عربي21:
2025-07-03@14:19:00 GMT

علم الفروق.. واشتداد الحاجة له في الأزمات

تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT

ما هو علم الفروق؛ وما أهميّته؟

من أكثر الفنون التي يحتاجها الباحث في الأحكام الشرعيّة والنّاظر في المسائل -لا سيما المستجدة منها في زمن الأزمات- هو فنّ الفروق الفقهيّة الذي أوصله بعضهم إلى مرتبة العلم المستقلّ بذاته.

والمقصود بعلم الفروق الفقهيّة هو: قدرة الفقيه أو الباحث على التّفريق بين المسائل المتشابهة في ظاهرها المختلفة في حكمها، والجمع بين المسائل المختلفة في ظاهرها المتّحدة في حكمها.



وقد وصل البعض بهذا المعنى لما له من خطورة بالغة إلى تعريف الفقه كلّه به، كما بيّن الزرّكشي ذلك في كتابه "المنثور" وهو يبيّن المجال الثاني من مجالات الفقه: "معرفة الجمع والفرق؛ وعليه جلّ مناظرات السّلف حتّى قال بعضهم؛ الفقه فرقٌ وجمعٌ".

قدرة الفقيه أو الباحث على التّفريق بين المسائل المتشابهة في ظاهرها المختلفة في حكمها، والجمع بين المسائل المختلفة في ظاهرها المتّحدة في حكمها
ولا يكون الباحث قادرا على القول في أيّة مسألة من المسائل حتى يحيط بهذا الفنّ ويتقنه ويتبحّر فيه ويمتلك أدواته؛ ممّا يجعله قادرا على التّنزيل الصّائب للنّصوص على الوقائع التي تشابهت صورتها، واحتاجت نظرة فاحصة للتفريق بينها من حيث الزّمان والمكان والظروف المحيطة بكلّ منها.

وقد أبدع السّيوطي في تحرير معنى هذا الفنّ في كتابه "الأشباه والنّظائر" إذ قال: "هو الفنّ الذي يذكر الفرق بين النّظائر المتّحدة تصويرا ومعنى؛ المختلفة حكما وعلّة".

وقد بيّن الجويني مثل ذلك أيضا فقال: "فإنّ مسائل الشّرع ربما تتشابه صورها، وتختلف أحكامها لعلل أوجبت اختلاف الأحكام، ولا يستغني أهل التّحقيق عن الاطّلاع على تلك العلل التي أوجبت افتراق ما افترق منها، واجتماع ما اجتمع منها".

الحاجة إلى علم الفروق في الأزمات

وفي زمن الأزمات تتشابك الوقائع وتتشابه في مظهرها العامّ بين الماضي والحاضر وبين البيئات والأقاليم المتباعدة في الجغرافيا لكنّها تتّحد في الخضوع لأزمات متشابهة؛ ممّا يدفع كثيرا من العلماء والباحثين إلى إطلاق الأحكام نفسها على وقائع كثيرة بحكم تشابهها في الظّاهر والصّورة.

وقد تتّحد المصطلحات في الزّمن الواحد أو الأزمنة المختلفة، لكنّ مدلولاتها تختلف من مكان إلى آخر أو من زمان إلى سواه؛ فيتمّ تعميم الرّؤى والأحكام والتقييمات عليها جميعا دون تبيّن أو إدراك لكُنْهها وحقائقها.

وإنّ معرفة تفاصيل الوقائع وحقائقها، لا مجرّد صورها ومظاهرها هو الذي يتيح ‏للنّاظر فيها إلحاق بعضها ببعض، والإفادة من وقائع سابقة في فهم وقائع حاليّة ‏والتّعامل معها، والحكم عليها والإفادة منها.

