د.حماد عبدالله يكتب: الإدارة الإقتصادية فى المحروسة (2) !!
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
وإستكمالًا لحديث الأمس عن (مصر كوربريشن) وتحدثنا عن تقسيمات إدارية للدولة وصلت إلى 27 محافظة يتولى إدارتها كبار موظفى الدولة كمكافأة نهاية خدمة سابقة وهذه السنة قد ورثناها منذ قيام ثورة يوليو وإستتباب نظرية أهل الثقة قبل أهل الخبرة فى الإدارة إلا أن هذه الحقبات الزمنية ونظرياتها قد عفى عليها الزمن !!.
ولعل الحوار الذى دار بين جهات عديدة مهتمة بالشأن العام وعلى رأسها الإعلام المصرى، وبين مديرى الإقاليم وممثلى شعوبها بكل طوائفهم وإتجاهاتهم أعتقد بأن أهم ما تحصل عليه من هذه الحوارات واللقاءات وهذه المواجهة وكذلك الدراسات الإجتماعية والسياسة كلها تؤدى إلى ضرورة أعادة تقسيم مصر إلى أقاليم أقتصادية وليس تقسيماَ عرضياَ، كما هو شائع، حينما ترد جملة ( أعادة التقسيم )، فالأقليم الأقتصادي يمكن أن يتضمن على سبيل المثال وليس الحصر والتأكيد، فى جنوب مصر، جزء من أسوان وجزء من البحر الأحمر، وجزء من توشكى، وشرق العوينات وجزء من الوادى الجديد وجزء من قنا، ولا حتمية للإتصال بين أجزاء الأقليم جغرافيًا ولكن بواسطة شرايين الأتصال الطبيعية(طرق حرة سريعة، مطارات، موانىء، قطارات،وهذا الأقليم، وبهذه المكونات الجغرافية، سوف يتضمن بحر، وبحيرات،وجيولوجيا (تحت الأرض ) وخدمات وثقافة فوق الأرض، وجزء من نهر النيل، وصحراوات، وبهذه العناصر يمكن خلق بناء محترم، كما يمكن أستكشاف ثراوات معدنية بتركيز أكثر، وزراعة نقية غير ملوثة، وعناصر ثقافية تاريخية فريدة عالمياَ، وظواهر طبيعية وكذلك من أبداع المصريون المحدثين والقدامى، كتعامد الشمس فى وقت محدد على وجة رمسيس فى معبد أبو سنبل " التى يحج إلى هذه البدعة الأنسانية من كل أنحاء العالم معجبين " هذا المثال الأقليمى، لاشك يدعنا نحلم بأنه واقع، هذا الحلم يمكن أن يكون نواه لجزء من الوطن يتحول إلى مؤسسة إقتصادية عظمى،كما أن " أيكولوجيا " يتشكل هذا الأقليم بوجود أكثر من 3 مليون مصرى فى حوزتة الجغرافية، ألا يمكن بإدارة أقتصادية لمثل هذا الأقليم بما يمتلك من عناصر إقتصادية أن ينتج سنوياَ مالا يقل عن عشرين مليار دولار !!
هذه دعوة مفتوحة لعلمائنا وأساتذتنا فى الإدارة والأقتصاد، وعلى نفس المنوال يمكن أستكمال تقسيم مصر، على أن تطبق تلك الأقاليم سياسة مصر المركزية ولكن بإدارة لامركزية، لتحقيق تنمية شاملة فى كل أرجاء الوطن، وهنا يمكننا أن نجعل مصر مؤسسة أقتصادية كبرى أعظم من أية دولة أشرت اليها فى بداية المقال.
ولعل تلك الأفكار والتى يتم الحوار حولها فى غرف مغلقة تحتاج إلى حوار ونقاش وطنى مفتوح بين كل الأراء وكل أصحاب وجهات النظر حتى ولو كانت متباينة إلا أن إثراء الفكرة بأكثر من رأى نحن فى أشد الإحتياج إليه لدعم العمل الوطنى فى سبيل إيجاد سبل أكثر واقعية وأكثر تقدمًاً فى إدارة أصول الدولة وتقديم النافع والمتميز من أبناء هذا الوطن إلى الصفوف الأمامية.
