أخبارنا المغربية - عبدالاله بوسحابة

بمكره الموسوم بكثير من الغباء والسذاجة، عاد حفيظ دراجي، "الناهق" الرسمي باسم "كابرانات" الجزائري، إلى اجترار نفس الأسطوانة المشروخة، الملطخة بخطاب التباكي والمظلومية الذي يحمل توقيع "عسكر الجزائر"، في محاولة بئيسة منه لتسويق صورة "ملائكية" عن من يحكمون بلاده، وسعيهم المستمر لتجنب الحرب مع جيرانهم في المغرب، وفق زعمه.

دراجي هذه المرة لم يكتف فقط بتصوير بلده الجزائر زورا على أنها ذلك "الحمل" الوديع المسالم، بل تمادى في كذبه وبهتانه، لدرجة أنه جعل من المغرب، ذلك الشيطان الفتان الذي يسعى دائما إلى خراب المنطقة، عبر مقالة جديدة عنونها بـ"الحرب المزعومة بين المغرب والجزائر"، وهو الأسلوب الذي يؤكد أن في "القضية إن"، وأن "دراجي" كلف بتمرير "رسائل" موجهة أساسا إلى الداخل الجزائري.

ومن بين أبرز الرسائل التي تم تمريرها عبر مقالة "دراجي" الموجهة إلى القطيع في الجزائر، أن المغرب يسعى إلى الدخول في حرب مع الجزائر، وأن هذه الحرب ليست في مصلحة الطرفين (زعما هما ولاد الناس وما باغيين صداع)، وأن الجزائر ستضطر إلى الرد في حالة استهداف وحدتها الترابية، وأن أي تعد عليها سحول الـ 40 مليون جزائري إلى جنود أشداء يدافعون عن وطنهم بكل بسالة.

"خلينا من هدشي كامل.."، الرسالة التي يود عسكر الجزائر تمريرها من خلال مقالة الطبال "دراجي"، هي ربط إجراء الانتخابات الرئاسية في الجارة الشرقية بالحرب المحتملة مع المغرب، وهي محاولة غبية لتبرير تأجيلها (الانتخابات) المرتقب، بسبب الخلافات القوية بين "تبون" و"العسكر"، ما يعني أن الكابرانات سيسوقون لـ"بوصبع" أن المغرب يسعى لاستهداف الجزائر، وبالتالي لا يمكن إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، والحال أن العسكر يصارع الزمن من أجل إيجاد بدليل لـ"تبون" قادر على تنزيل أجندته المعلنة والخفية، وهو الأمر الذي انتبه له "تبون" ويحاول حاليا تداركه للفوز بولاية ثانية بمساعدة بعض الأجنحة العسكرية.

وحتى لا أطيل عليكم قرائنا الأعزاء، إليكم نص "مقالة" الطبال "دراجي" الموجهة أساسا إلى القطيع في الجزائر، ولكم حرية التعليق عليها:

أثارت بعض وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية أخبارا وتوقعات تتنبأ باقتراب وقوع حرب تقليدية بين الجزائر والمغرب على خلفية الأزمة السياسية القائمة بين البلدين منذ عشرات السنين، وتفاقم التوتر في العلاقات الثنائية منذ بروز تحالف الرباط مع تل أبيب الى العلن، وانشاء المغرب منطقة عسكرية جديدة على حدوده الشرقية مع الجزائر، ما أدى إلى قطع الجزائر لعلاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وإغلاق خط أنابيب الغاز الذي كان يعبر المغرب في طريقه نحو أوروبا، وغلق المجال الجوي امتدادا لغلق الحدود المستمر منذ ثلاثين عاما والذي اعتبرته الجزائر وسيلة لتجنب الحرب ، في حين اعتبره الجانب المغربي إعلان حرب امتدادا لموقف الجزائر الثابت من الصحراء الغربية والذي يشكل في نظر المغرب تهديدا للوحدة الترابية المغربية.

