العلم يبني بيوتا لا عماد لها، والجهل يهدم بيت العز والكرم، هذا البيت من الشعر أنشده أحمد شوقي أمير الشعراء في العصر الحديث، لينطبق على نابغة علماء العصر العباسي في القرن الـ11، هو الشاعر والفيلسوف عُمر الخيام الذي زهد السلطة والمال وترك الطمع والجهل وهرول نحو العلم، ليتفوق في الشعر والأدب والفلسفة والرياضيات والفلك حتى أخذ بمجامع العلوم في عصره، وجاء مسلسل الحشاشين المعروض بالسباق الرمضاني 2024 ليؤكد الرواية الحقيقية، ويؤدي الفنان اللبناني نيقولا معوض دور الشاعر عمر الخيام في المسلسل.

عاشت سيرته في الأوساط العلمية والثقافية والشعبية

رفض عُمرالخيام، المنصب الذي عرضه عليه صديقه الوزير نظام الملك على عكس صديقهما الآخر حسن الصباح، واكتفى بالعطاء السنوي من بيت المال، الذي يؤمن له تكاليف حياته ليضمن تفرغه للعلم، على عكس صديقه الطامع في منصب في بلاط السلطان، واختار مساراً مختلفًا، المسار الذي جعله خالدًا في التاريخ إلى يومنا هذا، ولأنه لم يطمع في المال والسلطة وزهد فيهما، ولم يكن قصير النظر وإخلاصه للعلم، واختياره لمسارٍ مختلف عن صديقيه الطامحين إلى الجاه والسلطة وتفضيله العلم والأدب  بقيت سيرة عمر الخيام تعيش في الأوساط العلمية والثقافية وحتى الشعبية في كل المجتمعات العربية إلى يومنا هذا، بينما اكتفت سير كل من حسن الصباح ونظام الملك أن تقبع في حقبة معينة لا يتذكرها إلا المئات من الباحثين في مادة التاريخ.

اسمه مُخلد على لافتات الفنادق والمحال والمقاهي والملتقيات الثقافية

يقول الدكتور محمود محمدين، أستاذ الشعر والأدب العربي، لـ«الوطن» إن «الخيام»، استطاع الجمع بين العلوم التطبيقية والإنسانية على السواء في ظاهرة لم تتكرر كثيرًا في التاريخ، حيث جمع بين الرياضيات والميكانيكا والفلك والفلسفة والموسيقى والشعر والأدب، ليخلد اسمه بين العلماء المؤثرين ويذكره التاريخ العلمي والإنساني إلى الآن، مضيفًا أنه إلى يومنا هذا إذا تجولت في مدينة القاهرة أو المنصورة وغيرها من المدن المصرية الكبرى ستجد اسم عمر الخيام على العديد من الفنادق والمحال والمقاهي والملتقيات الثقافية والقاعات في الجامعات، في حالة من الوفاء للسابقين من الرواد العلميين والثقافيين، ليخلده التاريخ بين المثقفين والعامة.

لم ينفر منه الناس

وأوضح أستاذ الأدب العربي، أن رباعيات الخيام تميزت باستخدام كل ما هو متداول في عصره، ولم ينفر منه الناس، ولم يشتمل شعره على التفرقة العنصرية أو التمييز بين الطبقات، حيث استطاع أن يقدم رُباعيات شعرية ظلت صالحة للاستخدام في كل عصر، ومنها ما تغنت به «أم كلثوم» مما ترجمه أحمد رامي، أحد كبار الشعراء المصريين في العصر الحديث، بالإضافة إلى العديد من الترجمات التى نقلت أعماله من الفارسية إلى العربية.

