#إعلام_الأنابيب
أ.د رشيد عبّاس
قبل أن أقرأ مقالة بعنوان أطفال الأنابيب في احدى المجلات العلمية الأمريكية قبل نحو عقدين من الزمن تقريباً, كنتُ اعتقد للوهلة الأولى أن طفل الأنابيب يمكث في الأنبوبة تسعة شهور كاملة, وأكثر من ذلك كان ينتابني شعور بأن كثير من خصائص أطفال الأنابيب الجسمية والنفسية والجنسية تتشكل كيمائياً خلال تواجده داخل الأنبوب.
لكن – ولكن هنا ناسفة – هناك دراسة بلجيكية حديثة كشف نتائج صادمة عن خصوبة أطفال الأنابيب, حيث تبيّن أن هؤلاء الأطفال أقل خصوبة من أطفال الولادة الطبيعية, وأن احتمالات إنجاب هؤلاء الأطفال في المستقبل عليه كثير من إشارات الاستفهام.
مقالات ذات صلة وداعًا للقرطاسية!! 2024/02/07لكن.. ما علاقة أطفال الانابيب بإعلام الأنابيب؟
اليوم هناك امتداد لهذه الأنابيب ليتشكل لدينا شيء أسمه (إعلام الأنابيب), ومن الطبيعي أن تثار لدى البعض تساؤلات عدة حول هذا الإعلام, ومن أبرز هذه التساؤلات: ما طبيعة إعلام الأنابيب, وكيف يصنع إعلام الأنابيب الخبر خارج مكان وزمان الحدث؟
إعلام الأنابيب هو ذلك الإعلام الذي يأخذ الخبر من مكان وزمان الحدث, ويجري عليه بعض التغييرات الإعلامية, ومن ثم نشره بالكيفية التي يراها مسؤول القناة أو المحطة, لتنسجم المادة الإعلامية مع سياسة وأهداف القناة, وربما اخضاع الخبر لسياسات وتوازنات إقليمية ضاغطة لا يمكن تجاهلها أو القفز عنها, حتى لو أدى ذلك إلى تشوهات في شكل ومضمون الخبر.
هناك دراسات تؤكد أن نشر الخبر من مكان وزمان الحدث كما هو يعطي للمتلقي مصداقية قد تصل إلى 95 %, في حين أن نشر الخبر من غير مكان وزمان الحدث يعطي للمتلقي مصداقية قد لا تصل إلى 65 % في أحسن الظروف, ومن هنا نجد أن عملية اختيار الصحفيين الميدانيين يكون بكل عناية ودراية, فضلاً عن تدريبهم بطريقة أكثر مهنية, لكون عملهم يقتضي نشر الخبر من مكان وزمان الحدث كما هو, لكن يبقى هناك سؤال من نوع, هل نشر الخبر من مكان وزمان الحدث كما هو دون أن يشكّل رأياً عاماً لدى المتلقين, هل يمكن اعتباره من ضمن الإعلام الفعّال؟
اعتقد أن الإعلام العربي بمجمله إعلام أنابيب, بمعنى أنه إعلام يلتقط الخبر من مكان وزمان الحدث, مع تكييف المادة الإعلامية قبل نشرها بطريقة أو بأخرى وفق اعتبارات إقليمية مؤثرة, فضلاً على انه إعلام لا يشكل رأياً عاماً لدى الجمهور العربي ليكون ضاغطاً على الحكومات العربية وذلك لاتخاذ إجراءات عملية يمكن رؤيتها على ارض الواقع.
الإعلام الفعّال لا يكتفي فقط بالتقاط الخبر ونشره كما جاء من مكان وزمان الحدث, إنما يعمل على تشكيل الرأي العام لدى المثقفين المتلقين, والذين يشكّلون بدورهم أداة ضاغطة على الحكومات كي تتخذ قرارات عملية مدروسة اتجاه الحدث.
