لأنها لا تحسن الصمت، ولا ترضى أن تكون عربة في قطار صممت سكته سلفا، تتعرض أستاذة الأدب العربي في جامعة بنسلفانيا الأميركية الدكتورة هدى فخر الدين لموجة عاتية من الضغوط والتهديدات، هدى التي نظمت مع زملائها مهرجانا أدبيا عنوانه "فلسطين تكتب" ترى الأدب وثيقة للحياة.

واتهم نواب في الكونغرس الباحثة والمؤلفة اللبنانية المرموقة بمعاداة السامية، ومثلهم فعل آخرون ومارسوا ضغوطا عليها وعلى الجامعة، أما هي فترد: "نذلٌ كل من يظن أن بإمكانه متابعة الحياة والعمل كالمعتاد وغزة تتعرض للتوحش الإسرائيلي الذي تتعرض له".

نالت فخر الدين الدكتوراه في الأدب العربي والأدب المقارن من جامعة إنديانا بلومنغتون والماجستير من الجامعة الأميركية في بيروت، ولها عدة إصدارات منها كتاب نقدي بعنوان "الميتاشعرية في التراث العربي: من الحداثيين إلى المحدثين"، وقد ترجمته حديثا إلى العربية المترجمة آية علي، وتتناول فخر الدين فيه تجربة التجديد وأسئلة الشعر ولغته، انطلاقا من العصر العباسي وصولا إلى عصر الحداثة.

وحاورت الجزيرة نت هدى فخرالدين هذه المرة عن الضغوط والتهديدات التي تتعرض لها ساعة بعد ساعة، فإلى المقابلة:

قبل أسابيع من مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نظمتِ رفقة مهتمين مهرجان (فلسطين تكتب) في جامعة بنسلفانيا. إلى أي شيء سعى؟ وما مدى نجاح المسعى؟

 

عملتُ مع "فلسطين تكتب" -مؤسسة غير ربحية- على تنظيم مهرجان أدبي يحمل ذات الاسم "فلسطين تكتب" في جامعة بنسلفانيا. والحق أنني تحمست عندما طُرحت عليَّ فكرة التعاون لأني كنت سأتولى إدارة مركز الدراسات الإنسانية في جامعتنا لعام 2023 – 2024، وهذا مركز يتعاقب الأساتذة على إدارة برامجه كل سنة حول موضوع محدد. وبوصفي مديرة للمركز هذا العام اتخذت "الثورة" وتجلياتها في الأدب والتاريخ والعلوم والسياسية والاجتماع وما إلى ذلك موضوعًا لي.

هَدَفَ المهرجان إلى الاحتفال بفلسطين وتسليط الضوء على تاريخها وتراثها بعيدا عن الصور النمطية السطحية التي يرسمها الإعلام الغربي. وهدفت شخصيا إلى التأكيد على أن دراسة الأدب العربي لا يمكن أن تكون بمعزل عن الالتزام بالقضايا الجوهرية التي تشغل الكُتاب والفنانين العرب.

وقد نجح المهرجان نجاحا مبهرا، الفضل بالطبع يعود إلى طاقم كبير من المتطوعين إذ شارك في المهرجان ما يزيد على 120 متحدثًا ومقدّمًا من فلسطين وشتاتها في جميع أنحاء العالم، وحضره ما يقارب 1500 شخص أتوا من جميع أنحاء أميركا والعالم.

هل كانت عملية التنظيم يسيرة تخلو من التعقيدات والإجراءات؟

تعاونتُ مع الفريق المنظم بإدارة الروائية سوزان أبو الهوى ومجموعة من المتطوعين، وكنتُ صلة الوصل بين "فلسطين تكتب" والجامعة. لم تكن العملية يسيرة لأن كلمة فلسطين بحد ذاتها تثير قلق هذه المؤسسات، فتتحرك فجأة جهات بين خفية وظاهرة لتعقيد أبسط الأمور. فما إن شاع خبر المهرجان، حتى بدأت الضغوط على الجامعة وإدارتها من المجموعات الصهيونية لإلغاء المهرجان، بل صارت تهديدات.

