هبيلا: جنة زراعية تتحول إلى مسرح للرعب والنزوح
تاريخ النشر: 11th, April 2024 GMT
هجوم الدعم السريع يهدر موسم هبيلا الزراعي ويُهدد الأمن الغذائي في السودان
إعداد وتحرير- مشاوير
هبيلا في 11 ابريل 2024- كانت هبيلا، بولاية جنوب كردفان، تُعرف قبل الحرب بكونها سلة غذاء السودان، حيث تساهم بنحو 40% من المنتجات الزراعية في البلاد، وتعج طوال ايام السنة بحركة العمال والمهندسين والفنيين والتجار الذين يشتغلون بالزراعة، بدءا من موسم نظافة الاراضي ، مرورا بعمليات بذر البذور التي تعقبها عمليات نظافة المشروعات “الكديد”، وانتهاء بعمليات الحصاد وأخيرا نقل المنتجات الزراعية لمناطق الاستهلاك.
إلا ان هبيلا تعيش هذه الأيام في ظل تداعيات حرب 15 أبريل وضعاً مأساوياً من رعب ونهب ونزوح أعاد إلى الأذهان هجوم الحركة الشعبية شمال في العام 2015، على المنطقة لتشابه الأحداث وفداحة الانتهاكات والجرائم المفزعة.
وتسبب هجوم قوات “الدعم السريع” على (هبيلا) في نهاية فبراير الماضي بتدمير الموسم الزراعي للعام الجاري، إضافةً لنزوح (6721) أسرة، فضلاً عن عشرات القتلى واختطاف (15) امرأة، كما فقد السكان أموالهم ومخزوناتهم من المحاصيل والمواد الإستهلاكية، علاوة على عمليات السلب والنهب.
وتُشكل هبيلا مصدر الغذاء الرئيسي لولايات كردفان ودارفور، فضلاً عن كونها منصة تصديرية هامة لجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد.
وتضافرت عوامل متعددة في فشل الموسم الزراعي بالمنطقة. ومن بينها، عدم انتظام تدفق الوقود عقب هجوم الحركة الشعبية شمال على كادوقلي والدلنج في يونيو 2023، خلال موسم الأمطار، مما أدى إلى إغلاق الطرق الرئيسة وفشل المئات في الوصول إلى المشاريع الزراعية .وبسبب هذه العقبات، اضطر المزارعون إلى تقليص المساحات المزروعة، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج بشكل كبير. ولم تتوقف التحديات عند هذا الحد، بل ازدادت حدة مع تزايد انتهاكات المجموعات المسلحة في المنطقة، ممّا عرقل جهود الحصاد وهدد حياة المزارعين.ونتيجةً لهذه العوامل مجتمعة، اتسعت فجوة الجوع بشكل مُخيف، وبات شبح المجاعة يُخيّم على ولاية جنوب كردفان، ممّا يُنذر بكارثة إنسانية حقيقية.
محلية هبيلا هبيلا: واحة خضراء في أحضان جبال النوبةتقعّ هبيلا من غرب ولاية جنوب كردفان، على خط الطول 31.29 وخط العرض 10.30، لتُشكّل واحة خضراء وسط سلسلة جبال النوبة الشامخة. و تبعد 30 كيلومترًا جنوب شرق مدينة الدلنج، وتُغطّي مساحة واسعة تبلغ 12500 كيلومتر مربع.
وتتعدد الروايات حول تسمية هبيلا، لكن أشهرها تُرجّح أن الاسم مأخوذ من شجر الهبيل المنتشر بكثرة في المنطقة.
تعايش سلميتقطن في منطقة هبيلا عدد من القبائل المختلفة واحتضنت مكونات عدة عاشت في انسجام ووئام طوال العهود الماضية، ويبلغ عدد سكانها 698، 64 نسمة، وباتت لهذه القبائل جذور تاريخية وأواصر اجتماعية، من بينها الكواليب والدلنج والنيمانج التي تضم كلا من الحوازمة ببطونها المختلفة، والبديرية، والكواهلة، ودار حامد، وقبائل الشنابلة والجموعية وقبائل غرب أفريقيا مثل الفلاتة والبرقو والقمر والبرنو.
الزراعة في هبيلايمثل موقع مدينة هبيلا الواقع وسط سهول من الأراضي الطينية ذات الخصوبة العالية، دورا مهما في تطور القطاع الزراعي فيها،حيث تشتهر بالزراعة الآلية، وهي منتشرة في مساحات شاسعة من مناطقها، ويعد السمسم والذرة من أهم منتجاتها، ولا يتعارض انتشار مثل هذا النوع من الزراعة مع وجود الزراعة التقليدية في المدينة، إذ لا يزال عدد من الأهالي يمارسونها، وإن كانت في نطاقات صغيرة وضيقة، وتعد محاصيل الذرة، والبقوليات؛ كالحمص والعدس، والبامية والخضروات من أبرز منتجات الزراعة التقليدية.