متى نستطيع أن نحول هذا الحلم إلى حقيقة ؟ الواقع أننا فى إحتياج لإرادة سياسية !!
من الرئيس /عبد الفتاح السيسى بعد أن يشكل مجموعة عمل عالمة بمثل هذه الأمور، ولعلنا نحظى بخبرات متميزة لمن سبقونا فى هذا المجال لعل وعسى، نلحق بالقطار الذى لا ينتظر غافل عن موعده!
أستاذ دكتور مهندس/ حماد عبد الله حماد
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: وجزء من
إقرأ أيضاً:
عبد السلام فاروق يكتب: عصر الفتن
عصرنا عصر ملتبس المعالم، متشابك الأسباب، تائه بين سفوح الماضي وقمم المستقبل، كأنه طفل فطم قبل أوانه، فلم يدرك حكمة الأمس، ولم يمسك بزمام الغد. إنه العصر الذي سماه صاحبنا "عصر الفتن"، ولا أرى في التسمية إلا صدقا يشبه صدق الأطفال، الذين ينطقون بالحق قبل أن تعودهم المجتمعات الكذب والتدليس.
لقد عرف التاريخ عصور الفتن من قبل، فما من أمة إلا وذاقت مرارة الاضطراب، وما من حضارة إلا وتعثرت في ظلمات الشك قبل أن تبلغ نور اليقين. ولكن الفتنة اليوم ليست كالفتن الأمس؛ فهي ليست حربا تعلن بين جيشين، ولا صراعا بين ملكين، بل هي فتنة تتسلل إلى العقول قبل القلوب، تفرق بين الإنسان ونفسه، بينه وبين أخيه، بل بينه وبين ذاته. إنها فتنة السرعة والضحالة، فتنة الكثرة والقلة، فتنة الأصالة والزيف.
فأما السرعة والضحالة، فقد أذابت زماننا في بوتقة العجلة، حتى لم يعد الإنسان يدرك من الحياة إلا قشورها، ولم يعد يبصر من المعرفة إلا ظلالها. لقد صرنا نقرأ ولا نفكر، نسمع ولا نعي، ننظر ولا نبصر. وكأنما أصابنا داء جديد، داء "الجهل المعلب"، نبتاعه بثمن بخس، ثم نغلق عليه عقولنا كما يغلق الجاهل على جهله.
وأما فتنة الكثرة والقلة، فهي آفة أخرى من آفات هذا العصر. فالكثرة هنا ليست كثرة العدد ولا العطاء، بل هي كثرة الضجيج والفوضى. والقلة ليست قلة العقول ولا الأخلاق، بل هي قلة الصبر والحكمة. لقد صرنا نعيش في عالم يزدحم بالكلام ويخلو من المعنى، يمتلئ بالصور ويفقر من الجمال، يتسع للعديد من الأصدقاء ويضيق بالصديق الواحد.
وأما فتنة الأصالة والزيف، فهي أشد الفتن خطرا، لأنها تلبس الباطل ثوب الحق، وتزين الزيف حتى يشبه الأصالة. لقد صار كل شيء اليوم قابلا للتزوير، من الأفكار إلى المشاعر، من التاريخ إلى الدين. وصار الحق يباع في الأسواق كسلعة من السلع، يغلي ثمنه من يملك المال أو الجاه، ويخفي بريقه من لا يملك إلا الفكر والضمير.
فأين المخرج من هذه الفتن؟ لعل المخرج يكون في العودة إلى النفس، في الترويض المستمر للعقل والقلب، في التمسك بخيط رفيع من الصبر والحكمة. فالتاريخ يعلمنا أن الفتن لا تبقى، وأن العواصف لا تدوم، ولكنها تترك وراءها دروسا لمن أراد أن يتعلم.
إن "عصر الفتن" هذا قد يكون محنة لمن أغمض عينيه، ولكنه قد يكون منحة لمن فتح عينيه وعقله. فلننظر إليه بعين الحكيم الذي يعلم أن الليل يسبق الفجر، وأن الشدة تسبق الرخاء. ولنعمل على أن نكون من الذين يخرجون الحكمة من رحم المعاناة، لا من الذين يضيعون في زحام الضجيج والظلام.
هكذا يكون العصر عصر فتنة لمن أراد، وعصر نهضة لمن أراد!
