قال وكيل الأزهر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الضويني أن ثقافة السلام والتسامح التي تحيا بها بلادنا هي فضيلة إسلامة إنسانية بامتياز، حث عليها وحي السماء، وغرسها في نفوس البشر وضمائرهم من أجل التخلي عن الأمراض الاجتماعية، والنفسية والثقافية، كالكراهية والحقد والعنف وغيرها من الأمراض التي تترك آثارا هدامة في حياة الأفراد والمجتمعات.

 ولفت إلى أن السلام والتسامح قد حظيا في الشرائع بقسط وافر من النصوص، فما من دين عرفته البشرية إلا ورسالته تحمل السلام والمحبة والعفو، ولو أن أتباع الوحي سلموا قوادهم لنصوصه الواضحة لما خشي أحد على نفسه ولو نام بين ترسانة سلاح، و ما خشي على ماله ولو كان ملقى في عرض الطريق، ولكن الواقع يشهد أن كثيرا من الناس ممن يدينون بدين سماوي، ومما لا يدينون بدين أيضا، يفتقدون الأمن والسلام، وتشوب حياتهم مظاهر خوف وفزع، وكأن أوامر السماء وتوجيهات الأنبياء والمرسلين والمصلحين، تتردد في عالم غير عالمنا, يخاطب بها غيرنا.


وأوضح وكيل الأزهر خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر «الثقافية الإعلامية والمعلوماتية»، بجامعة الدول العربية،   أن السلام والتسامح ضمانة حقيقية لاستقرار الأمم والشعوب ورقي المجتمعات ونهضتها، وتكاد الشرائع السماوية تتفق في الدعوة إلى الأخلاق ورفض الأفكار والأفعال البشرية المنحرفة، ليس فقط في العناوين العامة، وإنما تكاد تتفق في الألفاظ، ولا غرابة في ذلك، فالله وحده هو الذي شرع القيم و الفضائل، وإن اختلفت ألسنة الأنبياء والمرسلين لا فتا أن الناظر بتأن فيما تضمنته تعاليم الملل الأخرى يجد بابا كبيرا للسلام والتسامح فيها، مما يؤكد أن السلام هو الأصل وأن التسامح بين البشرية مطلب ديني إنساني نبيل أرادته الحكمة الإلهية واقتضته الفطرة الإنسانية السوية، وأوجبته النشأة الاجتماعية وفرضته المجتمعات المتحضرة.

 

وثيقة المدينة كانت  دستورا ينظم العلاقات بين مكونات المجتمع


وأشار وكيل الأهر ان في الإسلام فقد تعددت نصوص القرآن والسنة، مضيفا أن وثيقة المدينة قدمت دليلا عمليا يشرح كيف أقام النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي الجديد على تأكيد السلام والتعايش السلمي والتسامح والتعاون بين أبناء المجتمع، فكانت وثيقة المدينة دستورا ينظم العلاقات بين مكونات المجتمع الجديد مع اختلاف أعراقهم وعقائدهم وتوجهاتهم، على أساس متين من المواطنة التي تقيم فيهم العدل وتحفظ عليهم الأمن وتحمي الدولة الجديدة من أي عدوان خارجي.


وبين فضيلة الدكتور محمد الضويني أن الإسلام الذي جاء به رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم لم يقف بالسلام والتسامح عند حد التنظير، وإنما نقله إلى واقع حين دعا في آياته إلى العفو والصفح وجعل مكافئة أهل التسامح أن ينيلهم عفو الله مغفرته، قال تعالى: "إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا"، وقال عز وجل: " وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم"، ونقله إلى واقع حين ربى أتباعه من خلال تعاليمه على قبول الخلاف والتعددية في الحراك العلمي، وهذه الجملة المأثورة عن العلماء والفقهاء ناطقة بذلك، فقد كانوا يقولون "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، مشددا أن الإسلام قد نقله إلى واقع حين جعل الإيمان بجميع الأنبياء السابقين ركنا من أركان العقيدة، قال تعالى: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم" بل دعا إلى التواصل الفعال مع أتباعهم ما دامت السماحة حاكمة، قال تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين"، وبهذا السلام والتسامح البناء، يشهد التاريخ الإسلامي، فكم من دولة وخلافة وإمارة وحكومة عاش فيها جنبا إلى جنب مسلمون وغير مسلمين، والأمثلة كثيرة.


