لجريدة عمان:
2025-12-08@09:56:13 GMT

الابتكار على «نهج رياضة الرجبي»

تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT

لو سألنا طلبة التخصصات العلمية المولدة للابتكار مثل الهندسة والطب والعلوم والرياضيات عن إلمامهم بقواعد رياضة الرجبي سنجد أن الغالبية العظمى تميل للأنواع الشائعة من الأنشطة الرياضية مثل كرة القدم أو السلة. في الواقع رياضة الرجبي هي لعبة معقدة بعض الشيء، وقليلٌ هم من يفهمون قواعدها، حتى أولئك الذين يتقنون ممارستها، كما أن متابعة مباريات الرجبي من على مدرجات الملعب تختلف تمامًا عن مشاهدتها على شاشة التلفزيون أو الأجهزة اللوحية، وهذا ما يمنحها الخصوصية.

وبعيدًا عن كونها رياضة ذات جمهور محدود فإنها من أكبر مصادر الإلهام للمبتكرين ورواد الأعمال، فقواعد اللعبة داخل المستطيل المعشب تنطبق بحذافيرها على عالم ريادة الأعمال القائمة على الابتكار العلمي والتكنولوجي. فماذا تحمل رياضة الرجبي في جعبتها من دروس لرواد الأعمال الناشئين؟ ولماذا يجب على المبتكرين الشباب والباحثين ومطوري التكنولوجيا الاطلاع على هذه الرياضة والتعلم منها؟

في البدء دعونا نقترب أكثر من هذه الرياضة المثيرة للاهتمام، إن أهم ما يميز فريق الرجبي هو التنوع الكبير في أعضاء المنتخب والذي يعد مطلبًا أساسيًا لتكوين فريق ناجح، بدءًا من حسن اختيار المهاجمين المبادرين، وأعضاء الفريق المساندين في الدفاع والقادرين على قراءة تكتيكات الخصم عبر ما يسمى «رؤية نصف عين الذبابة»، وانتهاءً باختيار لاعبي الظهير الذين يتم اختيارهم حسب قدرتهم على الحركة السريعة، ومهارات المناورات في موقعهم في الأجنحة، إن هذا التنوع هو أساس نجاح المنتخبات لأن الفوز في مباريات الرجبي يعتمد بشكل كبير على مدى جودة اللعب كفريق، وهذا ما يبني الثقة، ومع المستوى العالي من الثقة يأتي الالتزام الذي يولد الأداء الاحترافي، وعلى غرار فريق الرجبي فإن فرق الابتكار تتطلب التنوع لمجموعة واسعة من الكفاءات، والمهارات، والخبرات اللازمة لتحفيز الابتكار، وهو ما يسمى بالاستعداد التكاملي لمكونات الابتكار، ويرافقه بنفس الأهمية وجود الكفاءات القادرة على تحليل المخاطر التي تكتنف العملية الابتكارية، وهذا ما يحدث في ملعب الرجبي ويقوم به لاعبو الظهير الذين يقومون بتحليل مكامن الخطر في الدفاع، والفرص المتاحة لدعم الهجوم، وتتطلب هذه العمليات السرعة في اتخاذ القرار.

وفي الجانب الآخر نجد بأن عالم الابتكارات العلمية تتطلب مهارات شبيهة بتلك التي يمتلكها لاعبو الرجبي، وأهمها مهارة القدرة على استكشاف الفرص الذهبية واقتناصها في الوقت المناسب، وكذلك التنبؤ بالمخاطر الحاسمة والتغلب عليها، وهذه المهارات تتفاوت من لاعب إلى آخر، وإبداع لاعبي الرجبي في التعامل مع هذه المواقف هو ما يجعل اللعبة ممتعة وغير متوقعة، وهذا يضعنا أمام حقيقة أن لعبة الرجبي لا تخضع للقواعد الموحدة والصارمة للألعاب الأخرى مثل كرة القدم، فهي تفتح المجال للإبداعات الفردية، وتأسر المشجعين المتشوقين لرؤية التكتيكات الجديدة، ولذلك فإن هذه اللعبة تشبه خط إنتاج المواهب المبتكرة، وكل جيل من اللاعبين يقدم موجة جديدة من الابتكار والتجديد بشكل يفوق ما سبقه، وبذلك فإن أولى الدروس التي يمكن تعلمها من رياضة الرجبي هو أن الشغف والمهارات يجب أن تكون متجذرة في الهدف حتى يتمكن رائد العمل من مواجهة الظروف غير مواتية، فالوصول للفوز في المباراة لا تأتي من الحركات التي يقوم بها اللاعبون في نقل الكرة، ولكنه يكمن في تلك المهارات الحقيقية في كيفية التعامل مع ما لا يمكن التنبؤ به داخل الملعب، مثل ما يحدث في مختبرات التطوير مع المبتكرين والمخترعين، حيث تواجه التجارب الفشل أحيانًا، وقد لا تصمد الأفكار في مرحلة التجريب، وهناك الكثير من السيناريوهات المحتملة لرحلة المبتكر والتي تتطلب مهارة مواجهة المخاطر ووضع آليات التعامل معها دون تردد أو إبطاء.