ولئن كان العلم بالفروق ضروريّا للحكم في مستجدّات الفقه ومسائله الاعتياديّة؛ فإنّه يكون أشدّ ضرورة وأعظم خطرا في التعرّف على مستجدات الوقائع السياسيّة والنّوازل التي تداهم النّاس في هذا العالم المتغيّر الذي تتشابك مسائله وتتداخل الصّورة فيه، ممّا يجعل الكثيرين يعمّمون الأحكام دون دراية أو تمحيص.

إنّ التّدقيق فيما وراء الصّورة سيجعلنا نرى الاختلاف في حقيقة كلّ واقعة عن الأخرى، واختلاف ظروفها المحيطة بها على الرّغم من كونها وقائع في بيئة جغرافية متّحدة، كما سيدفع البحث فيما وراء المظهر الخارجيّ للوقائع إلى جمع كثير مما اختلف منها ظاهريا في حكم واحد؛ بناء على اتحادها في الحقائق والعلل وإن باعدت بين أماكنها البيئات الجغرافيّة.

تطبيقات على واقع الأزمات
إنّ كثيرا من المشكلات التي يقع فيها الباحثون اليوم؛ سببها الجهل بهذا الفنّ وأدواته في التّعامل مع وقائع الأزمات؛ ممّا تسبّب في دخول النّاس في متاهات، كان ثمنها يصل إلى دماء تراق ونفوس تزهق وحرماتٌ تنتهك وحريّاتٌ تستباح
فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ لا يمكن للنّاظر في أحوال الفلسطينيين أن يعطي حكما واحدا للعمل المقاوم بين الأراضي المحتلّة عام 1948م والضّفة وغزّة؛ فهذه المناطق الثّلاث رغم اجتماعها في بقعة جغرافيّة واحدة صغيرة متّصلة، واتّحاد المحتلّ الصّهيوني، والمظلوم الفلسطيني؛ إلّا أنّ هناك فروقا حقيقيّة متعلّقة بطبيعة الصّراع، وتوصيف الحالة، ممّا ينعكس على التكييف السياسي والحكم الشّرعي للعمل المقاوم في كلّ منها.

فإذا كانت هذه الحالة التي يتّحد فيها الزّمان والمكان تفرض علينا التّفكّر في الفروق الدقيقة بين الوقائع حتّى لا نعمّم الأحكام السّياسيّة أو الشرعيّة؛ فهذا يفرض علينا أن نتريّث أكثر عند اختلاف الزّمان أو المكان.

فلا ينبغي إسقاط وتنزيل حادثة تاريخيّة على حادثة معاصرة بالكليّة دون النّظر الدّقيق في تفاصيل الحادثتين وظروفهما المحيطة وسياقاتهما السياسيّة والاجتماعيّة.

وكذلك لا ينبغي أن يتمّ تقييم تجربة ثوريّة أو شعبيّة لشعب ما في ضوء تجربة ثوريّة لشعب آخر دون إدراك الفروق الجوهريّة بين التجربتين في الحقائق والمضامين والظّروف المحيطة.

إنّ تفكيك الوقائع وفهم الفروق فيما بينها يتيح للباحث فيها نظرة موضوعيّة قبل إطلاق الأحكام أو تعميم التّجارب.

وإنّ كثيرا من المشكلات التي يقع فيها الباحثون اليوم؛ سببها الجهل بهذا الفنّ وأدواته في التّعامل مع وقائع الأزمات؛ ممّا تسبّب في دخول النّاس في متاهات، كان ثمنها يصل إلى دماء تراق ونفوس تزهق وحرماتٌ تنتهك وحريّاتٌ تستباح؛ فهلّا من صحوة تعيد لكثير من المتصدّين لوقائع الأزمات رشدهم بعد كلّ هذا التّيه البحثيّ الممنهج؟!

twitter.com/muhammadkhm

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأزمات العلم الفقه أزمات العلم الفقه الواقع سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المختلفة فی بین المسائل فی ظاهرها فی حکمها على الت

إقرأ أيضاً:

وزيرة السياحة اللبنانية: لطالما شكلت السياحة رئة للبلاد إبان الأزمات

بيروت – رغم تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية للبنان وتزايد المخاوف من انزلاق البلاد نحو حرب جديدة، تصر وزيرة السياحة اللبنانية لورا لحود على التمسّك بالأمل، وتؤمن أن لبنان لا يزال قادرا على الحياة والنهوض، لا سيما من بوابة السياحة التي طالما شكّلت رئة اقتصادية واجتماعية في لحظات الأزمات.

