عربي21:
2024-06-06@08:28:04 GMT

لم يعد الصمت محتملا.. قصة قصيرة من وحي المعركة

تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT

بعد خمسين يوما من الاعتقال المهين، أفرج عنّا قبل يومين، لننتقل من عالم أسود شديد الحلكة دون أية فرجة من نور، تقف بين المهانتين مهانة، وبين العسرين عسرا، فقط جاء اليسر عندما تمّ إبلاغنا بفكّ قيدنا، انتقلنا إلى عالم أقلّ سوادا بقليل، نلتقط فيه نفسا بين موتتين؛ موتة من القصف بكلّ أنواعه الجهنميّة، جوّا وبحرا وبرّا، وموتة من المجاعة وانتشار الأوبئة وفقر الدم والمناعة وفقر كلّ مقوّمات الحياة.



بعد يومين تمكنّا أنا ورفيقة دربي في الحبسة من الالتقاء، وصلت ذات المدرسة التي وصلت إليها حيث ينزح إليها النازحون والفارّون من لهيب أسلحة الدمار الشامل، كان ذلك في يوم بارد ماطر، السماء تكتظّ بغيوم سوداء تحجب الشمس وتقف بشدة وحزم أمام كل من يحاول التسلل من أشعتها الدافئة، تماما كحاجز عسكريّ لئيم، وغرف المدرسة على ثلاث طبقات مكتظة بالنساء والأطفال المرعوبين والخائفين على أرواحهم، وكلّ منهم له قصة في فراره من بيته ووصوله إلى هذا الملجأ القسريّ، أغلبهم قد فقد عددا من عائلته واعتصم من تبقّى منها في هذه المدرسة.

المهم في ساحة المدرسة التي تطلّ عليها هذه الجماهير المحشورة في غرفها التقيت أنا شهد مع ناريمان، وكانت فرصة لأخرج ما تراكم في صدري من قهر كأنه كتل صخرية أثقلت صدري وسحقت قلبي بكلّ ما فيه من حزن وكرب لا يعلم حجمه إلا الله.

بعد عناق طويل أفرغت فيه كثيرا من شحنات قلبي، انفلت لساني من عقاله:

- اتفقنا في السجن يا روحي أن نتكلّم.

-  أعترف لك أن الموضوع ليس سهلا، لم أتخيّل نفسي كيف سينظر لي أهلي، الناس، كيف سأنظر أنا لنفسي في المرآة، هل تتحمّل نفسيتي هذا الوصف الذي سأُنعت به؟..

ارتسم على وجهي ذات الألم وهاجت عواصف عاتية في صدري، انهمرت عيناي بالدموع ورأيت دموعها كالمطر.

- وهل الصمت هو البديل؟ هل نصمت على جريمتهم؟ هل نذعن لتهديداتهم؟

- لم أقل هذا، الصمت فظيع، سيقتلني كمدا وقهرا. " ثم هزّت راسها بعنف وتابعت: والبوح أشدّ وطئا وألما.

- يا خيّتي باختصار، الكلام نتضرّر منه نحن شخصيّا، بينما الصمت تتضرّر منه قضيّتنا وسنفتح الباب على مصراعيه على هذه الجريمة لأنهم سيقولون: تخشى الفلسطينيات على أنفسهن من فضح ممارساتنا معهنّ، سوف يُمعنون في هذه الجريمة وتصبح ديدنهم، أنا مقتنع تماما رغم كل تهديداتهم لنا بأنه لا بدّ من التضحية بالشأن الخاص لخدمة الشأن العام.

- أنا معك، لكن بصراحة..

وطال صمتها مع المزيد من البكاء والنشيج..

- بصراحة ماذا؟ والله إنّي لأعرف ماذا يعتمل في عقلك. تخشين على فرصك في الزواج، ثقافة مجتمعنا تظلمنا كثيرا.

- لا أريد أن أزيد خسارة على خسائرنا الكبيرة، خسرنا بيوتنا وكثيرا من أهلنا، أحوالنا وأموالنا كلّها أكلتها هذه الحرب المجنونة، لم يتبق لأحدنا إلا ما نحمل من شرف ودين وضمير حيّ.

- أنت إنسانة مؤمنة والله سبحانه وعدنا أن يجعل لنا مخرجا إذا كنّا على تقوى الله، "ومن يتق الله يجعل له مخرجا".

- الحمد لله، تربينا على أن نكون حريصين على تقوى الله.

- ومن تقوى الله يا سيّدتي أن نعرّي الظالمين ونكشف ظلمهم للناس "لا يحبّ الله بالجهر من السوء من القول إلا من ظلم"، وتعلمين أن الساكت عن الحق شيطان أخرس.