وأما المهارة التالية فهي ضرورية في عالم ريادة الأعمال القائمة على الابتكارات العلمية والتكنولوجية، وهي بناء الهوية والسمة المميزة للابتكار من منطلق الأصالة، إن نجاح الابتكارات تعود بشكل كبير إلى تفرد المبتكرين في صياغة نهج عمل يكاد يكون من المستحيل تكراره بواسطة المنافسين، وهذا ما يسهل على بعض الشركات الناشئة مرحلة الدخول في عالم الأعمال واقتناص الحصة السوقية، وهذه المهارة أساسية في رياضة الرجبي التي لا تتيح لأي فريق محاولة تبني خطة لعب مستعارة من فريق آخر، فنجد بأن أفضل الفرق على مستوى العالم تقوم ببناء خطة اللعب التي تتمحور حول هويتهم، وتمنح أعضاء الفريق مساحة كافية لاتخاذ نهجٍ فردي وتكتيكي في حدود قواعد اللعبة وبشكل يمكنه إرباك الخصم بشكل غير متوقع، والنقطة الأساسية هنا هي انتهاج التفرد دون خرق قواعد لعبة الرجبي، ففي كل مرة يخالف فيها الفريق القواعد فإنه يفقد الاستحواذ على الكرة، وإن تكرر ذلك فقد يفقد لاعبًا من الفريق، وبذلك فإن المبتكرين ولاعبي الرجبي يشتركون في أهمية امتلاك الرؤية الاستراتيجية والتكتيكية المتوازنة لخلق مساحة جديدة للتميز، ولكن مع التأكد من أن هذه التحركات تسير في الاتجاه الصحيح.

وهذا يقودنا إلى الدرس الأهم للمبتكرين ورواد الأعمال الناشئين من ملعب الرجبي وهو فلسفة عمل الفريق المتناغم لصناعة الفوز المتحقق، حيث تتم مباراة الرجبي بواسطة (15) لاعبًا ولكل واحد منهم دور مميز جدًا في الملعب بحيث لا يمكن توزيعه أو إحلاله بأدوار بديلة، ويعد كل دور جزءًا مهمًا من اللغز الأكبر أو لنقل في الصورة الكبيرة، وبذلك فإن كل دور يتطلب مجموعة محددة من المهارات، والسمات الجسدية، والنهج الذهني والعقلي، ولا يمكن ببساطة تغيير مواقع اللاعبين مع كل موقف يستجد أثناء المباراة، لأن المفتاح هنا هو التخصص، وإن كانت هناك مجموعة من الأدوار التي تسمح ببعض المرونة إلا أن القاعدة هي: حتى وإن كنت اللاعب الأفضل في العالم لكنك تلعب في مركز واحد، وهذا الالتزام بالتخصص في الأدوار هو المفتاح الذهبي لخلق التناغم والتآزر، وهذا ما يحتاجه فريق المطورين والمبتكرين ورواد الأعمال، فالتركيز على توجيه المواهب ونقاط القوة نحو المجالات التي تتطلب هذه المواهب هو أساس تطويرها وصقلها، أما توزيع الأدوار بدون الأخذ بالترابط بين ما يمتلكه المبتكر من مهارات وبين ما يحتاج إليه العمل فهو بمثابة الهدر غير المبرر لهذه المهارات والمواهب.

وقد لا نبالغ إذا قلنا بأن من أهم أسباب فشل الشركات التكنولوجية الناشئة في الصمود في عالم الأعمال يكون مصدره عوامل الضعف داخليًا في فريق العمل، وهناك نسبة قليلة من أسباب الفشل تعود للمتغيرات الخارجية. واستيحاءً من طريقة تفكير مدربي فرق رياضة الرجبي، هناك ثلاثة أسئلة محورية ومترابطة يجب على قادة فرق التطوير والابتكار التكنولوجي الوقوف عندها واستيعاب البعد الاستراتيجي لكل منها، وهي: ما الذي نفعله بشكل جيد والذي أكسبنا النجاح والفوز؟ وما الذي نفعله والذي يعوق أداءنا وحلمنا في تحقيق المزيد من النجاح؟ وما الذي يمكننا فعله لتحسين عملنا بشكل أفضل لنحافظ على ما حققناه، ونصل للطموح الذي نصبو إليه؟