ليلة الافتتاح لمهرجان "فلسطين تكتب" شارك فيها قرابة 1500 (مواقع التواصل، صفحة "فلسطين تكتب") أثار المهرجان سخطا صهيونيا في أميركا. كيف يمكن لمهرجان أدبي أن يكون له كل هذه التداعيات السياسية؟

الجامعات الأميركية خاضعة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية ولاسيما في دوائر دراسات الشرق الأوسط التي أوجدت تاريخيا لخدمة المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة. وقد اتخذ اليمين الأميركي الفرصة في هذه اللحظة الحرجة، وتذرّع بمحاربة معاداة السامية ليقمع كل مساحات الفكر النقدي والتقدمي في الداخل الأميركي.

أما يخص الأدب فيُنتظر منا نحن دارسي الأدب العربي والباحثين فيه أن نكون رموزًا خرساء لمهزلة التنوع والمساواة، وتأدية أدوار محددة، تخدم سياسة الهويات الضيقة وفكرة الحضارات في تصارعها وتصالحها. غير أن الأكاديميين المخلصين لما يدرسونه، يرفضون هذه الأدوار السخيفة ويتطور الرفض لمقاومة بدراسة مخلصة ومسؤولة للثقافة العربية الحية، وقضاياها الكبرى وأهمها فلسطين، ولا سيما في لحظة تاريخية كالتي نعيش، ونشهد فيها واحدة من أشنع الجرائم في التاريخ البشري.

إن المنتظر دراسة الأدب العربي بوصفه أدبا، لا وثيقةً للتعرف على الآخر والسيطرة عليه، تقلق المؤسسة السياسية والثقافية في هذا البلد (الولايات المتحدة). وفي حالة فلسطين، سرعان ما تتحرك الماكينة الصهيونية لتحافظ على أساطيرها ولتحارب الحقائق مهما كان ثمن ذلك، فالفكر الصهيوني قائم على كذبة أن فلسطين "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض".

ولذا فإن الاحتفال بالأدب الفلسطيني ووضعه في مكانه وسياقه في التراث العربي الغني والطويل أنجع سلاح لكشف بهتان المشروع العنصري السافر. والاحتفال بالأدب الفلسطيني والعربي هو أيضا تأكيد على دور اليهودية كدين وكثقافة في تراثنا العربي. وهذا تهديد كبير للفكر الصهيوني الذي أخذ الثقافة اليهودية رهينة وشوّهها واقتلعها من سياقاتها الأصلية وما زال يرتكب باسمها أفظع الجرائم.

علمنا أنك تعرضت لمضايقات قبل المهرجان وبعده خاصة عقب 7 أكتوبر، ما طبيعتها؟

أسهمنا أنا وشريكي الشاعر الفلسطيني أحمد الملاح الذي يدرس في الجامعة نفسها، في تنظيم عدة تحركات في حرم الجامعة مناصَرة لأهلنا في فلسطين ورفضا للوحشية الإسرائيلية في غزة. وتضمنت هذه التحركات اعتصامين شارك فيهما عدد كبير من الأساتذة والطلاب. أكدنا فيهما على رفضنا للعنف ضد المدنيين في المطلق وذكّرنا بضرورة وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق النكبة منذ 1948 والحصار الهمجي على غزة.

تعرض جميع المشاركين في التحركات للتهديد ولا سيما في وسائل التواصل الاجتماعي. وتفاقم الأمر لدرجة أننا استعنّا بالشرطة أكثر من مرة، ونُصحنا -خاصة أحمد- بتفادي الحرم الجامعي، إذ تعرض هو تحديدا لحملة طالبت بطرده من الجامعة لكونه فلسطينيا لم يقبل الصمت.

هدى فخر الدين مع الشاعرين أحمد الملاح وأولويفيا إلياس في فعالية "العالم كفلسطين" (مواقع التواصل، صفحة "فلسطين تكتب") انتقل اسمكِ من قاعات الجامعة إلى أروقة الكونغرس؟

بعد أن شهدت الجامعات الأميركية تحركات مؤيدة لفلسطين ومدينة للعدوان الوحشي على غزة، لم يسبق لها مثيل، استدعيتْ 3 رئيسات لجامعات أميركية للمثول أمام لجنة من نواب الكونغرس بإدارة الحزب الجمهوري وبتحريض من حلفائهم من أمناء الجامعات ومانحيها. وقد ادعت لجنة التحقيق أن الرئيسات أسأن إدارة جامعاتهن وفشلن في التصدي لمعاداة السامية، وكانت من بينهن رئيسة جامعتنا التي أجبرت على الاستقالة بعد هذه الجلسة.