- اسمعي أحكيلك أنا مقتنعة بما تقولينه ولكنّي نفسيّا لست قادرة، أنا كلما مرّ شريط ما فعلوا بي أكاد أستفرغ أمعائي، أشعر بسكاكين تضرب نصالها في قلبي، قولي لي كيف يتخيلّني الناس وأنا أتحدّث عن الاغتصاب الهمجي؟ كيف كبّلوا يدي من الخلف ثم.. لا لا أستطيع أن أكمل، مجرّد إعادة الشريط عذاب ما بعده عذاب.

- لا داعي للتفاصيل نحن نوثّق شهادتنا على أصولها في مؤسسة حقوقية ونطوي الصفحة.

- بهذه البساطة نطوي الصفحة، ليتني أستطيع ذلك.

وضعت راحة يدي على كتفها برفق وقلت بحماسة هادئة:

- يا عزيزتي دعي الحديث لي، نحن أمام هدف نبيل، خاصّة أنّهم ادّعوا على رجال مقاومتنا أنهم اغتصبوا نساءهم يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وثبت كذبهم ولم يستطيعوا الإتيان بدليل واحد، نحن الآن الدليل القطعي على أنّهم ارتكبوا هذه الجريمة، نحن أمام هدف عظيم يستحقّ منّا هذه التضحية.

- أنا جاهزة توكّلي على الله، لن يضيّعنا الله.

- رنّ هاتفي فإذا به الصحفي الذي رتّبت معه على عقد مؤتمر للإفصاح عن الأمر.

- اليوم الثانية بعد الظهر ستأتي الصحافة ووكالات أجنبية، جاهزة؟

- نعم جاهزة ومعي المعتقلة الثانية التي حدثتك عنها.

- عظيم جدا.

- وسيأتي مندوب عن الأمم المتحدة لتسجيل الشهادة.

- التوقيت جدا مناسب، "نتنياهو" بالأمس يتشدّق بأن جيشه هو أكثر الجيوش أخلاقية في العالم.

- بالفعل لم يعد الصمت محتملا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الفلسطينيات إسرائيل فلسطين غزة نساء معتقلين سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

المرتضى: المعركة الثقافية لا تقل أهمية عن الصمود العسكري في الجنوب

عقد وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ورئيس المعهد الفني الانطوني الأب شربل بوعبود مؤتمراً صحافياً مشتركًاً، اليوم، في مقرّ المكتبة الوطنية في بيروت للإعلان عن إطلاق ورش العمل لموضوع "الفن والتكنولوجيا في مواجهة التحديات والذكاء الاصطناعي" في المعهد الفني الأنطوني في الدكوانة.

 بداية، تحدث الأب شربل بوعبود، متوجها في مستهل كلمته الى الوزير المرتضى، قائلًا:"ربما تتساءلون يا معالي الوزير مع الحضور الكرام لماذا هذا المؤتمر بينما الكرامات تداس والعائلات تتشرد وحال الحرب في الجنوب وغزة مقطع الأوصال بدون رأس للجمهورية والمؤسسات الدستورية مفككة، ولكننا مؤمنون بأن الثقافة هي التي تبني الأوطان وتعكس صورة الإنسان الحضارية في ارضه محملة بالتراث والتقاليد، ونحن مصممون على العمل قدما في إظهار صورة لبنان الحضارية والثقافية".

 بدوره، رد المرتضى بكلمة مرتجلة قال فيها: "من الطبيعي ان يجرى هذا المؤتمر الصحافي في رحاب المكتبة الوطنية لأن وزارة الثقافة ووزيرها معنيان بأن يكونا في خدمة كل عمل تقوم به الرهبنة الأنطونية ومؤسساتها لا سيما  النشاطات ذات البعد التوعوي".

 واكّد المرتضى: "انه من الأهمية بمكان ان نقدم مثل هذه الفعاليات الثقافية في ظل الاوضاع والظروف التي يعيشها لبنان والمنطقة، لان المعركة الثقافية لا تقل أهمية عن الصمود العسكري في الجنوب وهذا ما نقوم به في وزارة الثقافة، وهذا ما يقوم به المعهد الفني الانطوني وهذا ما يجب القيام به على الدوام في مواجهة الكيان الغاصب المتوحش الذي اضحى يشكل خطرا ليس على لبنان وفلسطين فحسب، بل على القيم الأخلاقية والإنسانية الجامعة للبشر".