أنشأ مرصد أصفهان وألف كتابًا عن النجوم

وتابع، قدم الخيام دراسات علمية في سنٍ مبكرة بعنوان «صعوبات تعاريف إقليدس» انتقد خلالها العالم الرياضي «إقليدس» وأوضح فيها المعادلات التكعيبية والتربيعية وقدم حلولاً للمعادلات التكعيبية المعقدة، كما يعتبر أول من اعترف بالأرقام غير النسبية كأعداد حقيقية، كما شارك في إنشاء مرصد أصفهان سنة 1074 ميلادية، وألّف كتابًا عن النجوم، وتقويمًا باللغة الكردية، ونجح في وضع حل جبري لتحديد كميات الذهب والفضة في سبيكة ما بقياس وزن السبيكة في الماء ثم في الهواء، كما أنتج بحثًا يوضح فيه الموازنة الهيدروستاتيكية للموائع في وزن متحرك.

شملت مؤلفاته عدة أطروحات فلسفية 

وأكمل أنه كان له حس موسيقي عالٍ، فاستخدم النّسب في  التعامل مع الفواصل الموسيقية، وشرح التوازنات والأوزان الموسيقية، ورغم تفوقه في علوم الرياضيات والفلك إلا أن ذلك لم يمنعه عن الفلسفة والشعر والأدب، فشملت مؤلفاته عدة أطروحات فلسفية، فكتب «رسالة الكون والتكليف» سنة 1080 ميلادية تحدث فيها عن الوجود والواجب، ثم كتب «جواب عن 3 أسئلة» أجاب فيها عن 3 أسئلة معقدة هي ضرورة التناقض وطول العمر والحتمية، فيما كتب أيضًا «سالة في كليات الوجود» باللغة الفارسية من 4 فصول تحدث فيها بشرح مفصل عن ما قدمه الفرابي في علم الفلك و نظرية سلسلة النظام لابن سينا.

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: عمر الخيام الشاعر عمر الخيام مسلسل الحشاشين حسن الصباح نظام الملك

إقرأ أيضاً:

التاريخ في حياة الشعوب

التاريخ في ثقافة المتخصصين يعني (الزمن)، وقد تباينت الآراء حول تعريفه، واختلف المؤرخون حول معنى (تاريخ)، فالبعض اعتبره لفظا عربيا، والبعض الآخر يرى أنه كلمة وفدت إلينا من اللغات الساميّة وقد عُربت عن الفارسية، والتي وردت فيها بمعنى (ماء روز) أي بداية ظهور الهلال، بعدها انصرف المعنى إلى مجمل الأحداث التاريخية، وهو المعنى الذي استخدمه العرب للدلالة على معرفة أحداث الماضي، ومحاولة كشف وقائعه، وهي معان لا تختلف كثيرا عما ورد في الثقافات الأوروبية، التي استخدمت الأصل اليوناني (History)، وقد استخدمها الفلاسفة والمؤرخون الأوروبيون في تسجيل أحداث الماضي في محاولة لفهمه بعكس القصص والأساطير التي أسقطها المؤرخون الأوروبيون من حساباتهم منذ فترة مبكرة من عصر النهضة الإيطالية، ووضعوا فروقا واضحة ما بين الأساطير وبين التاريخ باعتباره مجالا فسيحا لدراسة سيرة الإنسان وأحواله في شتى مناحي الحياة، بعد أن تبين لهم حقيقة تلك الأساطير التي شاعت في أوساط العامة والدهماء خلال العصور الوسطى، وقد كشفوا عن التاريخ بمعناه الحقيقي، وتبين لهم معناه وفلسفاته من خلال المؤرخين والفلاسفة الذين استقوا معارفهم من القراءة في الثقافتين الإغريقيّة واللاتينية، وقد تبين لهم ما ورد في هذا التراث من خرافات أضرت الناس في حياتهم وفي عقيدتهم.