إذ صورت لجنة التحقيق كل التحركات التي تدين الهمجية الإسرائيلية في غزة على أنها معاداة للسامية، مجنّدة كل ما في واشنطن من عنصرية وأصولية. وفي هذا السياق ذكرنا -أحمد وأنا- وللأسف لم يكن لدى رئيسة جامعتنا ما يكفي من شجاعة لنفي ما وجه إليها وإلينا من تهم سافرة. وذكر أحد المستوجبين الصفَّ الذي أدرّسه هذا الربيع وعنوانه: "أدب المقاومة من نجد إلى فلسطين"، واصفا غسان كنفاني المقررة نصوصه في الصف بـ"الإرهابي". هذا هو مستوى الإسفاف والجهل الذي أديرت به الجلسة وما كانت إلا تجليا للـ(ماكارثية) الجديدة واستعراضا لقوى اليمين المتطرف.

ما موقف الجامعة تجاه ما يحدث لكِ من ضغوط؟

لعبت الجامعة دورا مخجلا في قمع كل التحركات المنددة بالهجوم على غزة. كل البيانات التي أصدرتها كانت متحيزة بشكل معيب. فبدل الدفاع عن طلابها وأساتذتها الفلسطينيين والعرب الذين يتعرضون لأخطار محدقة، صورت الجامعة كل التحركات الداعمة لفلسطين على أنها تحركات معادية للسامية.

وقد اعتمدت إدارة جامعتنا، وإن بشكل غير رسمي، تعريف معاداة السامية على أنها أي انتقاد لإسرائيل، وهذا تعريف أقره "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست" وهو إشكالي جدا وقد تحدّاه عدد كبير من دارسي الهولوكوست اليهود وحذّروا من خطورته وإمكانية تسليحه لترويج المصالح الصهيونية التي لا بد من فصلها عن اليهود والديانة اليهودية.

فمعاداة السامية الحقيقية هي الافتراض بأن كل اليهود في العالم يدعمون المشروع الصهيوني العنصري القائم على التهجير والتطهير العرقي. وفي هذا إهانة لذكرى ضحايا الهولوكوست.

وتبنّي الجامعات لهذا التعريف ينمّ عن جهل فاحش وخضوع مهين للمانحين وأمناء الجامعة المتمولين الفاسدين وأصحاب المصالح المريبة.

هل وجدتِ تضامنا من أي جهة؟ وهل هناك أي مساندة قانونية داعمة لكم في وجه هذه الهجمة؟

وجدنا تضامنا ودعما من مجموعة كبيرة من الطلاب والأساتذة في جامعتنا وجامعات أخرى عبر الولايات المتحدة. الرأي العام في العالم يتغير وهناك وعي جديد نراه بوضوح عند الجيل الجديد في الولايات المتحدة يتجلى في المظاهرات الضخمة التي تشهده المدن الأميركية كلها.

في جامعتنا بالتحديد، اعتصم طلابنا من عرب وأميركيين، ويهود ومسلمين وغيرهم. تصدوا بشجاعة ومسؤولية لتهديدات الجامعة وشرطتها. وقدموا لإدارة الجامعة نموذجا مضيئا لما يجب أن تكون عليه الجامعة فعلاً، وكيف تكون المقاربة المسؤولة والموضوعية للتاريخ واللحظة الاستثنائية التي نشهدها في غزة.

ومؤخرا، نظم الأساتذة أنفسهم في مجموعة تسمى "أساتذة من أجل العدالة في فلسطين" وهي منظمة باتت لها فروع في أكثر من 80 جامعة أميركية منذ 7 أكتوبر. وتهدف بشكل خاص للدفاع عن الأصوات المساندة لفلسطين التي غالبا ما تهمّش وتقمع.