إن الأنشطة الرياضية عمومًا ورياضة الرجبي على وجه الخصوص هي مصدر إلهام للابتكار التكنولوجي وريادة الأعمال العلمية، فالفرق الاحترافية تصنع الفوز عبر دورات من المبادرة والمخاطرة معًا، وهي لا تتوقف عن التعلم، بل تستمر في تطوير أجندات ابتكارية تقودها عملية متناغمة من الذكاء الجماعي، ففي الملعب أو في مختبرات البحث والتطوير لا يحدث الابتكار في صومعة، نظرًا لأن الابتكار هو جهد جماعي وتشاركي، ويحتاج إلى العمل ضمن فريق يتم فيه تمثيل مجموعات المهارات المتنوعة، والربط بين المهارات المتاحة والأدوار المطلوبة بجسور الثقة، ووحدة الهدف، والتواصل البناء، مع الانفتاح على الأفكار الجديدة، وإرساء ثقافة الالتزام بالقيام بالدور المحدد لكل عضو في الفريق من منطلق استشعار أهمية هذا الدور مهما قل حجمه، مما يسمح بتطوير مسارات عمل جديدة تنبثق من التدفق النشط للأفكار والرؤية المشتركة، والإدراك الواعي بأن مكونات الابتكار تتكامل ولا تتنافس.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وهذا ما

إقرأ أيضاً:

عُمان الرقمية.. اقتصاد يقوده الابتكار والتحول الرقمي

 

 

 

 

عارف بن خميس الفزاري **

تخطو سلطنة عُمان بثبات نحو بناء اقتصادٍ رقمي (Digital Economy)  يواكب التحولات العالمية المُتسارعة في مجالات التقنية والذكاء الاصطناعي، ويُسهم في تحقيق رؤية "عُمان 2040" التي تستهدف تنويع مصادر الدخل وتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة والتقنية والابتكار. وقد وضعت سلطنة عُمان هذا التوجه في صميم استراتيجياتها الوطنية عبر البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي الذي تشرف عليه وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، بوصفه خريطة طريقٍ طويلة المدى للتحول نحو اقتصادٍ رقمي متكامل ومُستدام.

يرتكز البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي على ثلاث ركائز رئيسة هي: الحكومة الرقمية ورقمنة الأعمال والمجتمع الرقمي، تمثل جميعها منظومةً مترابطة تهدف إلى تحويل الخدمات الحكومية إلى خدمات ذكية ومتكاملة وتمكين القطاع الخاص من تبني الحلول الرقمية وتعزيز جاهزية المجتمع العُماني في التعامل مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة (4.0)، وبما أنه من المؤمل أن يصبح الاقتصاد الرقمي رافدًا رئيسًا في هيكل الاقتصاد العُماني، فإن سلطنة عُمان تهدف إلى رفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 10% بحلول عام 2040.

وفي ضوء ما تحقق خلال السنوات الأخيرة، تواصل سلطنة عُمان ترسيخ أسس التحول الرقمي وتعزيز جاهزيتها للمستقبل التقني. ويمثل هذا التوجه نقلة نوعية في مسيرة التنمية في سلطنة عُمان، إذ تسعى الحكومة من خلال محاور البرنامج إلى تعزيز الابتكار ورفع كفاءة الأداء الحكومي وتحسين جودة الخدمات وتوفير بنية أساسية رقمية متقدمة. وقد حققت سلطنة عُمان تقدمًا ملموسًا في عددٍ من المؤشرات الدولية، إذ جاءت في المرتبة 45 عالميًا في مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي والمرتبة 41 في مؤشر تطوير الحكومة الإلكترونية، كما صنفت ضمن الفئة الأولى عالميًا في مؤشر الجاهزية للأمن السيبراني، وحصلت على المرتبة 50 في مؤشر جاهزية الشبكات لعام 2024.

ويُنفذ البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي على أربع مراحل، تبدأ بالحكومة الرقمية المتكاملة التي تركز على التحول الرقمي الحكومي وتبسيط الإجراءات وتبادل البيانات بين المؤسسات، ثم مرحلة رقمنة أهم القطاعات الاقتصادية كالنقل واللوجستيات والصناعة والسياحة والتعليم، تليها مرحلة تصدير خدمات الاقتصاد الرقمي، وصولًا إلى المرحلة النهائية المتمثلة في تحقيق اقتصاد رقمي قادر على المنافسة اقليميًا وعالميًا واستقطاب الاستثمارات التقنية.