لا أعتقد هنا أن الإعلام العربي في تعامله مع حرب غزة خرج عن كونه إعلام أنابيب.., فواقع الحال يؤكد أن هذا الإعلام لم يقم على الإطلاق بتشكيل الرأي العام لدى المثقفين المتلقين من العرب, ولم يشكّل هؤلاء بدورهم أداة ضاغطة على الحكومات العربية كي تتخذ قرارات عملية واقعية اتجاه الكيان الصهيوني.
نعم, إعلام الأنابيب لا يوجد في سياقاته للأسف الشديد أفعال مستقبلية, إنما معظم سياقاته عن الماضي, كونه يقوم بتأجيل المادة الإعلامية / الخبر لـ(مكيجته) وتزويقه قبل نشره, فيصبح عندها مادة إعلامية في زمن ماضي, وأن أدخلوا على الفعل الماضي سوف أو سين التسويف في تقارير بعض المسؤولين بما سيقومون به, إلا أن فعل المستقبل في هذه الحالة بات محط استغراب لدى المتلقين.
صدقوني أن إعلام الأنابيب أقل خصوبة من الإعلام خارج الأنابيب.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: أطفال الأنابیب
إقرأ أيضاً:
جيروزاليم بوست: فجر جديد بالشرق الأوسط لا مكان فيه لإسرائيل فهل تستيقظ؟
نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" مقالا لخبير إسرائيلي تضمن قراءة في المشهد السياسي الآخذ بالتشكل في منطقة الشرق الأوسط، إثر زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا لعدد من دول الخليج العربية.
وفي مقاله، كتب باراك سيلا -وهو زميل مبادرة الشرق الأوسط في كلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد- أن تلك الزيارة تشي ببزوغ فجر نموذج جديد للشرق الأوسط استُبعدت إسرائيل من مناقشته والمشاركة في صنع قراراته.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2انتقادات واسعة في فرنسا لمقترح أتال بشأن الحجابlist 2 of 2واشنطن بوست: أكثر من مليون طالب أجنبي يدرسون بالولايات المتحدة فما أهميتهم؟end of listوقال إن إسرائيل ظلت أكثر من 18 شهرا تتحمل عبء صراع في المنطقة، وحققت أهدافا عسكرية كبيرة كان لها الفضل في توفير "الأكسجين السياسي" لقمة ترامب الخليجية الكبرى.
وزعم أن ما سماه "القضاء على حزب الله" في لبنان، وعزل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإضعاف إيران، وانهيار نظام بشار الأسد في سوريا، ما كان أي منها ليحدث لولا حملة "الضغط الإستراتيجي" الذي مارسته إسرائيل.
ومع ذلك، عندما اجتمع ترامب مع القادة في الرياض والدوحة وأبو ظبي لمناقشة ميثاق إقليمي جديد، لم تكن إسرائيل حاضرة، كما يقول سيلا.
أما عن سبب عدم دعوة إسرائيل لذلك الاجتماع، فإن الكاتب يعزوه إلى أن القيادة الإسرائيلية الحالية عالقة فيما يسميها حروب الماضي، مضيفا أنها إذا أرادت العودة فعليها أن تعيد النظر فيما تقدمه، "ليس فقط كقلعة حصينة، بل كجسر".
إعلانوفي اعتقاده أن القوة العسكرية وحدها لم تعد خيارا كافيا في نظام إقليمي ناشئ يستند إلى "فن إبرام الصفقات"، الذي تشكله الشراكات السيادية والنزعة الاقتصادية العملية والمصلحة الذاتية المتبادلة، ذلك بأن رؤية ترامب للشرق الأوسط تُقدِّم النتائج على المشاعر.
وقال إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحلفاءه من اليمين الإسرائيلي المتطرف أخطؤوا قراءة الموقف والمزاج العام، الذي ساد في الأسابيع الأولى من تولي ترامب ولايته الرئاسية الثانية، لا سيما عندما توعد بأن "جحيما سيندلع" في المنطقة إذا لم تطلق حركة حماس سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها، ورفع الحظر عن تزويد إسرائيل بقنابل تزن ألفي رطل، ودعا نتنياهو إلى البيت الأبيض لعرض "خطة غزة" المثيرة للجدل.