ما الذي تتوقعه هدى وزملاؤها في الأيام المقبلة؟

مبادئ البحث العملي والنقاش المفتوح والحرية الأكاديمية التي تقوم عليها فكرة الجامعة تتعرض الآن لهجوم شرس من القوى الظلامية والعنصرية في الولايات المتحدة والعالم. ومع هذا، ما نتعرض له لا يقارن، لا من قريب ولا من بعيد، بهول ما يواجهه أهل غزة وفلسطين من رعب ودمار وقتل.

لا أتوقع شيئا من المؤسسات الفاسدة والخاضعة للضغوط والمصالح والأغراض المشبوهة. لكني متأكدة من أن سلاحنا الأكثر فتكاً هو التمسك بثقافتنا وتراثنا. نذلٌ كل من يظن أن بإمكانه متابعة الحياة والعمل كالمعتاد وغزة تتعرض للتوحش الإسرائيلي الذي تتعرض له. ونحن، المعنيين باللغة العربية وتراثها الأدبي، نكون منافقين ووصوليين إذا توهمنا أن ما يحدث في غزة ليس بالضرورة مرتبطا بصلب اهتماماتنا الفكرية والأكاديمية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأدب العربی فلسطین تکتب فخر الدین على أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

إبادة بلا ضجيج.. اغتيال الأدباء والمفكرين في غزة

في منزله بحي النصر بمدينة غزة، استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي الشاعر والروائي الفلسطيني سليم النفار، عبر قصف منزله بصاروخ من طائرة حربية، فبقي تحت ركام بيته شهورا طويلة قبل أن ينتشل مع زوجته وبناته وابنه الوحيد مصطفى، وأخته وزوجها وأولادهما.

كان استهداف النفار في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2023، وجاء مباشرا في إطار عملية اغتيال محددة نفذها الاحتلال الإسرائيلي ضد روائي فلسطيني وعضو الأمانة العامة السابق للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين.

لم تجد "الجزيرة نت" أحدا من أفراد عائلته الصغيرة على قيد الحياة للحديث معهم وسرد ما جرى، إذ استشهد جميعهم في القصف الإسرائيلي الذي استهدف المنزل.

تحمل السيرة الأدبية للشهيد النفار مسيرة حافلة بالعطاء الثقافي؛ فقد درس الأدب العربي في جامعة تشرين بسوريا، وأسس هناك ملتقى "أبو سلمى" السنوي للمبدعين الشباب عام 1986، ثم ساهم في تأسيس جمعية الإبداع الثقافي في غزة عام 1997.

الروائي الفلسطيني "سليم النفار" (مواقع التواصل)

شغل النفار منصب مدير في وزارة الثقافة الفلسطينية، كما عمل محررا أدبيا في مجلات نضال الشعب والزيتونة والأفق.

وأقرت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية قصيدته الشهيرة "يا أحبائي" ضمن منهاج الصف الثالث الإعدادي.

أصدر الشهيد عدة مجموعات شعرية بارزة، منها تداعيات على شرفة الماء، سور لها، بياض الأسئلة، شرف على ذلك المطر، حالة وطن وقصائد أخرى، الأعمال الشعرية الناجزة، وحارس الانتظار، كما ألّف كتابين: هذا ما أعنيه وذاكرة ضيقة على الفرج، إضافة إلى روايتيه: فوانيس المخيم وليالي اللاذقية.

خارج فلسطين، ترجمت قصيدته الشهيرة "تحت الحصار" ونشرت في مجموعة "الطائر ليس حجرا" التي صدرت في أسكتلندا عام 2014، وضمت مختارات لـ25 شاعرا وشاعرة فلسطينيين، كما مثل بلاده في مهرجانات شعرية في بغداد وجرش والدوحة وأسكتلندا.

إعلان

يعد النفار واحدا من ثلة المثقفين الذين نفذت "إسرائيل" عمليات اغتيال بحقهم ضمن سياسة ممنهجة لطمس الثقافة وسلب الهوية الفلسطينية، إلى جانب تدمير المراكز الثقافية والفنية والتعليمية والمعالم الأثرية والدينية.

رفعت العرعير

كان الشاعر ومدرس الأدب الإنجليزي في الجامعة الإسلامية بقطاع غزة رفعت العرعير من بين أهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي في بداية عدوانه على القطاع.

اغتال الجيش العرعير في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2023، قبل يوم واحد من اغتياله للروائي سليم النفار، من خلال استهداف منزل شقيقته في شمال مدينة غزة.

