عربي21:
2025-12-13@18:42:10 GMT

الحرب إذ تطوي صفحتي السلام والتسوية معاً

تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT

مقولتان علكتهما هذه الحرب، الإباديّة المنحى، حتى يكاد يصعب التصوّر أن تقوم لأي من هاتين المقولتين قائمة حين تخمد المقتلة.

المقولة الأولى هي «الصراع العربي الإسرائيلي».
المقولة الثانية هي «عملية السلام في الشرق الأوسط». سابقاً وضعت كل واحدة من هاتين المقولتين في مقابل الأخرى.

الصراع بوصفه سلسلة من حروب، أربع منها «نظامية» ومن احتدامات اللاحرب واللاسلم، والبَين بَين.

الصراع بوصفه قصائد وأناشيد، روايات وأفلام ومسلسلات، ثقافة، بوصفه « الرصاصة ما زالت في جيبي» و«لا تصالح ولو منحوك الذهب». ومعه مقارنات وإسقاطات لا آخر لها. مرة بالتجربة الفيتنامية، بحثاً عن «هانوي عربية» ومرة بالإحالة على «أدب المغازي» النبوية وسقوط حصن خيبر.

وعملية السلام ظهرت في المقابل كمقولة وضع حدّ لهذا الصراع، وتجاوزه شيئاً بعد شيء، وتسوية ملفاته الواحد منها بعد الآخر.

ثمة من رأى في السلام استسلاماً في إطار استدامة الصراع، وثمة من رأى فيه تحسين شروط الهزيمة من ضمن آليات الصراع، وهناك من تخيّل السلام على أنه الطور الطويل الأمد، النفسي – الثقافي، للصراع نفسه، وليس انقطاعاً عنه.

اليوم تبدو كل هذه الشطحات من زمن غابر. لا الصراع بقي صراعاً. أما «السلام» فقد تحوّل إلى مسخرة. بات «السلام» هو الشكل الإرهابي ثقافياً للحرب الحالية. لكن هذه الحرب تظهر كما لو أنّها في حَلّ من الصراع.

إذ يصعب تلمّس دلالات اللحظة الراهنة وما بعدها في «حل الدولتين» أو في حل «الدولة الواحدة لليهود والعرب» أو في شعارات تفكيك الدولة الصهيونية من ألفها إلى يائها.
يصعب أيضاً التسليم على طول الخط بمقولة أن الصراع انتقل من كونه «عربياً إسرائيليا» إلى انحصاره في الشق «الفلسطيني الإسرائيلي» فحسب، أو انتقاله إلى دائرة التضاد الإيراني الإسرائيلي قبل أي شيء آخر.

في كل واحدة من هذه المقولات التي راجت سابقاً طيف من الحقيقة، لكن كل واحدة منها تكشف عن أجل للصلاحية انقضى.

حرب الإبادة تستهلك سرديات الصراع والسلام معاً. الجيل الذي يولد من رحم حرب الإبادة لم يشب بعد. حتى الآن ما زال التركيز جارياً على نتائج الحرب وآثارها على كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، كما لو أن «الستاتيكو» المترنّح والمتخثر لمجموع مجتمعات الشرق الأوسط سيحافظ على حاله. وكما لو أن الأنظمة لن يطالها أي أثر عميق، هي التي غدت مع الوقت، وبخاصة مع تقويض موجة ثورات الربيع العربي تباهي بأن شرعيتها الوحيدة تكمن في انتفاء أو هشاشة البدائل عنها.

بالعكس، الطاغي حالياً هو النظر إلى الحرب الحالية بأن نتيجتها ستكون «محافظة» على الستاتيكو العام للبناء الإقليمي «الآيل للسقوط» كآلاف المباني التي تعيش قرناً كاملاً وهي آيلة للسقوط من دون أن تسقط.

لكن، وقبل أن تسائل الحرب الحالية مصير الأنظمة التسلّطية ذات «الشرعية اللاشرعية» هذه، أو «الشرعية اللابديلية» فهي تسائل أيضاً مفهوم الدولة الوطنية، أو قل الدولة – الأمة، والشكل الذي سيتخذه في مجرى قرننا، في هذه المنطقة.