وأكد وكيل الأزهر ان  من حق هذا البلد الطيب أن نصون أرضه وأن نسعى في ترجمة مبادراته الطيبة إلى واقع عملي، وأن نعمل على تعميمها ونشرها في كل ربوع العالم، فهذا هو المحك الحقيقي الذي يفرق به بين الصدق والكذب في حوار الحضارات والتقائها، في الوقت الذي تقوم فيه دول وأجهزة بتجزئة قيم التواصل والتعايش والتسامح، والكيل فيها لا بمكيال واحد ولا بمكيالين، بل بعدة مكاييل، فتمنح من حقوق الإنسان وتمنع منها بحسب اللون والجنسية وغير ذلك من معايير مصطنعة تأباها الفطر السليمة والعقول المستقيمة، فضلا عن الأديان، مشيرا إلا أننا وإذ نشكر هذه التوجهات التي تشتد حاجة العالم المعاصر إليها، فإننا نؤكد أن الإسلام من أعدل المناهج لتحقيق التعارف والتواصل، وأن الإسلام يدعم التعايش بين مكونات المجتمع ويهدف إلى خدمة الإنسانية وتحقيق مصالح البشرية ونؤكد في الوقت نفسه أن السلام والتسامح الحقيقي لا يعني أبدا التفريط في الحقوق ولا الاعتداء على الخصوصيات ولا مسخ الهويات ولا الإساءة إلى المعتقدات ولا انتهاك حقوق المستضعفين ولا تشويه التاريخ والحقائق، وأن التسامح يمشي على ساقين لا على ساق واحدة، ويرى بعينين لا بعين واحدة، والتسامح الذي نبذله لغيرنا لا بد أن يقابله تسامح يبذله غيره لنا، وإلا استحال الأمر تخاذلا وهوانا.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: وكيل الأزهر ثقافة السلام السلام والمحبة الأمن والسلام الأنبياء السلام والتسامح وکیل الأزهر أن الإسلام أن السلام إلى واقع

إقرأ أيضاً:

ادعى أنه المهدي والبابا الشرعي للكاثوليكية.. من هو عبد الله هاشم؟

في واقعة فريدة من نوعها، أعلن رجل يُدعى عبد الله هاشم أبا الصادق، نفسه "المهدي المنتظر" في الإسلام و"البابا الشرعي الحقيقي" للكنيسة الكاثوليكية، في خطاب مصور نشره عبر قناته الرسمية على يوتيوب مطلع نيسان /أبريل الماضي، وهو ما أثار حالة من الجدل والذهول عبر منصات التواصل الاجتماعي.

من هو عبد الله هاشم؟
ولد عبدالله هاشم، البالغ من العمر 41 عامًا، في الولايات المتحدة لأب مصري وأم أمريكية، وتلقى تعليمه الأولي في أمريكا، قبل أن ينتقل للإقامة في مصر عام 2008.

وبعد العودة إلى مصر بدأ في تطوير خطابه الديني، متأثرًا بعدد من الرموز المثيرة للجدل مثل أحمد الحسن اليماني، الذي كان قد ادعى هو الآخر أنه "اليماني الموعود" عند الشيعة.

وبمرور الوقت، تطور خطاب هاشم ليعلن نفسه في 2015 "القائم الموعود من آل محمد"، ثم أسس في 2019 جماعة دينية مسجلة في أمريكا تحت اسم "الإسلام والنور الأحمد - "Islam and the Light of Ahmed ، قبل أن ينقل أنشطته لاحقًا إلى بريطانيا حيث يقيم حاليًا.




