بعد رحيل شاعر الفوازير.. أبرز مؤلفات بخيت بيومي
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
توفي صباح اليوم الشاعر الغنائى بخيت بيومى، عن عمر ناهز الـ82 عامًا، بعد تعرضه لأزمة صحية، حيث شيعت جنازته بعد صلاة العصر بمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، وفن بكفر الحطبة بشريين.
ولد شاعر الفوازير، فى 18 يونيو عام 1942 بمحافظة الدقهلية من قرية كفر الحطبة مركز شربين، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وذلك تنفيذا لوصية أمه قبل وفاتها، حصل على الثانوية اﻷزهرية في عام 1960 من المنصورة، كما حاز على دبلومة في الخطوط، بدأ حياته مدرسًا في إحدى المدارس الخاصة ثم خطاطًا، وبعدها اتجه لكتابة اﻷغاني.
قدم الشاعر الغنائى باقة متنوعة من الأعمال سواء الأغاني والمسلسلات، واشتهر بكتابة الفوازير لمدة 17 عاما وكانت بطلة الحلقات التي قدمها الفنانة نيللي، واشتهر بكتابة فوازير الأنبياء والرسل.
وتُعد ابرز مؤلفاته الدرامية والتليفزيونية ، فرح وفرقة المرح، المسحراتي، سر الأرض، يوميات نجاتي المسحراتي، اجري اجري، عم كريم أبو المفاهيم.
كما قدم باقة من المؤلفات الغنائية تتضمن، الستات ميعملوش كده، ماما نور، القلب وما يعشق، أصوات تبحث عن ميكروفون، أسعد الله مساءك، أنا وأنت فزورة، عودة أخطر رجل في العالم، أحلام العصافير، الأستاذ عفيفي، خميس وجمعة.
وكانت اخر قصائد بخيت بيومى التى ارثى بها الاعلامى الكبير وائل الابراشى، والتى جاءت كلماتها: " ياوائل ياابراشى.. ياعاشق الكلمة المسموعه والمكتوبة والمرئية للملايين.. اول ماجانى الخبر قلبى اتفطر واتوجع ونزلت الدموع المحبوسه على الخدين....".
وكانت قد كشفت مصادر مقربة من اسرة الراحل انه أوصى بدفنه في مسقط رأسه في قرية كفر الحطبة بمركز شربين في محافظة الدقهلية، وأن يُكتب على شاهد القبر "هنا يرقد شاعر الرصيف بخيت ابن بيومي.
ولم يكتفى شاعر الرصيف بهذا بل ايضا ، أوصي أن يوزع جزء من ثروته على البسطاء من أبناء قريته وسمى عدد منهم خارج القرية والباقي يصرف لدار الأيتام سماها في وصيته.
فيما نعت الدكتورة نيفين الكيلاني، الشاعر الراحل، قائلة: “ أننا فقدنا شاعرا غنائيا متفردا أثرى الحياة الفنية والغنائية بالعديد من الأعمال الخالدة لكبار مطربينا، وشكلت مؤلفاته جزءا من ذاكرتنا ورحل تاركا مكتبة تحوي إرثا لن يمحى”.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: وزيرة الثقافة بخيت بيومي
إقرأ أيضاً:
أفق القراءة وقصد المؤلف…المعنى في مكان آخر
حاتم الصكر
لا تقود قراءة النصوص أحياناً إلى قصد كاتبها. وهو بدوره لا يذهب إلى حيث اتجهت مقاصد قصيدته ووجهاتها المحتملة.
خلال اشتغالي على النصوص الشعرية وجدتني أحياناً منحازاً لنصوص الشاعر أكثر من انحيازه لها. قد لا تتطابق توصلاتنا في تصنيف عينة دمِه الشعرية التي يحبّذها. وليس هذا إشكالاً في عملية القراءة، حيث تتقاطع عدة آفاق، وتتناقض، وربما تلتقي أحياناً لتفترق من جديد. أعني أفق الشاعر وأفق النص وأفق القراءة، وما يحفُّ بذلك من وقْع وتوقّع وتأويل ممكن.