درس رفعت لسنوات طويلة الشعر والأدب الإنجليزي في الجامعة الإسلامية بغزة، حيث شرح أعمال شكسبير وتوماس وايت وجون دون وويلفريد أوين وغيرهم، كما حرر كتابي "غزة لا تصمت" و"غزة تكتب مرة أخرى"، واستشهد في القصف أيضا شقيقه وشقيقته وأطفالها الأربعة.

في حي الرمال وسط مدينة غزة، تجلس أم هاني العرعير في بيتها الذي غمره الصمت بعد أن رحل عنه صوت ابنها عمر، الأديب والمثقف الغزي البارز.

تروي أم هاني لـ"الجزيرة نت" تفاصيل الأيام الأخيرة في حياة ابنها، وتقول: "كان عمر يسكن في حي تل الهوى، وحين اشتد القصف هناك، قرر النزوح إلى حي الدرج شرق غزة عند بيت شقيقته، بينما بقينا نحن في منزلنا في حي الرمال، وكنت أطلب منه أن يأتي إلينا، لكن عدم توفر المياه دفعه للبقاء في مكانه".

في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2023، استهدفت طائرات الاحتلال منزل شقيقته في حي الدرج بشكل مباشر، وفي تلك اللحظة انطفأ نور بيت العائلة؛ إذ استشهد عمر (44 عاما) مع شقيقه صلاح وزوجته وابنه محمد، وشقيقته أسماء وأطفالها علاء ومحمد وندى.

تقول الأم: "ما حدث لم يكن مصادفة، كان اغتيالا مقصودا، أرادوا أن يقتلوا صوته".

ولم تكتفِ "إسرائيل" بذلك؛ ففي أبريل/نيسان 2024 استشهدت شيماء، ابنة عمر البكر، مع زوجها وطفلها عبد الرحمن (3 أشهر)، لتضيف الأم فصلا جديدا من الحزن إلى روايتها الطويلة مع الفقد.

View this post on Instagram

نور الدين حجاج

أما الهدف الآخر من عمليات الإبادة الثقافية، فكان الكاتب والشاعر والروائي نور الدين حجاج، الذي قتل في قصف مباشر نفذه جيش الاحتلال على منزله في حي الشجاعية شرق مدينة غزة في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2023.

الشهيد حجاج من أعلام قطاع غزة في الرواية، حيث صدرت له روايتان "غريب وغريبة" عام 2018 و"أجنحة لا تطير"، ومؤلف مسرحية "الرماديون"، كما كان ناشطا في مبادرة شغف الثقافية وتجمع قرطبة وأيام المسرح.

كان الشهيد نور الدين حجاج من أبرز أعلام الرواية في قطاع غزة؛ إذ صدرت له روايتان هما "غريب وغريبة" عام 2018 و"أجنحة لا تطير"، إضافة إلى تأليفه مسرحية "الرماديون"، كما كان ناشطا في مبادرة شغف الثقافية، وعضوا في تجمّع قرطبة وأيام المسرح، حيث عرف بدوره الفاعل في المشهد الثقافي الفلسطيني.

الشهيد عمر أبو شاويش (صحيفة لافانغوارديا الإسبانية)عمر أبو شاويش

قضى الشاعر الفلسطيني عمر أبو شاويش في الساعات الأولى من الحرب على قطاع غزة، إثر استهداف إسرائيلي مباشر أثناء خروجه من منزله في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

إعلان

يمتلك أبو شاويش سيرة أدبية حافلة بالمساهمات، من أبرزها رواية "الكل على قيد الموت"، وقصيدته الملحمية "ملحمة الطريق الساحلي".

نال جائزة الشباب العربي المتميز على مستوى الوطن العربي من مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة التابع لجامعة الدول العربية.

شارك أبو شاويش في معرض تورينو الدولي للكتاب، لكنه انسحب احتجاجا على مشاركة حكومة الاحتلال ضمن فعاليات المعرض، كما شارك في مهرجان أوسلو للصداقة الدولي الثقافي والرياضي بصفته كاتبا، وفي المؤتمر العربي العالمي لقضايا الشباب في الفكر والثقافة بالقاهرة.