فمفهوم الدولة – الأمة ولو اعتمد كمجاز كوني يقوم عليه الاجتماع والقانون الدوليان المعاصران، بمعنى أن كل دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة يُنظر إليها كدولة أمة، كائناً ما كان حجمها ووزنها، وبصرف النظر عن التوصيف الممكن لها من زاوية الاجتماع السياسي، إلا أن هذا المفهوم يتخذ في عالم اليوم أشكالاً عدة.

في بعض البلدان تبدو الدولة الأمة متواشجة مع البعد الإمبراطوري المحايث لها، بخاصة في الدول – الأمم التي تشتمل الواحدة منها على حضارة بأسرها.

تأتي الحرب الحالية في المقابل لتطرح السؤال من جديد، عن صلاحية الأشكال القائمة بالواقع من «الدولة الأمة» في المنطقة، وتأرجحها بين «دولة أمة الميليشيات» هنا، وبين «دولة أمة أجهزة الأمن» هناك وفي نماذج أخرى تبدو الدولة الأمة كلباس معياري إما ضيّق فوق اللزوم وإما فضفاض وفائض.
فهي قد تقترن في الواقع المعاش، بتجارب هي إلى الدولة – المدينة أقرب. سنغافورة مثالاً. وأبعد من سنغافورة، ثمة ميل حتى في الدول – الأمة لكي تتحول المدن المتروبولية إلى «مدن – دول» داخلها، إلى درجة المساءلة، المبررة، في القانون الدستوري المقارن اليوم، إلى أي مدى يمكن أن يظل هذا القانون غير قادر على الإقرار بالطابع المستمر لنموذج «الدولة – المدينة» في حياة مدن كبرى، من شنغهاي إلى مومباي واسطنبول، ومن برلين إلى باريس فنيويورك، وهذه كلها في إطار «دول – أمم» حاوية لها.

هناك أيضاً الدولة – الأمة على الصعيد النظري أو الرسمي التي لا تزال كونفدرالية القبائل تخبر أكثر عن تركيبتها الاجتماعية – السياسية.

كل هذا يختلط بعضه ببعض دون أن يتوارى، في عالم متصل أكثر فأكثر ببعضه البعض، وهو عالم أكثر استثارة لدوافع الانطواء مما سبق، سيما وأن «الخوف من إضاعة الهوية» يتحول فيه إلى معجن للهويات.

لقد اندفعت هذه المنطقة من العالم في اتجاه مفهوم الدولة الوطنية قبل قرن من يومنا هذا. في أعقاب معاهدة لوزان ومن بعدها إلغاء الخلافة العثمانية، آخر مشاهد الزمن الإمبراطوري السابق.
وقد سعت تركيا في ظل مصطفى كمال إلى نوع من «الدولة الأمة المطلقة» التي تتعرف على نفسها ضمن الجغرافيا التي أقرّتها لها معاهدة لوزان، و«تقومن» هذه الجغرافيا بالأسطرة الكاملة، فتغدو الأمة التركية الحديثة وريثة للحثيين في العصر القديم، وليس لقبائل الغز المتحدرة من أواسط آسيا، والتي غلبت الروم في ملاذ كرد قبل ألف وخمسين عاما.

في المقابل، عاشت حركة القومية العربية حياة كاملة يضيق صدرها ويتسع كفتحات الأكورديون، ما بين «الدولة القُطرية» وما بين «الدولة الوحدوية» المنشودة.