إن الافتراق عن غرض الشاعر أو هدفه في النص كما يتصوره، أمرٌ مشروع ومطلوب في القراءة والتلقي بالضرورة، لخلق الوجود الجديد للنصوص، عبر عملية القراءة، وإسقاطاتها، وفهمها وتفسيرها.
وسوف يكون نموذج القراءة غير المتطابقة مقصدياً مع الشاعر من مراجعتي لمجمل نتاج الشاعر صلاح فائق، بكونه واحداً من المنصرفين تماماً لكتابة قصيدة نثر، متميزة بكثير مما يسمح بتصنيفها ضمن التيار السريالي العربي.
لكن صلاح فائق يذهب إلى أنه أولاً ليس شاعر قصيدة نثر، ويستشهد بما كتب من أنواع؛ كالومضة، وقصائد السطر الواحد، والشعر القصصي، واختلاط الحلم بواقعة طبيعية. كما ينفي السريالية عن نفسه ثانياً. ففي كتاب حواري أجراه معه الشاعر اسكندر حبش بعنوان «ذاكرتان وخمس مدن»، نجد صلاح يبرر رفض وصف قصائده بالسريالية، كون السريالية نمطية، كما يقول، وأسسها معروفة من فرويد إلى التنجيم والسحر والتصوف والتماهي. وأنه يتفادى المجاز، الاستعارة والتشبيه والكتابة الآلية، رغم أنها من أسس الشعر السريالي.
لم يمنعنا ذلك من قراءة خيالِه سريالياً. فلطالما خرج عدة شعراء على التجمع السريالي والقناعات المؤطَّرة. لكن النصوص تقول شيئاً آخر دوماً: شيئاً ليس في لائحة النص المعلَن ولا قصد كاتبه، ولا قراءة قارئه أحياناً.
يعيش صلاح فائق في سكنٍ خيالي من طوابق متعددة، تتصدرها قصيدته. إنها وحدها سكنُه الذي يعيش فيه حياته الحقيقية. نقرأ له هذه الفقرة المهمة «قصيدتي ليست سيرة ذاتية عني. هي سيرة متخيلة». ويلتقي هنا بما قاله باشلار في كتابه عن لوتريامون «ما تحجم عن قوله البيوغرافيا، ينشده العمل».
لكن الاستدراك من صلاح يعدّل المنظور للقصيدة السيرية. إن القصيدة سيرة لكنها متخيلة. لا يعيشها بالضرورة. وربما سوف يعيشها من بعد. إنها أوهام وأحلام واستيهامات وتهيؤات وتصورات، رغم ما فيها من كِسَرٍ مهرّبة أو متسربة: كركوك مثلاً وجزر الفليبين والعمل في السكك الحديدية والتشرد والسجن والعيش في الجبال قبل مغادرة العراق، وأصداء من المدن والأمكنة، تلك التي يتحدث عنها في حواراته، وترِد في سياقين:
– متخيَّل، ليس نقلاً فوتوغرافياً أو تسجيلياً، بل عبر نشاط المخيال المفرط.
– أو يتم تمثُّلها وإعادة تمثيلها نصيّاً ببعض الإحالات والإشارات من خزين الذاكرة، فتبدو ملامح السريالية مندرجة فيها، بِنيةً ومفرداتٍ ودلالة. تتوافق السريالية مع مزاج صلاح فائق الشعري تماماً. إن القصائد تؤكد ذلك. ثمةَ تأففٌ من الأعراف، محاولة للتفرد والعزلة، استضافة الغريب والعجائبي، وامتلاء القصائد بالموجودات، وأنسنة الطبيعة، وهذا السيل من الأنهار والأشجار والعواصف والرياح والحيوانات التي تقف عند بابِه أو تمرّ بغرفته، وتستلقي على سريره، وتتخذ قصيدتَه سكناً، مقابلة الموتى والأعلام، ولقاء قرينه في الأقاصي. كل هذا استدعاء خيالي لا بد من تفحص مرجعيته، لنرى أنها مشخّصة بالمؤثر السريالي، أو فوق الواقعي.
