د. محمد بن عوض المشيخي **

 

الإعلام هو النَّافذة الصادقة والمرآة العاكسة التي تُعبِّر عن هموم المواطن وطموحات المُستقبل الزاهر الذي يطمح إليه كل عُماني وعُمانية على هذه الأرض الطيبة، فعندما يغيب أو يُغيَّب دور الإعلام ورسالته السامية، تختلُ الموازين في المجتمع وتضيع حقوق الناس وينتشر الفساد ويتسلط الطغاة والمتنفذون  على مقدرات الدولة.

من هنا كان الأسبوع الماضي مختلفًا عن غيره من الأسابيع التي تمر من عمرنا؛ بل كان المجتمع الإعلامي الصغير في هذا البلد العزيز يترقب بفارغ الصبر وبعد انتظار سنوات طويلة الاطلاع على المولود الجديد المتمثل في مشروع قانون الإعلام بشقيه التقليدي والرقمي، وما يحمله هذا المشروع الذي ينظم العلاقة بين الحكومة والإعلام من حيث سقف الحرية التي تمنحها السلطة التنفيذية للمجتمع، وكذلك من حيث السماح بالحصول على المعلومات من صُنّاع القرار في الوزارات المختصة بالمشاريع والخطط المُستقبلية للدولة في مجالات الاقتصاد والتعليم والتوظيف وكذلك التشريعات والقوانين المستقبلية.

مشروع القانون الجديد- الذي أُعلن عن إحالته من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى- بدأ رحلته الأولى التي سوف تستمر بالمرور على عدة بوابات وحراسِّها الأُمناء على هذا الوطن، فقد وجّهت لجنة الإعلام والثقافة في مجلس الشورى، دعوةً كريمة لرؤوساء تحرير الصحف ومجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية؛ وكذلك بعض الأكاديميين في أقسام الإعلام في الجامعات العمانية؛ وذلك للاستناس بآرائهم حول مواد القانون الجديد قبل إجازته والتصويت عليه من المجلس، وهي خطوة حكيمة ومُوفَّقة من هذا الصرح التشريعي الشامخ، الذي عهدنا منه المواقف المُشرِّفة في مجال حرية الكلمة كحقٍ مُكتسبٍ لا يُمكن تجاوزه أو حتى قبول قسمته أو المساومة عليه. وكانت مضامين مشروع القانون المكوّن من 61 مادة مُفاجأة غير متوقعة ولا تخطر على بال أحد في زمن السماوات المفتوحة وحرية التعبير التي أصبحت سمة هذا العصر، وركنًا أساسيًا من حقوق الإنسان في التعبير عمّا يدور في خاطره. هذا الحق- الرباني المكتسب من ديننا الحنيف، وكذلك النظام الأساسي للدولة الذي أفرد عدة مواد قانونية- يُشكِّل أساس حرية التعبير وحرية الإعلام، وبالتالي أي نصوص قانونية تتعارض مع القواعد الدستورية العمانية لا يمكان إجازتها أو اعتمادها كقانون بأي حالٍ من الأحوال.

لقد أجمع من اطلع على مشروع القانون من أصحاب العلاقة من الإعلاميين والذين هم طرف أساسي في هذا التشريع الذي سوف يُطبّق عليهم- إذا ما أُجيزَ- على عدم مواكبته لهذه المرحلة المُهمة من تاريخ سلطنة عُمان ونهضتها المتجددة وفق رؤية "عُمان 2040"، والتي تهدف إلى الارتقاء بالسلطنة ووضعها في مصاف الدول المتقدمة التي تحترم حرية الإعلام.

ولعل عقوبة سجن الصحفيين والإعلاميين المنصوص عليها في مشروع قانون الإعلام الجديد؛ تعد واحدة من القضايا الجدلية في العالم الذي نعيش فيه؛ وهي غير مطبقة في معظم دول العالم حتى الأنظمة الاستبدادية التي تصادر حرية تعبير مواطنيها، كما إنها سوف تجعل السلطنة في مؤخرة دول العالم في التقييم السنوي للمنظمات الدولية التي ترصد القوانين الجديدة وتبني عليها قراراتها وتقاريرها الدورية، ليس فقط في حرية التعبير وحرية الصحافة فقط؛ بل أيضًا في مجال حقوق الانسان، وكذلك القوة الناعمة المتمثلة في السيطرة الطوعية والرغبة الأكيدة دون إكراه من العالم من حولنا، وذلك بالنسبة لسلطتنتنا الحبيبة التي نُفاخر بها بين الأمم، وكذلك بقيادتها الحكيمة التي اجمع العالم على قرارارتها الرشيدة في الداخل والخارج.

