كما يبدو من المعنى الضمني الذي يحمله العنوان؛ أن هناك مقاربة موضوعية بين أربعة أطراف رئيسية في هذا المعنى: الإساءة، الحياة، الموت، الإنسان، فهناك حالة من الاشتباك والالتحام ما بين هذه الأطراف، ولا بد أن تكون مجتمعة أيضا، فالإساءة لا يقوم بها إلا الإنسان الحي، وعندما يغيبه الموت ينتهي مشروع الإساءة، والمعضلة هنا أكثر أن الإساءة حاصلة حاصلة، حيث ليس من اليسير تجاوزها، حتى وإن حاول الفرد منا أن يتجاوزها، نعم؛ قد يخفف من وطأة تأثيرها على الطرف الآخر، ولكن أن يقضي عليها نهائيا فهذا من المستحيل،
وإلا ما كان إنسان تتجاذبه مجموعة من المشاعر، والعواطف، والضعف، والقوة، والنفس اللوامة، وبالتالي فالنزوع عن الإساءة – سواء الإساءة على الآخر، أو الإساءة على النفس – يبقى من أحلام اليقظة، وسيظل الإنسان يسيء إلى نفسه، وإلى الآخرين من حوله إلى أن يغيبه الموت.
فمعنى ذلك أن الإساءة؛ هي الآخر قائمة، لأن التطفل على الآخر، هي وظيفة أخرى نقوم بها، وهي حالة استثنائية غير مدرجة ضمن الحالات الرئيسية التي يتوجب القيام بها، فماذا يهم أن أعرف عن فلان من الناس، ماذا يأكل، وإلى أين يذهب، ولماذا فعل كذا، ولم يفعل العكس؟ ولذلك كان التشديد؛ وفق النص القرآني؛ على خطورة التجسس، فمن المهم أن تسأل فلانا عن حالته الصحية؛ على سبيل المثال؛ ولكن ما الضرورة لأن تسأله عن نوع المرض الذي يعانيه، فاختزال الفهم العام وإسقاطه على الفهم الخاص للحالة الفردية هو نوع من الإساءة، لأن أحدنا لا يضمن أن يتحدث عن مرض فلان، وعن حالته المادية، وعن مواقف الخطأ التي وقع فيها، وقس على ذلك أمثلة أخرى،
وهذا كله يدرج ضمن حاضنة الإساءة. فهنا نحن؛ لا نقدم حلولا للآخر، أو مساعدات، وإنما نشتبك معه لتقصي حالات ضعفه، وفي حالات خاصة قد نستخدم هذا الاشتباك للإساءة إليه أكثر وأكثر، فيما يسمى بـ «لي الذراع» حيث نتباهى بأننا نمسك على فلان من الناس موقفا يجبره على كسر إرادته وحريته، مقابل أن لا نسيء إليه، وبالتالي؛ ففي خضم هذا النزاع الداخلي الذي نمارسه على الآخرين من حولنا، نحن نلتحم معهم شعوريا، حتى ليكاد الأمر يصل إلى مشاركتهم الكره والحزن، نفكر عنهم، ونغضب عليهم، وليس لهم، وقد ننكر عليهم سعادتهم،
فأي إفراط في الإساءة أكثر من ذلك؟ هناك وجه مشرق في مختلف العلاقات مع الآخر، وهذا أمر غير منكور، ولكن لأن وجه الإساءة ثقيل ومؤلم على النفس، فإنه يتبادر على وجه العلاقات على أنه الأكثر اكتساحا من ضده، وكما قال أبو الطيب المتنبي: «والضد يظهر حسنه الضد؛ وبضدها تتميز الأشياء» فالحسن دائما مشوق، ومرغوب فيه، ولأنه بهذا الموضع المرحب به، فإنه سريعا ما يتلاشى؛ حيث تظل النفس تنزع إلى تكراره، والشوق إليه.
أحمد سالم الفلاحي – صحيفة عمان
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
عراقجي: دماء علمائنا النوويين أريقت من أجل التخصيب ولا يمكن التفاوض عليها
الثورة نت/وكالات أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن التخصيب حق لإيران ولن تتراجع عنه، موضحا بأن دماء علماء إيران النوويين أريقت من أجل التخصيب ولا يمكن التفاوض عليها. وقال عراقجي في تصريح له قبيل مغادرته الى سلطنة عُمان للمشاركة في الجولة الرابعة للمفاوضات الايرانية-الامريكية غير المباشرة، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”،: “التخصيب هو أحد إنجازات وافتخارات الشعب الإيراني، وقد تم دفع ثمن باهظ لهذا التخصيب، وكانت دماء علمائنا النوويين وراء هذا الإنجاز، وهو أمر غير قابل للتفاوض بالتأكيد. لقد كان هذا موقفنا الواضح وأعلناه دائما”. وأضاف قائلا :”بعد زيارتي الاقليمية أمس والمشاورات مع السعودية وقطر، أغادر اليوم لحضور الجولة التالية من المفاوضات غير المباشرة وقد أجرينا المزيد من المشاورات هذا الصباح في طهران، ونأمل أن نصل في هذه الجولة إلى نقطة حاسمة”. وأشار وزير الخارجية الإيراني إلى أنه وللأسف يُسمع الكثير من التصريحات المتناقضة من الجانب الآخر، سواء في المقابلات أو في المواقف،قائلا :نشهد وجود تناقضات سواء داخل أو خارج غرفة المفاوضات، أو في الفضاء الإعلامي. إن مواقف الجانب الآخر تتغير وتتحول باستمرار، وهذا هو أحد المشاكل في المفاوضات. إن إيران، على عكس الطرف الآخر، لديها مواقف معروفة ومبدئية. لقد تحركنا في خط مستقيم تماما ومواقفنا واضحة تماما. وأكد عراقجي على ان البرنامج النووي الإيراني يتمتع بأسس قانونية وتنظيمية قوية، وكانت كافة جوانبه السلمية دائما وستظل تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا أحد حقوق الشعب الإيراني التي لا يجوز حتى التفاوض عليها أو المتاجرة بها. وفي إشارة إلى استعداد إيران لبناء الثقة واتخاذ خطوات أخرى في مجال الأنشطة النووية،أوضح عراقجي بأن هذه المسألة كانت دائما واحدة من أولويات إيران وتم تناولها في المفاوضات السابقة، مبيّنا أنه الآن واستنادا إلى المنطق نفسه، قدمت إيران للأطراف الأخرى خطة يمكنها ضمان الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني، مضيفا بانهم قد قدموا خطتهم أيضا، ولكن للأسف يتم ملاحظة أفكار متناقضة بهذا الصدد. وأشار الى أن الأمريكان لديهم مواقف متناقضة في المفاوضات، وهذه إحدى المشاكل الخطيرة في المفاوضات.