رغم قرع طبول الحرب هنا وهناك ، بشكل مباشر وغير مباشر، في أوساط سياسية واعلامية ، محلية وأجنبية عن البلدين، إلا أن العقلاء يستبعدون الأمر، لأن نشوب الحرب يشكل مغامرة لا يحمد عقباها، لن تكون في مصلحة الطرفين أو أحدهما، ولا حتى في مصلحة إسرائيل التي لا يمكنها خوض حرب بالوكالة في مكان أي كان مهما كانت الأسباب، ولا يمكنها أن تفتح جبهة أخرى ، وهي التي لم تقدر على تصفية الجبهة الفلسطينية لحد الآن، إلا إذا كان ذلك في إطار رغبة القوى العظمى في خلق بؤرة توتر جديدة لخلط أوراق المنطقة المتوترة أصلا في شمال افريقيا والساحل الأفريقي خاصة على مستوى مالي والنيجر وموريتانيا والسودان وليبيا وغيرها من البلدان العربية و الافريقية، وهو الأمر المستبعد أيضا لأسباب موضوعية وذاتية .

لن أخوض في ممارسات ولا نوايا النظام المغربي رغم يقيني أن الحرب التقليدية لن تصب في مصلحته ولا في مصلحة أمريكا واسرائيل، لكن الأكيد أن الجزائر لا تسعى ولا تريد الدخول في حرب مع أي من جيرانها، لكنها لن تتردد في الدفاع عن شعبها وأراضيها ضد كل معتد، انسجاما مع عقيدة جيشنا الذي لم يسبق له الاعتداء أو التدخل عسكريا خارج أراضيه، وعقيدة دبلوماسيتنا التاريخية التي تتسم بالبراغماتية في التعامل مع الغرب والشرق على حد سواء، والبحث عن مصالحها التي لا تتنافى مع مبادئها ومواقفها الثابتة من القضايا الكبرى في العالم، والالتزام باحترام سيادة الدول وحرمة حدودها، وعدم التدخل في شؤونها، والدعوة دائما الى تحقيق السلم والأمن العالميين في كل المحافل والمناسبات.

البلد الذي يؤمن حكامه وشعبه بهذه العقيدة لا يمكنه أن يخوض حربا تقليدية ضد أي بلد جار مهما كانت الظروف، لكنه لا يتردد في الدفاع عن سيادته واستقلاله من جهة، ولا يجب ان يتردد في خوض حروب من نوع آخر على جبهات متعددة ضد التخلف والجهل والفساد والظلم بكل اشكاله، وحروب أخرى ضد الارهاب والعنف والمخدرات، و كل الآفات التي تنخر المجتمعات في كل المجالات، وكم هي كثيرة ومتعددة تقتضي منا التركيز و توفير الإمكانيات لتجاوزها والحد من تأثيراتها السلبية على الأفراد والمؤسسات بدلا من تضييع الوقت والجهد في متاهات يراد لها أن تشغلنا عن تحصين الأجيال الصاعدة فكريا وعلميا وأخلاقيا، وبناء اقتصاد قوي والاستثمار في قدراتنا البشرية والطبيعية والمادية الكبيرة.

الجزائر تجنبت الحرب عندما قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، و أغلقت مجالها الجوي في وجه الطيران المغربي، وحتى و لو بلغت درجة القطيعة و اللاعودة في علاقتها مع المغرب، فإنها تدرك أن استقرار المغرب وكل الجيران العرب والأفارقة هو من استقرار الجزائر، وليس من مصلحتنا الدخول معهم في حروب تقليدية أو حتى وهمية بشكل مباشر أو غير مباشر، مهما بلغت درجة الحملات الإعلامية المتصاعدة في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، و التي زادت من حدة التوتر بين الجانبين الجزائري والمغربي خاصة في الآونة الأخيرة والتي بلغت درجة الحديث عن تأجيل انتخابات الرئاسة في الجزائر بسبب ما وصف بالحرب المرتقبة مع المغرب، أو حتى بسبب خلاف وهمي بين مؤسستي الرئاسة والجيش التي يسوق لها الإعلام المغربي والموالين له في الداخل والخارج ، في محاولة للتشويش على الجزائر.

