء في الأحياء السكنية ومراكز الإيواء والشوارع العامة، يأتي لتعذر دفنها في المقابر».
وأوضح أن المواطنين يتخوفون من التوجه للمقابر لدفن شهدائهم، خشية من استهدافهم برصاص الجيش الإسرائيلي.
واستكمل قائلا: «نحن اليوم لا نستطيع دفن الموتى في المقابر، المكان يحيطه قصف ودمار، فضلا عن تجريف الجيش للقبور ورفات الأموات، الوضع قاس هنا».
ونفى وجود أي مكان أو منطقة آمنة في محافظتي غزة والشمال، قائلا: «الجميع مستهدف هنا، أطفال أو نساء أو كبار في السن».
ووصف الحياة بين القبور بأنها «مأساة كبيرة»، معربا عن آماله في إمكانية التوصل لوقف إطلاق النار وإعمار المنازل المدمرة والعودة القريبة إليها.

لا حياة هنا
بدورها، قالت سها نصير (36 عاما)، وهي تجلس إلى جانب قبر والدها في مستشفى «اليمن السعيد»، في بلدة جباليا شمال القطاع: «والدي كان يجلس في المدرسة (مركز الإيواء) حينما سقط عليه صاروخ إسرائيلي أرداه شهيدا».
وتضيف وهي تبكي: «نزح والدي من بلدة بيت حانون (شمال) نحو مركز الإيواء، ولاحقوه في المكان الآمن وقتلوه هناك».
وأوضحت أن عائلتها لم تجد مكانا لدفنه إلا داخل المستشفى، وذلك لتعذر الوصول إلى المقابر بسبب الاستهداف المتكرر للمواطنين.
وحول طبيعة الحياة في الشمال، قالت نصير: «لا يوجد شكل للحياة، خاصة مع عدم توفر أي طعام أو شراب أو مكان دافئ أو آمن».
وأردفت قائلة: «نحن أيضا أموات، لكننا نحاول أن نواسي أنفسنا للبقاء».
وفي مستشفى «اليمن السعيد»، أعرب نازحون عن تخوفهم من انتشار الأوبئة في المكان جراء دفن القتلى بشكل عشوائي وبلا معايير صحية.
وقالوا للأناضول إن الأوضاع الصحية والمعيشية سيئة للغاية، وهناك تخوفات من تدهورها عند تحلل الجثث المدفونة.
وأوضحوا أن المكان تنبعث منه روائح كريهة، في ظل شح المياه اللازمة للتنظيف، فضلا عن عدم توفر مستلزمات النظافة الشخصية.
وترتفع احتمالية انتشار هذه الأوبئة في ظل وجود جثث مفقودة تحت ركام المنازل المدمرة، وفق قولهم.

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: قطاع غزة الهجمات الإسرائيلية

إقرأ أيضاً:

تدمير مراكز الإيواء مخطط إسرائيلي لاستكمال أهداف عربات جدعون

غزة- لم يمهل اتصال ضابط المخابرات الإسرائيلية النازحين في مدرسة يافا بمدينة غزة سوى 30 دقيقة لإخلائها تمهيدا لتدميرها بالصواريخ الحربية، مما أدى لحالة من الخوف والفزع في صفوف الآلاف الذين غادروها على استعجال تاركين أمتعتهم، وقضوا ساعات طويلة في الشارع بحثا عن مأوى جديد لهم.

وتكرر المشهد ذاته في شهر يونيو/حزيران الماضي في أكثر من 11 مدرسة اتخذها النازحون مأوى لهم، في مؤشر لمخطط إسرائيلي يهدف لتفريغ مناطق واسعة من غزة، وحصر أكثر من مليوني فلسطيني بما لا يزيد عن 20% من مجمل مساحة القطاع المدمّر.

