اتجاهات مستقبلية
القراءة والمعرفة
مواجهة أزمة القراءة على مستوى الوطن العربي تتطلب ضرورة التوسع في البرامج الثقافية والمعرفية، التي تشجع الناشئة على القراءة
تحتفي دولة الإمارات العربية المتحدة في شهر مارس من كل عام بفَعَالية “شهر القراءة”، الذي شكّل منذ إطلاقه خطوةً فارقة على صعيد إثراء البناء المعرفي للمجتمع، وتعزيز مكانة الدولة كوجهة ثقافية وفكرية على المستويين الإقليمي والعالمي.
ومما لا شك فيه أن القراءة تُعدُّ بمثابة درع وسيف يحمي عقول الشباب، ويحرر الإنسان من قيود الجهل وانقياده للأفكار المغلوطة، فنور المعرفة يزداد كلما زادت حصيلة القراءة وتطور مستواها. وبالقراءة والمعرفة أيضًا تُعرَف منزلة الأمم والشعوب، حيث باتت تحتل الدول مكانها بين الأمم بحجم ما تمتلكه من معرفة واختراعات جديدة.
إن العلم هو أُولى خطوات تقدُّم البشرية والعالَم بأكمله، وقد حث اللهورسولهﷺ عليه؛وذلك في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، الزُّمر: 9. ومن أفضل ما قيل من حِكَم رائعة عن العلم ما جاء على لسان الإمام علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، حين قال شعرًا: ليس اليتيمُ الذي قَدْ ماتَ والدُه # إن اليتيمَ يتيمُ العلمِ والأدبِ
ورُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “تعلَّمُوا العلمَ وعلِّمُوه الناس”.
وعلى الرغم من أن أّول أمر إلهي إلى رسولنا الكريم في بداية نزول الوحي عليه هو (اقْرَأْ)، فإننا أصبحنا أمة لا تقرأ؛ فإحصاءات القراءة في الوطن العربي تعطي إنذارًا خطيرًا عن حالة التدهور الثقافي الذي يعيشه المواطن العربي. ووفقًا لتقرير منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة “اليونسكو”، فإن أعلى نسبة أمية في العالم تُوجد في الوطن العربي، والقراءة هي آخر اهتمامات المواطن العربي، فهناك 60 مليون أُمّيٍّ عربيٍّ و9 ملايين طفل خارج المدرسة، ويشير التقرير ذاته إلى أن الطفل العربي يقرأ 7 دقائق في العام، بينما الطفل الأمريكي يقرأ 6 دقائق يوميًّا، وأن معدل نشر الكتاب في العالم العربي لا يتجاوز 7%، وأن نصيب كل مليون عربي من الكتب المنشورة في العالم لا يتجاوز 30 كتابًا، مقابل 584 كتابًا لكل مليون أوروبي. كما أن إصدارات الكتب في الدول الأوروبية هي الأخرى أكثر بكثير من العالم العربي، إذ يُصدِر هذا الأخير كتابين مقابل كل 100 كتاب في أوروبا، وينشر العالم العربي 1650 كتابًا سنويًّا، في وقت تنشر فيه الولايات المتحدة 85 ألف كتاب سنويًا، وذلك في وقت يُعدُّ فيه إنفاق الوطن العربي على البحث العلمي هو الأدنى.
إن مواجهة أزمة القراءة على مستوى الوطن العربي تتطلب ضرورة التوسع في البرامج الثقافية والمعرفية، التي تشجع الناشئة على القراءة مثل تلك البرامج التي تقوم بها دولة الإمارات، وخاصة برنامج “تحدِّي القراءة العربي”، ومسابقة “شاعر المليون”، وتهتم الدولة بإعادة النظر في نظام التعليم، بحيث لا يعتمد على التلقين، وإنما يشجع على البحث والقراءة الحرة، وينمّي مهارات البحث وطرق الحصول على المعلومة، فضلًا عن تطوير محتوى الكتاب وشكله، بحيث يواكب التطور التكنولوجي الحالي، ويكون في متناول مختلف الفئات الاجتماعية.