ومن أبرز ممكنات هذا التحول، البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية المتقدمة الذي أُطلق في 2023، ويشمل 32 مشروعًا تُنفذها مؤسسات حكومية متعددة. ويركز البرنامج على تعزيز وتبني الذكاء الاصطناعي في القطاعات الاقتصادية والتنموية وتوطين تقنياته وضمان الاستخدام الأخلاقي والآمن لها. وقد أُنشئت ضمن هذا الإطار مبادرات نوعية مثل مشروع معين، وهو نموذج لغوي عُماني يخدم المؤسسات الحكومية واستوديو الذكاء الاصطناعي ومبادرة صُناع الذكاء الاصطناعي والبوابة الوطنية للبيانات المفتوحة (www.opendata.gov.om) التي تضم بيانات من أكثر من 40 مؤسسة حكومية.

وشهدت سلطنة عُمان تأسيس مركز الثورة الصناعية الرابعة (4.0) بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي وإطلاق تحالف الذكاء الاصطناعي الأخضر الذي يضم 34 شركة ومؤسسة حكومية، بهدف تعزيز الاستثمارات في مشاريع الذكاء الاصطناعي والطاقة المُستدامة. وفي السياق ذاته، تم الإعلان عن منطقة مخصصة للذكاء الاصطناعي بالقرب من مطار مسقط الدولي لتكون مركز جذبٍ للشركات التقنية الإقليمية، إلى جانب مشروع مثلث عُمان الرقمي الذي يهدف إلى إنشاء مناطق متكاملة لاستضافة مراكز بيانات (Data centers) تعمل بالطاقة الخضراء.

ورغم هذه المنجزات، فإنَّ الطريق نحو التحول الرقمي الكامل لا يخلو من التحديات، أبرزها الحاجة إلى تسريع التحول المؤسسي ورفع جاهزية الكفاءات الوطنية التقنية وتعزيز التكامل بين مؤسسات القطاع الحكومي والقطاع الخاص، فضلًا عن مواكبة التطورات التشريعية والتنظيمية في المجالات التقنية المتقدمة. ومع ذلك، فإن الخطط الوطنية الطموحة والبرامج التنفيذية الجاري تطبيقها تُظهر التزام سلطنة عُمان بتحقيق هذا التحول بوتيرة مدروسة ومُستدامة.

إنَّ رؤية عُمان الرقمية لم تعد طموحًا مستقبليًا، بل أصبحت مسارًا استراتيجيًا مدعومًا بإرادة سياسية وتخطيط مؤسسي ورؤية اقتصادية بعيدة المدى. ولرفع نسبة مساهمة الاقتصاد الرقمي في هيكل الاقتصاد العُماني، يتطلب الأمر توطين الصناعات التقنية والتقنيات المتقدمة (بما فيها الذكاء الاصطناعي) وتمكين الكوادر الوطنية وتدريبها، إضافة إلى تهيئة البيئة الداعمة لشركات التقنية وشركات الذكاء الاصطناعي الناشئة (AI Startups)، من خلال سن التشريعات وصياغة السياسات وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الأكاديمية والبحثية. ومع استمرار تنفيذ البرامج الوطنية في الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي، تمضي سلطنة عُمان بخطى واثقة نحو بناء اقتصاد قائم على المعرفة والتقنية والابتكار، يضع الإنسان والتقنية في قلب التنمية، لتحقيق مستهدفات رؤية "عُمان 2040".

** باحث في المعرفة

مقالات مشابهة

  • لطيفة بنت محمد: تعزيز الشراكات مع القادة المؤثرين لتشكيل مستقبل الابتكار
  • رياضة بالغربية تواصل تدريب المشروع القومي للأفراد ذوي الإعاقة
  • رياضة كفر الشيخ تعلن نتائج دوري خماسي كرة القدم للمصالح الحكومية
  • "ملتقى ريادة الأعمال" يستعرض تقنيات الجيل الخامس لتعزيز الابتكار في قطاع الزراعة
  • جائزة الابتكار في المياه.. منصة سعودية تتصدر السباق العالمي
  • إلهام وجدي تنضم إلى فريق مسلسل "حكاية نرجس" لرمضان 2026
  • عُمان الرقمية.. اقتصاد يقوده الابتكار والتحول الرقمي
  • لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال.. جامعة بنها الأهلية توقّع 5 بروتوكولات تعاون جديدة
  • 36 مرشحًا يتنافسون على جوائز الابتكار المائي في جدة
  • رياضة الوادي الجديد: تنفيذ فعاليات المشروع القومي للياقة البدنية