كما إن الغرامات المالية التي يستحدثها مشروع القانون الجديد والتي تصل إلى 200 ألف ريال عماني- حسب ما وردنا- غير منطقية، وكأنها كُتبت لكوكب آخر، وليس لهذا البلد المتصالح مع حكومته الرشيدة وكتابه وصحفييه المُخلصين للوطن والسلطان عبر العقود بعيدًا عن أي قانون.

نحن هنا لسنا دعاة للفوضى التي تهدم ولا تبني؛ بل ننطلق من الحرية المسؤولة، والتي تنتهي بأصحابها عندما تبدأ حرية الآخرين من الشركاء في هذا الوطن المترامي الأطراف؛ فالإعلام الحُر هو الذي يعتمد في عمله على معايير الصدق والتوازن والحرية؛ بعيدًا عن التهويل واستهداف خصوصية الأشخاص وحياتهم الخاصة، التي يجب أن تُصان من منصات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

يجب تذكير الجميع بأن هناك ثوابت وطنية وخطوط حمراء، يحرص الإعلاميون والكُتّاب على الالتزام بها منذ عقود، لكون تلك الثوابت الوطنية تشكل صمام الأمان لحاضر ومستقبل الوطن والمواطن على حد سواء؛ وهي: الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف في كل ما يُنشر أو يُذاع في وسائل الإعلام، والمحافظة على الوحدة الوطنية والإيمان بالله والولاء للوطن والسلطان، واحترام وتقدير جلالة السلطان وأسرته الكريمة ومكانته الرفيعة؛ باعتباره الضامن لوحدة الأمة والرمز المُصان بين أفراد المجتمع العماني، فضلًا عن المحافظة على الأمن الوطني للبلاد من الفتن والنعرات القبلية والتحزُّب، وكذلك تجنُّب نشر معلومات مُصنفة في النطاق السري من جهات الاختصاص، وعلى وجه الخصوص تلك التي قد تضر باستقرار الوطن وأمنه القومي.

يجب التأكيد هنا على أن مشروع قانون الإعلام الجديد ليس نسخة نهائية؛ بل مُسوّدة مُقدمة من السلطة التنفيذية لإبداء الرأي، كما إن وزارة الإعلام ليست فقط هي التي صاغت نصوص القانون وحدها؛ بل هناك جهات عديدة لها دور في ذلك؛ وإن كانت الوزارة مُمثِّلة للإعلاميين لدى تلك الجهات المُكلَّفة بصياغة مسودة القانون المقترح، فإنني على ثقة بالنوايا الحسنة للمسؤولين في وزارة الإعلام، التي من المفترض أن تكون الجهة المُشرِفَة على تطبيق القانون في المستقبل، وأن غايتها الأكيدة صدور قانون يُرضي الجميع، ولا يُصادر حرية التعبير التي نُمارسها طوال السنوات الماضية، بعيدًا عن مقص الرقيب.

ولكوني مؤلف كتاب "الإعلام في الخليج العربي.. واقعه ومستقبله"، والذي يُدرَّس في معظم الجامعات الخليجية، ومُستمرٌ في تدريس الكتاب في جامعة السلطان قابوس منذ سنوات طويلة وحتى هذا الفصل الدراسي الحالي، أستطيعُ أن أزعم أن سقف الحرية في سلطنة عُمان قد تجاوز السقف الموجود في دول الخليج العربية قاطبةً، على الرغم من وجود قوانين للإعلام لا تُجيز سجن الصحفيين في معظم تلك الدول.      