حرب ثلاثية الأبعادبعد تمدد رقعة الحرب إلى مدن عديدة في البلاد، انتقل الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” إلى ولاية جنوب كردفان التي شهدت معارك عنيفة بين الأطراف المتحاربة، و أفضى الصراع لسيطرة “الدعم السريع” على منطقة هبيلا في فبراير 2024.
قبل اندلاع الحرب في الخرطوم، كان الصراع المسلح في ولاية جنوب كردفان محصورًا بين القوات المسلحة والحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو. لكن حرب 15 أبريل 2023 غيّرت مسار الصراع ليصبح بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” من جهة، والحركة الشعبية من جهة أخرى.
هبيلا خروج من دائرة الإنتاجوفي تعقيب له ازاء فشل الموسم الزراعي في منطقة هبيلا، يقول مدير عام الزراعة بولاية جنوب كردفان حامد الرقيق، إن التقديرات تشير إلى أن حدوث فجوة غذائية كبيرة نتيجة تقليص الرقعة الزراعية وخروج محليات عدة بالإقليم من دائرة الإنتاج بسبب الوضع الأمني وأزمة انتظام الوقود عقب إغلاق الطرق الرئيسة وفشل المئات في الوصول إلى المشاريع الزراعية خلال موسم الأمطار.
ونبه مدير عام الزراعة إلى أن “خروج 60 في المئة من أراضي الولاية من دائرة الإنتاج أثار مخاوف السكان من حدوث مجاعة خلال الأشهر المقبلة، لافتاً إلى أن “ارتفاع أسعار الوقود وانعدامه أبرز ما قصم ظهر المزارعين. وأضاف مذكرا ان: هبيلا أكبر منطقة زراعية في السودان بعد القضارف وتسهم بنحو 40 في المائة من الأمن الغذائي بالبلاد.
من جهته وصف المزارع عبدالله سلمان الموسم بالفاشل في منطقة هبيلا نتيجة خروج عدد كبير من محليات ولاية جنوب كردفان من دائرة الإنتاج بسبب الوضع الأمني عقب هجوم الحركة الشعبية في شمال الأقليم، فضلاً عن فشل الحصاد على قلته بعد اجتياح الدعم “السريع” للمنطقة.
وأشار سلمان إلى أن إغلاق طريق كادوقلي الدلنج من قبل الحركة الشعبية تسبب في تفاقم أزمة الوقود وتسبب في تقليص المساحات، فضلاً عن فشل مزارعين كثر في الوصول إلى وجهات عملهم خشية التعرض للموت أو نهب وسلب معداتهم الزراعية.
وتابع ان الولاية مقبلة على مجاعة نظراً إلى اعتمادها بشكل كامل على مشاريع (17) محلية، خرجت أكثر من نصفها من دائرة الإنتاج، علاوة على عدم تمكن مئات المزارعين المقتدرين اقتصادياً، والذين يعول عليهم الإقليم في إنجاح الموسم من اللحاق بالموعد المناسب المرتبط بهطول الأمطار وممارسة النشاط الزراعي.
صورة قاتمةتشير تقارير مشتركة بين منظمة الأغذية الزراعية (الفاو) وبرنامج الغذاء العالمي بشأن الأمن الغذائي في السودان الذي صدر في شهر فبراير 2024،الى أن إنتاج موسم الحصاد أقل بكثير من المتوسط في مناطق كردفان ودارفور، وأكد التقرير أن الغذاء سوف يتأثر على الصعيد القومي لأن ولايات دارفور وكردفان والخرطوم تمثل على التوالي حوالي 40 في المئة أي أكثر من 80 في المئة من إجمالي الذرة الرفيعة والدخن على المستوى القومي، مع توقعات بانخفاض الحصاد وأن تظل اسعار المواد الغذائية في الإرتفاع ويمكن ارتفاع تكلفة الحبوب الأساسية بنسبة 50 إلى 100 في المئة خلال هذا العام مقارنة بالعام السابق. وأشار التقرير إلى ارتفاع المواد الغذائية الأساسية منذ اندلاع الحرب.
آثار اقتصاديةبخروج مشاريع هبيلا الزراعية من دائرة الإنتاج توقفت الأعمال اليومية لآلاف العمال بالإضافة إلى تأثر إنتاج الذرة باعتبارها من أهم مناطق الإنتاج في ولاية جنوب كردفان التي تسهم بشكل كبير في إجمالي الذرة الرفيعة على المستوى القومي.