عَكَسَ هذا التأرجح من جملة ما عكس عدم القدرة على طي صفحة «الإمبراطوريات السلاليّة» وفتح صفحة «الدولة» الدولة الشعبية الحديثة. الإسلاميون العرب ورثوا المشكلة نفسها. في المقابل، كان النموذج الصهيوني من «الدولة الأمة» باعثاً إما على النفور من أصل الدولة الأمة وفصلها، وإما على نفي الطابع «الدولتي» عن إسرائيل بحجة أن الإقرار بوجوده هو استقالة من الصراع معها. أو كان الجنوح نحو الضد من هذا على طول الخط: الإقرار بأن «الدولة القومية» قائمة هناك عند الأعداء، في حين أن ما نكابده في ديارنا هي البنى العصبية والعشائرية والطائفية العصية، بعد أن كانت تحتويها الدائرة الإمبراطورية – السلطانية البائدة، على أن تتقولب وتندمج في كنف دولة وطنية من أي نوع، سواء كانت من ضمن الحدود المرسومة كولونيالياً، أو في إطار عملية إبطال قومية وحدوية لهذه الحدود، لا بل زادت هذه العصبيات احتقاناً وتقرّحاً.

الصراع العربي الإسرائيلي، ومعه التسوية، ارتبطا بمفهوم الدولة – الأمة وشكل سريانه، أو امتناع سريانه، في هذه المنطقة من العالم. وبشكل عام، زاد الصراع من صعوبة تشكيل نموذج عربي نافع لهذه الدولة – الأمة. مقال التسوية بدوره زاد الطين بلّة. بدا الارتداد عن حلم القومية العربية والارتضاء بالدولة ذات الترسيم الكولونيالي كئيباً، سمجاً.

في الوقت نفسه، ظهر في مجرى هذا الصراع أن «الماضي الإمبراطوري» المتمحور حول سلالة سلطانية لن يعود، ولن تجدي نفعاً الاستعاضة عن السلالة لا بالزعيم الكاريزمي، ولا بالحزب الطليعي، أو الجماعة المؤمنة المقوّمة للاعوجاج العام.

أكثر من ذلك، ما بين صراع متقطّع وتسوية فاقدة لشروطها، تحولت الجمهوريات العربية أكثر فأكثر إلى نموذج «الجمهوريات العائلية» وإذا كانت النظم الملكية أقل تخييباً للمنتظر منها في هذا الصدد، فقد جاءت خطواتها في الاتجاه التعددي الدستوري أكثر تواضعاً من تحكم النظام الأمني بالنظام السياسيّ فيها أكثر فأكثر.

لم تنجح ثورات 2011 في تبديد هذا الواقع وإن أحدثت فيه ارتجاجاً مزمناً لا تلغيه الخيبة المزمنة هي أيضاً.

تأتي الحرب الحالية في المقابل لتطرح السؤال من جديد، عن صلاحية الأشكال القائمة بالواقع من «الدولة الأمة» في المنطقة، وتأرجحها بين «دولة أمة الميليشيات» هنا، وبين «دولة أمة أجهزة الأمن» هناك.

يمكن بطبيعة الحال توقع أن تستشري هذه الحال بعد أكثر، في أعقاب الحرب الحالية، إلى فترة، لكن الحرب نفسها تظهر أن هذه النظم، بل هذه الدول، بل هذه المجتمعات، لم توفّق لا في إدارة صراع ولا في إدارة تسوية، إلى درجة أن جرّدت على أبناء قطاع غزة أكثر الحروب همجية في مجرى هذا الصراع، إلى الدرجة التي تخطت فيها الهمجية، مقرونة بالخمول الإقليمي العام، من بعد الإفراط الانتشائي في الأيام الأولى، كل من سرديات «الصراع» وانتظارات «التسوية».
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني غزة فلسطين غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب الحالیة الدولة الأمة فی المقابل

إقرأ أيضاً:

خبير سياسي: مصر الوحيدة التي تواجه المشروع الدولي لتقسيم سوريا وتفكيك الدولة


كشف الدكتور محمد العزبي، خبير العلاقات الدولية، تفاصيل جديدة حول ما وصفه بـ"الصفقة الجارية لإعادة الرئيس السوري السابق بشار الأسد إلى المشهد"، مؤكدًا أن جزءًا من بنودها يتضمن تسليم الأسد لدولة أخرى لإجراء محاكمة شكلية تمهيدًا لتبرئته من تهم جرائم الحرب.