وفي الختام.. يجب تذكير الجميع أن مرجع هذا القانون ومحطته الأخيرة للاعتماد والموافقة النهائية عليه؛ هو حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ونحن على ثقةٍ مُطلقةٍ بأن ما يختاره سلطان الفكر للمجتمع العماني، سيكون الأفضل والانسب لإعلامنا الوطني، وعلى الجميع أن يُحسن الظن في القيادة الحكيمة لهذا البلد، كما إننا نُثمِّن مواقف جلالته المُشرِّفَة في مجال حرية التعبير؛ فهو الذي أكد غير مرة، إيمانه المطلق بأهمية الحرية المسؤولة؛ كمبدأ أساسي لا يُمكن التراجع عنه.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ترامب يهاجم توقيع بايدن | نخبرك ما نعرفه عن الجهاز الذي يغني عن قلم الرئيس

هل تساءلت يوما عن الوقت الذي يمضيه الرؤساء في توقيع الأوراق الرسمية وغير الرسمية، أو دعوات العشاء، أو رسائل التهاني، أو عن الوقت الذي يحتاجه رئيس جامعة لتوقيع مئات شهادات التخرج؟

ورغم أن بعض التوقيعات تحمل رمزية في حالات الأوامر التنفيذية الهامة، أو الاتفاقات الدولية الكبيرة، إلا أنها في كثير من الأحيان تصبح عبئا على الشخصيات المهمة لا سيما الرؤساء، فكيف إذا كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.



وفي آخر مظاهر الجدل حول معاركه مع سلفه بايدن، أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأربعاء بإلغاء كل التوقيعات التي وقعها سفله باستخدام القلم الإلكتروني.

ما اللافت في الأمر؟

يعتبر اتهام ترامب الأخطر من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة، ويشكك في جميع القرارات التي اتخذها بايدن على مدار أربع سنوات.

وكان ترامب روج قبل أيام على منصته تروث سوشيال للنظرية القائلة بأن بايدن ليس إنسانا بل روبوتا مستنسخا.

أين المشكلة؟

اتهم ترامب المقربين من بايدن بالاستيلاء على توقيعه الخاص عبر نظام إلكتروني يسمى "أوتوبن" أو القلم الآلي، الذي يقوم بوضع توقيع الرئيس على الوثائق أتوماتيكيا.

ومن شأن ذلك إن ثبتت مزاعم ترامب أن يؤثر على قانونية وصحة العديد من القرارات التي صدرت بتوقيع سلفه الديمقراطي.

ما هو القلم الآلي؟

القلم الآلي جهاز يقوم بتقليد التوقيع بعد مسحه ضوئيا وتكراره بشكل دقيق ويستخدم لتوقيع الوثائق الكثيرة التي لا يستطيع الشخص العادي توقيعها مثل مئات شهادات التخرج في الجامعات التي تحمل توقيع رئيس الجامعة، على سبيل المثال.
 


هل يستخدمه الرؤساء الأمريكيون؟

نفى البيت الأبيض لسنوات طويلة استخدام القلم الآلي لوضع توقيع الرؤساء على الأوراق المهمة والقرارات التنفيذية، لكن هذا لا يعني بالضرورة عدم وجود جهاز مماثل في البيت الأبيض.

وتشير مؤسسة "شابيل للمخطوطات" إلى أن الرئيس الثالث وأحد مؤسسي البلاد، توماس جيفرسون اشترى أحد الأجهزة بعد فترة وجيزة من تسجيل براءة اختراعه عام 1803. 

واستخدم الرئيس ليندون جونسون القلم الألي وسمح بتصويره لصالح صحيفة "ذي ناشونال إنكواير" إلى جانب مقال عام 1968 بعنوان "الروبوت الذي يحل محل الرئيس".

وزعم الكاتب تشارلز هاميلتون الذي ألف كتابا حول القلم الآلي أن اعتماد الرئيس جون إف. كينيدي على التوقيع الآلي جعل توقيعه الأصلي أندر التوقيعات الرئاسية، لكنه مزاعمه لم تثبت.

وخلال إدارة الرئيس جيرالد فورد، كان الرئيس والسيدة الأولى بيتي فورد يوقعان وثائق ومراسلات أخرى يدويًا، لكن موظفي البيت الأبيض كانوا يستخدمون القلم الآلي في كثير من الأحيان لإعادة إنتاج توقيعاتهم على الرسائل والصور.