رغم مظاهر العداء المعلن والخفي من المغرب وحلفائه إلا أن الجزائر لم تنساق وراء كل الاستفزازات ، و تصرفت بحكمة دبلوماسيتها وعقيدة جيشها وشعبها الذي لم يعادي يوما الشعب المغربي ولا غيره من الشعوب العربية والافريقية، انطلاقا من إيمانه أن الحروب التي يخوضها يوميا للارتقاء بالجزائر هي أهم وأعظم من حرب تقليدية تجاوزها الزمن، الا اذا فرضت علينا بشكل أو بآخر، وعندها ستحول الشعب الجزائري الى جيش قوامه 40 مليون جندي.

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: مع المغرب فی مصلحة

إقرأ أيضاً:

في داخلي مقعد شاغر لا يُملأ

سلطان بن محمد القاسمي

في داخل كل إنسان، مهما بدا مكتملًا، هناك مقعد شاغر لا يُملأ؛ ذلك المقعد ليس محجوزًا لحبيب راحل، ولا لصديقٍ غائب؛ بل لنسخة لم تُولد بعد. نسخة لم يلتقِ بها صاحبها، ولم يمنحها فرصة أن تتنفس بصدق، أو تحيا كما خُلقت أن تكون.

إنها النسخة التي لم تُنجز، ولم تفشل، ولم تُحب، ولم تكره. لم تُكسر، ولم تنتصر. كانت دائمًا هناك، في الزاوية الهادئة من الروح، تراقب من بعيد، تكتفي بالصمت، وتنتظر أن يُصغي إليها أحد.

ليست نسخة مثالية، ولا خارقة، ولا مصنوعة من نور؛ بل هي ببساطة الإنسان كما يستحق أن يكون، لو أنه لم ينشغل طويلًا بما يجب، ولو أنه لم يُساوم على ما يحب، ولو أنه لم يُطِل البقاء في الأماكن التي لا تُشبهه.

فكم من البشر أمضوا حياتهم وهم يملؤون مقاعد الخارج، متناسين المقعد الأهم، ذاك الذي ينتظرهم في دواخلهم، وكم من الأرواح انشغلت بالبحث عن هوية خارجية، ونسيت أن جلّ ما تفتقده… يقبع في الداخل، بانتظار لحظة وعي نادرة.

"الذي يبحث عن ذاته في عيون الآخرين، لن يجدها أبدًا"، كما كتب المفكر الإيطالي نيكولو ماكيافيلي؛ فالهوية الحقيقية لا تُبنى من الخارج، ولا تُمنح كوسام؛ بل تُستخرج من باطن الإنسان، حين يختار أن يُنصت لصوته الداخلي دون رتوش أو مجاملات.

ذلك المقعد لا يُفرَغ لأن أحدهم رحل؛ بل لأن الإنسان لم يقترب من ذاته بعد. لم يسأل: "من أنا حين لا أُمثّل أحدًا؟ من أنا إذا نزعتُ عني كل ما اعتدتُه، وتجرّدت من الأدوار، والتوقعات، والامتثال الدائم؟".

في تلك الزاوية الهادئة من النفس، حيث لا صوت إلا صوت الصدق، تجلس النسخة الصبورة من كل إنسان، تلك التي لم تطرق بابًا، ولم تُطالب، فقط انتظرت أن تأتيها يدٌ صادقة تقول: "آن أوانك."

ويا للغرابة، فبينما ينشغل الناس بالمظهر، والمكانة، والقبول الاجتماعي، تظل النسخة الأصدق فيهم حبيسة التأجيل. حبيسة الخوف. حبيسة تلك العبارات التي تُقال مرارًا: "ليس الآن"، "حين أرتاح"، "حين أفهم نفسي أكثر"… وهي لا تدري أن الفهم لا يسبق اللقاء؛ بل يبدأ منه.

وقد لا يأتي هذا الوعي دفعة واحدة، لكنه ينمو في اللحظة التي يتوقف فيها الإنسان عن الجري، ويتأمل. وقد لا يُولد من فراغ؛ بل من مراجعة صادقة، من جرأة في الاعتراف بأن ما كُنا عليه قد لا يكون ما نحن مدعوون أن نكونه.