مدرسة يافا بمدينة غزة كانت تؤوي آلاف النازحين قبل قصفها وتشريدهم منها مؤخرا (الجزيرة) وتيرة سريعة

ارتفعت وتيرة الاستهداف الإسرائيلي خلال الأسبوع الأخير لمراكز الإيواء بشكل ملحوظ، مما شكل ضغطا كبيرا على سكان قطاع غزة، واضطر الآلاف منهم لنصب خيامهم في الشوارع وعلى شاطئ البحر، في ظل غياب أدنى مقوماتٍ للحياة، وعدم توفر المياه الصالحة للشرب والاستخدام اليومي.

ويشكو النازحون من تكرار التنقل من مكان لآخر بحثا عن الأمان المفقود، مع استمرار ملاحقة الجيش الإسرائيلي لهم حتى في مراكز الإيواء التي يتبع معظمها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا).

وتقدّر لجان الطوارئ في القطاع متوسط عدد النازحين في كل مدرسة تحولت إلى مركز إيواء بما يزيد عن 4 آلاف شخص.

وفي هذا السياق، قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت 256 مركز إيواء منذ بدء حربها على غزة، كانت تضم أكثر من 700 ألف نازح، حُرموا من أبسط مقومات الحياة، بعد أن دمر الاحتلال بيوتهم ووحداتهم السكنية على امتداد القطاع، ما يجعل استهدافهم مجددا في مراكز الإيواء جريمة مضاعفة.

وأكد الثوابتة في حديث للجزيرة نت أن الاحتلال يتعمد استهداف مراكز الإيواء لأنها تضم آلاف النازحين، مما يعني أن تدميرها كفيل بنزوح عدد كبير من المناطق المستهدفة، وبالتالي العمل على إفراغ مساحات واسعة من قطاع غزة تحت الترهيب والتهديد بالقتل.

إعلان

وأوضح أن العقاب الجماعي الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على سكان غزة يأتي ضمن الإبادة الجماعية المتواصلة منذ أكثر من 21 شهرا، وملاحقة العائلات الآمنة التي لجأت لمراكز الإيواء بعدما دمر الاحتلال منازلها.

أوامر الإخلاء الإسرائيلية حتى مارس/آذار الماضي تحوّل 72% من قطاع غزة إلى "مناطق حمراء" (الجزيرة) السيطرة على الأرض

وفي تسريعه لعمليات إخلاء المناطق السكنية وتهجير سكانها والنازحين فيها، تعمّد الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة تدمير عشرات المباني المرتفعة والتي تضم المئات من الفلسطينيين، مما زاد من أعداد الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم، وبدؤوا في مهمة شاقة للبحث عن أماكن إيواء بديلة.

وطالت أوامر الإخلاء التي نشرها جيش الاحتلال نحو 282.8 كيلومترا مربعا من القطاع، بما يمثل 78% من مساحته الإجمالية التي تقدر بـ364.8 كيلومترا مربعا، وفق ما نشرته وكالة سند للتحقق الإخباري التابعة لشبكة الجزيرة.

وحصرت قوات الاحتلال الإسرائيلي سكان القطاع في مساحات ضيقة تتمثل في المناطق الغربية لمدينة غزة، ووسط القطاع، وغربي مدينة خان يونس، بما يتماهى مع أهداف عملية "عربات جدعون" العسكرية التي بدأها الجيش الإسرائيلي في منتصف مايو/أيار الماضي باحتلال أجزاء واسعة من القطاع.

وفي هذا الإطار، نقلت القناة 14 العبرية عن الجيش الإسرائيلي إبلاغه المستوى السياسي أنه يسيطر على 60% من قطاع غزة وخلال أسبوعين إلى ثلاثة سيسيطر على 80%. وذلك في الوقت الذي قالت فيه "الأونروا" إن أكثر من 82% من مناطق غزة تخضع لأوامر التهجير والناس لا يجدون مكانا يلجؤون إليه.

وأشارت ورقة بحثية صدرت مؤخرا عن مركز دراسات في غزة، إلى أن السياسة الإسرائيلية تسعى إلى فرض وقائع ديموغرافية جديدة عبر القصف المستمر، وفرض مناطق محظورة أو عازلة على الأرض، خصوصا في الشمال والشرق، وتُمنع العودة إليها حتى بعد انتهاء العمليات.