في السياق يقول الخبير الاقتصادي كمال كرار إن الهجوم على منطقة هبيلا أثر على الزراعة والرعي لأن القطاعين يحتاجان إلى استقرار. وأشار إلى أن الهجمات على المنطقة أدت إلى تشريد المنتجين وأصبحوا نازحين حول المدن، لافتاً إلى أن افراغ المدن من سكانها يعني انعدام الأمن الغذائي للولاية كلها وغرب السودان.
وأكد أن منطقة هبيلا ترفد كل السودان بالمحاصيل الزراعية، بالتالي فإن نزوح السكان يعني انعدام سبل الحياة. ونبه إلى تضرر القطاع التجاري لجهة أنه يعتمد على المنتجات الزراعية. كما شدد كرار على أن السودان مجابهة بنذر مجاعة لحوالي (18) مليون شخص.
* تنشر هذه المادة بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في حملة (منتدي الإعلام السوداني):
#ساندوا_السودان
Stand with Sudan
منتدى الاعلام السودانى الوسومالأمن الغذائي الخرطوم الدعم السريع الزراعة السودان برنامج الغذاء العالمي جنوب كردفان منظمة الأغذية والزراعة هبيلاالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأمن الغذائي الخرطوم الدعم السريع الزراعة السودان برنامج الغذاء العالمي جنوب كردفان منظمة الأغذية والزراعة هبيلا ولایة جنوب کردفان الحرکة الشعبیة الأمن الغذائی الدعم السریع فی المئة إلى أن
إقرأ أيضاً:
نزوح جماعي بشمال كردفان والجيش السوداني يستعيد أراضي في النيل الأزرق
تشهد مناطق عدة في السودان تصعيدا ميدانيا واسعا في النزاع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وسط موجات نزوح متزايدة ومعارك عنيفة في إقليم كردفان وولاية النيل الأزرق، وقصف متبادل في مدينة الفاشر غربي البلاد.
وقالت مصادر محلية إن عددا من القرى والبلدات المحيطة بمدينة بارا في ولاية شمال كردفان تشهد نزوحا جماعيا نحو مدينة الأبيض، عاصمة الولاية، وذلك عقب اقتحام قوات الدعم السريع لعدد من المناطق خلال الأيام الماضية.
ويأتي هذا التطور بعد أن أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على منطقة رهيد النوبة الإستراتيجية، القريبة من الطريق القومي بين بارا وأم درمان.
ولم يصدر الجيش تعليقا رسميا حتى اللحظة على فقدان رهيد النوبة، في حين يخشى سكان مدينة الأبيض من امتداد الاشتباكات إلى أطراف المدينة، التي تشكل عقدة مواصلات ومركزا حيويا في وسط السودان.
وفي سياق متصل، أكد مصدر عسكري للجزيرة أن مدينة الفاشر شمال دارفور شهدت قصفا مدفعيا متبادلا فجر اليوم الخميس بين الجيش والدعم السريع، حيث استهدف الجيش مواقع للدعم السريع شمالي وشرقي المدينة، في حين ردت القوات المهاجمة بقصف مواقع قيادة الفرقة السادسة مشاة.
استعادة السيطرةوفي ولاية النيل الأزرق، أعلن الجيش السوداني استعادة السيطرة على عدة مواقع بعد معارك مع قوات الدعم السريع وتحالفها مع جناح الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو.
وأكد المتحدث الرسمي باسم الجيش، العميد ركن نبيل عبد الله، أن "قوات الفرقة الرابعة مشاة الدمازين طهّرت منطقة بالدقو وما حولها بمحافظة المابان من بقايا مليشيا آل دقلو وقوات جوزيف توكا".
كما أعلن الجيش أيضا تطهير منطقة ملكن في محافظة باو بإقليم الدمازين، مؤكدا استمرار العمليات العسكرية لتحقيق مزيد من المكاسب الميدانية.
في المقابل، تواصل قوات الدعم السريع توسيع نفوذها في كردفان الكبرى، معلنة السيطرة على عدة مناطق، من بينها:
إعلان الدبيبات والحمادي (جنوب كردفان) الخوي (غرب كردفان) كازقيل (شمال كردفان)بينما أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال)، بقيادة عبد العزيز الحلو، سيطرتها على منطقة الدشول الواقعة على الطريق الرابط بين كادوقلي والدلنج.
وتشير التحركات العسكرية الأخيرة إلى تبدّل مستمر في خارطة السيطرة داخل كردفان والنيل الأزرق، حيث يسعى الجيش لتأمين الممرات نحو دارفور، في حين تعمل قوات الدعم السريع على قطع خطوط الإمداد نحو العاصمة الخرطوم عبر التقدم باتجاه الأبيض وأم درمان.