 

 

 

تسريبات واعترافات صادمة بين بشار الأسد ولونا الشبل تعيد شبح مذيعة الجزيرة بعد وفاتها (تفاصيل) سوريا تحتفل بالذكرى الأولى لسقوط بشار الأسد


وأشار العزبي خلال مشاركته في برنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، إلى أن هذا الطرح "غير مسبوق وخطير للغاية"، متسائلًا: "وفق أي قانون سيتم محاكمته؟ السوري أم الدولي؟ وكيف يتم إعداد سيناريو يعيد شخصًا متهمًا بقتل شعبه إلى واجهة المشهد؟".
وأوضح أن هذه البنود كانت محل رفض وسخرية في البداية، حيث اتُهم هو وآخرون بـ"الجنون وترويج الأوهام"، قبل أن تظهر تقارير دولية – بينها تقرير لوكالة رويترز وأخرى لهيئة الإذاعة البريطانية BBC – تؤكد صحة ما نشره، وتكشف عن تحركات فعلية تمهّد لهذه الصفقة.

وأكد العزبي أن ما تم نشره في الإعلام الدولي يتوافق مع ما تم كشفه مسبقًا عبر البرنامج، مشيرًا إلى أن هذه التسريبات أحدثت حالة هلع داخل صفوف هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني، ما أدى إلى حملة اعتقالات واسعة في مناطق نفوذ التنظيم.
وأضاف أن المرحلة المقبلة ستشهد تطورًا غير متوقع، يتمثل في فتح عدد من السجون في حمص وحلب وإطلاق سراح مجموعات معينة، ضمن سيناريو يعزّز مخطط تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ متعددة.


وكشف العزبي أن الجولاني وافق ضمن الصفقة على التخلي عن المناطق الغنية بالنفط والغاز لصالح إسرائيل، مستشهدًا بتقرير بثته القناة الإسرائيلية 12، ظهر خلاله مسؤولون إسرائيليون يتحدثون صراحة عن "ضرورة بقاء مناطق معينة تحت السيطرة الإسرائيلية".


وأشار إلى أن الجولاني لم يصدر أي تصريح يعترض فيه على هذه التصريحات، رغم ظهوره مؤخرًا في مقاطع وصفت بأنها "استعراضية وغير واقعية".


وأكد العزبي أن مصر هي الدولة الوحيدة التي تقف ضد سيناريو التقسيم، وقد نجحت بالفعل في تمرير قرار أممي يمنع تفكيك الدولة السورية ويطالب بانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي التي يسيطر عليها.


وفي ختام حديثه، انتقد العزبي الأبواق الإعلامية التابعة للإخوان وتنظيم داعش، معتبرًا هجومهم الحاد على مصر وعلى كل من يكشف الحقائق "محاولة بائسة للتغطية على حجم الترتيبات التي تجري في الخفاء".
 

مقالات مشابهة

  • سقوط هجليج
  • ضغوط لحسم الصراع مع إسرائيل وحصر السلاح
  • أكد عدم اطلاعهم عليها بعد.. مسؤول بالكرملين: قد لا نرحب بالمقترحات الأمريكية الأخيرة بشأن الصراع في أوكرانيا
  • أمانة العاصمة تشهد وقفات شعبية حاشدة تحت شعار “جهوزية واستعداد.. والتعبئة مستمرة”
  • وقفات حاشدة بصنعاء تحت شعار جهوزية واستعداد.. والتعبئة مستمرة
  • خبير سياسي: مصر الوحيدة التي تواجه المشروع الدولي لتقسيم سوريا وتفكيك الدولة
  • «حزب الأمة» يدين قصف سوق كتيلا ويدعو لحماية المدنيين
  • فعاليتان ووقفتان للهيئة النسائية في حجة بذكرى ميلاد فاطمة الزهراء
  • علي فوزي يكتب.. السودان بين الصراع والبحث عن قائدٍ وطني
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