ينفي صلاح في حوار اسكندر حبش معه تلك المرجعية السريالية. إنه يرفض ربطه بها، ولكن بطريقة مهذّبة وجمالية، فإنه لا يود أن تتم فهرسة أو تصنيف عيّنة دمه الشعرية. في قصيدة يسأل القارئَ/ الناقد ألّا يقرأ قصائدَه على وفق منهجيات مسبقة، أو يعمل على تفكيكها بقواعد من نظرياتٍ ما. ذلك جميل كموجِّهٍ للقراءة. لكن الأعراف والتعاقد القرائي بين النص والقارئ لا تستجيب أو تحتكم لتلك الرغبة (الشعرية).
إن صلاح ذو ارتباطات وصلات بالسرياليين خلال إقامته في لندن، يحدّث اسكندر حبش عنها. ويسمي الجماعات والأفراد وبعض الأفكار التي تبنتها الجماعات الصغيرة، لكنها شأن التجمعات السريالية لم تدمْ طويلاً، لأن المسؤولية في الكتابة ذاتية عادةً، من وجهة النظر السريالية. وكل جماعة إنما تعمل تجمعاً كلافتة لاصطفافٍ عريض لا يلزم صاحبه بالقناعة العامة أو الجماعية. وتاريخ الجماعات السريالية يؤكد ذلك.
الجانب الثوري لدى صلاح يبدو في اعتقاده الماركسي المستمر وبحثه عما هو شعري لدى ماركس ذاته، وتمسكه بثوريته وانحيازه الطبقي للعمال والفقراء، والعشاق، والشعراء، والغرباء.
كل ذلك يجعل اقترابه من السريالية ممكناً. فهي في قراءات النقد الغربي ذات منحى ثوري. نقتبس من مؤرخ قديم معاصر للسريالية في نشأتها الأولى هو موريس نادو، قولَه في كتابه «تاريخ السريالية» إنها «ثورة شعرية حقيقية تنفي الشعر لأنها تتجاوزه. إن ترتيب الكلام في قصيدة يُستبعد، ليفسح المجال للنص الآلي، لإلهام العقل الباطني المتروك على سجيته، وسرد الحلم».
ولصلاح نفسه تصريح مماثل: «إن لكل فترة زمنية سرياليتها التي تعبر عن نفسها بأدوات ووسائل جديدة مبدعة..». ويؤكد ثوريتها بتذكر مقولة أندريه بروتون إن السريالية سلاح ضد انحطاط المجتمع البرجوازي. ويشيد بمواقف السرياليين من قضايا التحرر والوقوف مع الانتفاضات والثورات العمّالية. وقد كان صلاح فائق يهتم كثيراً بالمنشورات والأدبيات السريالية، ويعّرف بأنشطتها وبياناتها..
إن صلاح يستمد بيقين وقناعة كل رؤى السريالية وتصوراتها عن الكتابة. بل هو أكثر الشعراء العرب أمانة في تلقف الجوهر الجمالي للسريالية في نصوصه، عبر إطلاق طاقة الحلم واللاشعور القريبة من الكتابة الآلية، كما تراها التنظيرات السريالية وبياناتها ونصوصها. كتابة لا تصحح المكتوب أو تراجعه، وتسير تلقائيا في نمو النص بدون تخطيط أو ترابط عضوي ظاهري، بنيوياً كان أو معنوياً.
وأظن أن أية قراءة (شعرية) مدقّقة، لن تخذل حكمنا النقدي الآنف بصدد انصراف صلاح فائق بدراية وحماسة مطلقتين لتجسيد الجماليات السريالية في نصوصه. بل هو المثال الأكثر دلالة على مقولات السرياليين وطموحهم التدميري للتقليد والاجترار، واعتمادهم المخيّلة المنفتحة بلا حدود لإنجاز برنامج النص.