وتابع المرتضى: "مشكلة هذا العدو "الغول" معنا نحن، اللبنانيين، اننا بعيشنا الواحد وبتنوعنا الايماني والفكري والثقافي نمثّل النقيض له الذي يسقطه اخلاقياً ويفضح شذوذه، ولهذا فإنه يستهدفنا لقناعة لديه بأن لا رسوخ له قبل القضاء على نموذجنا وصيغتنا ولهذا يعمل هو ومن وراءه عبر ادواته وابواقه على تيئيس المكوّن المسيحي من فكرة العيش الواحد فيحضّهم اما على الهجرة او على الانعزال والتقسيم تحت عناوين ملطّفة، لكنه لن يفلح ولبنان سينتصر عليه".

 وختم المرتضى كلامه قائلا:"كل التوفيق لكل إصبعٍ يرسم وكل ريشة تُملي لغياب اللون حضور الضوء، وكل الاحترام للرهبانية الأنطونية المريمية بشخص راعي هذه الفعالية قدس الأب العام جوزف بو رعد السامي الاحترام وكل جمهور هذا الصرح الروحي على أمل أن تُعَمَّم تجربتُكُم الرائدة فتتحول إلى ثقافة سائدة في بلدنا الحبيب لبنان".

 بدور قال الاب بو عبود "في هذا اليوم المميز، وفي رحاب وزارة الثقافة اللبنانية، أتوجه إليكم جميعًا بالشكر على حضوركم ومشاركتكم في إطلاق "مؤتمر الفن والتكنولوجيا". إن الفن هو التعبير الأسمى عن روح الإنسان، والتكنولوجيا هي الأداة التي تفتح لنا آفاقًا جديدة لتحقيق هذا التعبير. إن دمج هذين المجالين يمكننا من الوصول إلى مستويات غير مسبوقة من الإبداع والابتكار.

 وتابع: "إن هذا المؤتمر يمثل منصة حيوية لتبادل الأفكار والخبرات بين الفنانين والمبدعين والتقنيين. نحن هنا لنتعلم من بعضنا البعض، ونتشارك رؤى جديدة تساهم في نهضة مجتمعنا وتطوره. إنني أدعوكم جميعًا للاستفادة القصوى من هذه الفرصة الفريدة، ولنعمل معًا على تطوير مشاريع تدمج بين الفن والتكنولوجيا، مشاريع قادرة على إحداث تغيير حقيقي وملموس في حياتنا".

 وختم بو عبود: "إنني متفائل بمستقبل الفن والتكنولوجيا في لبنان، وأتمنى لنا جميعًا أيامًا مليئة بالإبداع والتقدم. ومن هذا المنبر اصلي معكم إلى الله عز وجل لكي يحفظنا ويحفظ وطننا الحبيب لبنان".

وأيام المؤتمر ستكون في المعهد الفني الأنطوني في الدّكوانة من 11 إلى 14 حزيران.

يوم الثلاثاء 11 حزيران، سيكون التّركيز على الصحة النفسية والعلاج بالفن مع مركز بيروت المجتمعي.

في يوم الأربعاء سيكون التركيز على تمويل المؤسسات النّاشئة الفنية. 

يوم الخميس، سيتمكن المشاركون من اختبار تقنيات الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي مع "زكا"، ويليها جلسة تفاعلية عن الصحة الجسدية للفنانين، بالإضافة إلى وقت حر للتعرف على تقنيات فنية متنوعة في المعهد الفني الأنطوني. بعد الظهر، سيتم التركيز على الفن الكلاسيكي.

في اليوم الأخير، سينضم الأب الدكتور نيقولا رياشي للحديث عن "الفن المسيحي بين المعاصرة والتقليد"، يليها جلسة مع السيدة سميرة عزّو حول تراث بيروت المعماري، وختامها مع المهندس مايكل معتوق حول تحولات الفن الحديث في بيروت ولبنان". (الوكالة الوطنية)

 

 

 

مقالات مشابهة

  • بوتين يعلق على إدانة ترامب في قضية أموال الصمت
  • القاص العمراني يروي .. مفاجآت ليلة ممطرة
  • أستراليا تنهي المعركة القانونية ضد X
  • المرتضى: المعركة الثقافية لا تقل أهمية عن الصمود العسكري في الجنوب
  • أمير نجران يرعى حفل تخريج طلبة مدارس دار الأحفاد الأهلية ويُدشّن المدرسة العالمية
  • عدم الرد.. عماد محمد يفضل الصمت بعد تصريحات كاساس
  • خبيرة تربوية: المراجعة بالكتابة لطلاب الثانوية العامة تزيد التركيز (فيديو)
  • حماس: الصمت الدولي عن جرائم العدو الصهيوني ضد أطفال فلسطين وصمة عار
  • أحمد السعدني يحتفل بتخرج نجله من المدرسة: راجلي
  • يوسي كوهين: نعرف مكان نصر الله ويمكننا اغتياله بأي لحظة