الروبوتات والذكاء الاصطناعي في خدمة ذوي الإعاقة
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
مؤيد الزعبي
قبل يومين أعلن الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، مؤسس شركة "نيورالينك" Neuralink، أن أول مريض من البشر خضع لزراعة شريحة دماغية أنتجتها شركته، وأنه يتعافى بشكل جيد، وقد أفادت الشركة أن الشريحة تُمكِّن الأشخاص المصابين بالشلل الرباعي من التحكم في الأجهزة بتفكيرهم، ولقد قدم ماسك قبل سنوات منتج "BCI" الذي يسمح لشخص يعاني حالة مرضية مثل التصلب الجانبي الضموري أو يعاني من آثار السكتة الدماغية بالتواصل عبر الأفكار.
لك أن تتخيل- عزيزي القارئ- كيف ستُساعد هذه الشرائح في علاج الكثير من الأمراض، ومع تطور تقنيات الروبوتات والذكاء الاصطناعي وتطور التكنولوجيا أجد أن هناك الكثير من الأمل التي ستجلبه التكنولوجيا لأصحاب الإعاقة خصوصًا في تخفيف أعبائهم أو السماح لهم بعيش تجارب جديدة، فإلى أين ستأخذنا التكنولوجيا في تذليل مثل هذه العقبات؟ وإلى أي درجة سوف نستفيد منها مجتمعًا وحكومات؟
مِنْ أعقد المشاكل التي يواجهها الطب هو علاج أصحاب الإعاقة؛ سواء الحركية أو العقلية، وكثيرة هي المشاكل التي يعاني منها هؤلاء الأشخاص في التعامل مع المجتمع أو ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وخلال السنوات القليلة الماضية بدأنا نشاهد اختراعات بالجملة لأرجل أو أذرع اصطناعية، وصحيح أن التطورات باتت كبيرة في هذا المجال، لكن تخيلوا أن تصبح هذه الأرجل أو الأذرع متصلة بمجسّات حسيّة وحركية وهذه المجسات مرتبطة برقائق متصلة بالمخ البشري أو قادرة على إيصال الأحاسيس للمخ فهنا لن نسهل حركة من يعانون من إصابات أو مشاكل حركية بل سنسمح لهم أيضًا بالشعور بكل ما يلمسونه أو يمشون عليه، بل سنمكنهم من عيش تجارب كثيرة كانوا محرومين منها.
بخلاف شرائح شركة Neuralink فهناك محاولات أخرى مثل محاولات شركة شريحة BrainGate: والتي طورت شريحة عبارة عن شبكة من الأقطاب الكهربائية التي يتم زرعها في الدماغ، يمكن استخدام هذه الشريحة للتحكم في الأطراف الاصطناعية، أو تحسين التواصل، أو مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة على التعلم، وأيضًا شريحة MindControl التي يمكن استخدام هذه الشريحة للتحكم في الأجهزة الخارجية، أو تحسين القدرات المعرفية، أو علاج الأمراض العصبية، وهذا إن دل فيدل أن هناك محاولات حقيقية لحل مشكلات صحية صعبة باستخدام الذكاء الاصطناعي وعلينا أن نتقبل الفكرة وأن نطورها.
عندما نتحدث عن هذه التقنيات وتطورها فهي ليست فقط ستعالج مشاكل حركية أو عقلية بل أيضًا ستحقق للأشخاص ذوي الإعاقة الاستقلالية في حياتهم؛ استقلالية هم بأمس الحاجة لها، والذكاء الاصطناعي سيحدث ثورة هائلة في حياة هؤلاء الأشخاص ومساعدتهم في الاندماج مع المجتمع، ويمكن للروبوتات أن تكون مساعدًا شخصيًا يساعدهم في الوقوف والجلوس أو أن تكون هذه الروبوتات عبارة عن بدلة إلكترونية تساعدهم على الحركة والتنقل، كما يمكن استخدام تقنيات الواقع المعزز لمساعدتهم على التدرب على الحركة الطبيعية وتحسين وظائفهم الحركية إذا كان الأمر ممكنًا لبعض الحالات.