إن أية قراءة للميتا شعري لدى صلاح فائق ستؤكد نظرته الشبيهة بذلك الفهم الصادم المقصود الذي قدّمه بروتون عرّاب السريالية وكاتب بياناتها الأولى بصدد السريالية وحمولاتها الجمالية. وهذا مثال من قصائد صلاح الكثيرة، حيث توقف عند نتاج مخيلته ويومياته من دون إحالات أو تناصّات، فكتب نصّه «قصيدتي الأخيرة» محاولاً مناورة أي تعيين لمفهوم القصيدة ومقاربة وجودها:
«قصيدتي الأخيرة
رسائل ممزقة في شرفة
صرير باب لا أراه
هوَس التطلع إلى ستائر نوافذ
قراءات عن أرواحٍ في البراري
معجزة الاستيقاظ من النوم
منجمون يحتضرون أمامي
يدي الضائعة في هذه الصفحة أو تلك
قصيدتي الأخيرة».
في تقاطع آخر بين قراءتي وقناعة الشاعر صلاح فائق، أجدني أميل لوصف قصيدته بأنها قصيدة نثر، فيما يشكك صلاح كثيراً في ذلك الوصف.
إنه ينفي عن نفسه ذلك التعيين النوعي في الكتابة، ولا يوافق على وصف ما يكتبه بأنه قصائد نثر. وكثيراً ما استشهد في صفحته ولقاءاته بشعراء نثرٍ مركّز أو شعر منثور، أو نثر شعري، مثل حسين مردان الذي كان شعره (نثراً مركّزاً) كما يصفه هو نفسه، ويضعه مع كل ما كان ينشره. إنه يتعامل بعنف لغوي وهيجانات صورية صادمة، وانثيال العبارات بنثرية ذات صبغة بلاغية، وإن توشح بالغضب والرفض. ويميل أسلوب مردان لمتابعة أساليب النثر الشعري المهجري خاصة، بما فيه من غنائية وخطابية ومباشرة. ويحافظ على تقنيات الشعر المنثور الذي يحفل بالمفارقات والتضاد الصوري، لوسمِ شعريته بثورية رومانسية صادمة، تُراكم الجمل والصور في تداعيات مباشرة.
وثمة شعر حر بالمصطلح الذي تبناه جبرا بصدد الشعر الحر العربي بترجمة صحيحة عن الإنكليزية، ويقصد جبرا تحديداً شعره وتوفيق صايغ والماغوط. إن ما تنطوي عليه قصائد صلاح هو الذي يرشحها لتكون قصيدة نثر بكثافتها ومجانيتها اللازمنية، والحرة، وتجنُّب المطولات والثرثرة الغنائية والترهل.
إنه يعوّل على ميزة (المجانية) التي يلوم النقاد لأنهم لم يؤشروها في قصائده، فهي تتجنب الغرض ولا تقدم نفسها إلا بكونها ذات دلالات منتثرة في ثنايا الملفوظ شديد الإيجاز والكثافة. «في الشعر ثرثرة كثيرة» يقول، وينبغي كتابة «قصيدة دون شعر كثير».
وتاكيداً لذلك يهمل عنونةَ قصائد كثيرة في المرحلة الثانية، إذا ما شئنا أن نعدَّ دواوينه «رهائنّ، و«رحيل»، و«تلك البلاد»، و«مقاطعات وأحلام»، وسواها، الصادرة عن دور نشر معروفة، مرحلةً أولى، قاطعَ بعدها النشر العام مكتفياً بكتيبات ينشرها بنفسه، ثم ركن إلى النشر الوسائطي عبر موقعه وصفحته على الفيسبوك للتواصل مع القراء بسعة أكبر.
إنه يوجه نصوصه صوب قارئ يماثله في الفوضى المقصودة، واللانظام، تمثيلاً لمثيلتها في الحياة. وهذا تماماَ ما تعنيه عباراته المتكررة حول اليومي والحياتي، وما يدخل قصائده من موتيفات. فهي تمثيلات خيالية لواقع يجري ترميزه والاقتراب منه باستنفار الذاكرة والحلم والاستيهام، لاختيار العيّنات، ثم المغادرة إلى مملكة الخيال حيث يعيش مع قصائده في وحدته الآهلة.
المصدر: القدس العربي