في مقابلة خاصة مع الجزيرة نت، تؤكد لحود أن اللبنانيين "لا يريدون الحرب، بل الحياة"، وتقول "لم نختر هذه المواجهة، لبنان بلد خَبِر الحروب ويعرف تماما أن لا نتيجة لها سوى الخراب والدمار، ما نحتاجه اليوم هو الفرح، الثقافة، والمستقبل".

وتضيف لحود أن "ما يميّز هذه المرحلة هو ثقة الحكومة بنفسها، وبقدرتها على تجنيب البلاد السيناريوهات الكارثية، مشيرة إلى أن الإجماع الوطني على رفض الحرب هو أقوى سلاح تملكه البلاد في وجه التصعيد".

"استراتيجية صيفية متكاملة"

من الواضح أن وزارة السياحة لا تنتظر هدوء الجبهات كي تبدأ العمل، إذ بدأت تنفيذ خطة متكاملة تستهدف تنشيط السياحة في كل المناطق على مدار السنة، تقول لحود إن "الخطة لا تقتصر على فصل الصيف أو العاصمة، بل تشمل بلدات وقرى تحمل في طياتها كنوزا طبيعية وثقافية".

وتسرد الوزيرة لحود بعض المحطات التي شاركت فيها مؤخرا، من مهرجان الكرز في بلدة حمانا، إلى احتفالات تراثية في طرابلس، وزيارات إلى معاصر الشوف حيث تختلط الطبيعة بالتقاليد، في مشهد يشبه "القصص المصورة"، على حد وصفها.

وترى لحود أن تنوع المناخات والجغرافيا في لبنان يمنحه قدرة فريدة على استقطاب السياح من مختلف الأذواق، وتقول "بيروت لا تزال تنبض بالحياة رغم الجراح، مطاعمها مزدحمة، والمهرجانات الفنية مستمرة، والشواطئ مفتوحة من صور وصيدا جنوبا إلى جبيل والبترون شمالا، أما لعشاق الطبيعة والجبال فلبنان وجهة لا تعوض".

وزيرة السياحة: تنوع المناخات والجغرافيا في لبنان يمنحه قدرة فريدة على استقطاب السياح من مختلف الأذواق

الدين والطب والتراث

لا تتوقف رؤية وزارة السياحة عند المناظر الطبيعية، إذ تضع نصب عينيها تعزيز أنواع جديدة من السياحة مثل الدينية والطبية، وتوضح لحود أن "لبنان بلد التعدد، من المقدسات المسيحية والإسلامية إلى الأضرحة والأديرة والمقامات، الزائر يجد هنا عمقا روحانيا يندر وجوده في مكان آخر".

إعلان

وأما السياحة الطبية، فتشهد اهتماما متزايدا نظرا للكفاءات الطبية اللبنانية المعروفة إقليميا، والمستشفيات المتطورة التي تجمع بين الخدمة النوعية والأسعار التنافسية.

وفي السياق ذاته، لا تُخفي وزيرة السياحة فخرها بالمطبخ اللبناني، مؤكدة أن "الزوار يأتون خصيصا لتذوق مأكولاتنا، من الكبة إلى التبولة والمشاوي، لكل منطقة نكهتها، وهذا ما يميزنا".