وفي عام 2005، سأل الرئيس جورج دبليو بوش وزارة العدل عما إذا كان أمرا دستوريا استخدام القلم الآلي لتوقيع مشروع قانون، وخلصت الوزارة إلى أن "الرئيس ليس بحاجة إلى القيام شخصيا في وضع توقيعه على مشروع قانون يوافق عليه"، لكنه فضل رغم ذلك التوقيع على القرارات بنفسه.

في مايو/أيار 2011، وأثناء مشاركته في قمة مجموعة الثماني في فرنسا، أصبح باراك أوباما أول رئيس أمريكي يستخدم جهاز القلم الآلي عن بعد لتوقيع قانون "باتريوت آكت" الذي كان على وشك الانتهاء.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، وقع من إندونيسيا مشروع قانون للمخصصات باستخدام الجهاز ذاته. ثم عاد لاستخدامه مجددًا في عام 2013 من هاواي لتوقيع قانون "الهاوية المالية" قبل انقضاء المهلة المحددة.

هل استخدمه ترامب؟

نعم، استخدم ترامب القلم الآلي بنفسه، لكنه قال إنه يستخدمه لتوقيع الأوراق غير المهمة للغاية، مبررا ذلك بأنه يتلقى آلافا من الرسائل، مثل رسائل دعم الشباب، وأصحاب الأمراض، في إشارة إلى أنه يرد على آلاف الرسائل بتوقيع إلكتروني، لكن ليس الأوامر التنفيذية وأوامر العفو الرئاسية.

ماذا قالوا؟

◼ قالت الرئاسة الأمريكية إنّ ترامب كلّف محامي البيت الأبيض بالتحقيق بشأن ما إذا كان بعض الأفراد مارسوا صلاحيات الرئيس ومسؤولياته خلافا للدستور.

◼ قال ترامب إنه يتّضح بشكل متزايد أنّ مستشارين سابقين للرئيس بايدن استولوا على سلطة التوقيع الرئاسية من خلال استخدام نظام توقيع آلي، إنها مؤامرة وفضيحة خطيرة ومقلقة.

◼ قال بايدن: "أنا من اتّخذ القرارات خلال رئاستي. أنا من اتّخذ القرارات المتعلقة بالعفو والأوامر التنفيذية والتشريعات والإعلانات. أيُّ تلميح إلى أنّني لم أفعل ذلك هو أمر سخيف وكاذب".

◼ قالت شركة "أوتوبن" أشهر مصنعي آلات القلم الآلي إن أجهزتها مستخدمة بشكل واسع في الجامعات والوكالات الحكومية والمؤسسات الأخرى منذ أكثر من 60 عاما.

الخلاصة
يخول القانون الأمريكي الرئيس الأمريكي بالطلب من أي من موظفيه بوضع توقيعه على وثيقة معينة، أو في حالات أخرى "جهاز القلم الآلي".

مقالات مشابهة

  • الكنيست الإسرائيلي يستأنف مناقشة مشروع قانون تجنيد الحريديم
  • قانون فينغر الجديد يغير كرة القدم.. كيف سيفيد مبابي ويضر برشلونة؟
  • إلهام أبو الفتح تكتب: ما هو سر المتحوّر الجديد الذي يصيب الناس؟
  • الكنيست يبحث مشروع قانون التجنيد وسط انقسامات حادة داخل الائتلاف والأحزاب الحريدية
  • حالات وقف صرف المعاش للمستحقين طبقا لقانون التأمينات
  • “القانونية النيابية” تشرع بمناقشة مشروع قانون التنفيذ الشرعي لعام 2025
  • مجلس الأمة يناقش قانون المالية غدا الإثنين
  • قانون العمل الجديد يواجه السمسرة.. ترخيص إلزامي وإغلاق فوري للمكاتب المخالفة
  • ترامب يهاجم توقيع بايدن | نخبرك ما نعرفه عن الجهاز الذي يغني عن قلم الرئيس
  • هندسة التخريب في مخيمات الضفة.. ما الواقع الجديد الذي يسعى الاحتلال لتحقيقه؟