البابا الشرعي الحقيقي
وقال هاشم إن الله أوحى له بمهام إلهية تشمل خلافة البابا الراحل فرنسيس، وإنه "المهدي المنتظر للمسلمين، والبابا الحق للمسيحيين، والكاهن الشرعي لليهود".

وأضاف في خطابه أن المؤسسات الدينية التقليدية، سواء في الفاتيكان أو في الأزهر أو النجف أو الكنائس الإنجيلية، "قد فقدت شرعيتها"، داعيًا إلى "ثورة إيمانية عالمية" توحّد أتباع الديانات الثلاث تحت قيادته.


أتباع من بلدان متعددة
وقال هاشم أن رؤيته تقوم على ما يسميه بـ"الإسلام الإبراهيمي"، في إطار فكري جديد، يزعم أنه وحي من عند الله.

وأشار في منشوراته إلى أنه يعتبر الولايات المتحدة "المسيح الدجال"، ويرى أن الغرب يمثّل نظامًا عالميًا شيطانيًا يسعى إلى تحريف الأديان من الداخل.

وبحسب جماعته، فإن لها أتباعًا في دول عدة من بينها العراق، مصر، نيجيريا، باكستان، وأمريكا، وغالبيتهم يتابعون نشاطه عبر الإنترنت، دون وجود تنظيم رسمي معلن على الأرض.



ردود غاضبة... وصمت رسمي
قوبلت هذه الإعلانات بانتقادات حادة من مؤسسات دينية بارزة، فقد وصف شيخ شيعي بارز في لبنان هاشم بأنه "مهرطق"، بينما قال أحد مشايخ الأزهر – دون ذكر اسمه – إن "الادعاء بتلقي وحي بعد النبي محمد يعد خروجًا صريحًا عن الإسلام".



وفي الفاتيكان لم يصدر حتى الآن أي رد رسمي، بينما اعتبر كهنة كاثوليك محليون أن ما يطرحه هاشم "اضطراب ديني لا يمكن التعاطي معه بجدية".

وفي رده على انتقاده أكد عبد الله هاشم في عدة خطابات له، أن رفض رجال الدين له نابع من "خوفهم على سلطاتهم ومناصبهم"، مؤكدًا أن ما جاء به هو "دعوة إلهية لا يُمكن ردّها"، ويستخدم هاشم خطابًا تصعيديًا ضد الغرب، مؤكدًا أن "أمريكا هي المسيح الدجال الحقيقي"، وأن الهيمنة الغربية على الدين "باطلة ويجب إنهاؤها".

مقالات مشابهة

  • فوائد حسن معاملة الآخرين في الإسلام.. علي جمعة يكشف عنها
  • في ذكرى مولده...وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود بقرية السلام
  • خطيب الأوقاف بالشرقية: الأزهر هدية الله لأهل مصر وحما به الشريعة.. فيديو
  • شجرة الخيزران وحبل الله وزوال الظالمين
  • شيخ الأزهر: نرحب بمواصلة العمل مع بابا الفاتيكان الجديد لنشر السلام العالمي
  • ادعى أنه المهدي والبابا الشرعي للكاثوليكية.. من هو عبد الله هاشم؟
  • علي جمعة يكشف عن آداب إفشاء السلام وسلوكياته
  • شيخ الأزهر يلتقي وفد الكلية الملكية لدراسات الدفاع بالمملكة المتحدة
  • شيخ الأزهر: ما يحدث في غزة جرائم لم نكن نتخيل وقوعها حتى في القرون الوسطى
  • الرئيس ماكرون: سقوط بشار الأسد لاقى ارتياحاً لدى الجميع وعلى السوريين اليوم أن يتحدوا لتحقيق السلام والاستقرار