في أعماق الاضطراب وبوادر الخلاص
كأنما نحن اليوم أمام مرآة كسرت إلى ألف شظية، فلم نعد نرى فيها إلا صورا مشوهة لأنفسنا وللعالم من حولنا. هذا هو "عصر الفتن" بلا ريب، عصر تاهت فيه البوصلة بين صراخ المذاهب وتهافت الأيديولوجيات، بين زيف اليقين وجبروت الشك. فما أشبه زماننا هذا بذلك الرجل الذي حكم عليه أن يحمل صخرة إلى قمة الجبل، فإذا بلغها تدحرجت إلى السفح، فيعود يحملها مرة أخرى، لا هو بلغ غايته، ولا هو ترك حمله!
الفتنة كمرآة للحضارة
لعل أعظم ما في هذا العصر أنه كشف عن أمرين خطيرين: الأول: أن الإنسان، رغم كل ادعاءات التقدم، لم يزل ذلك الكائن الهش الذي يخفي خلف شاشات التكنولوجيا وجدران المدنية خوفه من المجهول، وحيرته أمام سؤال الوجود. فها هو ذا يبني الصواريخ ليصل إلى المريخ، ثم يعجز عن إجابة طفل يسأله: "لماذا نعيش؟".
الثاني: أن الحضارة الحديثة، بكل أضوائها الباهرة، قد حولت الإنسان من سيد الطبيعة إلى عبد للآلة. فصرنا نلهث وراء السرعة كأنما نطارح الزمن تحديا، ثم نكتشف أننا لم نكسب شيئا إلا التعب والظمأ. أليس هذا من أعجب المفارقات؟ أن نصنع الأدوات لتخفف عنا أعباء الحياة، فإذا بها تزيد أعباءنا ثقلا على ثقل!
الفتنة بين الجذور والأغصان
إن أعمق جرح في هذا العصر هو ذلك الشرخ الذي نراه بين الإنسان وجذوره. لقد قطع الفرد – في غمرة اندفاعه نحو المستقبل – صلته بالماضي، ففقد البوصلة التي كانت ترشده. ها هو ذا يبني صروح المعرفة في الفضاء الرقمي، بينما ينسى حكمة الأجداد التي كانت تبنى بالصبر والتأمل. وكأنما أردنا أن نكون أغصانا بلا جذور، فإذا بالرياح تعصف بنا قبل أن ننضج!
ولكن... أيعقل أن تكون الفتنة كل هذا العصر؟ كلا! فإن في أعماق هذه الظلمات بصيصا من نور. ألم يقل التاريخ دائما إن أعظم النهضات ولدت من رحم الأزمات؟ ها هو ذا الإنسان - رغم ضجيجه وارتباكه – يبدأ في البحث عن معنى جديد للحياة، عن أخلاق تليق بإنسانيته، عن توازن بين العقل والقلب. أليس في هذا البحث نفسه بذور الخلاص؟
رحلة لا وصول فيها
فالخلاص – إن كان ثمة خلاص - لن يكون في هروب من العصر، بل في غوص إلى أعماقه. لن يكون في حنين إلى ماض لن يعود، بل في حوار جريء بين تراث الأمس وعبقرية اليوم. علينا أن نتعلم من الفتن لا أن نجزع منها، أن نرى في تشظي المرآة فرصة لإعادة تركيب الصورة، لا سببا لليأس.
إن "عصر الفتن" هذا هو اختبار للإنسان: هل يستطيع أن يجد نفسه في زحام الضياع؟ هل يستطيع أن يبني يقينا من شظايا الشك؟ التاريخ يجيب بأن البشر - رغم كل هزائمهم – لم ييأسوا قط من البحث عن النور. فلنكن من هؤلاء الذين ينظرون إلى الفتنة ليس كنهاية، بل كممر ضروري إلى فهم أعمق للحياة ولأنفسنا.
فإذا كان هذا العصر قد أظهر ضعفنا، فهو قد أظهر – في الوقت ذاته – قوتنا على المواجهة. وإذا كان قد كشف عن جهلنا، فهو قد كشف أيضا عن شغفنا الدفين بالمعرفة. فلتكن الفتنة – إذن – مدرسة نتعلم فيها دروسا لم نكن لنعرفها لولا الظلام!