هبة أبو ندى

نزحت الكاتبة والأديبة الفلسطينية هبة أبو ندى من منزلها في مدينة غزة إلى خان يونس جنوب القطاع بحثا عن الأمان، إلا أن الصاروخ الإسرائيلي أدركها هناك، فاستشهدت في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بعد أن أصاب القصف المنزل الذي لجأت إليه مع عائلتها، مما أدى إلى استشهادها فورا.

تركت الشهيدة هبة أبو ندى بصمة أدبية واضحة في المشهد الثقافي الفلسطيني؛ من أبرز أعمالها رواية "الأكسجين ليس للموتى"، التي فازت بالمرتبة الثانية في مسابقة الشارقة الثقافية عام 2017، كما كتبت 3 دواوين شعرية هي: "العصف المأكول"، و"شاعر غزة"، و"أبجدية القيد الأخير".

(الجزيرة)إبادة ثقافية

تبين أن جيش الاحتلال الإسرائيلي نفذ عمليات اغتيال ممنهجة ضد عدد من الأدباء والشعراء والكتاب الفلسطينيين، إضافة إلى تدمير المتاحف وسرقة الآثار، في إطار سياسة استهدفت الثقافة الفلسطينية خلال حرب الإبادة الجماعية.

ووثقت "الجزيرة نت"، استنادا إلى بيانات وزارة الثقافة الفلسطينية ورصدٍ ميداني، استشهاد 118 كاتبا ومثقفا، وتدمير جيش الاحتلال خلال عدوانه على قطاع غزة 25 مركزا وجمعية ثقافية، و30 مؤسسة ثقافية، و87 مكتبة، و8 دور نشر ومطابع، و200 موقع أثري وتراثي، إضافة إلى 2100 ثوب وقطعة مطرزة من مقتنيات المتاحف.

كما وثقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أضرارا لحقت بـ 110 مواقع ثقافية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شملت 13 موقعا دينيا، و77 مبنى ذا أهمية تاريخية أو فنية، و3 مستودعات للممتلكات الثقافية المنقولة، و9 صروح أثرية، ومتحفا واحدا، و7 مواقع أثرية أخرى.

قصر الباشا الأثري قبل وبعد الدمار (الفرنسية)جريمة مزدوجة

المدير العام لوزارة الثقافة، عارف بكر، أكد أن ما جرى في قطاع غزة من استهداف للمبدعين والمثقفين والشعراء والأدباء، والمراكز والمنشآت الثقافية ومكونات المشهد الثقافي الفلسطيني يعد جريمة مزدوجة، لأنها ليست مجرد اعتداء على الأرواح والمباني، بل هجوم مباشر على الذاكرة والهوية الفلسطينية.

وفي حديثه لـ"الجزيرة نت"، أوضح بكر أن استهداف المراكز الثقافية، المكتبات، المسارح، المتاحف، والعقول المبدعة من شعراء ورسامين وموسيقيين ومسرحيين، يمثل محاولة ممنهجة لطمس الرواية الفلسطينية وكسر أدوات التعبير والوعي.

وبين أن الاحتلال استهدف وقتل المئات من المثقفين والمبدعين الأدباء والشعراء والكتاب والفنانين والمصورين والمخرجين والمسرحيين الذين كانوا ينقلون صورة غزة وفلسطين إلى العالم.

وأشار بكر إلى أن العمل جارٍ على تنظيم قاعدة بيانات شاملة لتوثيق الجرائم التي استهدفت المبدعين والمؤسسات الثقافية في غزة، بهدف حصر أعداد المثقفين والأدباء والفنانين الذين طالتهم الاعتداءات المباشرة أو غير المباشرة، مؤكدا أن التوثيق سيتم بأعلى درجات الدقة والمصداقية بالتعاون مع جهات محلية ودولية.

أبرز المواقع الأثرية المدمّرة في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023#الجزيرة pic.twitter.com/K2XlHqatyj

— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) September 18, 2025

وبين أن استهداف البنية الثقافية في غزة لا يمكن اعتباره ضررا جانبيا، بل هو شكل من أشكال الإبادة الثقافية، وفق المفهوم الدولي، حتى وإن لم يدرج بعد في بعض الأطر القانونية.