وفي النهاية، يمكننا القول إنه لابد من تلاحم جهود المؤسسات المختلفة، مثل المدرسة والجامعة والمراكز البحثية، لحث الأجيال الجديدة على القراءة والاطلاع. ويجب أن تنهض المؤسسات الثقافية أيضًا بأدوارها المطلوبة في إنتاج المعرفة وضمان وصولها إلى القارئ بسهولة ويسر.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الوطن العربی
إقرأ أيضاً:
سر جنون اللابوبو.. دمية الوحوش التي غزت العالم وتباع بآلاف الدولارات
لم تعد دمية "لابوبو" حكرا على غرف الأطفال، بل أصبحت قطعة مميزة في إطلالات المشاهير وعالم الموضة. فهذه الدمية الصغيرة ذات الوجه الغريب، التي ظهرت لأول مرة عام 2015 ضمن سلسلة "الوحوش" من إبداع الفنان الهولندي من أصل هونغ كونغي كاسينغ لونغ، تحولت إلى ظاهرة ثقافية وتجارية تخطت الأعمار والحدود، وجذبت اهتمام الإعلام والمشاهير، وجامعي المقتنيات حول العالم.
من قصص الأطفال إلى صناديق الكبارصُممت "لابوبو" بالأساس كشخصية في كتب مصورة مستوحاة من الأساطير الإسكندنافية، لكن تصميمها الذي يمزج بين البراءة والغموض -بأذنين ناعمتين وأسنان حادة- فتح لها بابا نحو جمهور مختلف تماما. إذ لم يكن طريق الشهرة ممهدا عبر حملات تسويقية موجهة للأطفال، بل عبر ظهورها في أيدي نجوم كبار مثل ليسا من فرقة "بلاك بينك" (BLACKPINK) وريانا، اللتين شوهدتا مع دمى لابوبو تتدلى من حقائبهما الفاخرة، مما دفع ملايين المتابعين إلى اقتنائها.
"لابوبو هي طفلي"، قالتها ليسا في مقابلة مع (Teen Vogue)، لتشعل موجة شغف عالمية.
تباع دمى لابوبو في شكل "صناديق عشوائية" (Blind Boxes)، حيث لا يعرف المشتري أي دمية سيحصل عليها حتى يفتح العبوة. تتراوح أسعارها في المتاجر الآسيوية ما بين 13 و16 دولارا، لكنها تُباع حاليا على مواقع مثل "ستوك إكس" (StockX) و"إي باي" (eBay) بأسعار تفوق التصور:
إعلانبعض النماذج الشهيرة تُعرض بسعر 300 دولار، أما الإصدارات النادرة قد تصل إلى 1580 دولارا على موقع "بوب مارت" (Pop Mart).
بينما نموذج "سيكريت" (Secret) النادر جدا، الذي تبلغ احتمالية ظهوره 1.4% فقط، يُعرض في مزادات إلكترونية مقابل 1920 دولارا.
في حين تباع نسخة "بيغ انتو إنيرجي" (Big Into Energy) على متجر أمازون بسعر 167 دولارا للعلبة، أو 101 دولار للدمية الفردية.
وهذا ما يدفع كثيرين للوقوف في طوابير تمتد لساعات -بل أيام- على أمل الفوز بدمية نادرة أو حصرية.
اعتمدت شركة "بوب مارت" على إستراتيجية تسويقية ذكية قائمة على الإصدارات المحدودة والندرة، كما حدث مع دمى "بيني بيبيز" (Beanie Babies) في التسعينيات. كل دفعة جديدة تصدر بعد حملة تشويقية، ثم تُسحب بسرعة من الأسواق، مما يرفع الطلب بشكل كبير ويحوّل سوق المقتنيات إلى جزء أساسي من إستراتيجية الشركة.
لكن اللافت في ظاهرة لابوبو أنها ليست موجهة للأطفال، بل للبالغين. تتصدر صورها حسابات مشاهير الموضة، وتناقشها مجلات الرجال مثل "جي كيو" (GQ) كإكسسوار فاخر في حقائب الرجال. على منصات مثل تيك توك وإنستغرام، وتحصد مقاطع فتح الصناديق ملايين المشاهدات، وتُستخدم وسوم مثل #Labubu لتوثيق مجموعات منسقة بعناية، وغالبا مزودة بأحذية بلاستيكية (تباع بـ22 دولارا) وملابس مصممة خصيصا.
لماذا لابوبو الآن؟تفسّر الأكاديمية الأميركية غوزدي غونكو بيرك لصحيفة الغارديان الأميركية هذه الظواهر بقولها إن الصيحات لا تنشأ من فراغ، بل تعبّر عن قلق ثقافي، وتحولات تكنولوجية، ورغبات مشتركة يصعب التعبير عنها، لكن يسهل التعلق بها. في عالم يعج بعدم اليقين والاستهلاك المفرط، توفر دمية واحدة ذات وجه وحش عزاء عاطفيا ومهربا إلى طفولة مفقودة. "ربما تمثل لابوبو وهم البساطة الذي نحاول أن نتمسك به أمام تعقيدات حياة الكبار".
إعلان