المسؤولون الإسرائيليون أخطؤوا عندما اعتبروا أن ترامب منحهم بذلك شيكا على بياض، لكن سرعان ما انخرط مبعوث الرئيس الأميركي في محادثات سرية مع حركة حماس من وراء ظهر إسرائيل
وأضاف أن المسؤولين الإسرائيليين أخطؤوا كذلك عندما اعتبروا أن ترامب منحهم بذلك شيكا على بياض، لكن سرعان ما انخرط مبعوث الرئيس الأميركي في محادثات سرية مع حركة حماس من وراء ظهر إسرائيل.
كما أن زيارة نتنياهو السريعة إلى واشنطن لم تسفر عن توجيه ضربة إلى إيران، بل العكس صحيح، إذ ما لبث أن أعلن ترامب عن محادثات دبلوماسية مباشرة مع طهران، حتى أعقب ذلك باتفاق مع الحوثيين يقضي بوقف الغارات الأميركية على اليمن دون ضمانات لأمن إسرائيل.
ويمضي سيلا في مقاله إلى أن اليمين الإسرائيلي يواجه اليوم إستراتيجية أميركية أعمق تتمثل في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط لصالح المستعدين للتعاون معه، وكل ذلك من أجل بناء جبهة موحدة ضد التهديد الحقيقي الذي تتعرض له بلاده من الصين وحرب الذكاء الاصطناعي الناشئة.
ووفقا للكاتب، فقد تفهم إسرائيل هذا التحول من الناحية الفكرية، لكن قيادتها الحالية لا تزال غير قادرة هيكليا للتكيف معه، فاللحظة الراهنة التي يمر بها الشرق الأوسط تُظهر مدى أهمية أن تتكيف إسرائيل وتعيد النظر في تموضعها الإقليمي.
إعلانويرى سيلا أن التحالف السياسي في إسرائيل المتجذر في خطاب الصقور ونزعة البقاء المحلية يكافح من أجل استخدام الأدوات الدبلوماسية بفعالية.
لكن إسرائيل ليست وحدها التي تكافح من أجل التكيف مع المستجدات، فطبقا لمقال جيروزاليم بوست، فإن الجالية اليهودية الأميركية "التي لطالما كانت جسرا موثوقا بين تل أبيب وواشنطن، تمر هي الأخرى بلحظة تستوجب محاسبة النفس".
إن ترامب لم يأت إلى المنطقة لإنقاذ إسرائيل، بل جاء لإنقاذ أميركا، فإذا أرادت تل أبيب اللحاق بالركب فسيكون مرحبا بها، أما إذا لم تكن ترغب في ذلك، فإنها ستتوارى عن المشهد، حسب الكاتب.
ويشير المقال إلى أن ترامب لا يزال يأمل في توسيع نطاق التطبيع، الذي يهدف إليه ما يُعرف بـ"اتفاقية أبراهام"، التي يمكن أن تشمل سوريا ولبنان وغيرهما.
ويخلص الكاتب إلى أن التطبيع مع إسرائيل، في نظر الرئيس الأميركي، يخدم عدة غايات تتمثل في تحقيق الازدهار في الشرق الأوسط، والتعاون الأمني بين دوله، واحتواء إيران، وحصول ترامب على جائزة نوبل للسلام التي يطمح إليها.
ويشدد سيلا على ضرورة أن تبدي إسرائيل استعدادها لإنهاء الحرب بشروط توازن بين العدالة والواقعية وتفضي إلى إطلاق سراح جميع الأسرى، وإعادة إعمار غزة بوجود فعلي لمجلس التعاون الخليجي وسلطة فلسطينية تكنوقراطية، ونزع سلاح حماس بالكامل.