مدرسة تابعة للأونروا في خان يونس تحولت ومئات غيرها لمراكز إيواء للنازحين لكنها لم تسلم من القصف (الجزيرة) واقع جديد

ويعتقد مدير "مركز الدراسات السياسية والتنموية" في غزة رامي خريس، أن المرحلة الأخيرة من الحرب الإسرائيلية على القطاع تشهد تصعيدا ممنهجا في استهداف البنى التحتية المدنية والسكنية، حيث بات واضحا أن الأهداف العسكرية لم تعد تقتصر على ضرب القدرات القتالية للفصائل الفلسطينية، بل اتجهت نحو أهداف ذات طابع ديموغرافي وإستراتيجي طويل الأمد.

وقال خريس للجزيرة نت إن تدمير الأبراج والمجمّعات السكنية يؤشر إلى رغبة الاحتلال في تفريغ مناطق محددة من سكانها، ضمن سياسةٍ منظمة تهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة السكانية للقطاع.

وأوضح أن الاستهداف المتكرر لمراكز الإيواء التي تؤوي عشرات الآلاف من النازحين، يزيد من وضوح هذا التوجه، ويفسّر محاولة منع إعادة تجمّع السكان في مناطق بعينها، ودفعهم إلى موجات متكررة من النزوح الداخلي، أو حتى نحو الهجرة خارج القطاع.

وحسب خريس، فإن الهدف المعلن إسرائيليا يتمثل في "القضاء على المقاومة"، لكن الأهداف غير المعلنة تبدو أوسع وتتمثل في تفكيك النسيج السكاني، وخلق واقع جغرافي وسكاني جديد يمنع إعادة إعمار الحياة المدنية في شكلها السابق، بما في ذلك تحويل مناطق مثل الشجاعية ورفح وشمال غزة إلى مناطق فارغة من السكان أو مناطق عازلة ممتدة.

ونوّه مدير مركز الدراسات إلى أنه في ظل تدمير شامل للبنية التحتية، يصبح من الصعب تصور عودة الحياة إلى ما كانت عليه.

إعلان

كما أن تركّز السكان في مناطق محددة مثل المواصي جنوبي القطاع، ودير البلح وبعض أجزاء من النصيرات والمغازي في الوسط -حسب خريس- يعزز فرض نموذج "غزة المجزأة"، أو "الكانتونات"، تمهيدا لصيغة سياسية بعد الحرب لا تشمل عودة السيطرة الفلسطينية على كامل القطاع.

ولفت إلى أن ما يجري على الأرض ليس مجرد معركة عسكرية، بل هو إعادة رسم قسري للخريطة السكانية في القطاع، في إطار سياسة تعتمد على القهر والتدمير والتجويع والنزوح المتكرر، من أجل فرض واقع جديد تحت عنوان "أمن إسرائيل"، ولكن على حساب الحق الفلسطيني في الحياة والبقاء والعودة.

مقالات مشابهة

  • حتى الدفن صار امتيازا.. أزمة مقابر خانقة في غزة
  • أحياء تحت الأنقاض يستغيثون وعشرات فُقدت آثارهم بمناطق المساعدات بغزة
  • أوقاف غزة تعلن نفاد القبور في القطاع وتطلق نداء لإكرام الشهداء بدفن كريم
  • جيش الاحتلال ينذر بإخلاء أحياء كاملة شرق غزة
  • أوقاف غزة تصدر بيانا بشأن نفاد القبور في القطاع
  • تدمير مراكز الإيواء مخطط إسرائيلي لاستكمال أهداف عربات جدعون
  • الجرذان تغزو أحياء تطوان
  • شراكة متجددة بين ليبيا ومنظمة الصحة العالمية.. تركيز على مكافحة الأوبئة والتدريب
  • الأمم المتحدة: قطاع غزة يشهد نقصا في فرص العيش ومحدودية بأماكن الإيواء
  • الأمم المتحدة تحذر من نقص فرص العيش ومحدودية أماكن الإيواء في غزة