جعيتا: من الأزمة للحل

من أبرز التحديات التي واجهت الوزارة مؤخرا كانت أزمة مغارة جعيتا، التي كادت أن تُغلق أبوابها أمام الزوار هذا الصيف بعد توقف الشركة المشغّلة عن العمل بُعيد وفاة مديرها العام، وتقول لحود إن الوزارة "تدخلت بسرعة لمنع الإغلاق، وتوصّلت إلى اتفاق مع بلدية جعيتا لتولي التشغيل مؤقتا، ريثما يتم إعداد دفتر شروط جديد وإطلاق مناقصة دولية لتلزيم (إلزام) الموقع بشفافية كاملة".

وتصف الوزيرة هذه الخطوة بأنها "انتصار وطني، لا لمكان واحد، بل لصورة لبنان السياحية"، مؤكدة أن المغارة ستُعاد فتحها أمام الزوار فور انتهاء المرحلة الانتقالية.

الجنوب في قلب الخطة

رغم الخروقات الإسرائيلية المستمرة، تؤكد لحود أن المناطق الجنوبية ليست غائبة عن خارطة الوزارة، وتكشف عن تخصيص "لجنة خاصة داخل الوزارة لمتابعة المؤسسات السياحية المتضررة في الجنوب، كما يُطرح الملف دوريا على طاولة الحكومة".

وتضيف أن مدينة صيدا الجنوبية تستعد لإطلاق مهرجان صيفي يشمل ثلاث إلى أربع حفلات على الميناء التاريخي، واصفة المكان بأنه "رائع والأجواء واعدة"، مؤكدة أن "عندما يتضرر الجنوب، يتضرر لبنان كله".

تشير لحود إلى أن الوضع الأمني أدى إلى تراجع في الحجوزات، خصوصًا الخليجية، إلا أنها تؤمن أن "التحدي الحقيقي هو عدم الاستسلام للظروف"، وتقول "نحن نواجه كل أزمة بالإبداع، بالدعم المباشر، وبفتح أبواب المبادرة للقطاع الخاص، فالاقتصاد لا يمكن أن يصمد من دون السياحة".

وتضيف بثقة "مصلحة لبنان أولًا، واللبنانيون في قلب كل خطة إنمائية، يجب أن نستثمر في طاقاتهم وأن نمنحهم الأمل والفرص".

تكامل حكومي لإنجاح الموسم

لا نجاح لأي موسم سياحي من دون الأمن، ولهذا تؤكد لحود على "الدور الأساسي الذي تلعبه وزارة الداخلية، سواء في تأمين المناطق، أو إدارة حركة المطار، أو حتى تنظيم الانتخابات البلدية التي أنجزت بأمان رغم التحديات".

وترى أن البلديات الجديدة تحمل مسؤولية كبيرة، وتشكل حافزا للتنمية والتنافس الإيجابي، وتختم بالقول "التعاون بين الدولة والمجتمع المدني والبلديات هو ما يبقي لبنان واقفًا رغم العواصف".

مقالات مشابهة

  •  تونس.. «جبهة الخلاص الوطني» تحشد أنصارها للاحتجاج في ذكرى إعلان الأحكام الاستثنائية
  • في زمن الحروب والتقلبات.. خبير اقتصادي يكشف خارطة الاستثمار الآمن
  • برلمان كوريا الجنوبية يوافق على تعديل قواعد الأحكام العرفية
  • 7 طرق للتعامل بذكاء مع الأزمات المالية
  • البابا تواضروس يشهد فعاليات منتدى شباب الإسكندرية.. صور
  • وزيرة السياحة اللبنانية: لطالما شكلت السياحة رئة للبلاد إبان الأزمات
  • «جري الزاهية» ينتظركم الأحد في الشارقة
  • الأنواع المختلفة لحقن المفصل ودور فليبتون في تسكين الألم والحركة
  • محافظ أسيوط: حملات نظافة مكبرة لرفع المخلفات بشوارع حي شرق
  • بدلات أعضاء هيئة التدريس.. الحاجة إلى رؤية واضحة ومعايير دقيقة