ليس التنقل والحركة وحدة من يعيق حياة ذوي الإعاقة بل أيضًا مسألة التواصل مع الآخرين، فيمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لترجمة الكلام مباشرة للغة الصم والبكم، أو استخدام تقنيات تحويل الكلام لنص لمساعدتهم في فهم أفضل وأسلس، وأيضًا يمكن استخدام هذه التقنيات لنقل مشاعرهم وأفكارهم وحتى آمالهم وأحلامهم، وتخيل عزيزي القارئ حجم الإبداع الفكري الذي سنحصل عليه إذا ما استطعنا من توظيف هذه التقنيات لدمج أصحاب الإعاقة في وظائف إبداعية أو فكرية، ويمكن أيضًا تطبيق هذه التقنيات لمساعدتهم في تسيير حياتهم والتواصل مع أفراد عائلاتهم وأصدقائهم ومحادثتهم بشكل أفضل، بل يمكن أيضًا تطوير هذه التقنيات لتترجم كلامهم لتخرج أصواتا وكلمات من أفواههم، وصحيح أن هذه العملية ستكون صعبة لكن لا شيء مستحيل.
تخيل عزيزي القارئ حجم الفائدة التي سنجنيها من استخدام الذكاء الاصطناعي لتسهل حياة ذوي الإعاقة في التعليم والعمل، فيمكن لبرمجيات الذكاء الاصطناعي أن تكون قادرة على إيصال مناهج التعليم بالشكل المُناسب لهذه الفئة، ويمكن لها أن تكون مساعدهم الافتراضي لإنجاز مهام عملهم، وإذا ما تحدثنا عن تقنيات الواقع الافتراضي فالفوائد ستكون كبيرة في استخدامها لتعليمهم وتدريبهم وجعلهم متمكنين من أعمالهم عن طريق خلق بيئات مماثلة لبيئات العمل الطبيعية وتعليمهم عليها.
ربما تقول عزيزي القارئ إن طرحي هنا ورديٌ لا مشاكل ولا تحديات فيه، ولكن بالطبع هناك تحديات ومشاكل، فالمشكلة الأولى التي تواجهنا في الوصول لتقنيات أمنة الاستخدام ولا تسبب أي مشاكل لا للبشر ولا حتى لفئة ذوي الإعاقة، والتحدي الثاني في كيفية إقناع الشركات الربحية في تحمل المسؤولية والاستثمار في تطوير مثل هذه التقنيات، وأيضًا أجد أن هذه التقنيات لن تكون تكلفتها ميسرة ومنخفضة مما ستشكل عبئًا على هذه الفئة وهذا التحدي سيجد طريقة للحل تدريجيًا كلما انخفضت تكاليف صناعة وتطوير هذه التقنيات.
وأخيرًا.. إنَّ المستقبل سيحمل لنا الكثير من المفاجآت في هذا المجال، وأتوقع أن تدخل الشرائح لتكون بديلًا جيدًا عن أجزاء أو غدد في أجسامنا فيكون بها الحل للكثير من المشاكل الحركية أو العقلية التي يعاني منها ذوي الإعاقة، وكل ما علينا أن نستثمر في هذه التقنيات وأن ندعم تطورها، وبدلًا من أن نحاربها علينا أن نضمن كيف نُطوِّرها بطريقة سليمة وآمنة؛ فالخير فيها كثيرٌ وكبير.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الذكاء الإصطناعي يتجاوز البشر في التعلم
في تطور لافت بمجال الذكاء الاصطناعي التفاعلي، لم يعد البشر يحتكرون تدريب الروبوتات الاجتماعية على التفاعل بفعالية. حيث أعلن فريق بحثي مشترك من جامعتي سري البريطانية وهامبورغ في ألمانيا عن ابتكار آلية جديدة ماتزال في المراحل الأولية تمكّن الروبوتات الاجتماعية من التعلم والتفاعل دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر.
