لجريدة عمان:
2025-12-13@01:26:00 GMT

«نزوى» والبنت التي تذرفُ الدموع !

تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT

ثمّة غبشٌ يُشوشُ ذكرى ذلك اليوم الذي حاولتُ تذكّره الأسبوع الماضي بنستولوجيا عالية، شيء خفيّ ومتوارٍ في طبقات ذكرياتي البعيدة، شيء ظننته في الوهلة الأولى عبثيًا، لكن خيوط حياتي وتشابكاتها كانت تقودني إليه في كلّ مرّة!

في نهاية التسعينيات كنتُ ضمن جماعة الصحافة في المرحلة الثانوية، عندما قررتْ المعلمة أن تصطحبنا في رحلة للتعرُّف على الصحافة الحقيقية وعملية الطباعة المعقّدة.

أكثر ما يُضيء في عقلي من تلك الذكرى الضبابية، أننا حصلنا -جوار الجرائد- على نسخة من مجلة «نزوى». أحدهم قال لنا عفو الخاطر: بأنّ الكُتّاب يكتبون في هذه المجلة. آنذاك قبضتُ عليها بكلتا يديّ وكأنّها ستطيرُ من بينهما فيما لو أفلتها، وأخذ الخفقان يعبثُ بقلبي، ربما لأنّي كنتُ أضمرُ في طياتِ روحي تلك النوايا المبكرة بأن أصير كاتبة.

أردتُ أن تنتهي الرحلة بسرعة لأنفرد بها، بمتعتي التي لم تكن تتغذى جيدا في قريتي النائية والبعيدة، بمكتباتها الصغيرة التي لا تحتوي أكثر من القرطاسيات. لم تتعد قراءاتي آنذاك الروايات والقصص ومجلات الأطفال، ولم تخدش عوالمي الأسئلة الكبرى رغم ما يعتمل بداخلي من فوران، ولم يتزود عقلي بزوادة النقد ومفاتيحه، ولم تقدح الفلسفة شرارتها ومقترحاتها الجمالية في روحي بعد.

لكن وما إن خلوتُ إلى نفسي وفتحتُ صفحاتها، انتابني العجز وقصور الفهم، وجدتُ نفسي ألهثُ دون أن أقبض المعنى، وفي خذلان اللحظة طويتُ نفسي كحنين غير مكتمل وبكيت!

أذكرُ جيدا بكاء تلك الليلة الغامض والحارق في آن، كان ثمّة صوت في رأسي يؤكدُ لي المسافة التي تفصل بيني وبين الكتابة. صوت مُعذب يُعمق بداخلي الفروقات. أذكر أنّي حاولتُ في اليوم التالي القراءة مجددا. بدت الأشياء أقلّ حدّة، والحذر أقل وحشة، إلا أنّ ذلك لم يُخفف للحظة من شعوري باستحالة أن أصير كاتبة! كنتُ أضع كُتّاب «نزوى» معيارا مُتطرفا لأوغل في إيذاء بداياتي الهشة والمضطربة بالاحتقان والفوضى.

عندما قُدر لي أن أدرس في جامعة «حلب» بداية الألفية، شاهدتُ أساتذتي ينظرون لها على أنها مصدر أساسي نُوثق بواسطته أبحاثنا، ينظرون لها بتقدير لا مثيل له. كان من النادر آنذاك أن يدرس العُمانيون في سوريا، ولذا كلما قلتُ «عُمان» كلما قال أساتذتي «نزوى»، هكذا تجلّى فضولهم في أبهى صوره تجاه الأنموذج المتخيّل لديهم عن عُمان ومثقفيها من خلال التصور الذي تخلقه «نزوى» فأدركتُ آنذاك أنّها علامة لا تتكرر.

في السنة الثالثة غامرتُ بإرسال نصّ لنزوى، كنتُ راغبة بكسر الرعب الأول الذي أحدثته بداخلي، في وقت كانت تلتبس فيه المفاهيم عليّ، ولم أتيقّن من نشر النصّ إلا عقب أن وصلني أول بريد من «نزوى» يطلبُ رقم حسابي لصرف المكافأة.