أدرك ابن خلدون ( ١٣٣٢-١٤٠٦م ) أهمية التاريخ، ليس باعتباره قصصا وحكايات وإنما باعتباره علما يتحرى معرفة الحقيقة، ويرصد مكمن الخطأ والصواب في مسيرة الحضارة الإنسانية، حيث يقوم على النظر والتحقيق ورصد الظواهر الإيجابية والسلبية والتعرف على مختلف النشاط الإنساني، وتسجيل الظواهر السلبية والإيجابية والكشف عن أسبابها، والتاريخ كما يراه ابن خلدون علم أصيل عريق قوامه الحكمة التي تعني في الثقافة العربية أسمى درجات المعرفة، ولعل ابن خلدون هو أول من قال بهذا، حتى قبل المؤرخين الأوروبيين حينما أدرك المعنى الحقيقي للتاريخ، ليس باعتباره ترفا وإنما باعتباره ضرورة حضارية وإنسانية، المقصود منها معرفة مسيرة الحضارة الإنسانية، فضلا عن أهمية الوقوف على تاريخ عمران الأرض، وبهذا يكون الرجل قد سبق غيره في معرفة التاريخ كعلم، وإدراكه لأهميته الحضارية في خدمة البشرية.

يعد التاريخ بمثابة سجل يرصد الأحداث وليس الحوادث نفسها، لذا (فالتأريخ) مصطلح يعني صناعة التاريخ والوقوف على معرفة وقائع الماضي وتفسيره، وهي مهمة جليلة يتولاها العلماء وفلاسفة التاريخ الذين جعلوا منه علما يستهدف استعادة الماضي والنظر في الأفكار والسياسات التي يحققها البشر وفقا للمنهج العلمي الذي اصطلح عليه العلماء، وهناك فرق كبير بين كلمة التاريخ، وهو المعنى الذي يرصد الوقائع ويسجل الأحداث منذ الأزمان السحيقة، وبين كلمة (تدوين التاريخ)، وهو المصطلح الذي يُعنى بتفسير الوقائع وتحليلها ونقدها والسعي نحو معرفة العوامل التي تسيَّر حركتها، كما أن هناك فرقا بين مصطلح (تاريخ) ومصطلح (تأريخ)، فالأخير يُقصد به تسجيل الأحداث بكل وقائعها وجهد المؤرخين في تسجيل ودراسة هذا الماضي الذي ربما لا نملك عليه دليلا واضحا.

الإنسان هو صانع التاريخ وهو مؤسس الحضارة، ولولا الإنسان منذ وجوده على الأرض ما وجد التاريخ له مجالا، لذا بدأ تاريخ الحضارة الإنسانية منذ وجد الإنسان وتفاعله مع جميع المنجزات الحضارية، وهي محصلة لخبرات الإنسان وارتباطه بماضيه وبيئته الجغرافية والاجتماعية، لهذا تفاوتت الحضارة بين بني البشر رغم أنهم يعيشون على كوكب واحد، والاختلاف بين المجتمعات في صناعة التاريخ يعد أمرا محسوما بحكم الفروق الجغرافية والبيئية، ونلاحظ بشكل واضح أن الدول التي تقع على شواطئ البحار والمحيطات وطرق المواصلات كانت هي الدول التي أسست بشكل كبير كل الحضارات القديمة، حينما كان البحر والمحيط هما الوسيلتان الأهم في تبادل التجارة والاحتكاك بين الشعوب، بعكس ما يحدث في واقعنا المعاصر، فقد تنوعت وسائل الاتصال البري والبحري والجوي والإلكتروني، ولم تعد الجغرافيا عائقا في إشراك الجماعات الإنسانية في صناعة الحضارة.

غالبا ما يتردد في أدبيات الكتابات التاريخية وعبر وسائل الإعلام كلمة الدول المتحضرة، ويقصد بها الدول التي أقامت حضارات متعاقبة سجلها التاريخ ووثق قصص نجاحاتها، وهو قول يجافي الحقيقة، فكل الدول متقدمة أو متخلفة جميعها لها حضارة تختلف قوة أو ضعفا، لكنها جميعا، غنية أو فقيرة نامية أو متقدمة جميعها تملك حضارة، بما في ذلك الدول الفقيرة، فهي تملك من الحضارة ما يعينها على معاشها في مأكلها ومشربها ومسكنها وسبل عيشها، وغالبا إذا ما أتيح لها أن تحظى بحكم رشيد فإنها تتسابق في اللحاق بالدول المتقدمة، والأمثلة على ذلك كثيرة في عالمنا المعاصر.