وقد طورت الدراسة، التي ستعرض في المؤتمر الدولي حول الروبوتات والأتمتة الذي ينظمه معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات في الولايات المتحدة لعام 2025، الذي يُعد من أبرز الفعاليات الأكاديمية في هذا المجال على مستوى العالم، طريقة محاكاة جديدة تسمح بتدريب الروبوتات الاجتماعية واختبار أدائها دون الحاجة إلى تدخل بشري، ما يسرع من وتيرة الأبحاث ويخفض التكاليف، مع المحافظة على دقة النتائج.
وقد استخدم الباحثون روبوتا بشري الشكل لتطوير نموذج ديناميكي قادر على توقع مسار نظرة الإنسان في السياقات الاجتماعية، وهو ما يُعرف بتنبؤ مسار النظرة «Scanpath Prediction».
محاكاة حركات العين
اختبر الباحثون النموذج باستخدام مجموعتين من البيانات المفتوحة، وأظهر الروبوت قدرة عالية على محاكاة حركات العين البشرية بدقة وواقعية، ما يعد مؤشرا على تطور الذكاء الاجتماعي في هذه الأنظمة.
من جانبها، قالت الدكتورة دي فو، المشاركة الرئيسة في الدراسة والمحاضرة في علم الأعصاب المعرفي والمتخصصة في التفاعل بين الإنسان والروبوت في جامعة سري: «تتيح طريقتنا للروبوت أن يركز على ما ينبغي أن يجذب انتباه الإنسان، دون الحاجة إلى مراقبة بشرية مباشرة. والأمر الأكثر إثارة هو أن النموذج يحافظ على دقته حتى في بيئات غير متوقعة ومليئة بالضوضاء، مما يجعله أداة قوية وواعدة للتطبيقات العملية في مجالات التعليم، والرعاية الصحية، وخدمة العملاء».
وتُعد الروبوتات الاجتماعية نوعًا خاصًا من الروبوتات المصممة للتفاعل مع البشر من خلال الكلام، والإيماءات، وتعبيرات الوجه، مما يجعلها ملائمة لبيئات مثل الفصول الدراسية، العيادات الطبية، والمتاجر. من الأمثلة الشهيرة: روبوت «Pepper»، الذي يُستخدم كمساعد بيع في المتاجر، و«Paro»، الروبوت العلاجي المخصص لمرضى الخرف.
تقييم للنموذج
في مرحلة التطبيق، أجرى الفريق البحثي مقارنة بعرض خرائط تبين أولويات نظرات الإنسان على شاشة، بتوقعات الروبوت داخل بيئة محاكاة. هذا التوافق سمح بتقييم مباشر للنموذج في ظروف تحاكي الواقع، دون الحاجة إلى إجراء تجارب فعلية مكلفة أو طويلة الأمد بين البشر والروبوتات.
وأضافت الدكتورة دي فو: «استخدام المحاكاة بدلاً من التجارب البشرية المبكرة يُعد خطوة محورية في مجال الروبوتات الاجتماعية. أصبح بإمكاننا الآن اختبار قدرة الروبوت على فهم الإنسان والاستجابة له بدقة وسرعة. طموحنا القادم هو تطبيق هذا النموذج في مواقف اجتماعية أكثر تعقيدًا، ومع روبوتات من أنواع متعددة».
ويبرز هذا البحث التوجه المتصاعد نحو الاستقلالية في الذكاء الاصطناعي الاجتماعي، بحيث يصبح الروبوت قادرا على التعلم والفهم في بيئات واقعية دون الاعتماد الكلي على الإنسان في كل مرحلة من مراحل التطوير.
مع توسع هذه الابتكارات، يبدو أن العلاقة بين الإنسان والآلة تتهيأ لمرحلة جديدة، تحاكي التفاعل البشري بشكل غير مسبوق، وتفتح آفاقا لتطبيقات أوسع في حياتنا اليومية.
أسامة عثمان (أبوظبي)