إعلان

وأضاف أن تدمير المراكز الثقافية والمكتبات والمتاحف والجامعات واستهداف المبدعين والكتّاب لم يكن عرضيا، بل جاء ضمن نمطٍ متكررٍ ومقصودٍ يضرب عصب المجتمع الفلسطيني ويهدف إلى إسكات الفكر وتجفيف منابع الوعي.

وأكد بكر أن تدمير مكونات الثقافة الفلسطينية يمثل استهدافا ممنهجا للروح الفلسطينية، موضحا أن الإبادة الثقافية أخطر على المدى البعيد من القصف أو القتل، لأنها تحاول القضاء على سؤال من يكون الفلسطيني؟ وليس فقط: أين يعيش؟

وقال: "منظمة اليونسكو تعد تدمير المواقع الثقافية أثناء النزاعات خرقا فاضحا للقانون الدولي، وقد تم تصنيف أعمال مماثلة في سوريا والعراق كجرائم حرب".

وشدد على ضرورة إدراج المجتمع الدولي استهداف الرموز الثقافية ضمن جرائم الحرب، معتبرا أن الهوية والوعي الجمعي يجب أن يعد جريمة موصوفة، استنادا إلى القانون الدولي الإنساني واتفاقيات لاهاي وجنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تجرّم بوضوح الاعتداء على الموروث الثقافي الفلسطيني المادي والمعنوي.

كي الوعي

الروائي والقاص يسري الغول يؤكد أن استهداف المؤسسات الفكرية والثقافية والأدباء والشعراء لا يمكن أن يتم بشكلٍ اعتباطي، بل هو فعل ممنهج تمارسه إسرائيل ضمن إطار الإبادة الثقافية.

يقول الغول في حديثه لـ"الجزيرة نت": "نعم، (إسرائيل) تحاول بشكل ممنهج، غير أن هناك في غزة طفلا يحلم بالحياة، وآخر يحلم بأن يرقص الدبكة الفلسطينية، وفتاة تغني، وشابا يعزف على آلة اليرغول ليعيد الاعتبار للتراث والهوية الفلسطينية".

وتهدف سلطات الاحتلال، حسب الغول، إلى محو الذاكرة الفلسطينية، لكنها لم تدرك أن الوعي الجمعي العالمي بدأ يستوعب أهمية فلسطين وقضيتها، مشيرا إلى أن العدوان الإسرائيلي نفسه على المدى البعيد أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية من خلال الدم، إذ أيقظ الوعي العالمي تجاه عدالة هذه القضية.

وفي ما يتعلق بالخسارة الثقافية، يبين الغول أنها كبيرة جدا، شأنها شأن الخسائر البشرية والمادية، موضحا أن إسرائيل عمدت إلى تدمير البنية الثقافية بشكل شبه كامل، فدمرت المكتبات العامة، وحولت بعضها إلى مراكز إيواء، ودمرت الأماكن الأثرية والتراثية والمساجد والمكتبة الوطنية ومعهد إدوارد سعيد للموسيقى، إضافة إلى مراكز ثقافية عدة مثل مركز رشاد الشوّا ومكتبة ديانا ماري صباغ ومكتبة الأحمر وغيرها.

ويلفت إلى أن الاستهداف جاء لأن دولة تحارب الهوية الفلسطينية فكرا وجسدا ومادة، موضحا سياق الإبادة الثقافية في جوهره هو إبادة لكل ما هو فلسطيني، تهدف إلى كي وعي المواطن ومحو هويته، سواء عبر تدمير المكان من مواقع أثرية وتراثية ومكتبات ومعاهد ثقافية وموسيقية ومدارس ونوادٍ أو عبر استهداف الذاكرة الجمعية.

ورغم الاستهداف الإسرائيلي الكبير للقطاع الأدبي والثقافي الفلسطيني، يبين الغول أن الحركة الأدبية لا تتأثر كثيرا باغتيال أو استشهاد الأدباء، بل تزيد عزيمة الكتاب والفنانين على الإبداع، بالأغنية والفيلم والمسرحية والكلمة، في مواجهة آلة الاحتلال.

ويوضح أن سلطات الاحتلال قضت على مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني ودمرت القطاعات الصحية والثقافية والتعليمية وسائر البنى التحتية، لكنها لن تستطيع تدمير الإنسان الفلسطيني ولا إيمانه بعدالة قضيته في مواجهة آلة الإبادة التي يمارسها الاحتلال.