العامل الأهم في صناعة التاريخ والحضارة الإنسانية هو الإنسان الذي يملك العقل والتفكير الحر المنظم، الذي يعول عليه في صناعة التاريخ أو الحضارة، وفي عالمنا المعاصر تجاوزت المجتمعات الرشيدة الجمود الفكري والمفاهيم الدينية والاجتماعية الخاطئة، وأخضعت كل شيء للنقد والتحليل، بعد أن قطعت الإنسانية شوطا كبيرا في صناعة تاريخها وحضارتها، وراحت الدول والشعوب تتسابق نحو المعارف الجديدة والقواعد الحاكمة للدول التي نهضت والأخرى التي تراجعت، فضلا عن إعلاء قيمة الإنسان باعتباره الصانع الحقيقي للحضارة، رغم ما يروج له بعض الأوروبيين بأن شعوبا بذاتها مؤهلة لصناعة حضارتها وتاريخها، بينما هناك أجناس أخرى لا تملك مقومات الإندماج والتكيف واستيعاب منجزات الحضارة المعاصرة، وقد تبين من الواقع المعاش أن انفراد جنس بذاته في صناعة الحضارة هو قول يجافي الواقع، بعد أن كانت شعوبا تُصنف وفق أعراقها وألوانها وأجناسها ودينها باعتبارها شعوبا عصية على التقدم، وقد تبين من الواقع خلال نهايات القرن الحادي والعشرين وبداية القرن الثاني والعشرين أن كثيرا من هذه الدول قطعت شوطاً عظمياً في صناعة تاريخها وحضارتها، وهي حقيقة تفند مقولات البعض بهذا الشأن.

إن القول بتفاضل الأجناس وتباينها بالذكاء والكفاءة والقدرة على بناء الحضارات كان سببا كافيا لوقوع الكثير من المآسي التي أدخلت البشرية في أُتون صراعات، فالحقيقة العلمية المؤكدة أن كل الأجناس متحضرة، وكل الشعوب تملك مقوماتها الحضارية كبيرة أو متواضعة، ومن الخطأ الذي روج له المستعمرون دائما فكرة الفروق بين من تقدموا أو تخلفوا، فلكل جماعة إنسانية تاريخها وحضارتها بصرف النظر عن مستوى تلك الحضارة، ولعل من المؤكد أن الدول ذات الحضارات الكبيرة كانت سببا في ضعف وإفقار الدول الضعيفة.

وعلى الرغم من الفوضى القائمة الآن في العالم المعاصر، والدخول في صراعات إقليمية ودولية وتفاقم المشاكل بين من روجوا لفكرة أنهم صناع الحضارة، وبين دول فقيرة راحت تنهض وفق ظروفها الاجتماعية والسياسية المعقدة، لكن المحصلة النهائية أن الحضارة الإنسانية هي فعل جماعي يشترك فيه المتقدمون والمتخلفون، لأن الجميع مشتركون في الجماعة الإنسانية صانعة التاريخ والحضارة.

د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري

مقالات مشابهة

  • السلطة الفلسطينية تطالب بتسلم جميع المعابر مع غزة
  • عوقب لرفع علم فلسطين بالبرلمان.. ديلوغو: الفرنسيون شكروني وفرنسا تدعم الإبادة بغزة
  • التاريخ في حياة الشعوب
  • في ذكرى ميلاده.. نجيب سرور يحكي تاريخ الفن والأدب
  • رغم صعوبة الحركة والتنقل لديهم.. طلاب من السويداء يتحدون إعاقتهم ويتقدمون لامتحانات الشهادة الثانوية
  • حزب المؤتمر الوطني الأفريقي يستعد لتقاسم السلطة
  • التاريخ يبتسم للنصر في مواجهة الهلال بنهائيات الديربي
  • سامية عبو لـعربي21: شعبية قيس سعيّد لا تتجاوز 20% ولا أثق في القضاء
  • مالك عقار: رجل حرب التحرير حارساً لعقارات الفلول..!
  • القاهرة الإخبارية: قذائف أمريكية الصنع اغتالت عشرات الغزيين بمحرقة الخيام