تمامًا كما حدث مع الإمام الشافعي، رحمه الله، الذي لم يكن مجرد فقيه مجتهد؛ بل كان إنسانًا يدرك أن للروح مراحل، وللفكر طبقات، وأن ما يراه المرء اليوم يقينًا قد يراه غدًا اجتهادًا قاصرًا، حين انتقل من العراق إلى مصر، تغيّر السياق، وتغيّر الناس، فتغيّر هو أيضًا. لا لأنه تقلّب؛ بل لأنه جلس إلى نفسه، وأعاد الإنصات إلى النسخة الأعمق منه.
كتب يقول: "قلبتُ رأيي في المسائل ليلًا… فأصبح رأيي غير ما كنت أقول."

لم يكن ذلك تراجعًا؛ بل نضجًا. ولم يكن تحوّلًا خارجيًا؛ بل ولادة داخلية. الشافعي في مصر لم يكن نُسخة أضعف من الشافعي في العراق؛ بل نسخة التقت بذاتها بعد سفر طويل.
جلس على المقعد الذي طالما أرجأ الجلوس فيه، فتجلّت له رؤى لم يكن ليبصرها وهو يركض بين المسائل والردود والمناظرات.

وهكذا كلّ منّا، لا يكتمل بصوتٍ عالٍ أو بانتصارٍ علني؛ بل حين يجلس مع ذاته في صمت، ويقول لها بهدوء: "ماذا بقي منّي لم أعرفه بعد؟"

إن ذلك المقعد في الداخل ليس نهاية؛ بل بوابة. لا يُراد منه الاعتزال عن الحياة؛ بل العودة إليها بنسخة أصلية.

نسخة لا تسعى للإعجاب، ولا تركض خلف رضا الآخرين؛ بل تنمو بهدوء، وتُثمر برفق، وتعيش في انسجام نادر بين ما تعتقده وما تفعله.

ولأن المعرفة الحقيقية تبدأ من الداخل، فإن أصعب المصالحات هي تلك التي تتم بين الإنسان ونفسه. حين يعترف لنفسه: "نعم، خذلتك كثيرًا، أجلتُك كثيرًا، استبدلتك مرارًا، لكنني اليوم… أعود إليك."

وليس في الأمر رومانسية مفرطة؛ بل نضج هادئ. فأن يعيش الإنسان صادقًا مع نفسه، هو أقرب ما يكون إلى النجاة.

أن يجلس على المقعد الذي خُلِق له، دون أن ينتظر إذنًا، أو تصفيقًا، أو موافقة من أحد… هو القرار الذي يحرره من كل ما كبّله يومًا.

وقد قال الله تعالى: ﴿وفي أنفسكم أفلا تبصرون﴾؛ فربّما البصيرة لا تُكتسب من كثرة التجارب؛ بل من لحظة صدق واحدة، يجلس فيها الإنسان إلى ذاته كما لو أنه يراها لأول مرة، ويُسلّم لها زمام الرحلة، لا خوفًا؛ بل احترامًا.

وفي نهاية المطاف، لن يُجيد العبور سوى من عرف وجهته، ولا طريق أصدق من ذاك الذي يبدأ من الداخل… إلى الداخل.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • رسالة إلى الوالي المعرد: ابراهيم بقال
  • في داخلي مقعد شاغر لا يُملأ
  • الخارجية الأمريكية تحذر من كارثة وشيكة في سوريا
  • مالك حداد.. الشاعر والروائي الجزائري الذي عاش حالة اغتراب لغوي
  • أكسيوس عن مسؤول في البيت الأبيض: ترامب أرسل إلى نتنياهو رسالة يريد منه إنهاء حرب غزة
  • الاتحاد الأوروبي يوافق على رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا
  • الجزائر تشيد بجنيف بالمبادئ التي تضمنتها معاهدة الوقاية من الجوائح
  • بيان مشترك لثلاث دول أوروبية يطالب بوقف فوري لحرب الإبادة في غزة
  • في رسالة للملك المغربي.. وزير الخارجية السوري يعلن عن فتح السفارة لدى المملكة قريباً
  • بمشروع تخرج طلابي.. الإسكندرية تشهد توثيقًا مؤثرًا لحرب اليمن