وشدد الغول على أن الفلسطيني سينبعث من جديد، لأنه "لا شعب يرزح تحت نير الاحتلال يمكن أن يستسلم"، مؤكدا أن الفلسطينيين سيواصلون النضال حتى آخر رمق حفاظا على الكينونة والجسد والهوية الفلسطينية، معربا عن أمله في أن يتصدى العالم لهذا الاحتلال الغاشم الدموي الذي يقتل أبناءهم.

محاولات لتحرك دولي

يرى يسري درويش، رئيس اتحاد العام للمراكز الثقافية في فلسطين، ما جرى من استهداف للمبدعين والمراكز الثقافية في قطاع غزة هو "استهداف سياسي ممنهج ومقصود من قِبل الاحتلال الإسرائيلي".

وطال الاستهداف الإسرائيلي المباشر، حسب حديث درويش لـ"الجزيرة نت"، الشعراء والكتاب والفنانين والمبدعين، بل إن بعضهم حرم من السفر للعلاج واستشهد داخل القطاع.

وأضاف درويش: "ما حدث هو سياسة إسرائيلية تهدف إلى اقتلاع الذاكرة والتراث والتاريخ الفلسطيني من خلال استهداف المبدعين ومحاولة القضاء على الرواية الفلسطينية، سواء عبر قصف المراكز الثقافية أو استهداف الشعراء والكتّاب والفنانين والعلماء والصحفيين وأساتذة الجامعات وغيرهم".

إعلان

وأكد أن ما يجري يعد إبادة ثقافية بكل المقاييس، والاستهداف المباشر لكل المعالم الأثرية والتراثية في القطاع يمثل محاولة واضحة لطمس التاريخ الفلسطيني، موضحا أن الاحتلال يظن أنه بهذه الاعتداءات قادر على القضاء على الإرث الحضاري الفلسطيني الممتد في عمق التاريخ.

وبين أن الخسائر كانت فادحة للغاية، والهدف الإسرائيلي من وراء ذلك هو طمس الوعي الفلسطيني، وخلق جيل لا يعرف تاريخه ولا يرى موقعا أثريا في قطاع غزة".

وأضاف: "لدينا قصر الباشا الذي بني في القرن الـ13، والمسجد العمري الكبير، وقلعة خان يونس، والعديد من المواقع الأثرية التي دمرها الاحتلال ظنا منه أنه قادر على القضاء على الرواية الفلسطينية والإرث الثقافي، لكنه واهم، لأن هذا الإرث سيبقى حيا في نفوس الناس وذاكرتهم".

وكشف عن أن ملفات عدة أدرجت في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية حول اقتلاع ذاكرة وثقافة الشعب الفلسطيني، ومن خلال هذه الملفات، وبالتعاون مع وزارتي الثقافة والسياحة والعاملين في القطاع الثقافي، يمكن إعداد ملفات متكاملة تدين الاحتلال على جرائمه بحق الثقافة والموروث الإنساني.

مقالات مشابهة

  • نائب رئيس جامعة الأزهر: أحذر من الانسياق خلف مستجدات العصر دون الالتزام بقيم الدين الحنيف
  • عميد الأدب العربي.. مسابقة لذوي الهمم بـ«الثقافة السينمائية» بمناسبة يومهم العالمي
  • مركز الثقافة السينمائية يعقد مسابقة “عميد الأدب العربي” بمناسبة اليوم العالمي لذوي الهمم
  • جوتيريش قلق إزاء محاولة الاستيلاء على السلطة في بنين
  • القول المأثور بين الأدب العربى والإنجليزى
  • العرض العربي الأول لفيلم «فلسطين 36» بمهرجان البحر الأحمر السينمائي
  • إبادة بلا ضجيج.. اغتيال الأدباء والمفكرين في غزة
  • شاهد / تحذير لمحمد عبدالسلام إزاء ما يحدث في المناطق المحتلة .. فيديو
  • البرلمان العربي: مستمرون في الدفاع عن فلسطين
  • اليماحي يُرحب بتجديد ولاية "أونروا": يعكس التمسك العالمي بحقوق الشعب الفلسطيني