أخذتُ آنذاك أذرعُ الشقة ذهابا وإيابا، أصعد السلالم وأنزل، غير قادرة على ضبط إيقاع نبضي المُتسارع. كان ذلك أشبه باعتراف يكسرُ شبحية الانفصال القاسي الذي توهمته أول مرّة.

عندما عدتُ في ٢٠٠٥ للعمل في جريدة عُمان، وجدتُ نفسي أجاور المجلة مكانيًا لأول مرّة، لكني كنتُ أرغب دوما في إبقاء المسافة الآمنة بيننا.. إلا أنّ المغامرة الكبرى تمثلت في انتقالي للعمل فيها، فتخلخل الرعب وتزعزع.

وبينما تحتفل مجلة نزوى بإكمالها العقد الثالث هذا العام، كنتُ أفكر في خيوط لعبة المصائر التي قادتني بصورة لا تخلو من عجائبية لأصبح جزءا من فريق عملها. لقد تذكرتُ البنت التي كنتها يوما تذرفُ دموعها، وفهمتُ الآن أنّها كانت تريدُ من أعمق نقطة في روحها أن تنصهر في مشروع بهذه الرصانة، أن تتجذر في متنها وأن تجمح للمغاير والفارق عبرها.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

القومي للمرأة يهنئ مجلة «حواء» لفوزها بجائزة أفضل مجلة مصرية

يتقدم المجلس القومي للمرأة برئاسة المستشارة أمل عمار وجميع عضواته وأعضائه ونائبته  بخالص التهنئة إلى مجلة «حواء» وأسرة تحريرها بمناسبة فوزها بجائزة أفضل مجلة مصرية ذات محتوى هادف للمرأة والأسرة في مسابقة مجلس الأسرة العربية للتنمية، والتي أُعلنت بجامعة الدول العربية.

حيث عبرت المستشارة أمل عمار عن فخرها بهذا الفوز المستحق لمجلة «حواء» والذى يعكس مسيرة طويلة من العمل الجاد والمحتوى الهادف الذي يلبّي احتياجات المرأة والأسرة المصرية، مؤكدة أن هذا الفوز يمثل تتويجاً للدور العريق الذي لعبته المجلة عبر تاريخها في دعم قضايا المرأة وتسليط الضوء على الموضوعات الاجتماعية والثقافية المهمة، كما يعكس ثقة القراء والمؤسسات في رسالة مجلة «حواء» المهنية، ويمثل خطوة جديدة في مسيرتها الإعلامية المتميزة التي أسهمت فى تطوير الوعي المجتمعي ودعم المبادرات القومية الهادفة لتمكين المرأة، مضيفة أن مجلة «حواء» تعد واحدة من أعرق المجلات المصرية التي حافظت على حضورها وتأثيرها من خلال محتوى توعوي وثقافي راقٍ يدعم المبادرات القومية ويسهم في نشر الوعي الاجتماعي.

مقالات مشابهة

  • حكم الدين في عدم الإنجاب.. أزهري: الشخص الذي يرفض النعمة عليه الذهاب لطبيب نفسي
  • القومي للمرأة يهنئ مجلة «حواء» لفوزها بجائزة أفضل مجلة مصرية
  • انطلاق النسخة الثالثة من مسابقة إحسان صديقة للبيئة بالداخلية
  • مغامرو «نقتفي أثر أسلافنا» يختتمون مسيرًا بريًا تراثيًا في ولايات الداخلية
  • متابعة تطبيق اللغة الصينية بمدرستين في نزوى
  • شاهد بالصورة والفيديو.. دكتورة تجميل سودانية تذرف الدموع وتعبر عن حزنها الشديد بسبب مقتل مطرب الدعم السريع: (الفنان الوحيد الكنت بسمع ليهو والحرب ما فيها خير)
  • 160 باحثًا من 16 دولة في مؤتمر جامعة نزوى للدراسات العليا
  • وفد صيني يطلع على البرامج الصفية والأنشطة اللغوية في مدرستين بالداخلية
  • ستارمر يرد على هجوم ترامب: أوروبا «متحدة خلف أوكرانيا»
  • مؤتمر في جامعة نزوى يناقش دور الدراسات العليا في تجويد الإنتاج العلمي